قانون العقوبات البديلة يفتح الباب لمراجعة الأحكام بالحبس وتحويلها إلى عقوبات بديلة بشروط    بسبب احتجاز زوجته.. إطلاق النار على شخص في الريصاني وتوقيفه من قبل الشرطة    شرطة طنجة توقف شابًا بحوزته 330 قرصًا مخدرًا بمحطة القطار    فاتح شهر ربيع الأول لعام 1447 ه بعد غد الاثنين وعيد المولد النبوي يوم 05 شتنبر 2025    بطولة إفريقيا للاعبين المحليين لكرة القدم: السنيغال إلى المربع الذهبي    بمشاركة عدة دول إفريقية.. المغرب ضيف شرف المعرض الوطني للصناعة التقليدية في البنين    النقيب كمال مهدي يعلن دعمه لأبرون: ليس من غيره الآن مؤهل لتحمل هذه المسؤولية الجسيمة    الحسين رحيمي يقود العين لفوز قاتل على "دبا الفجيرة" في الدوري الإماراتي    الدرك البحري يجهض محاولة للهجرة غير النظامية ويوقف متورطين    أمريكا: تسجيل إصابة بمرض الطاعون وإخضاع المصاب للحجر الصحي    الجفاف يحاصر تركيا... شهر يوليوز الأشد جفافا في إسطنبول منذ 65 عاما        كأس السوبر السعودية: الأهلي يحرز اللقب بفوزه على النصر بركلات الترجيح    المغرب.. الضرائب تتجاوز 201 مليار درهم عند متم يوليوز    طقس السبت.. انخفاض في درجة الحرارة وامطار رعدية    حريق جديد يلتهم عشرات الهكتارات بغابة بوهاشم بشفشاون    سعيدة شرف تحيي سهرة فنية ببن جرير احتفالا بعيد الشباب    المغرب يختبر صواريخ EXTRA في مناورة عسكرية بالشرق    الريسوني: الأمة الإسلامية تواجه زحفا استئصاليا احتلاليا من قبل الكيان الصهيوني    الصين تكتشف احتياطيات الغاز الصخري    الركراكي يستعد لكشف "قائمة الأسود"    قصف إسرائيلي يقتل 39 فلسطينيا            مقاربة فلسفية للتنوير والتراصف والمقاومة في السياق الحضاري    تغيير المنزل واغتراب الكتب    فرض "البوانتاج" الرقمي على الأساتذة!    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب غزة    سائق يفقد عمله بعد رفضه الفحص الطبي والمحكمة تنصف الشركة    نادي باريس سان جرمان يودع حارسه الايطالي دوناروما بتكريم مؤثر    الاتحاد الأوروبي يفتح باب المشاورات حول استراتيجية جديدة لسياسة التأشيرات    جدل واسع بعد الإعلان عن عودة شيرين عبد الوهاب لحسام حبيب    المغرب يبرم اتفاقية استشارية لفضح البوليساريو وتعزيز علاقاته بواشنطن        برلمانية: الخلاف بين أخنوش ووزير النقل حول الدراجات النارية كشف هشاشة الانسجام الحكومي    كلفته 14.7 مليار سنتيم... 'البيجيدي" يسائل الحكومة عن جدوى برنامج "الزبون السري"    وزير خارجية باكستان يصل إلى بنغلاديش في أول زيارة من هذا المستوى منذ 13 عاما    الذهب في المغرب .. أسعار تنخفض والمبيعات في ركود    المغرب يتصدر قائمة مستوردي التمور التونسية    الأنشوجة المغربية .. سمكة صغيرة تصنع ريادة كبرى في القارة الأفريقية    المغرب بين الحقيقة والدعاية: استخبارات منسجمة وتجربة أمنية رائدة تعزز الاستقرار    "يويفا" يمنح برشلونة الإسباني دفعة قوية قبل انطلاق دوري أبطال أوروبا    ثلث الألمان يخشون فقدان الوظائف بسبب الذكاء الاصطناعي    بطولة انجلترا: تشلسي يهزم وست هام (5-1)    الإعدام للرئيس السابق للكونغو الديمقراطية مطلب النيابة العامة    احتفاء خاص بالباحث اليزيد الدريوش في حفل ثقافي بالناظور    مهرجان الشواطئ يحتفي بعيد الشباب وثورة الملك والشعب بمشاركة نجوم مغاربة وعرب            إعادة برمجة خلايا الدم إلى خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرات يفتح آفاقا واسعة في مجال العلاج الشخصي والبحث العلمي (صابر بوطيب)    دراسة: عدم شرب كمية كافية من الماء يسبب استجابة أكبر للإجهاد        ابتكار جهاز من الماس يرصد انتشار السرطان دون مواد مشعة    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في لوحة التشكيلية المغربية سمية الدليمي:


المرئي واللامرئي الذي لا يخلو من شاعرية

نقف عند هذه اللوحة ونحن نستحضر تجربة صاحبتها التشكيلية سمية الدليمي، الدكتورة والأستاذة الجامعية بكلية الحقوق بالدار البيضاء.
