حماس توافق على إطلاق جميع الأسرى ضمن اتفاق شامل يوقف الحرب ويمهّد لمرحلة انتقالية في غزة    البطولة: الوداد الرياضي يعتلي الصدارة بانتصاره على النادي المكناسي    إيداع المتورطين في أحداث التخريب وإضرام النار والسرقة بسلا السجن.. والأبحاث متواصلة لتوقيف باقي المشاركين                                        توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    المغرب-ألمانيا .. الاتحاد الفدرالي الألماني للمقاولات الصغرى والمتوسطة يفتتح مكتبه بالرباط    فرقة مسرح الحال تقدم مسرحيتها الجديدة "لا فاش" بمسرح محمد 5 بالرباط    فقدان حاسة الشم بعد التعافي من كورونا قد يستمر مدى الحياة (دراسة أمريكية)    شبيبة الأحرار تشيد بتجاوب الحكومة مع الشباب وتدعو إلى تسريع الإصلاحات وتحذر من محاولات توجيه الاحتجاجات نحو الفوضى    أمير المؤمنين يترأس حفلا دينيا إحياء للذكرى السابعة والعشرين لوفاة جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يعزز حضوره في القمة العالمية للهيدروجين الأخضر ويدعم الرؤية الطاقية للمملكة    مديرية الضرائب بالمغرب تطوق آلاف الشركات "النائمة" بإشعارات مباغتة    شباب جيل Z يخرجون بزي أسود في مظاهرات احتجاجية جديدة الجمعة حدادا على المصابين والأموات    تجسيداً لانفتاح المغرب على القضايا العالمية..محمد أوجار يشارك في مؤتمر السلام بالصين    "أونسا" يشارك بمعرض الفرس بالجديدة    المجموعة الموسيقية المغربية «إيغوليدن» تطلق ألبومها الجديد «أمزروي»    مهرجان مراكش للأفلام القصيرة: تتويج (Milk Brothers) بجائزة أفضل فيلم    أفلام وحكام مسابقات الدورة 11 لمهرجان ابن جرير للسينما    وقعت المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي اليوم الجمعة بمقر المفوضية الأوروبية ببروكسيل على تبادل الرسائل المعدلة للاتفاق الفلاحي الذي يربط بين الطرفين ، والذي يؤكد متانة شراكتهما القائمة على تعاون موسع ومتعدد الأبعاد.    مهرجان الفيلم المغاربي بوجدة: "من شاشة السينما تبنى الجسور وتروى القضايا" عنوان ندوة محورية    إلغاء حفلات وتوقف إصدارات .. احتجاجات "جيل زد" تربك المشهد الفني    احتجاجات "جيل زد" تحدد أولويات جديدة بين وزير الصحة والنقابات القطاعية    مهرجان السينما في هولندا يكرّم ناجي العلي وينتصر لذاكرة شعوب المنطقة    علماء يجددون توصيتهم بالتقليل من اللحوم في النظام الغذائي    صافرة تمسماني تضبط مباراة الرجاء والمغرب الفاسي    تصفيات كأس العالم.. بيلينغهام يغيب مجددا عن قائمة إنجلترا لمواجهة منتخب بلاد الغال    مطالب حقوقية بتحقيق قضائي حول مقتل ثلاثة مواطنين بالرصاص في القليعة    بعد رد الفيفا.. اليويفا يوضح موقفه من تعليق عضوية إسرائيل    بطولة إيطاليا: اختبار ناري جديد لميلان في ضيافة غريمه يوفنتوس        272 موقوفا في احتجاجات "جيل زد" واستمرار المحاكمات وسط دعوات بالإفراج عن الموقوفين    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدعو لضمان الحق في التظاهر السلمي ويطالب بالتحقيق في أحداث القليعة    المقاولات المغربية الأكثر تعرضا للهجمات الإلكترونية في إفريقيا حسب "كاسبرسكي"    حركة "genz212" تدعو إلى حملة تنظيف يوم السبت تعبيرا عن السلمية وتحمل المسؤولية    