آلمني مستوى الحوار بين السيد الفزازي والسيد لكحل. فهو يعبر عن مستوى خلقي يحتاج إلى كثير من السمو والتجرد. وأقول لهما وبكل اختصار وحب إن هذا البلد في حاجة حقيقية إلى كل أبنائه وفي حاجة إلى نقاش بناء وجاد حول مستقبل المغرب واستقراره وهويته. بالله عليكما ما الفرق بينكما وبين الشمكارا في أي شارع من شوارع مدننا؟؟ فحيثما مررت تسمع من السباب والشتائم ما يخدش طبلة الأذن ناهيك عن شغاف القلب وأطواء الضمير. لقد كتبنا عن حاجة أهل السياسة للأخلاق والنبل وبدونهما تتحول السياسة إلى استقطاب والحكم إلى ظلم والتدبير إلى فساد. ولم أكن أتصور أن أن يكون أهل الفكر من المثقفين وعلماء الدين احوج الناس إلى الأخلاق وإذا تعفن خلق المثقف والعالم فمن يا تراه سيستقيم؟؟ لعلي أجد نفسي مطالبا بالتأكيد على مباديء بسيطة لن تغيب إلا على من غلف فلبه وعقله بغشاوة من التعصب والهوى الفكري. - أولا: قذف الإنسان بالجهل يدل على التكبر وعدم وجود الرغبة الحقيقية الصادقة في خلق جو من الود الذي يسمح لنا بالتعلم من الآخرين. - ادعاء امتلاك العلم الديني لدى كثير من علماء المسلمين رهبنة وحبرنة شنع عليها الله تعالى وبين بها عوار رهبان النصارى وأحبار اليهود. فالعلم الديني ميسر لكل الناس كل على درجة كده واجتهاده وعلمه. - ادعاء العقلانية لدى كثير من المثقفين تعصب لطريقة واحدة في التفكير وتعدد العقلانيات فكرة حديثة ورائعة فكما أن المثقف قد ياتي برأي سليم في الشريعة فإن عالم الدين قد يأتي بتصورات عقلانية ومنطقية وإن استقاها من فكره الديني. - حرام اتهام الناس بالمروق من الدين لمجرد أنهم يختلفون مع اجتهاداتنا بالله عليك يا شيخنا الفيزازي ماذا تفعل بالتراث الفقهي الإسلامي الغني بالاراء المختلفة والاجتهادات المتصادمة أحيانا فهناك من اشترط الولي في زواج المرأة العاقل وهناك من ذهب إلى غير ذلك وهناك من عد النقاب واجبا ومن عد الحجاب واجبا وفي كلام المفسرين ما يفيد أن من الصحابة من لم يمانع من أن تكشف المرأة ذراعيها لعلة العمل وهناك من العلماء من قال بجواز السماع وهناك من حرمه وهناك وهناك . ولا تظنن انني اميل إلى رأي دون رأي مما قلت سابقا وإنما مرادي أنه لو جاز وصف الناس بالمروق من الدين لمجرد خلافنا معهم لكفرنا مجموعة كبيرة من علمائنا الكبار كابن رشد وابن تيمية والطبري والرازي المفسر وكذا الطبيب والزركشي وابن خلدون ابن كثير ومحمد عبده وأنت تدري شيخنا- أن كثيرا من هؤلاء العلماء قد كفروا فعلا واتهموا في دينهم ولعلك تعرف تكفيرهم لابن رشد وابن خلدون وابن تيمية وأنت تدري ما فعله حنابلة بغداد بشيخ المفسرين الطبري وما فعله بعض علماء الأندلس للغزالي والشاطبي فلو صح رمي الناس بالخروج من الدين لما بقي عالم مسلم يصح إسلامه في التاريخ. ولو صح هذا لصدق من زندق الفيزازي وكفر عبد السلام ياسين ورمى المغراوي بالفتنة وهكذا - إن الخلاف الفكري لا يعني أن كل الأفكار صحيحة كلا بل إن الاحترام في الحوار ينضج الأفكار ولا يقتلها ويسمح للمجتمع وصناع القرار باختيار الأفكار الناضجة وتطبيقها فإذا ظهر منها عوار وجدوا في الاختلاف الناضج بنكا من البدائل الفكرية الجاهزة. ولهذا قال علماؤنا قديما إن الاختلاف في النظر الفقهي لا يلغي العمل الشرعي فالاختلاف الفكري بالنسبة للتطبيق كالبحث العلمي النظري للتكنولوجيا إذ لربما كثرت النظريات وطبقت واحدة منها فقط ولكننا لا نريد أن نحرم من نعمة التفكير وتقليب النظر حتى إذا فسد تطبيق فكرة ولم يؤد