منظمة النساء الاتحاديات تدعو إلى تخصيص الثلث للنساء في مجلس النواب في أفق تحقيق المناصفة    اليماني: عمال شركة اللحوم اللذيذة بالمحمدية التابعة لمجموعة "الكتبية" محرومون من التغطية الصحية في زمن الدولة الاجتماعية    المغرب: ارتفاع الودائع البنكية بنسبة 8,3 في المائة عند متم يوليوز    قناة الجزيرة القطرية.. إعلام يعبث بالسيادة المغربية    فيدرالية اليسار الديمقراطي تنخرط في الإضراب العالمي عن الطعام تضامناً مع غزة    لجنة تحقيق أممية تتهم إسرائيل بارتكاب "ابادة جماعية" في غزة    القمة العربية الإسلامية الطارئة تجدد التضامن مع الدوحة وتدين الاعتداء الإسرائيلي على سيادة قطر    افتتاح الدورة الثانية من مهرجان بغداد السينمائي الدولي بمشاركة مغربية        بنعبد الله بترشح مايسة سلامة الناجي ضمن صفوف التقدم والاشتراكية    في ذكرى الرحيل الثلاثين.. فعاليات أمازيغية تستحضر مسار قاضي قدور    هيئة تستنكر تعنيف وقفة في أكادير‬        وزيرة المالية تدعو لتعاون دولي لمكافحة الهجمات السيبرانية    موسكو تعزز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع المغرب    القمة العربية الإسلامية الطارئة تجدد التضامن مع الدوحة وإدانة الاعتداء الإسرائيلي على سيادة قطر        أمن أولاد تايمة يحجز أزيد من 60 مليون سنتيم ومواد تستعمل في أعمال الشعوذة    القمة العربية: العدوان الإسرائيلي على قطر يقوض فرص السلام في المنطقة    المغرب يستضيف كأس العرب لكرة القدم النسوية في شتنبر 2027    النقابة الوطنية للتعليم العالي ترفع سقف التصعيد ضد مشروع قانون 59.24    ولاية أمن أكادير تفتح بحثا لكشف ظروف وملابسات انتحار ضابط شرطة ممتاز بواسطة سلاحه الوظيفي    المغاربة يواصلون تصدر الجاليات الطلابية الأجنبية في فرنسا بنحو 42 ألف طالب    المغاربة على رأس قائمة الجاليات الطلابية في فرنسا    المنتخب المغربي لكرة الطائرة ينهزم أمام نظيره الكيني    بوصوف يكتب.. رسالة ملكية لإحياء خمسة عشر قرنًا من الهدي    نتنياهو يهدد باستهداف قادة حماس "أينما كانوا" بالموازاة مع استضافة قطر القمة العربية الإسلامية    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بخسارة    مونديال طوكيو… البقالي على موعد مع الذهب في مواجهة شرسة أمام حامل الرقم القياسي    الملك محمد السادس يدعو لإحياء ذكرى 15 قرناً على ميلاد الرسول بأنشطة علمية وروحية    منظمة الصحة العالمية تتجه لدعم تناول أدوية إنقاص الوزن لعلاج السمنة    من 10 إلى 33 درهما.. تفاصيل الزيادة في رسوم التحويلات البنكية    غياب أكرد عن مواجهة ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    جلالة الملك يهنئ السلفادور بمناسبة عيدها الوطني    العرائش.. العثور على جثة شخص بغابة الأوسطال في ظروف غامضة    مصرع شخصين إثر تحطم طائرة صغيرة غرب ألمانيا    «أصابع الاتهام» اتجهت في البداية ل «البنج» وتجاوزته إلى «مسبّبات» أخرى … الرأي العام المحلي والوطني ينتظر الإعلان عن نتائج التحقيق لتحديد أسباب ارتفاع الوفيات بالمستشفى الجهوي لأكادير    الحُسيمة.. أو الخُزَامىَ مَدِينَة العِطْر حيثُ تآخَت الشّهَامَةُ والتّارِيخَ    طنجة تستعد لتنظيم مهرجانها السينمائي الدولي في نسخته 14    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية        توقعات أحوال الطقس لليوم الاثنين        الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    "الأصلانية" منهج جديد يقارب حياة الإنسان الأمازيغي بالجنوب الشرقي للمغرب    الرقم الاستدلالي للإنتاج الصناعي والطاقي والمعدني خلال الفصل الثاني من 2025.. النقاط الرئيسية    السفينة المغربية "علاء الدين" تنطلق مع أسطول الصمود نحو ساحل غزة    البطولة الاحترافية لكرة القدم.. بداية قوية للكبار وندية من الصاعدين في أول اختبار    فيلم "مورا يشكاد" يتوج بمدينة وزان    المصادقة بتطوان على بناء محجز جماعي للكلاب والحيوانات الضالة    الكلمة أقوى من الدبابة ولا مفر من الحوار؟    