اللجنة الوطنية للاستثمارات تصادق على 12 مشروعا بأزيد من 45 مليار درهم        قبضة الأمن تضع حداً للشغب وتلاحق المتورطين    من التضليل إلى الاختراق.. أبعاد الحرب الإلكترونية على المغرب    الإعصار بوالوي في فيتنام يخلف أضراراً مادية وبشرية كبيرة    حمد الله يعود إلى قائمة المنتخب    حمية الفواكه والخضراوات والمكسرات "قد تمنع" ملايين الوفيات عالميا        وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    ارتفاع ضغط الدم يعرض عيون المصابين إلى الأذى    عندما يتحول القانون رقم 272 إلى سيفٍ مُسلَّط على رقاب المرضى المزمنين        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في اتجاه مجتمع الحداثة

يبدو أن المغرب يسير بخطى حثيثة وثابتة نحو بناء دولة مدنية عصرية رغم كل أشكال المقاومة والاعتراض للقوى الرجعية المعادية للتجديد الديني وللاجتهاد المستنير، ومما يدعو إلى التفاؤل أن القرارات المتخذة في هذا الاتجاه التحديثي صادرة عن أهم مؤسسات الدولة: المؤسسة الملكية والمؤسسة التشريعية والمؤسسة الحكومية، وبالتالي فهي موضوع إجماع وطني يعكس انخراط المغرب في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان ويجسد الإرادة الجماعية للطبقة السياسية المغربية لتحديث الدولة والمجتمع.
في الأيام القليلة الماضية:
– صدور الظهير الشريف رقم 1.00.350، متعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وبغض النظر عن بنود القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه في الدورة الأخيرة، والتي هي موضوع نقاش لن ينتهي بين نشطاء حقوق الإنسان، فإن حيثيات الظهير تؤكد على «استكمال بناء الدولة العصرية للحق والقانون»، و «أن صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهام أمير المؤمنين» الذي يلتزم « بمواصلة العمل على النهوض بحقوق الإنسان وصيانة الحريات وترسيخ دولة الحق والقانون وتعزيز كرامة المواطن ضمن مفهوم شمولي لحقوق الإنسان باعتبارها رافعة قوية لتنمية تتكامل فيها كل أبعاد الحقوق من سياسية ومدنية واقتصادية واجتماعية وثقافية».
– صدور بلاغ للديوان الملكي القاضي بأحقية المرأة المغربية بممارسة مهنة العدول،»بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية…
– مصادقة الحكومة المغربية على مشروع قانون بشأن محاربة العنف ضد النساء، وهو الأول في تاريخ المملكة بعدما بقي النقاش حوله معلقا منذ اقتراحه سنة 2013. وقد جاء في البيان الحكومي، أنّ مشروع القانون يستند إلى «الحقوق التي كرّسها دستور المملكة، والذي نصّ على المساواة والنهوض بحقوق المرأة وحمايتها وحظر ومكافحة كلّ أشكال التمييز».
– تصريح وزير العدل محمد اوجار الذي أكد على احترام الحريات الفردية والحياة الخاصة، بما فيها العلاقات الجنسية الرضائية بين راشدين وإفطار رمضان، شريطة احترام الفضاء العام، وتأكيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، أنه لا يمكن مصادرة حرية العقيدة، وأن هناك ضوابط للتوفيق بين حرية المعتقد وتعاطي المجتمع مع ذلك.


في غضون أسبوعين تواترت قرارات ومواقف وقوانين تصب جميعها في ترسيخ حقوق الإنسان، وحماية الحريات الفردية وتوسيع مجالها، ودعم المساواة بين الجنسين، وذلك من خلال تأويل متقدم لأحكام الشريعة.
