المجلس الوطني لحقوق الإنسان يصدر خلاصات وتوصيات أولية بشأن الاحتجاجات بعدد من المدن المغربية    معرض الفرس بالجديدة.. رواق القوات المسلحة الملكية يحتفي بعراقة وتنوع ثقافة الفروسية بالمغرب    حركة شباب Z يرفعون وثيقة شعبية إلى الملك تطالب بإقالة حكومة أخنوش ومحاسبة المفسدين                    الأميرة للا مريم تترأس حفلا دينيا    "أولترا هيركوليس" تقاطع مباراة الفتح            تكلفة ثقيلة لتخريب ممتلكات المغاربة            الاتفاق الفلاحي المعدَّل المغربي الأوربي يؤكد تطبيق التعريفات التفضيلية الممنوحة من الاتحاد على الأقاليم الجنوبية (بوريطة)    حقيقة الأمر بإغلاق المحلات التجارية وإخلاء مقرات العمل مبكرا    هذا الموريسكي.. عين مغلقة على تاريخ مفتوح    بعض الاحتجاجات في بعض المناطق لم تعد سلمية، بل أعمالا إجرامية تقودها قلة من المحرضين ومثيري الشغب (الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية)    انتصار دبلوماسي وتجاري جديد للمغرب: إدماج الصحراء في الاتفاق الزراعي مع الاتحاد الأوروبي    نسمة قاسمي تتألق على خشبة طنجة وتظفر بجائزة التشخيص إناث بمهرجان مسرح الشباب    مبيعات الإسمنت تفوق 10,86 مليون طن مع متم شتنبر 2025 (وزارة)    بطاريات السيارات.. شركة "BTR" تبدأ رسميا بناء مصنعها في طنجة    أخنوش: الحكومة منفتحة على مطالب التعبيرات الشبابية لتسريع تنزيل الإصلاحات الاجتماعية    إسرائيل تعلن استيلاءها على قوارب "أسطول الصمود" باستثناء واحد    الجيش الإسرائيلي يحتجز 6 مغاربة مشاركين في "أسطول الصمود العالمي"    بورصة البيضاء تنهي التداولات بالأخضر    ماسك أول ثري بنحو 500 مليار دولار صافية    الاستقلاليون يدعون الشباب إلى الحوار    مسؤول: لا علاقة للإجرام بحرية التعبير    حجز 4,7 أطنان من الشيرا في آسفي    الركراكي.. سايس واستمرار غياب زياش    وضعية التجارة الخارجية في المغرب    الفوضى الناتجة عن احتجاجات "جيل Z" تربك الأجندات الفنية بالمغرب    بلوغ ثمن نهائي مونديال الشباب إنجاز يرسخ مكانة المغرب في كرة القدم الدولية    كولومبيا وأقدس الهدايا    الإنسان الكامل    فريال الزياري توثق تجربة استثنائية في قلب الصحراء المغربية    دار الشعر بتطوان تطلق ملتقى القصيدة المتوسطية من فضاء المدينة العتيقة        مونديال الشيلي لأقل من 20 سنة: المغرب يتأهل إلى ثمن النهائي بعد فوزه على البرازيل    إحداث أكثر من 65 ألف مقاولة بالمغرب خلال السبعة أشهر الأولى من 2025    إيطاليا.. نقابات عمالية تعلن إضرابا شاملا غدا الجمعة دعما ل"أسطول الصمود" العالمي    في العيد الوطني ال76.. الرئيس الصيني يدعو مواصلة العمل الجاد لدفع مسيرة التحديث الصيني    دراسة ترصد السمات النفسية لشخصية جيل "Z-212".. يتميز بنزعة أقوى نحو البراغماتية وحسا أكبر بالعدالة وعاطفي أكثر مقارنة بالأجيال السابقة        دوري أبطال أوروبا.. الصيباري يدرك التعادل لآيندهوفن أمام ليفركوزن (1-1)    إنريكي: "حكيمي ومينديز أفضل ظهيرين في العالم"    تيزنيت، بيوكرى، القليعة،ايت عميرة.. بؤر البؤس التي صنعت الانفجار الاجتماعي    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    ارتفاع ضغط الدم يعرض عيون المصابين إلى الأذى    عندما يتحول القانون رقم 272 إلى سيفٍ مُسلَّط على رقاب المرضى المزمنين    أطباء يحذرون من أخطار بسبب اتساع محيط العنق    القانون 272 يدفع المصابين بألأمراض المزمنة إلى الهشاشة الاجتماعية    "طريقة الكنغر" تعزز نمو أدمغة الأطفال المبتسرين        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التضليل و «الأخبار الزائفة»

تواجه مختلف المجتمعات عموما والصحافة بشكل خاص معضلة انتشار المعلومات المضللة، وليس " الأخبار الزائفة" التي تنفى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ( اليونسكو ) وجودها انطلاقا من كون الأخبار ، تعنى فقط المعلومات التي يمكن التحقق منها بهدف خدمة المصلحة العامة، وبالتالي فإن المعلومات التي لا تلبي هذه المعايير لا تستحق أن تصنف في خانة الأخبار.
