تفاقمت، خلال الشهور الأخيرة، بشكل يدعو إلى القلق والتأمل، في آن واحد، ظاهرة تسول الأطفال بشوارع وأزقة مدينة خريبكة، أطفال مشردون في صور بئيسة جدا تثير استياء سكان المدينة.نماذج من الصغار والكبار المشردين بخريبكة (خاص) أطفال يتسولون ويستعطفون المارة في وضعية تدفعك إلى طرح الكثير من الأسئلة، من قبيل من أين قدم هؤلاء الأطفال؟ ولماذا لم تتحرك الحكومة في شخص تمثيلياتها المحلية، وكذا مؤسسات المجتمع المدني، لإنقاذهم من أخطار الشارع ومن أنياب المجرمين والمستغلين لوضعهم البئيس؟ وهل هناك بالفعل محاولات لتصحيح الوضع؟ الأخطر من ذلك، أنك تجد أطفالا في سن مبكرة يستعملون مادة "السليسيون"، وفي أوقات متأخرة من الليل، وفي أماكن تشكل الكثير من الخطر على حياتهم البريئة، ناهيك عن المشهد المقرف والبئيس، الذي بات مألوفا لدى قاطني مدينة خريبكة، المتمثل في استغلال هؤلاء الأطفال والشباب من لدن أشخاص يافعين ومنعدمي الضمير، يتظاهرون كأنهم أولياء أمورهم، ولكن، في الواقع الأمر، لا شيء يربطهم بهم البتة، سوى علاقة الاستغلال، حيث يجري توظيفهم بذكاء ودهاء، في استعطاف المارة وكسب دراهم بمجهود سواعد فتية صغار. هذا يدل، بكل تأكيد، على قصور تفعيل تنظيرات القطاعات الرسمية الوصية على الشأن الاجتماعي، كما يبين هدا الوضع، بشكل جلي، فراغ المجتمع الخريبكي من جمعيات المجتمع المدني، التي تعنى بمعالجة هذه الآفة، كما هو الشأن بالنسبة لمدن كبرى، التي تعرف نشاطا جمعويا يهدف للغاية ذاتها. أرقام مخيفة للإشارة، فإن الإحصائيات في خريبكة، المتعلقة بتوسيع برنامج التربية غير النظامية، عبر الاستعانة بالموارد البشرية والمادية لوزارة التربية الوطنية، لفائدة الأطفال غير الممدرسين من (9- 11 سنة)، تشير إلى وجود حوالي 3839 طفلا موزعين على 21 مدرسة، بينما لم يجر تسجيل سوى 740 تلميذا موزعة ما بين 560 طفلا بالمدار الحضري، و180 طفلا بالمدار القروي، أي أن حوالي 3099 طفلا يظلون خارج هذا البرنامج، وهذا العدد يشمل فئة من المتسربين، يشكل أغلبهم أطفالا يشتغلون في عدة قطاعات صناعية وخدماتية بالرغم من عدم توفرهم على السن القانونية، في أعمال أقل ما توصف به، أنها هامشية ومحطة لكرامتهم، كمسح الأحذية، أو الاشتغال بواسطة عربات مجرورة أو مدفوعة، لجمع الأزبال وبيعها كأعلاف للحيوانات، وخاصة مع توالي سنوات الجفاف القاسية. وجل هؤلاء الأطفال يعيشون في وضعية صعبة جدا ومتدنية.. كما أكد مصدر مسؤول أنه جرى إحصاء، خلال سنة 1999، بناء على مذكرة من الداخلية، في إطار حملة خاصة بأطفال الشوارع، عدد المشردين بالمدينة ب 78 شخصا،53 رجلا و25 امرأة و14 شابا، و6 فتيات. وبعد حملة منسقة بين جميع المصالح المعنية، جرى تجميع المشردين بدار الأطفال في خريبكة، حيث جرى الاعتناء بهم، وقامت لجنة مكلفة بدراسة كل حالة على حدا، ليجري ترحيل المشردين من خارج المدينة عبر الحافلات، أما الباقين من المشردين، وعددهم 39 حالة، جرت المناداة على بعض أقربائهم، وبعد التعرف على هويتهم، جرى ترحيلهم بواسطة سيارات الأجرة الصغيرة إلى العناوين، التي جرى التعرف عليها. وسبق ل "المغربية" أن زارت المركب الاجتماعي التربوي، الموجود قرب طريق لفقيه بن صالح، وهو المقر الذي كان مخصصا أول الأمر للعجزة، لكن سرعان ما جرى تحويله، بإجماع المسؤولين والفاعلين الجمعويين، إلى مركب اجتماعي تربوي، يعمل على إعادة تأهيل الشباب ضحية الهدر المدرسي، مخافة من الانحراف والتشرد، بتخصيص فضاءات لتعلم الحرف المهنية المتضمنة لأنشطة مدرة للدخل، والدعم المدرسي ومحو الأمية، كما يعمل على إعادة تكوين المشردين، الشباب منهم على الخصوص، لمدة عام، بتعاون مع منظمة دولية خاصة بالهجرة، في إطار مشروع "سالم"، الذي يسعى إلى احتضان المشردين والعمل على تكوينهم وإدماجهم في خلية المجتمع. يذكر أن المنظمة المذكورة رصدت مبلغا ماليا مهما للمشروع، قدر ب 20 مليون درهم. يذكر أن الإحصائيات الرسمية لسنة 1994، تشير إلى أن 55 في المائة من سكان المغرب البالغين أكثر من 10 سنوات، أميون، وعلى إثر البحث الوطني، الذي أنجزته مديرية الإحصاء بوزارة التوقعات الاقتصادية والتخطيط، خلال الفترة الممتدة من يونيو 1997 إلى يونيو 1998، تبين أن هذه النسبة انخفضت إلى 47 في المائة. وحسب المعطيات الإحصائية لمديرية الاستراتيجية والدراسات والتخطيط بوزارة التربية الوطنية لشهر يونيو 2000، فإن حوالي مليونين ومائتي ألف طفل وطفلة لم يلجوا المدرسة قط، أو غادروها في مرحلة مبكرة من تمدرسهم، رغم الجهود، التي بدلتها الوزارة في مجال تعميم التمدرس.