لقد جاء في بلاغ الديوان الملكي القاضي بحق المرأة في ممارسة العدولية أن القرار تم بناء على " الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية". وفي ديباجة الظهير الشريف المتعلق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ورد أن " صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهامنا السامية بصفتنا أميرا للمؤمنين. كما أنها تجسيد لأسس حضارتنا وثقافتنا وقيمنا الإسلامية السمحة، ولالتزاماتنا الدولية بخصوص حماية حقوق الإنسان، وصونها، والنهوض بها باعتبار كل منها مرجعية في هذا الشأن".
ومن الواضح أن هذه القرارات تمحورت حول موضوعين هما في العمق مترابطان أقوى ارتباط: موضوع حقوق الإنسان ولاسيما مسألة الحريات الفردية، وتحقيق المساواة بين الجنسين من خلال تمكين المرأة من مزيد من الحقوق وحمايتها من العنف بكل أشكاله. ومما لا ريب فيه أن تزامن تنزيل هذه القوانين والتعبير عن هذه المواقف ليس أمرا اعتباطيا أو مجرد مصادفة، وإنما هي قوانين ومواقف تندرج ضمن مقاربة سياسية/ قانونية لتنزيل مقتضيات دستور 2011 تنزيلا ديمقراطيا سيتيح للمغرب السير قدما نحو مجتمع الحداثة التي بدون شيوع قيمها النبيلة لا يمكن قيام مجتمع ديمقراطي بالمعنى السوسيو ثقافي للديمقراطية التي تسعى حركات الإسلام السياسي إلى اختزالها في الانتخابات.
وإذا كانت الدولة بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية قد وضعت المغرب على سكة الحداثة في أفق بناء دولة مدنية ينعم فيها المغربي بحريته كاملة، غير منقوصة، في ظل دولة القانون والمساواة وحقوق الإنسان، فإن مسؤولية منظمات المجتمع المدني في الدفاع عن هذا التوجه وترسيخه وتنميته، من خلال عمل تثقيفي/ توعوي مستدام وقادر على تحويل القوانين والمبادئ إلى ممارسات يومية، مسؤولية ثابتة وضرورية وحاسمة.
دعاة التطرف الديني على اختلاف أطيافهم لن يهدأ لهم بال من أجل تقويض المشروع الديمقراطي الحداثي، وهاهم يشنون حربا "دينية" شعواء ضد الأشخاص والمؤسسات، متأبطين سيوف التكفير ورماح التشكيك في العقيدة، وهي حرب خطيرة واستراتيجية، لا يمكن مواجهتها دون تعبئة كل حاملي وحاملات قيم الحداثة والتقدم في كل المجالات، ثقافية وفنية ورياضية، ناهيك عن الأحزاب السياسية الديمقراطية. ولأن الحداثة رؤية للعالم والوجود الإنساني في كل أبعاده، جوهرها حرية الفكر والجسد والإبداع فإن المقاربة التشريعية/ القانونية ليست بالكاد كافية لانتصارها في مجتمع يعاني من "فوات تاريخي" حسب تعبير ياسين الحافظ (الهزيمة والاديولوجية المهزومة)، لذلك، لا مناص من إنجاز ثورة حقيقية في التعليم والتربية ومجمل مؤسسات التنشئة والتثقيف الجماهيري، صحيح أن الحداثة "تيار جارف" تصعب مقاومته (عبد لله العروي) لكن هي أيضا فعالية بشرية وإنجاز إنساني.

يبدو أن المغرب يسير بخطى حثيثة وثابتة نحو بناء دولة مدنية عصرية رغم كل أشكال المقاومة والاعتراض للقوى الرجعية المعادية للتجديد الديني وللاجتهاد المستنير، ومما يدعو إلى التفاؤل أن القرارات المتخذة في هذا الاتجاه التحديثي صادرة عن أهم مؤسسات الدولة: المؤسسة الملكية والمؤسسة التشريعية والمؤسسة الحكومية، وبالتالي فهي موضوع إجماع وطني يعكس انخراط المغرب في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان ويجسد الإرادة الجماعية للطبقة السياسية المغربية لتحديث الدولة والمجتمع.