وهكذا فإن " الأخبار الزائفة " تحمل في طياتها تناقضا يتمخض عن تقويض لمصداقية المعلومات التي تجتاز فعلا عتبة التحقق وتخدم المصلحة العامة، إذ يستغل مقدمو المعلومات المضللة مواطن الضعف في المتلقين أو الانقسامات الممكنة بينهم رغبة منهم في استغلالهم لتضخيم الكذب ونشره على نطاق واسع، كما جاء في تمهيد كتاب "الصحافة… و( الأخبار الزائفة) والتضليل" الصادر عن اليونيسكو.
وعلى خلاف الأخبار الحقيقية، عادة ما تقدم " الأخبار الزائفة" بشكل مجاني، وهذا ما يحول الأشخاص الذين لا يستطيعون دفع تكاليف الصحافة المهنية الجيدة و الذين يفتقرون الى وسائل إعلام مستقلة تقدم الخدمة العامة، ضعيفو التحصين بشكل خاص أمام المعلومات المضللة التي أصبح انتشارها المعلومات المضللة، متيسرا بشكل كبير عبر مختلف أنواع الشبكات الاجتماعية.
الإنترنيت والتنظيم الذاتي
ولطبيعتها كمنصات وسيطة، وليست صانعة للمحتوى، ظلت الشركات، تخضع بشكل عام، لتنظيم قانوني بسيط، ورغم ذلك، فإن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعنى بتعزيز حرية التعبير والرأي، عبر في تقريره السنوي عام 2018 أهاب بشركات الإنترنيت على التعلم من التنظيم الذاتي المطبق في وسائل الإعلام، مع الالتزام بشكل أفضل بمعايير الأمم المتحدة بشأن الحق في المعلومات وطلبها وتلقيها.
وهذا على ما يبدو ما جعل منظمة اليونيسكو، تثير انتباه الصحفيين الى إدراك أنه على الرغم من أن الساحة الرئيسية للتضليل هي وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن الجهات الفاعلة المنتقدة اليوم تعمل على الاستفادة من مخاوف " الأخبار الزائفة " لقمع وسائل الإعلام الحقيقية مشيرة الى أن " هناك قوانين جديدة وصرامة تتخذ من المؤسسات الإعلامية كبش فداء، كما لو كانت هي مصدر الأخبار الكاذبة".
لذا تعتبر أن الخطر الأكبر ليس القيود التنظيمية غير المبررة على الصحافة، ولكن حينما يأتي يوم ويكفر الجمهور بكل محتوى إعلامي، بما في يلك ما تنشره الصحافة المهنية وتذيعه. وفي ظل هذا السيناريو، يرجح الكتاب ، أن يصدق الناس المحتوى الذي تدعمه شبكاتهم الاجتماعية، والذي يتوافق مع مشاعرهم ورغباتهم، وليس مع عقولهم والمنطق السليم.
