الطريق نحو المؤتمر ال18..الاستقلال يفتح باب الترشح لعضوية اللجنة التنفيذية    الهجمات على إيران "تشعل" أسعار النفط    مكناس: تعبئة شاملة لاستقبال ضيوف المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب 2024    فيتو أميركي يٌجهض قرار منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة    أعلنت شركة التكنولوجيا الأمريكية (ميتا)، إطلاق مساعد الذكاء الاصطناعي المجاني "ميتا إيه آي" عبر منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بها، مثل "واتساب" و"إنستغرام" و"فيسبوك" و"مسنجر".    فيديو لسائحة أجنبية ينتهي بتوقيف منتحل صفة بفاس    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بطل مسلسلات "ليالي الحلمية" و"أرابيسك" عن عمر 81 سنة    صورة تجمع بين "ديزي دروس" وطوطو"..هل هي بداية تعاون فني بينهما    منظمة الصحة تعتمد لقاحا فمويا جديدا ضد الكوليرا    المدير العام لمنظمة "FAO" يشيد بتجربة المغرب في قطاعات الفلاحة والصيد البحري والغابات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط نتائج بحث الظرفية لدى الأسر الفصل الأول من سنة 2024    "لارام" وشركة "سافران" تعززان شراكتهما بمجال صيانة محركات الطائرات    وزيرة : ليبيريا تتطلع إلى الاستفادة من التجربة المغربية في مجال التكوين المهني    "أحرضان" القنصل المغربي بهولندا يغادر إلى دار البقاء    الهجوم الإسرائيلي على إيران.. هل ينهي المواجهة المباشرة أم يشعل فتيلها؟    إسرائيل تقصف أصفهان بمسيّرات.. وإيران: لا تقارير عن هجوم من الخارج    السودان..تسجيل 391 حالة وفاة بسبب الاصابة بمرضي الكوليرا وحمى الضنك    رغم غلق الأجواء.. فريق مغربي يسافر في رحلة مباشرة إلى الجزائر    العصبة الاحترافية تتجه لمعاقبة الوداد بسبب أحداث مباراة الجيش    عساكرية من مالي والنيحر شاركو مع البوليساريو فتمرين دارتو دزاير (تصاور)    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    نقابة تتهم حيار بتعطيل الحوار الاجتماعي ومحاولة تصفية وكالة التنمية الاجتماعية    باستثناء الزيادة.. نقابي يستبعد توصل رجال ونساء التعليم بمستحقاتهم نهاية أبريل    التراث المغربي بين النص القانوني والواقع    الطالبي العلمي كاعي من البلوكاج لي داير لشكر لهياكل مجلس النواب واللي تسبب فتعطيل المؤسسة التشريعية    أخْطر المُسَيَّرات من البشر !    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    مهرجان خريبكة الدولي يسائل الجمالية في السينما الإفريقية    "قتلوا النازحين وحاصروا المدارس" – شهود عيان يروون لبي بي سي ماذا حدث في بيت حانون قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي    لوسيور كريسطال تكشف عن هويتها البصرية الجديدة    الدكيك وأسود الفوتسال واجدين للمنتخب الليبي وعينهم فالرباح والفينال    جورنالات صبليونية: هليكوبتر بالشعار الملكي والدرابو بالحمر حطات فمطار كاستيون    هجرة .. المشاركون في الندوة الوزارية الإقليمية لشمال إفريقيا يشيدون بالالتزام القوي لجلالة الملك في تنفيذ الأجندة الإفريقية    حملة جديدة لتحرير الملك العام في مدينة العرائش أمام تغول الفراشة    جنايات الحسيمة تصدر حكمها على متهم بسرقة وكالة لصرف العملات    مليلية تستعد لاستقبال 21 سفينة سياحية كبيرة    تقرير يُظهر: المغرب من بين الوجهات الرخيصة الأفضل للعائلات وهذه هي تكلفة الإقامة لأسبوع    تفاصيل هروب ولية عهد هولندا إلى إسبانيا بعد تهديدات من أشهر بارون مخدرات مغربي    بعد نشر سائحة فيديو تتعرض فيه للابتزاز.. الأمن يعتقل مرشد سياحي مزور    واش اسرائيل ردات على ايران؟. مسؤولوها اكدو هاد الشي لصحف امريكية واعلام الملالي هدر على تصدي الهجوم ولكن لا تأكيد رسمي    حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة    المغاربة محيحين فأوروبا: حارث وأوناحي تأهلو لدومي فينال اليوروبا ليگ مع أمين عدلي وأكدو التألق المغربي لحكيمي ودياز ومزراوي فالشومبيونزليك    "الكاف" يحسم في موعد كأس إفريقيا 2025 بالمغرب    خطة مانشستر للتخلص من المغربي أمرابط    بيضا: أرشيف المغرب يتقدم ببطء شديد .. والتطوير يحتاج إرادة سياسية    نصف نهائي "الفوتسال" بشبابيك مغلقة    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يطالب بفرض عقوبات على الأندية الإسرائيلية    "قط مسعور" يثير الرعب بأحد أحياء أيت ملول (فيديو)    منير بنرقي : عالم صغير يمثل الكون اللامتناهي    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال        قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    الأمثال العامية بتطوان... (574)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في كتابها « قبل الأوان » سعاد البكدوري رئيسة جمعية ضحايا 16 ماي.. ليتني شمعة في ظلام!!
