1 – عندما يحلو للصحافي أن يتحول إلى .. اختصاصي في علم النفس الفرويدي 2 – قيادة التغيير وإغلاق القوس الإصلاحي: الحقيقة والتخييل 3 – الصحراء والديبلوماسية : «اختراقات ملك لا يحب السياسة الدولية» !! جمع التحقيق بين الأحكام المسبقة، وبين التحليل الفرويدي للتاريخ، والمزج بين الدائرتين الشخصية والعامة في سيرة ملك المغرب… في حين تغافل عن القضايا المركزية، مثل الصحراء، والإصلاح والموقع الجيوستراتيجي والتطورات الحقوقية وتطوير الممارسة المؤسساتية … إلخ، وكانت النتيجة، تقريبا منطقية،ارتكاب الخطايا السبع التالية: 1 – ينطلق التحقيق من صورتين: واحدة تنتمي إلى ما يصنف في الأنتروبولوجيا السياسية «دائرة عامة»، وهي صورة أمير المؤمنين بلباسه التقليدي، الذي يعود إلى فترات الإمبراطورية المغربية عبر القرون، ويقدمه لنا أمير المؤمنين في وضعية قال عنها « جموده الهش»، وهو متسمر فوق كرسي وسط حركة الساجدين! الخبر نفسه خاطئ، ذلك أن الفيديوهات، والتي نقلتها شاشات التلفزيون، وكما يمكن التأكد منها في وسائل التواصل الاجتماعي، تقول العكس، وأن الملك يتحرك، في حدود ما يتطلبه الجسد… أما الصورة الثانية فهي من صميم الدائرة الخاصة، وهو في البحر الأبيض المتوسط، علي متن الدراجة المائية. ومن الصورتين ينتقل إلى الحكم على العهد المحمدي .. بالنهاية! لا أحد، في المراجعة المطلوبة من طرف المسؤولين، نبه الصحافيين إلى أن الأمر يتعلق بصورتين عن جسدين مختلفين، كما تعلمنا من المؤرخ الألماني الأصل «Ernst Kantorowicz»، وكتابه الشهير «جَسَدا الملك»: الجسد الملكي الطبيعي، المُعرّض للفناء، الخاضع لأعراض الحياة والموت ولأثر الطفولة والشيخوخة، القابل للمرض والعياء، ثم الجسد الملكي فوق الطبيعي، الخالد، المُقاوم للزمن ولمظاهر الضعف والوهن، المُجسد الكامل للمملكة. (هي) فكرة امتلاك الملك لجسدين مُتَجاوريْنِ ومُتمايزيْنِ – جسد شخصي عابر وجسد سياسي أبدي ( كما كتب صديقي العزيز حسن طارق)، وقد حرصت الدولة المغربية برئاسة محمد السادس، على تجنب أي خلط بينهما، حتى أن التلفزيون العمومي تم تنبيهه عندما خلط بينهما في قصة جولاته التي قام بها في شوارع تونس كما نعرف! غير أن المجهود الفكري من هذا النوع، لا يخدم الأطروحة!. وظل الخلط بين الدائرة الخاصة والعامة والتنقل بينهما هو الطابع العام والمتحكم في تناول مسارات ملك المغرب. وهذا الخلط يطبع التحقيق من أوله إلى آخره، وأحيانا كثيرة لا يكون للتقاطع بينهما مبرر، ويتم سحبه على كل ما له علاقة بالملك محمد السادس (الأسرة، العادات، التنقلات. الذوق العام. إلخ إلخ ). والحال أن هذا التمايز الدقيق، يعد بحد ذاته «ثورة حميمية» في البلاط الملكي الجديد، كما كانت هناك أمور أخرى ذات نفس المعنى.. ومن هنا نفهم طغيان «المحاولة الفرويدية» في التحليل، والتي ستلجأ إلى «فلوبيرية» مقيتة، لا تنظر إلى الأعمال التي قام بها الفاعل السياسي، بل تسلط الضوء على ما تعتبره لاشعورا وبنية نفسية دفينة، كما يحدث مع الأدب والتحليل النفسي. ولهذا، ربما كان من الأجدر أن يصنف التحقيق في خانة الاجتهادات الصيفية التي تبدع فيها«لوموند كل صيف» والمعروفة بعنوان له دلالة عميقة: الخيال السياسي..! وهذا السرد طغى في الأوصاف التي قيلت في حق الملك، وتضاربها بين الصفحة الأولى من التحقيق إلى الصفحات الأخيرة: علاقة الملك بوالده، ما ينسب له من أقوال، حالاته النفسية، الخجل والغضب، حبه للاحتفال… وغير ذلك مما يدخل في الدائرة الفردانية ويفتح الشهية الافتراضية لكاتبي التحقيق.. التي تتبنَّى «العقدة الفرويدية في قتل الأب»، وتصدر أحكاما لا يقبل بها عقل من نوع: قبل العرش واجه الملك والدهالحسن الثاني الذي كان يعيب عليه ميله إلى الاحتفال ويشك في قدرته على الحكم!!!! وتنبني على نزعة شكسبيرية (هنري ووالده) تصل إلى حدود غير معقولة في الأسر المغربية العادية، المحكومة بالوقار والود الروحي، بالأحرى وسط أسرة ذات عمر يمتد لمئات السنوات من الملكية! هذه العلاقة تتطلب سنوات من ال«متابعة والمعاينة»، ولا تسمح بتحوُّل الصحافي إلى طبيب نفسي ! فليس في المقال أي استشهاد بطبيب أو بوصفة أو باسم، فقط قراءات حولاء، لحياة مَنْ تربى في جو ملكي، تربيةالملوك!! وأحيانا تصل التقريبية حدا مثيرا للشفقة: حيث يتحدث عن الأمير أو ولي العهد الذي « يفضل علبة الليل أمنيزيا على المدرسة المولوية » كما لو أن توقيت هاته وتلك هو….نفسه!!!! تصل الكاريكاتورية عند صاحبي التحقيق. الصفة المستحيلة، عندما يحيلا ثورة الملك محمد السادس في قضية المدونة، إلى الحياة التي عاشها وسط القصر، وما هو معروف عن وجود الحريم. ويسقط من الكتابة تاريخ المدونة نفسها ومسارها الطويل منذ محمد الخامس، والحسن الثاني، ومحاولات الإصلاح، ولم يغامر أي ذو عقل عند الكتابة السابقة أن قال إن الحسن الثاني أو أن أب الأمة محمد الخامس دُفعا نحو هذا الإصلاح بفعل الأجواء في الحريم!! ولا يثير الموضوع، الذي يكشف امتحانا قويا للعلاقة بين الدين والحقوق الكونية، والعلاقة بين إمارة المؤمنين والدولة الوطنية، وبين التيارات المحافظة والتيارات التحديثية، عند الحديث عن الموضوع سوى .. طابع غرائبي exotique … ، ولم يبذل الكاتبان مجهودا في رصد كل التراكمات، ومنها الفصل الثاني في إصلاح المدونة الذي دشنه الملك نفسه برسالته إلى رئيس الحكومة في أكتوبر/2023 والذي لم يحض بأي انتباه، بالرغم من قوة ما ورد فيه، والذي يعالج بعضا مما أثاراه من نواقص(زواج القاصرين مثلا)، والذي تمت الكتابة عنه كما لو أنه، وما زال، موضوعا بلا نقاش! والمرأة المغربية التي يبرر بها التحقيق هجومه على «الثورة غير التامة » للإصلاحات، في العهد المحمدي السادس، لم يتطرق إلى نضالاتها التي تعتبر أهم ما يغير المجتمع حاليا! 2 – يصر الكاتبان على أن قوس الإصلاح والانفتاح والتطور الديموقراطي توقف انطلاقا من .. 2003 أو أحيانا 2004 مع المدونة وأحيانا مع انتخابات 2002، لفائدة «سلطوية ممركزة» ومتمركزة، في يد الملك.