قدّم فاضل براس، باسم الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، مداخلة مطولة خلال الجلسة التشريعية العامة المخصصة لمناقشة مشاريع القوانين المؤطرة لانتخاب أعضاء مجلس النواب، وهي مشاريع تشمل القانون التنظيمي لمجلس النواب، والقانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، ثم مشروع القانون المتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية. وفي مستهل مداخلته، عبّر الفريق الاشتراكي عن ارتياحه الكبير للدعوة الملكية الواردة في خطاب عيد العرش ليوم 29 يوليوز 2025 بخصوص ضرورة اعتماد المنظومة القانونية المتعلقة بانتخابات مجلس النواب قبل نهاية السنة، مثمناً التوجيهات الملكية الموجهة لوزارة الداخلية لإعداد هذه الاستحقاقات في إطار من التشاور والانفتاح مع الأحزاب السياسية. كما نوه بالتفاعل السريع لوزارة الداخلية وبالمقاربة التشاركية التي اعتمدتها في لقاءاتها المختلفة مع الفاعلين السياسيين الذين قدموا تصوراتهم المتعلقة بإصلاح المنظومة الانتخابية. وأكد براس أن أهمية المشاريع الحالية لا تنحصر في تنظيم الانتخابات المقبلة، بل تتجسد أساساً في قدرتها على تعزيز النموذج الديمقراطي الوطني وترسيخ الاستقرار السياسي، مذكّراً بأن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ظل تاريخياً في صلب النضال الديمقراطي والدفاع عن انتخابات نزيهة وشفافة تعكس الإرادة الحرة للمواطنين. وأوضح أن بلادنا راكمت جهوداً كبيرة منذ الاستقلال لترسيخ دولة المؤسسات وتجويد القوانين الانتخابية، رغم أن الطموح لا يزال قائماً لتطوير منظومة تشريعية قادرة على توسيع المشاركة السياسية وإفراز مؤسسات قوية وكفاءات نزيهة. واعتبر أن الرهان المطروح اليوم هو تعزيز نزاهة العملية الانتخابية وضمان تكافؤ الفرص بين المتنافسين، في ظل الإكراهات التي تطرحها ظواهر كاستعمال المال والإحسان الانتخابي للتأثير في إرادة الناخبين. وفيما يلي النص الكامل لمداخلة الفريق الاشتراكي:
يشرفني أن أتناول الكلمة باسم الفريق الاشتراكي –المعارضة الاتحادية، للمساهمة في المناقشة العامة الخاصة بالمنظومة الانتخابية المؤطرة لانتخاب أعضاء مجلس النواب المقبل، والمتعلقة على وجه الخصوص بمشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، ومشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية،ثم مشروع القانون المتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية والاستفتائية. ولابد في البداية أن نعبر في الفريق الاشتراكي عن ارتياحنا الكبير لدعوة جلالة الملك محمد السادس حفظه لله في خطابه السامي بمناسبة عيد العرش يوم 29 يوليوز 2025، إلى ضرورة توفير المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية، وتثميننا للتوجيهات الملكية السامية للسيد وزير الداخلية للعمل على الإعداد الجيد للانتخابات التشريعية المقبلة، وإجراء المشاورات السياسية اللازمة مع الأحزاب السياسية. وفي هذا الإطار، لابد أيضا من التنويه بالتفاعل السريع لوزارة الداخلية، وبالمقاربة التشاركية التي اعتمدتها في تشاورها ولقاءاتها المختلفة مع الأحزاب السياسية التي قدمت تصوراتها المتعلقة بإصلاح منظومة انتخاب مجلس النواب. السيدات المحترمات والسادة المحترمون، إننا