أبرز الفائزين في جوائز "إيمي" بنسختها السابعة والسبعين    طريق الناظور-تاوريرت بحلة جديدة.. مشروع استراتيجي يمهد الطريق لميناء الناظور غرب المتوسط            كوريا تؤكد أول حالة إصابة بأنفلونزا الطيور شديدة العدوى هذا العام    بعقْلية الكسل كل أيامنا عُطل !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة زمن الهزيمة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 17 - 01 - 2020

يفرِض التشويه ذاته واقعا منيعا في وجودنا الآن، وتمسخ إبداعية الثقافة والفن ومواقعهما، وتغمم مواقفهما وظائفهما بلا حدود. لقد أفضت استراتيجية تحييد الوظيفة النضالية للثقافة والفن، إلى واقع بئيس لها، حيث صار الحقل يعج بالانتهازيين، والمتطفلين، ومن لا قناعة لهم غير البحث عن مداخل النميمة الثقافية، والانتفاع المادي، والتجوال الدائم في واجهات الإعلان، واستغلال الثقافة والفن للانتفاع الانتهازي غير المشروع.
صيرت استراتيجية التدجين المرتبطين أكثر بالثقافة والفن دعاة للمسخ، وعملت أجهزة الدولة الإيديولوجية على شرعنة الذوق الممسوخ، وجعله اختيارا مبجلا في السينما، والدراما التلفزيونية، والغناء، والكتابة، وعمقت العلاقة السائبة مع وسائل التواصل الاجتماعي هيمنة التفاهة والخواء، وأصبح التافهون ومن لا قيمة لهم أصناما مفروضة في مقدمة البرامج، وحديث الإعلام، واللقاءات والمهرجانات الثقافية والفنية. بسبب سلطة كل هذا، وتحكم المهيمن في واقع الثقافة والفن، وقوة استراتيجية المؤسسة المهيمنة في تدجين الفاعلين، ومسخ معاني كل شيء، صار الانسحاب من مواجهة القهر الثقافي والاجتماعي، ومقاومة ردم وظائف الثقافة والفن ممارسة من دون معنى، وبائدة، ومن صميم العبث.
أشياء عديدة تغيرت في واقعنا الاجتماعي، وقد يبدو الأمر طبيعيا حين نؤمن بأن التطور منطق يحكم المجتمع والحياة بالضرورة، إلا أن ما يبدو غير طبيعي نهائيا هو تضخم السلبية وتغول التفاهة، وهيمنة ميولات الانتهازية والارتزاق في الثقافة والفن، وانسحاب أطراف عديدة من مهمة التموقع في الصراع الاجتماعي، بل وإعلانها موت هذه الوظيفة، وتهافتها على تسخيف وتشويه أي حديث عن الصراع الاجتماعي والسياسي، والتموقع فيه، وعن الحاجة إلى دعم الخاسرين، وهذا ما يمكن التمثيل بوضعيات وأمثلة عديدة في مجالات الثقافة والفن.
لقد حضرت الانتهازية والتهافت، وبرز السفهاء والمتطفلون دوما في واقعنا عامة، كما اعتُبِرت مناصرة المقهورين مهمة مفلسة غالبا، وقد برز ذلك حتى في المجتمعات المتقدمة، وهذا ما لمَّح إليه يوما الكاتب الألماني «غونتر غراس»في حديث له مع أحد الأصوات الأكثر حماسة للدفاع عن المغلوبين نظريا وممارسة في أوروبا قُبيل رحيله، وهو «بيير بورديو»، حيث قال: «كلانا سيئ السمعة في مهنته، لأنه يقف إلى جانب الخاسرين، إلى جانب المهمشين والمنبوذين خارج المجتمع»، إنه أمر حدث دوما عندنا، وقد تم التعبير عنه بصيغ عديدة في العقود الماضية. حصل ذلك حين كان مناضلو الثقافة والسياسة والعمل الجمعوي… يكرسون قناعاتهم المبدئية بتقبل الاعتقال والنفي والشهادة والتعذيب ضرائب لدعم المغلوبين والبسطاء ومن لا صوت لهم، وحين تشبث البعض بمواجهة مد التطويع القسري للقناعات بالإغراء والمناصب والأموال، وحين يناصر من تبقى الآن من الصادقين والمناضلين الحق في معاكسة التيار، وثقافة الممانعة والنضال الثقافي.