بدأ عشق هذه الفنانة العصامية للرسم وشغفها بهذا الفن الراقي منذ الصغر. لطالما نقلت وهي طفلة تلك الصور الجميلة التي كانت تزين كتبها المدرسية على الأوراق وفي كراساتها ودفاترها.حين كبرت، كبر معها طموحها، وأضحت بعد مسار ليس بقصير من الوجوه البارزة في مجال التشكيل، حيث توقف عند أعمالها العديد من النقاد والمهتمين لما تتسم به من منحى تشكيلي رفيع، يبعث على التأمل، ويدعو إلى اختراق عالم يجمع بين المرئي واللامرئي. فيه شيء من الخصوصية والحميمية، لكنه يبتعد عن الغرابة ، مفعم بأسرار وتوليفات تفور من حرارة الألوان ، حبلى بأشكال لا تخرج عن المألوف ، تعمل بواسطتها على مخاطبة الوجدان ، ولذلك تجدها لا ترسم فقط ولكن تنقش لوحاتها أيضا وبجرأة كبيرة لتطبعها بصبغة خاصة، تنم عن قوة شخصيتها وصدق مشاعرها التي تلقي بها على قطع القماش عبر ألوان فاتحة وغير باهتة، تصنع التوهج وتأخذ أعيننا لتسافر بها دون أي استعراض أو جنوح إلى عالمها، حيث الحلم والحقيقة يلتقيان بواسطة خيط رفيع تم نسجه بواسطة ألوان مستقاة من الطبيعة، تحضر بكثافة في بعض الأحيان، وتتدفق كالسيل فتملأ الفراغات، وتعكس كل ما يدور في خلد فنانة رقيقة ومثقفة، تحرص على التعبير بتلقائية عن رفضها للإطار النمطي الضيق الذي تحصر داخله المرأة المغربية، ولذلك غالبا ما تكون رسوماتها عبارة عن تعبير صريح بلمسة فنية، تمتزج فيها الواقعية بالتجريد عن وضعية المرأة بالمغرب، بعيدة عن الغموض ولبس قد يخلقه الغلو في توظيف الرموز،فجاءت هذه اللوحة بسيطة وبالواضح، غير مشفرة لكي لا تترك المتلقي في حيرة وهو ينظر إلى سيدة ، تأخذ حيزا مهما في الوسط ، بلباس منسجم مع جسد لا يزال في ريعان شبابه ، يبدو في عنفوانه ولم يترهل بعد ، يظهر بالكامل إلا من جهة الساقين اللتين تعاملت معهما بكثير من التحايل ، تفاديا للإثارة ولو أنهما مرتبطتان فقط بالحركة، وتمثلان في لغة الجسد السيطرة على النفس والتأقلم مع وضعية تبدو من خلالها وكأنها تخطو بحذر وهي تنظر إلى اليسار حيث المجهول، لا تريد أن تواجهنا وكأنها لم تعد تتحمل المزيد من عالمنا الخشن. تمسك بيدها اليسرى قنديلا متقدا، غير خافت ، يأتي منه ضوء فيغمر صدرها الذي يشير إلى الأمومة ويسقط على أجزاء أخرى معينة ومهمة من جسدها لإخراجها من العتمة. فالقنديل يربط الماضي بالحاضر،أما نوره فتذكير مرئي بالانتصار المحتمل على الظلام، مما يفرض على المشاهد أن يراه بنظرة استشراقية.لاينظر فقط إلى حاضره بل أيضا إلى جزء من مستقبله، ويسابق الزمن قبل أن ينطفئ ويحل ظلام دامس سيؤرق لا محالة هذه المرأة التي تسحب بيدها اليمنى جزءا من فستانها إلى الأعلى لكي لا يعرقل سيرها، يدل على أنها ليست بعسراء، تدمج كل أحاسيسها الإيجابية في الجانب الأيسر من جسمها.وهذا الانسجام في الإيماءات هو الذي يمنحها أناقة، فضلا عن شعر طبيعي، ليس بقصير، فضفاض لكنه معقود بقطعة ثوب لكبح جماحه ، يأخذ لونه من الحناء، يستمد هالته وأصالته من هذه الخامة، التي تعتبر رفيقة المرأة في جميع المناسبات الاجتماعية، فهي بمثابة الأصل الذي تعود إليه لتمنحها التميز والتفوق على الغير، وتزيح ما يتركه الأسود الحاضر بقوة من قتامة وبشاعة، وتضفي البهجة على فضاء أرادته الفنانة أن يكون بدون عناصر متعددة لتفادي ارتباك قد يجعل المتلقي لا ينتبه لما يحيط بالمرأة من جزئيات تصنع الحدث وتسترجع اللحظة تلك.