أمام ثلاثة مشاريع مهمة، لا تتجسد أهميتها فقط في تأطير عملية انتخاب مجلس النواب المقبل، بل تتجسد وبشكل كبير في قدرتها على تقوية النموذج الديموقراطي الوطني، وبالتالي مساهمتها في تعزيز الاستقرار السياسي، وجعل الديمقراطية رافعة للارتقاء التنموي ببلادنا. بناء عليه، وانطلاقا من هويتنا السياسية، ومن كوننا امتدادا لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي ارتبط تاريخيا بالنضال لأجل الديموقراطية، والترافع لفائدة انتخابات شفافة ونزيهة، قادرة على عكس الإرادة الحرة للمواطنات والمواطنين، فإننا نؤكد على أهمية التأطير القانوني للعملية الانتخابية برمتها بما يضمن تنافسية ونزاهة أكبر تسهم في تطوير المشاركة السياسية وتعزيز الثقة في الفاعلين السياسيين وفي المؤسسات المنتخبة. فقد بذلت بلادنا منذ استقلالها مجهودا كبيرا من أجل إعمال القواعد الديموقراطية، وهو المجهود الذي فرضته إرادة بلادنا في سعيها إلى إقامة دولة المؤسسات. وكنا في كل مرة نفتح ورش الإصلاح الانتخابي من أجل تجويد وتطوير القوانين الانتخابية، رغم أن طموحنا ما زال قائما في تطوير منظومة تشريعية انتخابية توفر الإطار القانوني الناجع لتعزيز المسار الديمقراطي وتوسيع المشاركة الانتخابية وإفراز كفاءات ومؤسسات نزيهة. إن الرهان المطروح علينا اليوم، هو التفكير في آليات تعزز مسار تحول الإطار القانوني للعمليات الانتخابية ببلادنا، وهو الرهان الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بتكريس نزاهة الانتخابات، من خلال ضمان تمتع جميع المتنافسين في العمليات الانتخابية بنفس الحقوق والالتزام بنفس الواجبات، والأكيد أن هذا الرهان يصطدم بالعديد من الإكراهات، لعل أبرزها استعمال المال وكل أشكال الإحسان لاستمالة الناخبين والتأثير في سلوكهم الانتخابي. السيدات المحترمات والسادة المحترمون، إن نزاهة الانتخابات، لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تم توفير جميع الضمانات اللازمة، وفي مقدمتها عملية تحديد الدوائر الانتخابية التي لا تعتبر مجرد عملية تقنية، بل هي الأساس لتشكيل الهندسة العامة للمنظومة الانتخابية. فالتقطيع الانتخابي يمكن أن يساهم في تدعيم الديموقراطية، كما يمكنه التأثير بشكل من الأشكال في الإرادة الحرة للناخبات والناخبين، كما أن التقطيع الانتخابي المعمول به حاليا، لا يستند إلى أية معايير واضحة أو أية اعتبارات موحدة، ديمغرافية كانت أم مجالية. ولذلك، نؤكد في المعارضة الاتحادية على ضرورة مراجعة التقطيع الانتخابي الحالي، من خلال: تصحيح اختلالات التقسيم الانتخابي الحالي، بما يضمن المساواة التمثيلية والنجاعة الضرورية؛ انتخاب أعضاء مجلس النواب في إطار الاقتراع باللائحة، باعتماد دوائر محلية ودوائر مخصصة للنساء، ودائرة مغاربة العالم؛ إدراج التقسيم الانتخابي ضمن المعايير الدولية المقبولة على أساس التوازن الديمغرافي والمساواة التمثيلية بين الدوائر الانتخابية. ولعل أهم مطلب لتحقيق العدالة الانتخابية هو تكريس مبدأ إحداث الدوائر الانتخابية المحلية في كل عمالة أو إقليم أو عمالة مقاطعات، مع إضافة إمكانية الدمج بينها. وهو ما سيؤدي إلى حذف الاستثناء المتعلق بجواز إحداث في بعض العمالات أو الأقاليم أكثر من دائرة انتخابية