سانشيز يُقرر الاستمرار رئيسا للحكومة الإسبانية    الحكومة والنقابات توقعان اتفاقا جديدا الاثنين.. ومصدر حكومي يصفه ب"التاريخي"    رسميا.. اتفاق بين الحكومة والنقابات يهم الزيادة العامة في أجور الموظفين بمبلغ 1000 درهم    التقنيون يتوعدون أخنوش بإضرابات جديدة    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الإثنين    سانشيز يتراجع عن قرار استقالته بعد مسيرات التضامن الضخمة        عقوبات ثقيلة تنتظر اتحاد العاصمة بعد انسحابه أمام نهضة بركان    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    معلومات دقيقة من "الديستي" تقود السلطات الإسبانية إلى اعتراض عملية ضخمة لتهريب المخدرات    إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    مساءلة وزير الفلاحة أمام البرلمان حول ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء وتوفير أضاحي العيد بأثمنة مناسبة    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    طلاب مغاربة يتضامنون مع نظرائهم الغربيين الداعمين لغزة    نجاح كبير للدورة ال16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    أبرزها الاستبعاد من بطولات إفريقيا.. العقوبات المنتظرة على اتحاد العاصمة بعد انسحابه أمام نهضة بركان    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    مجلس المنافسة: 40 في المئة من الخضر والفواكه بالمغرب تتعرض للتلف    النفط يهبط 1% مع استمرار محادثات وقف إطلاق النار في غزة    للمنافسة عالميا.. جهود مغربية لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    السكوري…المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    المشتبه فيه فقتل التلميذة "حورية" بصفرو قرقبو عليه بوليس فاس: العملية الأمنية شاركت فيها الديستي وها فين لقاو المجرم    واش يبقى ولا يستاقل. اليوم يتحدد مصير رئيس الحكومة الصبليوني. خدا ويكاند باش ياخد قرارو بعد اتهام مراتو بالفساد    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سبعة من عمالها    يوسفية برشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني بعد التعادل مع تطوان    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    بالفيديو.. الجيش الإسباني ينفذ تمارين عسكرية على الحدود مع الناظور    رواد مركبة الفضاء الصينية "شنتشو-17" يعودون إلى الأرض في 30 أبريل    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    بايتاس: ولوج المغاربة للعلاج بات سريعا بفضل "أمو تضامن" عكس "راميد"    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«سيدي يوب» أو سوسيولوجية المكان لحسن مزهار
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 11 - 10 - 2018

مراكش المدينة المغربية الأكثر حضورا في الآداب والوجدان الشعبي المغربي، بل تكاد تشكل، كمدينة عتيقة وذات تاريخ خاص، السمة المميزة لوطن بأكمله تحدد معالمه وتبرز خصوصياته الحضارية والمعاشية، بما يعني تأثيرها في أشكال التعبير المختلفة ومباهج العيش وأسلوب الحياة. مدينة بكذا مواصفات شكلت خلفية ثقافية للكثير من المبدعين وعلى أكثر من مستوى، محليا وعالميا.
لا يتسع المجال للحديث عن الأعلام من الشعراء والفنانين والكتاب الذين كتبوا عن مراكش وأطنبوا في وصف جمالها وتخليد ذكراها في كتب ولوحات فنية، ووثقوا لمرورهم بها بشرائط وصور. مراكش العمق الحضاري للمغرب وإحدى المحطات الأساسية المؤسسة لتاريخه الدولتي ، أنجبت العديد من الشعراء والكتاب لم تخل أعمالهم من إشارات تؤكد اعتزازهم بالانتماء لهذه المدينة ونشأتهم في أحضانها.
حسن مزهار شاعر مراكشي لم يخرج عما سنه الأسلاف من رواد الشعر والآداب، في دأبهم على تخصيص حيز من أعمالهم للحديث عن المدينة ومعالمها، والتباهي بأصولها وتجربتها الحياتية الخاصة، فهو إن لم يتناولها شعرا في دواوينه الثلاثة إلا من باب الإشارة لتأكيد الهوية، فإنه خصها بكتاب من مائة وخمسين صفحة من الحجم المتوسط، ضمنه الكثير من التفاصيل الحياتية والمعمارية، استقاها من تجربة عاشها في أحد أحيائها التي نشأ وترعرع فيها.