في الأيام القليلة الماضية:
– صدور الظهير الشريف رقم 1.00.350، متعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وبغض النظر عن بنود القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه في الدورة الأخيرة، والتي هي موضوع نقاش لن ينتهي بين نشطاء حقوق الإنسان، فإن حيثيات الظهير تؤكد على «استكمال بناء الدولة العصرية للحق والقانون»، و «أن صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهام أمير المؤمنين» الذي يلتزم « بمواصلة العمل على النهوض بحقوق الإنسان وصيانة الحريات وترسيخ دولة الحق والقانون وتعزيز كرامة المواطن ضمن مفهوم شمولي لحقوق الإنسان باعتبارها رافعة قوية لتنمية تتكامل فيها كل أبعاد الحقوق من سياسية ومدنية واقتصادية واجتماعية وثقافية».
– صدور بلاغ للديوان الملكي القاضي بأحقية المرأة المغربية بممارسة مهنة العدول،»بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية…
– مصادقة الحكومة المغربية على مشروع قانون بشأن محاربة العنف ضد النساء، وهو الأول في تاريخ المملكة بعدما بقي النقاش حوله معلقا منذ اقتراحه سنة 2013. وقد جاء في البيان الحكومي، أنّ مشروع القانون يستند إلى «الحقوق التي كرّسها دستور المملكة، والذي نصّ على المساواة والنهوض بحقوق المرأة وحمايتها وحظر ومكافحة كلّ أشكال التمييز».
– تصريح وزير العدل محمد اوجار الذي أكد على احترام الحريات الفردية والحياة الخاصة، بما فيها العلاقات الجنسية الرضائية بين راشدين وإفطار رمضان، شريطة احترام الفضاء العام، وتأكيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، أنه لا يمكن مصادرة حرية العقيدة، وأن هناك ضوابط للتوفيق بين حرية المعتقد وتعاطي المجتمع مع ذلك.


في غضون أسبوعين تواترت قرارات ومواقف وقوانين تصب جميعها في ترسيخ حقوق الإنسان، وحماية الحريات الفردية وتوسيع مجالها، ودعم المساواة بين الجنسين، وذلك من خلال تأويل متقدم لأحكام الشريعة.
لقد جاء في بلاغ الديوان الملكي القاضي بحق المرأة في ممارسة العدولية أن القرار تم بناء على " الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية". وفي ديباجة الظهير الشريف المتعلق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ورد أن " صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهامنا السامية بصفتنا أميرا للمؤمنين. كما أنها تجسيد لأسس حضارتنا وثقافتنا وقيمنا الإسلامية السمحة، ولالتزاماتنا الدولية بخصوص حماية حقوق الإنسان، وصونها، والنهوض بها باعتبار كل منها مرجعية في هذا الشأن".
ومن الواضح أن هذه القرارات تمحورت حول موضوعين هما في العمق مترابطان أقوى ارتباط: موضوع حقوق الإنسان ولاسيما مسألة الحريات الفردية، وتحقيق المساواة بين الجنسين من خلال تمكين المرأة من مزيد من الحقوق وحمايتها من العنف بكل أشكاله. ومما لا ريب فيه أن تزامن تنزيل هذه القوانين والتعبير عن هذه المواقف ليس أمرا اعتباطيا أو مجرد مصادفة، وإنما هي قوانين ومواقف تندرج ضمن مقاربة سياسية/ قانونية لتنزيل مقتضيات دستور 2011 تنزيلا ديمقراطيا سيتيح للمغرب السير قدما نحو مجتمع الحداثة التي بدون شيوع قيمها النبيلة لا يمكن قيام مجتمع ديمقراطي بالمعنى السوسيو ثقافي للديمقراطية التي تسعى حركات الإسلام السياسي إلى اختزالها في الانتخابات.
