في ظل اختلال التوازن المؤسساتي بين المعارضة والأغلبية، واستغلال هذه الأخيرة لواقع الثغرات الدستورية التي تحد من قيام المعارضة البرلمانية بوظائفها الدستورية في مراقبة العمل الحكومي والحد من غطرستها العددية من استعمال مجلسي البرلمان كغرفة لتسجيل القوانين…..، في ظل هذا الاختلال، أصدرت المحكمة الدستورية القرار عدد 255/25 الصادر بتاريخ 4 غشت 2025 في الملف عدد 303/25، والتي قضت بموجبه بعدم دستورية العديد من مواد قانون المسطرة المدنية. فخصوصية هذا القرار الصادر عن القضاء الدستوري، لا تكمن فقط في التصريح بعدم دستورية مواد قانون المسطرة المدنية؛ وإنما تكمن بشكل أعمق في كون القضاء الدستوري كشف عن حجم وخطورة تغول الحكومة الحالية؛ إذ بعد أن تغولت عن المعارضة البرلمانية، مستغلة في ذلك الثغرات الدستورية، فإنها تتغول في الجانب التشريعي حتى على الدستور؛ خاصة وأنها حاولت، بشأن قانون المسطرة المدنية، من جهة أولى التضييق على الحريات والحقوق الأساسية المكفولة بموجب الدستور والمواثيق والعهود الدولية؛ ومن جهة ثانية، الحد من صلاحيات ووظائف السلطة القضائية. هذا التغول الحكومي المدعوم بأغلبيته العددية على مستوى البرلمان، الذي لم يبال خلال مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية سواء في لجنة التشريع أو الجلسة العامة، بجدية وموضوعية التعديلات التي اقترحها الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية. ومن خلال استقراء قرار المحكمة الدستورية، ومراجعة التعديلات المقترحة من طرف الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية، سيتضح أنه سبق لهذا الأخير تنبيه الحكومة إلى انتهاك مشروع قانون المسطرة المدنية للعديد من الحقوق المرتبطة بالتقاضي والدفاع والمحاكمة العادلة، بل أكثر من ذلك بالعديد من المبادئ الدستورية الحديثة المرتبطة بمجال العدالة؛ ولأجل ذلك، وحماية لمبدأي الأمن القضائي وحرمة الأحكام القضائية النهائية المنصوص عليهما في الفصلين 117 و126 من الدستور، قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية تمتيع النيابة العامة بالسلطة المطلقة في الطعن ضد الأحكام النهائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به؛ بل اعتبرت هذه الصلاحية الممنوحة للنيابة العامة يجب أن تشكل استثناء مشروطا بتحديد حالات النظام العام التي على أساسها يمكن للنيابة العامة الطعن في تلك الأحكام القضائية. وكذلك من بين صور تغول الحكومة على مبدأ الفصل بين السلط، والتي قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها، تلك الواردة في المادتين 408 و 410 من قانون المسطرة المدنية، حيث كانت تسمح للحكومة في شخص وزير العدل ممارسة بعض اختصاصات النيابة العامة في ما يتعلق بالإحالة من أجل التشكك المشروع، وكذا إحالة المقررات القضائية التي تجاوز فيها القضاة سلطاتهم؛ حيث اعتبرت المحكمة الدستورية أن طلبي الإحالة هو اختصاص أصيل للنيابة العامة. وفي نفس الإطار، وحدا من تغول الحكومة على مبدأ الفصل بين السلط، قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية مقتضيات المادتين 624 و628 التي كانت تعطي لوزارة العدل تدبير النظام المعلوماتي الذي يتولى تعيين بصفة 0لية القضاة المكلفين بالقضايا؛ حيث اعتبرت المحكمة الدستورية أن منح هذه الصلاحية لوزير العدل يعتبر تدخلا في وظائف السلطة القضائية. وهو نفس الأمر الذي قضت بشأنه المحكمة الدستورية بعدم دستورية بعض مواد قانون المسطرة المدنية لانتهاكها الحق في الدفاع، من قبيل منعها من التعقيب والرد على مستنتجات المفوض الملكي، وسلامة إجراءات التبليغ والحضور في الجلسات امتثالا لمبدأ علنية الجلسات. وتأسيسا على ما سبق ذكره، يتضح أن التغول الحكومي، وبعد غطرسته على المعارضة البرلمانية، امتد حتى على دستور المملكة المغربية، لولا تدخل المحكمة الدستورية التي ردت الاعتبار ليس فقط للدستور، وإنما لدولة القانون.