الكتاب سرد لتجربة جماعية منظور إليها من زاوية التفاعل الخاص مع واقع موشوم بأعراف وتقاليد توحد مجموعة بشرية متعايشة في مجال معماري واجتماعي، تنصهر فيه علائق إنسانية مدموغة بأواصر التآزر والتآخي. «فالحومة» في المخيال الشعبي المراكشي تشكل وحدة متماسكة منغلقة إلى حد العزلة، ومنفتحة بما يسمح بتشكيل الكل المراكشي المختلف والمتناغم. لكل «حومة» تراثها الخاص يعكس ما يميزها عن باقي الحومات. لها أسواقها ومرافقها الاجتماعية الخاصة وكل ما يغنيها عن الارتباط بالحومات المجاورة.
«حومة سيدي يوب» كما يقدمها حسن مزهار في سياق حكي السير الذاتية، تتشكل من فضاءات ودروب ومعالم تميزها، وتحدد خصوصيتها كمجال له تاريخ ممهور بتقاليد وأعراف هي أسس مقومات محددة للهوية المتفردة التي تحمل كل ما يؤكد ارتباطها بالمدينة كفضاء عام، وما يخصها كتجربة مجتمعية وروابط إنسانية صهرتها وقائع وأحداث، وشكلت القاسم المشترك لساكنة الحومة والمقيمين بها.
حومة سدي يوب، هي أولا مسقط رأس حسن مزهار، وقبله ازداد بها والده، فيها ترعرع واشتد عوده وأخذ كل ملامح الإنسان المراكشي، الذي ظل يحمله ويعتز بانتمائه لمجد مدينة وتراثها، يستعيد أيامه بها بسرد كل تفاصيل طفولته وما تعلمه فيها، وفترة مهمة من شبابه وما استوعبه من خلالها. في طي الحكي نقابل الطفل الهادئ المتزن ثم اليافع النشيط المتقد والطالب المجد الطموح. سيرة ذاتية مكتملة يتناول خلالها السارد كل ما شاهدته عيناه ولمسته يداه والتقطته أذناه، ما تعلمه من أقرانه وما راكمه من معارف في المدرسة كما في المجتمع، تجربة حياتية وسمت مساره وتركت آثارها البليغة في شخصيته ومنهجية تفكيره، تفاعل مع الناس وطور كيفية التعامل معهم ومدى تأثره بهم وتأثيره فيهم.
فضاءات «سيدي يوب» معالم الحي وما يؤثثه من مرافق، يخصها مزهار بفقرات مثقلة بالتفاصيل حتى تلامسها وتحس بأجوائها وما تزخر به من مآثر تربط الحومة بتاريخ المدينة وبهاء معالمها. فهو يخصها بباب كامل لعرض كل مكوناتها، كما خص بابا لشخصيات أكثر شعبية أو لها ما يجعلها حالات مجتمعية تحمل إضافات في تنويع مباهج العيش الجمعي والتناغم المجتمعي.
«سويقة سيدي يوب، ساحة كبيرة فسيحة تتوسط دروب الحي، مداخله ومخارجه، وهي ساحة حية زاخرة، لا تتوقف بها حركية الناس والسيارات وعربات الخيل ( الكوتشي) والدراجات النارية والعادية والعربات المجرورة والمدفوعة…، حركة دائبة بلا توقف منذ الساعات الأولى من صباح كل يوم حتى آخر ساعات الليل… «
« مقهى (مهران) وهي عبارة عن محل أرضي صغير مفروش بالحصير، يؤمه أغلب رجال الحي، الشيوخ منهم خاصة للعب ( الكارطة) واحتساء كؤوس الشاي المنعنع وتدخين السبسي ( الكيف) به نافذة وحيدة بسياج حديدي معلقة بالقرب من مدخل المقهى من اليسار…"
« فران (لامين) وهو الفران الذي يتقاسم مع فران بوجمعة بنصالح مهمة إنضاج خبز وحلويات سكان الحي"
« حانوت المعطي الأعور لبيع السمك المقلي، الذي لا يكون في الغالب إلا سمك السردين والطماطم والفلفل الأخضر… وهو حانوت ضيق يقف المعطي خارجه خلف طاولة زجاجية يستعملها لعرض مقلياته"
« وسط السويقة سقاية كبيرة بها ثلاثة حنفيات للماء الصالح للشرب وحوض كبير متسع لشرب البهائم من حمير وبغال وخيول (الكوتشي) خاصة، وهي بالضبط أمام محل السي بريك، كما توجد بالسويقة دالية عنب تمتد على طول المسافة بين محل المقدم ومدخل الولي بالإضافة إلى شجرة زيتون أمام حانوت الدابلا…"
هي بعض من معالم الحومة والأماكن المشتركة في سيدي يوب، تشكل ملتقى الساكنة وتوحد مشاعر انتمائهم لذات الفضاء، وتؤلف بين قلوبهم في تفاعل يومي لتوطيد علائقهم وتحسين شروط تساكنهم، يتنابزون بالألقاب ويهبون للدفاع عن بعضهم البعض كلما مسهم حيف أشخاص غرباء. تميز من بين الساكنة شخصيات أثارت الانتباه أكثر من غيرها، أشهرها فتوة الحومة المشاغبون والراعون لأمنه وسلامة سكانه، والأشد رعبا حين تسد غشاوة السكر بصيرتهم.