لقد غرب حماس الأمس، واهتزت الكثير من القناعات، وهذا أمر يخص أصحابها لوحدهم، لكن ما لا يجب أن يغرب هو أن مقاومة اللاعدالة، والظلم، والقهر، والطغيان، والاعتداء على المواطنين بأي صيغة من مسؤولية الثقافة والفن وكل المشتغلين بهما، كما أن دعم البسطاء والمغلوبين هو الجوهر الأصيل الذي لا يجب إفناؤه في الثقافة والفن، إلا أن تأمل هذا المجال الآن يؤكد أن الجوهر قد تقلص كثيرا، حيث أن الثقافة والفن بمعناهما المعمم في هذا الوطن يتبرآن من وظائفهما الموضوعية، بجنوح المنتسبين لهما للانسحاب وإخلاء المواقع المكافحة، تجذيرا منهم لمشروع المسح التدريجي للمقاومة الثقافية وتكريسا للانهيار ميزة وحيدة لزمننا المغربي.
حين نقول هذا لا ننطلق بالضرورة من إيمان واهم بالوظيفة الرُّسولِية للثقافة، ومن اعتقادنا بكون المثقف هو المخلِّص، بل ننطلق من مبدأ آمن به الكثير من الكبار يقول بالحاجة إلى «التمسك بالمبادئ النظرية الصحيحة وصهر ذلك في الممارسة الفاعلة» خِدمة لاحتياجات الواقع كلها، إنه الشيء الغائب بامتياز في واقع المغرب، لأنه أن يتم سحق المواطنين بشكل همجي لأنهم يطالبون برفع التهميش عنهم، وأن يتم قمع المواطنين بوحشية واعتقالهم في مناطق عديدة، وأن يتم الحكم على غالبية أهل المغرب بالموت بالتقسيط بسبب الغلاء والإهمال، وأن تعصف السياسة الرسمية بمجانية العلاج، والمدرسة العمومية، وكل حقوق المواطنة التي ناضل من أجلها من حرروا المغرب بالفعل من المستعمر دون أن تقول الثقافة والفن كلمتهما بشكل بارز، ويكون لهما موقف فاعل وصلب ومؤثر.
ويعمل الحقلان، وكل المرتبطين بهما من أفراد وإطارات، ومؤسساته، الممكن والمستحيل لفرضه، ودون أن يقر كل من يعيش من أجل الثقافة والفن أو بهما أن الصمت والانسحاب وتلطيف الصراع الاجتماعي بالبلاغة الملساء، وخواء الإبداع، والقول الفارغ لا يعني إلا شيئا وحيدا هو أن الثقافة والفن صارا طبولا لقداسات المهيمن، وتم تأميمهما لصالح الغالبين، بتواطؤ مع من يُفترض فيهم مُناصرة الثقافة والفن وحماية مُمانعتِهما، حين يحصل هذا يكون ذلك صيغة لإعلان هزيمة الثقافة، والفن ومسخ أصالتهما، ليتماثلا مع زمن الهزيمة العام، وهي وضعية أبأس من العدم نفسه.
يبدو زمن السقوط واقعا مأساويا، تصيره هيمنة حقيقة لا ترتفع، ونقول بصدده إنه ليس قدرنا، ولابد أن ينتفي حين نعي الحجة الاستعجالية لما أسماه بورديو يوما «امتلاك الأسلحة الضرورية للدفاع عن النفس في مواجهة السيطرة الثقافية، أي في مواجهة السيطرة التي تمارس في الثقافة وباسمها» أي مجموع الخواء الذي نُكرَه على استساغته باعتباره النموذج الوحيد الممكن لإدراك معاني الثقافة والفن في زمن الهزيمة.
(×) باحث جامعي
وناقد سينمائي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.