التربية الإعلامية
وفي هذا السياق فإن وسائل الاعلام مدعوة إلى المبادرة لتطبيق المعايير والأخلاقيات المهنية بشكل أوثق، وتجنب نشر المعلومات التي لم يتم التحقق منها، والابتعاد عن المعلومات التي قد تهم بعض الجمهور، لكنها في نفس الوقت لا تخدم المصلحة العامة. كما أن من واجب الصحافة العمل على الكشف بشكل استباقي عن حالات وأشكال جديدة من التضليل وفضحها، لأن هذه المهمة تعد ردا فوريا على مشكلة ملحة ذات أثر تدميري، وتكمل وتعزز المزيد من الاستراتيجيات متوسطة الأجل كالتربية الإعلامية التي تمكن الجمهور من التمييز بين الأخبار الحقيقية والمعلومات المضللة والخاطئة.
التضليل والتكنولوجيا
وإذا كانت عملية استغلال المعلومات والتلاعب بها ممارسة تاريخية قديمة، لكن القرن 21 ، شهد استخدام المعلومات كسلاح على نطاق غير مسبوق. كما أن التكنولوجيا الحديثة المتطورة تجعل التلاعب في المحتوى وتصنيعه أمرا بسيطا، فضلا عن أن الشبكات الاجتماعية، تضخم بشكل كبير الأكاذيب التي تروجها الدول والسياسيون الشعبويون والشركات المحتالة، ويتناقلها جمهور بدون تمييز، وهو ما جعل من هذه المنصات الاجتماعية، أرضا خصبة للدعاية وغيرها من أساليب التضليل، كما أن المعلومات المضللة المدعومة رقميا تنطوي على خطر طمس دور الصحافة، كما يوضح الكتاب الصادر عن اليونيسكو الذي ينبه الى أن تأثير المعلومات الخاطئة على الجمهور مقلق بشكل خاص فيما يتعلق بالانتخابات وبفكرة الديمقراطية ذاتها كحق من حقوق الإنسان، وكذلك على نفس الشاكلة ، يمكن أن تتأثر قضايا الهجرة وتغير المناخ وغيرها بدرجة كبيرة بسبب عدم اليقين الناجم بسبب عدم اليقين الناجم عن التضليل والمعلومات المغلوطة.
بيد أن هذه التحولات، تتزامن مع ما تعرفه وسائل الإعلام من تدنى منسوب الثقة فيها، وذلك حتى قبل دخول منصات وسائل التواصل الاجتماعي إلى الحلبة، وكذلك في خضم نهم لا يشبع للمحتوى الإخباري، في وقت يتم فيه خفض الميزانيات المخصصة لغرف الأخبار بالصحافة . وقد أدى الحجم الهائل للمعلومات المضللة، واتساع نطاقها، ومدى انتشارها ومشاركتها عبر الإنترنيت كذلك إلى خلق أزمة جديدة للصحافة انعكست تأثيراتها على الصحفيين والإعلام والمجتمع.
وإذا كانت جائحة كوفيد 19، قد ساهمت بشكل واسع في انتشار المعلومات الخاطئة، لكن هذه الأخبار المضللة لم تكن وليدة، فيروس كورونا سنة 2020، ولكن ظلت مرتبطة بمختلف المراحل التي عاشتها البشرية، والتي تصدى لها العديد من المفكرين بالنقد والدراسة والبحث خاصة منهم المهتمين بقضايا السياسة والإعلام والاتصال، الذين ساهموا بأفكارهم وأبحاثهم في تفكيك والتنبيه لآثارها السلبية على المجتمع.
المضللات قبل الرقمنة
وعلى الصعيد الوطني، وبعيدا عن "جدل " المثار حاليا بالساحة الإعلامية حول المعلومات الزائفة والتضليل، على ما يبدو أن المفكر والفقيه والقائد السياسي علال الفاسي ( 1910- 1974)، كان من أوائل المغاربة الذين أصلوا لهذا الاشكال، حينما أثار الانتباه إلى خطورة انتشار الاشاعات والمعلومات الزائفة عبر وسائل الاعلام التقليدية من صحافة مكتوبة وإذاعة وتلفزيون، والتي كان يصفها ب"المضللات التي لا يخلو منها زمان ولا مكان، وتهدد الرأي العام وتحيد به عن طريق الصواب.