إلى مصلحة أدخلنا أيدينا في شوال الآراء المتعددة لنخرج منها حلا سائغا وبديلا مهضوما. - وإليك سيدي مثال على ما أقول. أنت تعلم جيدا أن إثبات الزنا في شريعتنا السمحة يحتاج إلى شهود أربعة وإلى معاينة الفعل وإلا عد من لم يوفر الشهود قاذفا يستحق التعزير. في ماليزيا أصر الحزب الإسلامي الحاكم في شمال الدولة على تطبيق هذا الحكم فحدث أمر غريب إذ ارتفعت جرائم الاغتصاب لأن المغتصبة لا تستطيع توفير الشهود الأربعة فيسقط ادعاؤها أمام المحكمة وهو ما ادى بالحكومة الفدرالية للتدخل وتوقيف العمل بالاجتهاد الفقهي المتوارث لأنه لم يؤد إلى مصلحة بل إنه أتى بمفسدة بينة. بربك قل لي وبعد اكتشاف الحمض النووي ألا نكتفي به إن كان دقيقا في إثبات الزنا؟ فإن كنت متفقا معي ولا إخالك إلا فاعلا افلا تحتاج الشريعة الإسلامية إلى اجتهاد جديد وخصوا فيما يتعلق بحد الردة؟ - سيدي الفيزازي قضية حد الردة تم الحسم فيها عند جمهور العلماء والذين قالوا بالقتل بعد الاستتابة. ولكن الموضوع صار مشكلا الآن وأنتم وأهل العلم والثقافة من أمثالكم وأمثال السيد لكحل يمكنكم البحث في المسألة ومناقشتها بعيدا عن التشغيب والمراء والجدال والذي أمرنا أن نتركه ولو كنا على حق. وإليكم القضايا التي لا يمكن أن نتجاهلها ونحن نناقش الموضوع: o هل يصح دين مع الإكراه؟ o أليس بين كتاب الله الذي يقول" لاإكراه في الدين" وحديث من بدل دينه فاقتلوه تعارضا حقيقيا يجعلنا ملزمين بالبحث عن فك هذا التعارض وهل يصح أن ينسخ حديث صحيح آية متواترة؟ o هل سيترك المسلمون دينهم إذا فتحنا المجال للحرية الدينية؟ هل الإسلام العظيم يترك بهذه السهولة وإذا تخوفتم سيدي الفيزازي غيرة على الدين ألا يعني هذا أنكم وبدون شعور تتصورون الإسلام سجنا ينتظر معتنقوه الهرب منه فور انفتاح كوة صغيرة من الحرية؟ o هل احكام الشريعة معللة كلها بحيث تدور مع العلة وجودا وعدما بعكس أركان العقيدة التي لا تعلل، فإذا آمنتم بالتعليل في الشريعة وهو مذهب جمهور علماء ألأمة قديما وحديثا ألا يمكن تعليل حد الردة؟ o لماذا تنتشر المسيحية في العالم وخصوصا في أفريقيا وآسيا واليابان والصين ويعود الأمريكيون من جديد إلى الدين مع أنهم أحرار في تركه ؟ أليس الإسلام دين الله الحق فلم لا نقول إن حرية المعتقد ستعيد للدين حيويته الأولى وسيتميز بها الفريقان : من يريد الإسلام ومن لا يريده؟ o مع العلاقة بين الدين ووحدة الدولة واستقرار نظامها فإذا كان خوفكم من الردة بسبب الخوف من الفتنة السياسية فاعتقد أنكم ستكونون حينها على صواب وهو ما يستلزم بحوثا في تكييف الحرية الاعتقادية مع دستور يحفظ للدولة استقرارها وللمجتمع انسجامه. o وأنتم يا أستاذ لكحل فإن رمي الأستاذ الفيزازي بالجهل والتطرف التكفير والرغبة في القتل انحطاط بمستوى النقاش ألم تر الرجل بعد السجن لم يعد الرجل بعده؟ ولم لا ندع الشيخ يعبر عن فكره بصدق ثم نحاوره ونرد عليه بالكلمة الطيبة وهو من عانى من السجن سنين كثيرة من اجل ما يعتقده أفلا نحتضنه ونبارك له الحرية التي كنا ننعم بها بدل إثارته لكي يلفظ بما نريده ان يتلفظ به فتكون حجة عليه لنعيده إلى السجن مع أنه لم ينكر فضل من اخرجه من الشباب الذي لا يتقاسم معه فكره وتصوراته؟ - وأخير أقول إن ما نحتاج إليه هو الحب فهل هذا أمل مثالي رومانسي من شاعر ام أن الحب إحساس لا يشقى به سوى العقلاء ودونهم ممن لم يتفيأ ظلال المحبة ينعمون بنقمة الجهل؟ *عميد كلية الآداب والعلوم الاجتماعية -أبوظبي