زنقة ابن قدامة بشارع مولاي عبد الله بمراكش، فضاء نموذجي لكل أشكال العشوائية التي ترسخت بالمدينة الحمراء بشكل يدعو كل من يمر بها إلى الشك إن كانت فعلا جزءا من دولة منظمة تضبطها قوانين و تسهر على تطبيقها أجهزة و مؤسسات؟ هذه الزنقة أضحت في السنوات الأخيرة ممرا حيويا، لكونها تربط بين ثلاثة شوارع كبيرة بمراكش هي شارع يعقوب المنصور، وشارع عبد الكريم الخطابي و شارع مولاي عبد الله. و تؤدي لمجموعة من المؤسسات المهمة التي تستقطب عددا كبيرا من الموظفين و المواطنين مثل مستشفى ابن طفيل، و كلية الطب، و تقود إلى كلية العلوم السملالية إحدى أكبر المؤسسات التابعة لجامعة القاضي عياض، و السجن المدني بولمهارز، إضافة إلى عدد مهم من المصحات الخاصة بمختلف التخصصات الجراحية التي يقصدها يوميا عدد كبير من المواطنين، و فندق مصنف ينزل به السياح من مختلف الجنسيات، و هذا يكفي لكي يتخيل المرء حجم الضغط الذي تعرفه هذه الزنقة، و مدى الاكتظاظ الهائل الذي يخنق حركة السير بها بكل ما يلازمه من صخب و تلوث حول حياة السكان إلى جحيم حقيقي. الأسوأ ما في الأمر، أن هذه الزنقة و بكل الازدحام و الاكتظاظ الذي تعيشه يوميا، تحولت إلى سوق عشوائي يحتل فيه الباعة الجائلون، الذين صاروا مستقرين بعرباتهم التي تجرها الخيول و البغال من الصباح إلى المساء، و كذا دراجات التريبورتر، يحتلون الطريق و الأرصفة، و يسدون الممرات الجانبية المؤدية إلى أزقة أخرى يقطن فيها السكان. و يمنعون مرورهم إليها، حيث أضحى هؤلاء يستعطفونهم لكي يفسحوا لهم فرصة العبور نحو بيوتهم. مظاهر التسيب المتحدية للدولة و القانون ، و المستفيدة من تقاعس الجهات المعنية بصدها، و تهاونها في الحد النهائي منها، لم تقف عند هذا المستوى، بل تضاعفت، مع إقدام المشرفين على ورش بناء إحدى العمارات بالزنقة المذكورة على وضع «مركبات» أسمنتية ضخمة بالشارع ، محتلة بشكل فاضح الجزء الأكبر منه لتزيد من تعقيد وضعية حركة المرور به. و الغريب أنه رغم احتلال هذه «المركبات» للشارع، ظلت بمكانها لأزيد من سنة دون أن تحرك السلطات ساكنا. « أين الدولة؟ أين الجماعة؟ّ « سؤالان يترددان في أذهان ساكنة هذا الحي الذي كان إلى عهد قريب حيا هادئا. إذ لا يكف التسيب الذي صار نمطيا، على إثارة الاستغراب الممزوج بطعم الخيبة من هذا البرود الذي تتعامل به السلطات المعنية بتطبيق القانون ، و بحماية رونق المدينة. فلا شيء في هذه الزنقة يذكر فعلا بأنها جزء من مدينة منظمة. العكس هو الصحيح، فالبغال و الحمير تحتل الشارع، و العربات التي تعرض الخضروات و الفواكه، تسد الطريق في وجه مستعمليها، و الأزبال تتكوم بالقرب منها ، و لا يستطيع المار فيها التمييز بين رصيف أو شارع . النظام صار جزءا صغيرا من فوضى مهيمنة. و لا يبدو أن الحي الذي تتواجد به زنقة ابن قدامة، يدخل في اهتمامات المجلس الجماعي، فباستثناء الترخيص لبعض الفيلات بأن تتحول إلى عمارات و هو الإجراء الذي أجهز على انسجامه و هدوئه خدمة للوبيات العقار، لا يعثر المواطنون على أية خدمة تقدمها البلدية، إذ يعيش السكان بإيقاع الانعدام الفادح للمرافق الضرورية، فلا سوق نموذجي، و لا حدائق و لا ملاعب للقرب..» ليس مبالغة أن نقول أن لا أثر لأي خدمة عمومية به ما عدا جمع الأزبال من قبل الشركة المفوض لها ذلك و الربط بالماء و الكهرباء. إنه حي غير موجود بالنسبة لبلدية مراكش»؟ يقول عدد من المتضررين . لا يستسيغ السكان كل هذا التهميش الذي يطال مكان عيشهم، لكنهم أيضا لا يستطيعون تفهم هذا الاستغناء المُكلف، للأجهزة التابعة للدولة عن دورها، على الأقل في حماية الملك العمومي و صيانة الشارع من أي احتلال، و ضمان حق المواطنين في المرور إلى مكان سكنهم الذي صار ممنوعا عليهم بسبب المظاهر السابق ذكرها أعلاه.