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 14 - 05 - 2009


هو كتاب شهادة.. كتاب إدانة.. كتاب حياة..
لا يمكنك وأنت تقرأ كتاب « قبل الأوان » للأستاذة والمربية سعاد البگدوري، الذي كتب مقدمته الأستاذ عبد اللطيف شهبون، والصادر عن دار «سليكي إخوان» بطنجة، أن لا يقشعر منك البدن، وأن تفر منك دمعة تضامن إنساني بلا ضفاف. فهذه سيدة مغربية، كانت تعيش حياتها في دعة وأمان، تنتمي لما يمكن وصفه بالطبقة المتوسطة بخصوصياتها المغربية، أي أم تقاوم رفقة زوجها من أجل تربية الأبناء والبلوغ بهم إلى ما تراه برا للأمان.. لكن هذا «الأمان»، هو الذي سرقته منها لحظة عنف همجية بلا معنى، يوم 16 ماي 2003. وأكاد أقول، ما الذي سيقوله من تبقى من الإنتحاريين أحياء تلك الجمعة الدامية بالدارالبيضاء، ومن وقف وراءهم وأطرهم ووجههم صوب الموت، حين سيقرأون كتاب « قبل الأوان »؟.. هل ستصطك منهم الأطراف، ويدمى القلب وتدرف العين دمعا، مثل كل الناس؟!.. إن كتاب هذه المربية، أستاذة التاريخ بثانويات الحي المحمدي وسيدي البرنوصي بالدارالبيضاء، هو كتاب يعلن انتصار الحياة على الموت، انتصار قيم تمجيد بني آدم التي يربينا عليها ديننا الحنيف، على قيم الغدر والقتل بغير حق وبشكل مجاني.
كنت ليلة 16 ماي 2003، عند باب فندق فرح بشارع الجيش الملكي، في الساعة التاسعة و45 دقيقة، أنوي الصعود إلى مطعم الفندق الذي اعتاد صديقي الدكتور والشاعر المبدع عبد القادر وساط أن يتناول فيه عشاءه كل جمعة وأن يقرأ حصاد أسبوع من الكتب والمجلات العلمية والأدبية. كنت قد خرجت للتو من قاعة مسرح سيدي بليوط، حيث حضرت ندوة / لقاء أعلنت فيه مجموعة « لمشاهب » الفنية عودة كل أفرادها للعمل بشكل مشترك من جديد، بعد عودة رئيسها البختي من سنوات عمل طويلة في أمريكا.. وفي لحظة تعب وعياء، فضلت أن لا ألج فندق فرح، وأن أتجه رأسا صوب بيتي.. حين بلغت ساحة دكار ( شيميكولور ) الشهيرة بالدارالبيضاء، سمعت دوي التفجير الأول بمطعم ونادي « كازا إسبانيا »، ثم بعد ثوان التفجير الثاني والثالث، اعتقدت أنها قنينات غاز. نزلت من الطاكسي الصغير، وعدوت صوب جهة الصوت المدوي.. كانت أول جثة وجدتها أمامي حين وصلت جثة سائح إيطالي والدم يفر من عينيه وكل أطرافه، ثم أشلاء وأشلاء وعويل وهرب هنا وهناك.. كان الزقاق الصغير يعج بالحركة، قبل أن تبدأ سيارات الوقاية المدنية في الوصول تباعا..