وهكذا قال صاحب كتاب " النقد الذاتي" في إحدى مداخلاته أمام أول برلمان مغربي سنة 1963، "نجد الرأي العام مهددا بكثير من المضللات، التي تحيد به عن طريق الصواب، علاوة على ما يتوارثه من ضلال منقول" محملا المسؤولية " لقوة المال ورجاله الدور الفعال في تضليل الناس.
ويربط كل ذلك بالاهتمام بدعامات الصحافة والإعلام عبر الإقناع والدعوة المنظمة التي تعطيها قوة الاقناع والتأثير، وذلك بهدف "تطوير المجتمع المغربي، في الحواضر والبوادي، ونشر التعليم في أوساطه، وتكوين الصحافة النقية، والقضاء على كل أسباب الخلاف، والمجاملات العقيمة، حتى يتكون رأي عام متحرك، يملأه الإيمان بالحرية، واليقين في الشعب"..
وفي رؤية استشرافية شدد علال الفاسي على فكرة رئيسية، بالقول "أن لا مسؤولية بغير حرية، ولا حرية بغير تفكير"، في الوقت الذي أصبح العالم، برمته، أمام كل واحد منا، ويستطيع الآن رجل الشارع، أن يعرف من أخبار أقصى نواحيه، ما لم يكن كبار العلماء والرحالين يعرفونه بالأمس، بعدما كانت في العصور الماضية، كل ناحية من نواحي العالم منفصلة عن بعضها".
وبما أن لكل ناحية من هذه النواحي مشاكلها الخاصة وأحداثها، ومدارج تطوراتها وما ينشأ بها عن كل ذلك من آراء ووسائل لتحقيقها، فقد أصبحت أنباء ذلك جميعه، تنتقل في كل الأوساط، ويضطر الكل لقراءتها في الصحف، وسماعها في المذياع، والخوض فيها والتعليق عليها، والإصغاء إلى الذين يتحدثون عنها.
خط الدفاع
ولاحظ آنذاك، أن التقدم العصري، وضع في يد الحكومات أدوات عديدة، ليست في متناول غيرها، فقد أصبحت تستطيع، أن تسير الإذاعات والصحف، وتنوع الإعلانات، وتخلق من أساليب التسلية والتلهية، ما تشغل به الفكر العام، أو توجهه الوجهة التي تريدها..". وخلص الى القول إذا كانت الحرية ستحرقنا، فلنفعل، فإنها على كل حال، خير من الضغط، ومن التغذي بأفكار تنظمها، عبادة القوة أو عبادة المال.. ولكي نستطيع أن نقف من الحرية هذا الموقف، يجب على نخبتنا، أن تتحرر من كل سلطة حسية أو معنوية، لذوى المال أو ذوى الجاه، وأن لا تصدر في تفكيرها، إلا عن تجرد مطلق، من كل المنافع الموقوتة، غير مراعية إلا مصلحة الأمة، ومصلحة الحرية.
وبصفة عامة فإن المعايير المهنية للصحافة المحكومة بالأخلاقيات والمساءلة، " تعد خط دفاع مهما ضد التضليل والمعلومات المغلوطة"، خاصة في ظل تطور القواعد والقيم الموجهة لفائدة ممارسي الصحافة على مر السنين لقيام الصحافة بمهمتها، مدعومة بشفافية العملية الصحفية والتطبيق الواضح للمعايير الأخلاقية، كما جاء كذلك في مؤلف كتاب اليونسكو السابق الذكر الذي يؤكد محرروه على أن دور الصحافة المميز اليوم يكمن في قدرتها على المساهمة في التوضيح وبناء الثقة في المحتوى الذي خضع للتمحيص قبل نشره مع التقيد بمبادئ الدقة والاستقلالية والانصاف والإنسانية والمساءلة والشفافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.