أصبح مشهد مداهمة مقاهي الشيشة في المغرب، ومصادرة قنيناتها، وتوقيف أصحابها، مألوفًا في السنوات الأخيرة، رغم أن هذه المقاهي باتت واقعًا معاشًا وأحد ملامح المشهد الترفيهي في عدد من المدن المغربية الكبرى. وبينما تواصل السلطات المحلية والأمن هذه الحملات، يطرح الكثيرون تساؤلًا مشروعًا: لماذا لا يتم تقنين هذه الفضاءات ووضع إطار قانوني واضح لها، بدل تركها في المنطقة الرمادية بين السماح الضمني والمنع القانوني؟ في كثير من دول العالم، أصبحت مقاهي الشيشة جزءًا من الثقافة الترفيهية المنظمة، ففي فرنسا، الإمارات، تركيا، إسبانيا، وغيرها، تم ترخيص هذه المقاهي وفق ضوابط صحية وإدارية واضحة، تضمن احترام معايير السلامة، وحماية القاصرين، ومراعاة حقوق الجيران، ومراقبة مصادر التبغ والمعسل لتفادي التهريب والغش. وفي المغرب، الذي يسعى لترسيخ مكانته كوجهة سياحية دولية، خاصة بعد فوزه بشرف تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، تبدو هذه الحملات الأمنية ضد مقاهي الشيشة متناقضة مع الصورة التي يريد تقديمها للعالم، إذ كيف يستقبل المغرب ملايين السياح، بينما قد يصدم هؤلاء بمشاهد المداهمات والمصادرات لمجرد أنهم قصدوا مقهى للشيشة، وهو أمر عادي ومألوف في بلدانهم؟ إن مقاهي الشيشة اليوم توفر فرص عمل لعشرات الأسر المغربية، كما تفعل الحانات والملاهي الليلية، بل إن العديد منها ملتزم بعدم تقديم خدماته للقاصرين أو لمن هم دون السن القانوني، ويحترم الضوابط الأخلاقية والاجتماعية، بدل إغلاقها أو ملاحقتها، يمكن للدولة أن تضع دفتر تحملات يشمل شروطًا واضحة، مثل: * منع ولوج القاصرين * احترام المسافة القانونية عن المؤسسات التعليمية ودور العبادة * الحصول على موافقة السكان المجاورين * شراء المعسل ومنتجات التدخين من مصادر قانونية مرخصة * الالتزام بمعايير التهوية والسلامة الصحية بهذا، يمكن للدولة أن تحوّل هذه الفضاءات إلى نشاط اقتصادي قانوني يخضع للمراقبة، ويساهم في دفع الضرائب، بدل أن يبقى في دائرة الاقتصاد غير المهيكل والملاحقات المتكررة. المفارقة أن الفنادق والملاهي الليلية، التي تقدم بدورها خدمة الشيشة، لا تتعرض للمداهمات الأمنية أو حملات المصادرة، مما يعمّق الشعور بانعدام تكافؤ الفرص والتمييز بين المهنيين في القطاع السياحي والترفيهي. إن المغرب، وهو مقبل على احتضان تظاهرات كبرى، بحاجة إلى تحديث ترسانته القانونية بما يتماشى مع الواقع الاجتماعي والتحولات الاقتصادية. تقنين مقاهي الشيشة ليس فقط خطوة نحو حماية الصحة العامة وتنظيم المهنة، بل أيضًا رسالة انفتاح وتحديث تعزز جاذبية المملكة كوجهة سياحية عالمية تحترم التعددية الثقافية وتوازن بين الحرية والمسؤولية. حان الوقت لطي صفحة المداهمات والمصادرات، وفتح صفحة التنظيم والمراقبة الذكية، بما يضمن حقوق الجميع: أصحاب المقاهي، الزبائن، الدولة، والمجتمع.