وإذا كانت الدولة بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية قد وضعت المغرب على سكة الحداثة في أفق بناء دولة مدنية ينعم فيها المغربي بحريته كاملة، غير منقوصة، في ظل دولة القانون والمساواة وحقوق الإنسان، فإن مسؤولية منظمات المجتمع المدني في الدفاع عن هذا التوجه وترسيخه وتنميته، من خلال عمل تثقيفي/ توعوي مستدام وقادر على تحويل القوانين والمبادئ إلى ممارسات يومية، مسؤولية ثابتة وضرورية وحاسمة.
دعاة التطرف الديني على اختلاف أطيافهم لن يهدأ لهم بال من أجل تقويض المشروع الديمقراطي الحداثي، وهاهم يشنون حربا "دينية" شعواء ضد الأشخاص والمؤسسات، متأبطين سيوف التكفير ورماح التشكيك في العقيدة، وهي حرب خطيرة واستراتيجية، لا يمكن مواجهتها دون تعبئة كل حاملي وحاملات قيم الحداثة والتقدم في كل المجالات، ثقافية وفنية ورياضية، ناهيك عن الأحزاب السياسية الديمقراطية. ولأن الحداثة رؤية للعالم والوجود الإنساني في كل أبعاده، جوهرها حرية الفكر والجسد والإبداع فإن المقاربة التشريعية/ القانونية ليست بالكاد كافية لانتصارها في مجتمع يعاني من "فوات تاريخي" حسب تعبير ياسين الحافظ (الهزيمة والاديولوجية المهزومة)، لذلك، لا مناص من إنجاز ثورة حقيقية في التعليم والتربية ومجمل مؤسسات التنشئة والتثقيف الجماهيري، صحيح أن الحداثة "تيار جارف" تصعب مقاومته (عبد لله العروي) لكن هي أيضا فعالية بشرية وإنجاز إنساني.
يبدو أن المغرب يسير بخطى حثيثة وثابتة نحو بناء دولة مدنية عصرية رغم كل أشكال المقاومة والاعتراض للقوى الرجعية المعادية للتجديد الديني وللاجتهاد المستنير، ومما يدعو إلى التفاؤل أن القرارات المتخذة في هذا الاتجاه التحديثي صادرة عن أهم مؤسسات الدولة: المؤسسة الملكية والمؤسسة التشريعية والمؤسسة الحكومية، وبالتالي فهي موضوع إجماع وطني يعكس انخراط المغرب في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان ويجسد الإرادة الجماعية للطبقة السياسية المغربية لتحديث الدولة والمجتمع.
في الأيام القليلة الماضية:
– صدور الظهير الشريف رقم 1.00.350، متعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وبغض النظر عن بنود القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه في الدورة الأخيرة، والتي هي موضوع نقاش لن ينتهي بين نشطاء حقوق الإنسان، فإن حيثيات الظهير تؤكد على «استكمال بناء الدولة العصرية للحق والقانون»، و «أن صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهام أمير المؤمنين» الذي يلتزم « بمواصلة العمل على النهوض بحقوق الإنسان وصيانة الحريات وترسيخ دولة الحق والقانون وتعزيز كرامة المواطن ضمن مفهوم شمولي لحقوق الإنسان باعتبارها رافعة قوية لتنمية تتكامل فيها كل أبعاد الحقوق من سياسية ومدنية واقتصادية واجتماعية وثقافية».
– صدور بلاغ للديوان الملكي القاضي بأحقية المرأة المغربية بممارسة مهنة العدول،»بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية…
– مصادقة الحكومة المغربية على مشروع قانون بشأن محاربة العنف ضد النساء، وهو الأول في تاريخ المملكة بعدما بقي النقاش حوله معلقا منذ اقتراحه سنة 2013. وقد جاء في البيان الحكومي، أنّ مشروع القانون يستند إلى «الحقوق التي كرّسها دستور المملكة، والذي نصّ على المساواة والنهوض بحقوق المرأة وحمايتها وحظر ومكافحة كلّ أشكال التمييز».