(التسمية تنسب إلى محلل سياسي طلب عدم ذكر اسمه، يُحرِّم اسمه على من يحلل لهم بلاده وبلادهم!!). وبلاد انتقلت من الدكتاتورية إلى الاستبداد المستنير، مع وجود فاصل ديموقراطي بينهما! في الواقع لا حدود للنزعة التقريبية، حتى أنها تقع في المحظور من خلال عدم تدقيق السنوات والتواريخ: إذا كان القوس أغلق مع المدونة، كآخر تاريخ، كيف يتم فتحه بعد عشرين سنة بدون الحديث عنه، ولا الحديث عن هيئة الإنصاف والمصالحة: والحال أنهااشتغلت ما بين 2004 و2006، ولا عنترياتها التي خلقت جزءا من المغرب الجديد.. في التعامل مع حركة الربيع العربي، التي لم تعرف أي سقوط لأي ضحية، ولا عرفت أي دماء، يتحدث الكاتبان عن« الفزع» الذي أصاب القصر الذي «لم يسبق له أن عرف خوفا مثل الخوف وقتها»( طبعا المصدر هو أحد العارفين المجهولين المقربين من السلطة!). المغرب قدم النموذج في عدم السقوط في الاستحالة السياسية، التي سقطت فيها الأنظمة، والجميع شعر بأن قيادة الإصلاح تعودإلى من يصنع الدستور الجديد. وقد كانت خطوات الإصلاح قد تسارعت إلى ذلك الوقت (الجهوية نفسها بدأت بشكلها الذي سعى إلى تغيير طبيعةالدولة في 2010!). تعود النزعة الفرنسية الاستعلائية بشكل كبير، عندما يحسم الكاتبان القول بأن« نيكولا ساركوزي نصح الملك محمد السادس بالإصلاح وبخطاب 9 مارس ! « طبعا، الإصلاح العمي عند الصحافيين الفرنسيين إما يأتي من…الحريم الملكي كما في المدونة! أو من «الحريم الجمهوري» في فرنسا كما في الدستور!!! والحال أن ساركوزي نفسه عندما تحدث في الموضوع في كتابه الذي أصدره السنة الماضية قال العكس تماما. لنترك ساركوزي يتحدث: » كما حدث لي في غالب الأحيان في السابق، فوجئت مرة أخرى من عمق رؤية ملك المغرب وتفاعلها الرفيع المستوى. فقد أثرنا معا، ولمرات عديدة، سبل تفكيره المؤسساتي، وكان يعود باستمرار إلى هذه المسألة. ولقد وجدته مبدعا لكنني لم أتوقع بأنه سيكون قادرا على اتخاذ القرار بسرعة، وخصوصا بهذه القوة! والمغرب كان قد عرف على غرار دول عربية أخرى توترات من الخطورة بمكان، وكانت المظاهرات عديدة وصاحبتها البلبلة، ولم يكن الملك يملك أي موارد بترولية أو غازية من أجل محاولة تهدئة الحشود الغاضبة، وكانت تلك صعوبة إضافية ولا شك، ولما وجد نفسه في مواجهة براكين الربيع العربي، قرر أن يستبق ويبدع، علما أنه لم يكن عليه أن يتصرف تحت الضغط وكان قادرا على ضبط أجندته، وفي مبادرة فاجأت كل معارضيه، أعلن الملك إصلاحا كبيرا لدستور المملكة. وبمقتضى هذا الإصلاح أصبحت سلطاته السياسية والدينية مقلصة، وهو ما يشكل في حد ذاته تقدما جد ثري، لكنه ذهب أبعد عندما قرر أن يعرض مشروعه للاستفتاء، ابتداء من شهر يوليوز الموالي... كانت المفاجأة شاملة، والإبداع عميقا والأجندة جد سريعة برغبة ذاتية، وبعد المصادقة على الدستور الجديد، سيكون رئيس الحكومة المقبل هو الذي يدير الجهاز التنفيذي، بيد أن الأكثر إبداعا كان، في هذه الحالة، تعيينه من داخل الحزب الذي يتبوأ المرتبة الأولى في انتخابات مجلس النواب المغربي، وهو ما يعني، بشكل ملموس، أن المغرب سيصبح به من الآن فصاعدا حكومة تخرج من الاقتراع العام المباشر، فإلى حدود هذه الساعة كان لملك المغرب الصلاحية بأن يختار، بكل حرية، الوزير الأول، وقد تخلى عن هذه السلطة، وهذه التغييرات أدخلت المغرب في عهد جديد تماما، وذلك كان حدثا معتبرا. سألت محمد السادس ما إذا كان ينوي التصرف في حالة ما إذا عاد الفوز الانتخابي إلى الإخوان المسلمين، والذين كما أعرف يمثلون خصومه التاريخيين، وقد جاء جوابه بلا لبس، نعم، وهو ما فعله بالضبط حين