« عيوش، خليفة والكاط، هؤلاء الثلاثة كانوا بمثابة آلية الدفاع عن هذا الحي، إذ غالبا ما يتصدون لأي هجوم أو لأدنى تدخل عنيف من أجنبي عن الحي….كانوا يقضون نهارهم وهم يعاقرون الخمر بعرصة العودة السعدية المجاورة للحي من جهة سدي سوسان، ثم يعودون قبل الغروب ليبثوا الرعب في الحي بأكمله إثر عراك في ما بينهم حول أشياء لا يعرفها غيرهم".نماذج بشرية متعددة تثير السخرية والإعجاب، لما كانت تبدو عليه هيأتها أو ما كان يثيره سلوكها الساذج أو العنيف. « درب العرصة عرف خصيصا بالعديد من الشخصيات المهمة ذات السمات الفريدة، أمثال امي الذهبية ، السي الحبيب، الشريفة، حمان وغيرهم." يقدم مزهار هذه الشخصيات بكثير من التفاصيل حول ما كان يميزهم وما يقومون به من أدوار والكيفية التي تتعامل بها الساكنة مع كل منهم، وما تخصهم به من قسوة وعطف.
« مي الذهبية، وهي امرأة مسنة سوداء اللون، تقضي جل وقتها في جلب الماء من سقاية الحي لتوصله إلى بيوت بدرب العرصة لم يصلها أصحابها بعد بشبكة الماء الشروب، وهي تقوم بهذه المهمة بدون مقابل غير ما تجود به نسوة الدرب من طعام وملابس مستعملة ….. كانت تقيم مع بنفس الدرب مع أحد بناتها، وقد كانت امرأة مرحة بسيطة، لا تلبس جلبابا مثل باقي نساء الحي، إذ كانت تكتفي بنفس ملابسها البيتية مع وضع غطاء على شعرها تدليه قليلا ليحجب عينها اليسرى التي لم تكن تبصر بها…..، لم تكن تستطيع أن تنطق الكلمات بفصاحة، إذ كانت تقلب مواضع الحروف وتخلط معانيها، مما كان يثير السخرية ويضحك نساء الدرب خاصة". " أما السي الحبيب، فقد كان رجلا قصير القامة ، ذا سروال ( قندريسي) يبدو أكبر منه إذ يصل قدميه لقصر قامته، فكان وهو يمشي يتراقص سرواله العريض بين رجليه، حتى كنا نحن الصغار نعتقد أنه يضع فيه بطيخة كبيرة (دلاحة) تتماوج يمينا ويسارا "
شخصيات مثيرة بشكلها وسلوكها، نماذج بشرية تبرز اختلافها المستفز، وتفرض تلقائيتها في تجاوز لسخرية متواطئة تحاصرها حيثما حلت أو تجلت عاهتها، يقدمهم مزهار إلى جانب شخصيات أخرى لها وضعها الاعتباري المسنود بثقافة تقليدية مهيمنة أو جاه موروث يكرس التفاوت الاجتماعي، يعرض أوضاعهم على قدم المساواة وإن اختلفت أحوالهم وسبل عيشهم، في عرض مغرق في التفاصيل لفضاء حومة عشقها وسكنته أجواؤها ، وظل يحمل في ثناياه ملامح ساكنة ومعمار ليستعيده في حالة إشراق ويصيغ مباهجه على شكل سيرة ذاتية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.