في هذا العمل بالذات، عملت الفنانة على ترسيخ مثلث وهمي متين،لا يتم رسمه إلا في الأذهان وفي لحظة تأمل،يصعب تفكيكه، يرتكز على ثلاثة أضلع لونية مستقاة من الأزرق والكستنائي والأصفر، يقف في الواجهة ليمتص الصبغة الدامسة المخيمة على الأجواء جراء تلك الخلفية التي تلتحف سوادا كثيفا يمتد على شكل ظلام ،مثبت في مكانه، يصنع ستارا يحجب الأفق، ويوحي بأننا أمام امرأة تعيش واقعا مظلما ولحظات عصيبة، ولكنها تتمسك بالأمل، محتفظة بأناقتها المكتملة باللون الأزرق، لون السماء، الذي يبعث الطمأنينة والهدوء في نفس الإنسان فور النظر إليه، لكن هنا تم توظيفه لرمزيته التي تعرف عند ثقافة شعوب الشرق الأدنى،والمتعلقة بصد الشر،واجتناب العين وإبعاد الشياطين،مما يعطي للوحة بعدين: جمالي، مرتبط بالأنوثة والأناقة وخرافي، ملتصق بالثقافة الشعبية.
رغم بساطة هذه اللوحة،فإنها قوية بعناصرها التي تشكل كتلة ملتصقة بالمكان،لا تبرحه، ولكنها تمتد في الزمن،تنبض بمشاعر، أيقظتها ضربات فرشاة رسامة رقيقة و مقتدرة ، تجسد أفكارا ورؤى بأسلوب يعتمد على استخلاص القيم الجمالية للألوان المشرقة والصافية، ويعمل على الاستغلال الجيد للمساحات الفارغة بطريقة وحشية، مستوحاة من أعمال الفنان الفرنسي هنري ماتيس، لا تتعب العين وتمسح الضبابية عن امرأة ، حرصت المبدعة على طرحها أمامنا كما ترجوها أن تكون، مرفوعة الهامة بزي جميل ومثير، لا تشبه تلك المرأة التي يغلب عليها اليأس والانكسار ، الخاضعة للأمر الواقع الذي ينسيها زينتها بفعل ما تعانيه من ألم التهميش والقهر، ويتركها متخبطة داخل واقع مظلم ، يعكسه العمق، ويترك بصمة سوداوية في تفاصيل لوحة، تتميز بالدقة في توزيع الألوان، تأخذ متانتها الفنية من تشكيل المحاور الأساسية وسط خطين مستقيمين، تم تثبيتهما بطريقة أفقية وفق منظور هندسي لامرئي لا يخلو من شاعرية من خلال توظيف الصباغة الزيتية بخاصيتها وتوزيع عناصر اللوحة بطريقة فنية بديعة داخل الفضاء ، تنم عن مهارة تقوم على الانتباه إلى أدق التفاصيل مما يخلق توازنا بين الكتلة اللونية والشكلية.
وكما هو معروف عند بعض الممارسين الأكفاء، أمثال الناقد والفنان التشكيلي محمد سعود وغيره،فإن أجمل الصور وما يميزها هي تلك التي تحيلنا إلى أسطورة أو قصة أو حدث تاريخي وهو ما نجده غالبا في فن المنمنمات.إذا نظرنا إلى هذه الصورة بإمعان، ستحيلنا بدون شك الى أسطورة ديوجين، صاحب المصباح الشهير» الذي كان يحمله في وضح النهار، يفتش عن إنسان يعمل ويجد ليحقق الحرية ويحسن مستوى الحياة».وهذا هو الشيء اللامرئي الذي يحضر في المخيلة إلى جانب تضاد لوني يمثل الصراع الذي لا يزول في لحظة معينة بين الظلام والنور.
تعلق الأستاذة سمية بالفن التشكيلي، أتاح لها صقل موهبتها وتطوير معارفها وانتقائها لعناصر الجمال في إيجاد وتثمين مكونات إطارها الإبداعي الخاص بتيماته المستوحاة غالبا من عالمها النسوي، مما جعل جل أعمالها تتميز بأسلوب، قوامه كثافة اللون، يميل إلى توظيف الخطوط بشكل واضح في منأى عن السريالية والواقعية المفرطة، يزاوج بين ما هو حسي وشعوري، تختزله لوحة تتمتد أمامنا تلقائيا لتكشف عن جانب آخر لامرأة طموحة ترفض أن تبقى بلا إنارة في مكان حالك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.