حان الوقت. علاوة على هذا، أضاف الملك استقلالية القضاء وسلطته الخاصة بتعيين موظفي الدولة السامين المدنيين? الذي صار من اختصاص رئيس الحكومة، كما أن الطابع «المقدس» لشخص الملك قد أزيل وتم تعويضه بصياغة أقل تفخيما تقول: «شخص الملك لا تنتهك حرمته، وللملك واجب التوقير والاحترام.» ، وبقي الإسلام دين الدولة، والملك القائد الأعلى للقوات المسلحة. أعلنت عبر بيان رسمي تثمين ما وصفته ب» المسار النموذجي»، فهل تحدث عن نصيحة أم عن حوار ندا لند، بل اعتراف بتجاوز الملك لرؤية الرئيس؟؟؟ اللهم اجعل صحافيي «لوموند» يقرآن كتاب رئيس بلدهما يا رب! 3 – في كل حديث عن الصحراء والديبلوماسية..تضع «لوموند» «سيادة المغرب على الصحراء» بين مزدوجتين! وفي وصف زيارة ماكرون يوم 28أكتوبر تتحدث عن « استسلامه» للمغرب! وتحضر الجزائر في الكفة الأخرى للميزان، ونقرأ بين السطور أن ميل ماكرون إلى المغرب كان بسبب رفض الجزائر يده الممدودة ! وتظل هاته السيادة موضوع توهيم حيث تُسمى « العبارة السحرية» وتظل الصحراء في «لوموند» غربية، وتصبح الوطنية المغربية « انتقامية» ووطنية مبنية على الضغينة vindicatif ، والدليل؟ رد فعل المغاربة على جمال دبوز عندما فضل موقف البين البين في مباراة فرنسا والمغرب في المونديال! الملك الذي ينجح بقوة عندما تعترف له بما تحقق تضيف «ملك غريب»، لا يحب الديبلوماسية. ودون ذكر موقف واحد له في هذا! ويغيب عن أغلب القمم الدولية؟ بدون ذكر أي قمة منها… ويخلف الموعد مع رئيس الصين وسانشيز وأردوغان. ولا عبارة واحدة صادرة عن المعنيين ( كان الأولى قراءة رسالة الرئيس الصيني وما احتفى به من لقائه مع ولي العهد). وعندما يسردان قصة الحاجب الذي أيقظه لموعد دولي ،غضب عليه في 2010. لا نعرف من روى ومن كان حاضرا إذا كان الحاجب لا يمكنه أن ينطق بما وقع؟؟؟؟ أما العلاقة مع أمريكا والمكاسب التي تحققت معها تكتب لوموند أن« الملك الذي لا تهمه السياسة الدولية ولا العمل في النهار» قد حقق ضربة معلم حسب لوموند َ! ومن التناقض الصارخ أن الصحافيين يكتبان في نهاية «التحليل» المعنون ب« المخزن وفن أسرار القصر» أن « محمدا السادس لا يهتم سوى ب3 أشياء: الاقتصاد، والديبلوماسية والأسرة»!!!!!!! والحقيقةأن «التحقيق» يتكلم عن المكتسبات، كما لو أنها «نتيجة الضجر الأممي» ليس إلا، لأن «المغرب استفاد من ملل أو ضجر أممي دولي » وليس نتيجة ديبلوماسية واضحة وعاقلة وذات مصداقية ولا لانتصار الحق.. أو لأنه مارس « الابتزاز» ضد إسبانيا وقضية المهاجرين، كما لو أن تدفق الهجرةانتهى الآن !! أو ثأرا من حادثة جزيرة ليلى.. أما فرنسا فقد عادت إلى دورها الريادي أوروبيا في دعم الحكم الذاتي …«كتبته مع المغرب» كما قال عبد المجيد تبون تماما ! وتكتب» لوموند» كذلك أن : «القصر يتلاعب بمنتهي البراعة»، على مكتسبات ديبلوماسيته حول « مغربية» الصحراء التي توضع دوما بين مزدوجتين.. في مواجهة الجزائر المنافسة أو الغريمة التي تستعمل كفزاعة. وترى أن الصحراء تنقذ العرش، حيث « سعى المغرب لإعلان المسيرة الخضراء من أجل اجتياح الصحراء الإسبانية التي صارت الصحراء الغربية.» والاجتياح عبارة جزائرية انفصالية في قاموس التداول!