لقد رأينا في المقال السابق أن المشاركة السياسية هي الأساس المتين الذي تنبني عليه الحياة السياسية في الأنظمة الديمقراطية٬ وخاصة مشاركة الشباب. وعليه٬ فإننا سنهتم في هذا المقال بواقع هذه المشاركة السياسية على المستوى الحزبي. بالتأكيد٬ يعاني المغرب من أزمة حقيقية في مجال مشاركة السياسية للشباب٬ لكن هذه الأزمة لا يجب أن تختزل في التحليلات السطحية والتي تذهب في أغلبها للحديث عن العزوف السياسي للشباب٬ بل ثمة ملاحظة أساسية في مجتمعنا المغربي مفادها أن الشباب المغربي ليس عازفا عن المشاركة في الحياة السياسية بكل تلويناتها وتمظهراتها بقدر ما هو عازف عن ولوج غمار الممارسة الحزبية٬ نتيجة لمجموعة من العوامل والمعطيات الموضوعية. ربما٬ قد تكفينا إطلالة سريعة على شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية٬ للبرهنة على مدى تفاعل الشباب المغربي مع الأحداث والقضايا السياسية الوطنية والدولية وانخراطهم الفعال والبناء في دينامية الحراك السياسي والمجتمعي الذي تعرفه المنطقة العربية برمتها. في تقديري٬ يمكن تفسير عزوف الشباب عن المشاركة السياسية الحزبية انطلاقا من ثلاث قضايا أساسية ومحورية. القضية الأولى٬ تتمثل في ضعف الديمقراطية الحزبية٬ حيث أنه لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي الحزبي الوطني سيادة منطق الولاءات القبلية والعائلية والمصلحية الضيقة في أغلب الممارسات السياسية لمعظم الأحزاب. بينما منطق الكفاءة السياسية والعلمية والانضباط الأخلاقي مسألة ثانوية لدى معظم الفاعلين السياسيين الحزبيين٬ أما شعار الديمقراطية فلا يعدو كونه شعارا للاستهلاك الإعلامي والجماهيري ليس إلا. والغريب٬ أن هذه الأحزاب ما تنفك تطالب ببلورة وتفعيل المبادئ الديمقراطية في الحياة السياسة في نفس الوقت الذي تنهج فيه ممارسات رجعية كليانية أثبت الزمن السياسي بؤس أفقها وفشل رهاناتها في العالم أجمع. القضية الثانية٬ تتعلق بهيمنة ثقافة الخلاف ومنطق الإقصاء والاستئصال٬ فإذا كانت السياسية هي مجال للصراع السياسي الديمقراطي حيث يحضر الرأي والرأي الآخر٬ فإنه حينما تنبري أصوات معارضة من داخل الحزب لها وجهات نظر أو رؤى مختلفة عن القيادة٬ فغالبا ما يتم التعامل معها كتمرد يجب قمعه واستئصاله. وبالتالي٬ إشهار الورقة الحمراء في كل من يحمل هذا الرأي أو يتعاطف معه. في المجتمعات الديمقراطية يشكل التعايش بين الاختيارات والتوجهات المختلفة مكسبا نوعيا للحزب وقيمة مضافة للديمقراطية الحزبية. ونتذكر الصراع الشهير بين هيلاري كلينتون وباراك أوباما٬ والذي بمجرد مازالت دوافعه - الترشح للانتخابات الرئاسية - حتى عادا للعمل معا في كتلة حكومية واحدة. و بالمناسبة فعقلية الإقصاء والاستئصال غير مقتصرة على الرأي الآخر أو المعارض من داخل الهياكل الحزبية٬ بل تتعداه إلى الرغبة في طرد كل مخالف لرأي الزعيم"الملهم" من الساحة السياسية برمتها في انقلاب خطير على كل المبادئ الديمقراطية والحقوقية التي تؤطر العمل السياسي في بعده الكوني. والقضية الثالثة٬ تتجسد في إقصاء الشباب من مراكز القرار ومواقع التأثير٬ فجل الأحزاب السياسية تتعامل مع قطاعات الشباب كخزانات انتخابية ظرفية يتم استغلالها في لحظات معينة لغرض كسب أصوات الناخبين فقط. كما يتم توظيفها كواجهات حزبية أمام الدولة ووسائل الإعلام. والحقيقة٬ أن هذه القطاعات والتنظيمات الشبابية غائبة تماما عن مسرح الأحداث الحزبية ودينامية القرارات السياسية. و بالتالي٬ فلا مجال للحديث عن صناعة النخب السياسية الحزبية القادرة على تدبير الشأن السياسي في المستقبل. وعليه٬ فإن تعبئة الشباب المغربي في المشاركة السياسية الحزبية لا ينبغي أن تخضع لاعتبارات ظرفية وانتخابية ضيقة، بل يتطلب الأمر بلورة سياسة وطنية شمولية للشباب لأنها ستترجم الإرادة السياسية للدولة من أجل أن تشكل فئة الشباب ركيزة أساسية للتنمية المستدامة في أبعادها المحلية والجهوية والوطنية. رضوان قطبي