بين الضحايا كان هناك أب وابنه.. الأب إسمه الطيب الخمال ( محام، سيقول لي عنه رجل ثقة، فيما بعد، الأستاذ الفاضل والنزيه والحجة في مجاله، محمد الصبري، أنه كان رحمه الله رجلا ورعا، خلوقا، طيبا ومحاميا نظيفا وناجحا ).. الإبن إسمه الطيب الخمال ( تلميذ مجد في ثانوية محمد الخامس بالدارالبيضاء، إحدى أقدم وأعرق ثانويات المغرب، التي كانت قد خرجت منها أول مظاهرات التلاميذ يوم 23 مارس 1965 والتي انتهت في حمام دم قمعي بعد إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين بإشراف شخصي من الجنرال أوفقير ).. ياه ما الذي سيحتمله قلب الزوجة والأم؟!.. الزوجة والأم سعاد البگدوري، التي ستجد نفسها رئيسة لجمعية ضحايا 16 ماي، سوف تعبر سراط محنة بلا ضفاف، وهو السراط الذي دونته شفيفا، بليغا، قويا في كتاب / شهادة يعتبر رسالة لنا جميعا كمغاربة.. رسالة انتصار منطق الحياة البناء على منطق الهدم والدمار.. رسالة تعلمنا معنى أن تكون إنسان..
حرت أي مقطع أختار من كتابها الذي يحكي قصة حياة، منذ ميلادها في طنجة، حتى عودتها إليها أرملة وحيدة بلا زوج وبلا ابن كان وعد حياة، وبلا ابنتها التي هاجرت المغرب لتكمل دراستها الجامعية.. فاخترت فصل « جُمَعْ »، الذي تقول فيه:
« فوق قبر ابني أشعل شمعة في عيد ميلاده. يأتي من يطفئها ثم يبعدها ؟؟.. ما زلت أحس بابني يكبر على مدار كل عام، كل يوم، كل لحظة... أنا أم وفية لذات جمعة 15 نونبر 1985. في الساعة الثامنة مساء من الجمعة إياها ولد الطيب، فولدت معه فرحتي الأولى. وتهاطلت أمطار الخير لتبارك مقدمه السعيد. وفي ذات جمعة بعد سبع عشرة سنة وستة أشهر ويوم وساعتين كتمت أنفاس الطيب.. لماذا؟ كيف؟ من؟..
أوقف الخفافيش نبضات الطيب بعد أن دخل في غيبوبة مدة أسبوع، تماما مثل الأسبوع الذي تلا ميلاده.. ليكون يوم وداعه الأخير مثل يوم عقيقته عندما أطلقت زغرودة معلنة « باسم طيب، طاب المسمى ». وفي ذات جمعة أطلقت زغرودة وداعه إلى مثواه، مثواي!. وفي ذات جمعة كان الطيب محمولا على الأكتاف، وكانت شقيقته صفاء فاقدة وعيها. في الجمعة ذاتها كنت في وضع احتراق وأنا بين زغرودتين...!. ( وشبيه صوت النعي، إذا قي/ س بصوت البشير في كل ناد ).. لم يدرك الطيب مدلول الزغرودتين، في الأولى كان نائما في حضني تشع من وجهه ابتسامة ملائكية.. وفي الثانية كان من الممكن أن تتحول زغرودة الوداع إلى زغرودات أخر،، في مناسبات النجاح أو الزواج أو ميلاد الأبناء.
الجمعة،، عيد المسلمين، فكيف تحول هذا العيد إلى مأتم وكرنفال دموي؟.. كيف انتشل الطيب من كتبه ودفاتره ودروسه لينطفئ قبل الأوان؟.. أي جمع هاته؟، جمعة السادس عشر من ماي، وجمعة الثالث والعشرين منه، من عام حالك هو 2003. في الأولى يرحل عني زوجي، وفي الثانية يودعني بلا وداع ابني.. « عيد المؤمنين »، أي عيد؟ لأي مؤمنين؟..
إبني الطيب: هل تعلم وأنت في عالم التكوثر والنور أن حشدا كبيرا من أمثالك الطيبين.. من أفراد عائلتك وأصدقائك وأساتذتك... قد ساورا في وداعك وهم يلتقطون أنفاسهم حسرة وألما؟.. هل تعلم يا طيبي أنه في ذات جمعة تالية كنت حاضرا بشعاع غيابك وأنت تتسلم بكالوريا فخرية؟.. هل تعلم يا بني، أنه ذات جمعة أخرى أقيم لك تكريم في شخص تلاميذ متفوقين من أمثالك في ثانويات الرباط وسلا، فمنحتهم روحك شهادة النبوغ الشرفي؟.. هل تعلم أن تلاميذ بإعدادية إبن بطوطة في طنجة، آخر مدينة زرتها معي قبل رحيلك، قدموا عرضا دراميا عن فراقك المباغث بلغة خاطبت أفئذة وضمائر جمهور التلاميذ والآباء والأمهات، فأبكت الجميع؟.. هل تعلم يا ولدي أن مدرستك الأولى بالبيضاء « مجموعة مدارس الإقامة » ما زالت وفية لذكراك وأنت تغيب عنها ذات جمعة؟.. خالد أنت يا طيبي في كل الجمع.. وفي أيام الله.. إلى ماشاء الله »..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.