– تصريح وزير العدل محمد اوجار الذي أكد على احترام الحريات الفردية والحياة الخاصة، بما فيها العلاقات الجنسية الرضائية بين راشدين وإفطار رمضان، شريطة احترام الفضاء العام، وتأكيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، أنه لا يمكن مصادرة حرية العقيدة، وأن هناك ضوابط للتوفيق بين حرية المعتقد وتعاطي المجتمع مع ذلك.


في غضون أسبوعين تواترت قرارات ومواقف وقوانين تصب جميعها في ترسيخ حقوق الإنسان، وحماية الحريات الفردية وتوسيع مجالها، ودعم المساواة بين الجنسين، وذلك من خلال تأويل متقدم لأحكام الشريعة.
لقد جاء في بلاغ الديوان الملكي القاضي بحق المرأة في ممارسة العدولية أن القرار تم بناء على " الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية". وفي ديباجة الظهير الشريف المتعلق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ورد أن " صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهامنا السامية بصفتنا أميرا للمؤمنين. كما أنها تجسيد لأسس حضارتنا وثقافتنا وقيمنا الإسلامية السمحة، ولالتزاماتنا الدولية بخصوص حماية حقوق الإنسان، وصونها، والنهوض بها باعتبار كل منها مرجعية في هذا الشأن".
ومن الواضح أن هذه القرارات تمحورت حول موضوعين هما في العمق مترابطان أقوى ارتباط: موضوع حقوق الإنسان ولاسيما مسألة الحريات الفردية، وتحقيق المساواة بين الجنسين من خلال تمكين المرأة من مزيد من الحقوق وحمايتها من العنف بكل أشكاله. ومما لا ريب فيه أن تزامن تنزيل هذه القوانين والتعبير عن هذه المواقف ليس أمرا اعتباطيا أو مجرد مصادفة، وإنما هي قوانين ومواقف تندرج ضمن مقاربة سياسية/ قانونية لتنزيل مقتضيات دستور 2011 تنزيلا ديمقراطيا سيتيح للمغرب السير قدما نحو مجتمع الحداثة التي بدون شيوع قيمها النبيلة لا يمكن قيام مجتمع ديمقراطي بالمعنى السوسيو ثقافي للديمقراطية التي تسعى حركات الإسلام السياسي إلى اختزالها في الانتخابات.
وإذا كانت الدولة بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية قد وضعت المغرب على سكة الحداثة في أفق بناء دولة مدنية ينعم فيها المغربي بحريته كاملة، غير منقوصة، في ظل دولة القانون والمساواة وحقوق الإنسان، فإن مسؤولية منظمات المجتمع المدني في الدفاع عن هذا التوجه وترسيخه وتنميته، من خلال عمل تثقيفي/ توعوي مستدام وقادر على تحويل القوانين والمبادئ إلى ممارسات يومية، مسؤولية ثابتة وضرورية وحاسمة.
دعاة التطرف الديني على اختلاف أطيافهم لن يهدأ لهم بال من أجل تقويض المشروع الديمقراطي الحداثي، وهاهم يشنون حربا "دينية" شعواء ضد الأشخاص والمؤسسات، متأبطين سيوف التكفير ورماح التشكيك في العقيدة، وهي حرب خطيرة واستراتيجية، لا يمكن مواجهتها دون تعبئة كل حاملي وحاملات قيم الحداثة والتقدم في كل المجالات، ثقافية وفنية ورياضية، ناهيك عن الأحزاب السياسية الديمقراطية. ولأن الحداثة رؤية للعالم والوجود الإنساني في كل أبعاده، جوهرها حرية الفكر والجسد والإبداع فإن المقاربة التشريعية/ القانونية ليست بالكاد كافية لانتصارها في مجتمع يعاني من "فوات تاريخي" حسب تعبير ياسين الحافظ (الهزيمة والاديولوجية المهزومة)، لذلك، لا مناص من إنجاز ثورة حقيقية في التعليم والتربية ومجمل مؤسسات التنشئة والتثقيف الجماهيري، صحيح أن الحداثة "تيار جارف" تصعب مقاومته (عبد لله العروي) لكن هي أيضا فعالية بشرية وإنجاز إنساني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.