واحدة، تأكيدا لنمط الاقتراع باللائحة. فمن غير المنطقي اعتماد الإقليم قاعدة لدائرة موحدة، وتقسيم مجموعة من الأقاليم إلى دائرتين، لأن ذلك يكرس تغول الأغلبية التي ستتمكن من الحصول على مقعدين في الإقليم بدل مقعد واحد، وحرمان المعارضة من حقها في التمثيلية الانتخابية. وإنصافا للتمثيلية الانتخابية، فقد طالبنا بضرورة إجراء تغيير على الدوائر الجهوية، باعتماد مفهوم الدوائر المخصصة للنساء، بهدف في إتاحة فرص حقيقية لهن لتولي الوظائف الانتخابية، والعمل على إضافة دوائر داخل الجهة، تكون عدد المقاعد فيها متراوحة بين 4 مقاعد كحد أدنى، و7 مقاعد كحد أقصى، تراعى فيها نسبتي الكثافة السكانية والمساحة الجغرافية. السيدات المحترمات والسادة المحترمون، إن النظام الدستوري المغربي قائم على فصل السلط، لكن أيضا على أساس توازنها وتعاونها وتكاملها، وهو ما يتطلب الحرص على تدعيم هذا التوازن والتكامل، ولاسيما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وما يفرض الحرص على تقوية مكانة البرلمان ومن خلاله تقوية أدوار الأحزاب السياسية. وهنا، لا بد من التذكير بأن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سبق له في تصوره السياسي للنموذج التنموي الجديد أن أكد أن»لا تنمية بدون ديمقراطية، ولا ديمقراطية بدون أحزاب سياسية». إنه الموقف الذي تستوعب روح الفصل السابع من الدستور الذي جعل الأحزاب السياسية ركيزة من ركائز البناء الديمقراطي، والإطار الطبيعي لتأطير المواطنات والمواطنين، وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة السياسية، والتعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في ممارسة السلطة في نطاق المؤسسات. إن اللحظة التي نناقش فيها مشروع القانون المتعلق بالأحزاب السياسية لحظة مفصلية في علاقة المواطنين بالسياسة، في سياق ما تشهده بلادنا من تحولات اجتماعية عميقة، وتعبيرات المواطنات والمواطنين عن انتظارات متسارعة يوما عن يوم. والجواب عن هذه التحولات لا يكون بتبخيس عمل الأحزاب السياسية، بل بتوفير شروط تقوية أدائها من خلال إقرار قانون متكامل يزاوج بين المزيد من الشفافية والمساءلة من جهة، والمزيد من التمكين لتظل الأحزاب السياسية في قلب الفعل السياسي، ومشتلا لإنتاج النخب المسؤولة، وإفراز المؤسسات القوية التي تكون، أولا وأخيرا،في خدمة المواطن. وإذ نسجل التفاعل الايجابي مع مطلبنا في المعارضة الاتحادية بأهمية إحداث مؤسسات للتكوين والدراسات تابعة للأحزاب السياسية، فإننا كنا نأمل إدخال تعديلات أكثر عمقا تسهم في تعزيز المشاركة السياسية للمواطنات والمواطنين، وفي تقوية أدوار الأحزاب السياسية سواء على مستوى التصورات والاقتراحات أو على مستوى التأطير والجماهيري. وفي الأخير، لا بد أن نستحضر بهذه المناسبة بعدا بالغ الأهمية في وظائف وأدوار الأحزاب السياسية، وهو بعد الدبلوماسية الموازية. فالأحزاب السياسية لم تعد فاعلا محليا فقط، بل أضحت شريكا أساسيا في الدفاع عن القضايا العليا للوطن، وفي مقدمتها قضية وحدتنا الترابية، وفي شرح اختياراتنا الدستورية والتنموية لشركائنا في الخارج، عبر العلاقات الحزبية الدولية، والمنتديات الأممية والإقليمية، وهو ما أكدت عليه التوجيهات الملكية السامية في أكثر من مناسبة.