حين يكون المرء في الخارج ويهم بالعودة إلى المغرب لا يفكر لا في مدة الرحلة، ولا متاعبها، كيف لا وفرحة العودة إلى الوطن تنسيه كل شيء. بعد غياب دام أحد عشر يوما في الكويت الشقيقة، لتغطية أشغال القمة العربية ال25، وبخلاف رحلة الذهاب لم تكن رحلة العودة لتؤرقني، ولم يكن النوم يساوي شيئا مقابل دفء الوطن. لم يدخر الأشقاء في الكويت أي جهد لتكون المهمة هناك يسيرة، كل وسائل العمل كانت متوفرة وساعدت على تحقيق ما جرى التخطيط له بنسبة مائوية مهمة، كانت كل وسائل النجاح في المهمة ميسرة، وفاقت الحفاوة التوقعات، لكن سحر المغرب كان يدفعني إلى استشراف العودة ولا شيء غيرها. حوالي الحادية عشرة والنصف من ليلة الأربعاء الماضي بتوقيت المغرب "القديم"، أي ساعات بعد اختتام أشغال القمة غادرت رفقة الزميلين محتات الرقاص، مدير نشر "البيان" و"بيان اليوم"، ونزار الفراوي من وكالة المغرب العربي للأنباء فندق ماريون كوتيار بالكويت العاصمة في اتجاه المطار، بعد ساعتين من الانتظار أقلعنا نحو القاهرة، قضينا في مطار العاصمة المصرية أزيد من ثلاث ساعات، شكلت الصحف المصرية أفضل وسيلة لقتل الوقت، تنافس على الصفحات الأولى من صحف أرض الكنانة خبر استقالة وزير الدفاع الأسبق عبد الفتاح السيسي تمهيدا للترشح للانتخابات الرئاسية مع نتائج القمة العربية، وترحيب المستشار عدلي منصور بالقادة العرب في القمة العربية ال26، التي تحتضنها بلاده في العام المقبل. حلت ساعة الإقلاع التي تأخرت، وكأنها تعاندنا، بدت الرحلة وكأنها طالت أكثر من اللازم، ننام تارة نصحو أخرى نكرر ذلك أكثر من مرة، وأخيرا دخلنا الأجواء المغربية تطل علينا مدينة الدارالبيضاء ببناياتها أو على الأصح نطل عليها ينتابنا شعور غريب.. وصلنا بحمد الله إلى مطار محمد الخامس، رددنا هذه العبارة قبل المضيف، انتهت الرحلة، أنهينا كل الإجراءات، وقبل أن نغادر المطار خيل لنا أننا كنا نحلم، أو أن الربان ضل الطريق وعوض أن يحط بالطائرة في المطار حط بها في محطة طرقية.. تنهال عليك العروض بشكل غريب "خاصك طاكسي؟".. "خاصك سيارة.. عندي سيارة موديل 2014".. تكرر ذلك عدة مرات تستغرب كيف سمح لهؤلاء الأشخاص بالدخول إلى المطار ليمارسوا أفعالهم هاته ويحولون المطار الذي يعد وجه المغرب بالنسبة إلى كل زائر أجنبي إلى سوق شعبي. تتمنى لو منحت سلطة طردهم دفاعا عن سمعة مطار مغربي له شهرة لا تقدر بثمن، لكن العين بصيرة واليد قصيرة. اعتقد من توجهوا نحو محطة القطار أنهم تخلصوا من جحيم محاصرة عارضي خدمات الطاكسيات و"الخطافة"، لكن "الصدمة كانت قوية"، إذ انبعث صوت يقول "انتباه من فضلكم .. القطار المتوجه إلى بوسكورة ... الوازيس.. البيضاء المسافرين.. عين السبع سيتأخر عن موعده حوالي...". انتهى التنبه على هذا النحو، تاركا من كانوا ينتظرون دورهم للحصول على التذاكر يتساءلون حوالي ماذا، بادرني أحدهم بالسؤال لماذا توقفت عند حوالي، ولم تعلن عن المدة أجبته مازحا "نحن في امتحان والمطلوب منا ملء الفراغ الموجود بعد عبارة حوالي...". ثاني الصدمات توقف من كانوا خلف الشباك عن الاستجابة لطالبي التذاكر بدعوى أن "السيستام خاسر"، لم يصدق أحد ما قيل، لكن لم يكن أمامهم من خيار سوى الانتظار بعد مرور نصف ساعة عدنا إلى المطار للبحث عن سيارة أجرة، لأننا لم نعد نحتمل بعد رحلة استغرقت من الكويت إلى البيضاء مرورا بالقاهرة أزيد من 15 ساعة.. سألنا أحدهم إن كنا نريد طاكسي ثم اعترف بأنه "خطاف" تركناه واتجهنا نحو محطة سيارات الأجرة، هناك بدأت قصة أخرى مجموعة من الشباب يتحلقون حول كل من يخرج إلى المحطة يستفسرونك هل تريد سيارة أجرة؟ وما إن يعلم أنك زبون مفترض لأصحاب الطاكسيات حتى ينتزع منك الأمتعة دون استئذان، وما إن تهم بامتطاء الطاكسي بعد تسليمه مبلغا ماليا حتى يأتي الثاني ليطالب بنصيبه، وإن لم يقدم لك أي خدمة، أنت قادم من الخارج إذن أنت منجم أموال وضحية لا مفر لها من الابتزاز. ما كاد سائق الأجرة ينطلق حتى شرع في التعبير عن احتجاجه على ما وصلت إليه الأمور في مطار محمد الخامس، ويقول "إننا نعاني ولا أحد يرغب في وضع حد لهذا التسيب، إنهم يسيئون إلى سمعة المغرب، المطار هو وجه البلاد". يسترجع أنفاسه ثم يقول "صافي هاد المطار مشى". يواصل الحديث بأسف عن احتلال المطار من الداخل من طرف الخطافة، الذين لا يتردد بعضهم في سلب من يغامرون بالركوب رفقتهم ما يملكه، زاعما أن هذا حدث عدة مرات... كثيرون هم المواطنون الذين يرغمون على توديع أقاربهم دون التمكن من الدخول إلى المطار في بعض الأحيان لأنه لم يسمح لهم بذلك، لكن الخطافة يدخلون ويمارسون أفعالا غير مقبولة، ويقدمون صورة مسيئة ربما تضطر السائح إلى عدم التفكير في العودة أو ثني معارفه عن التوجه إلى المغرب، أي أن الحملات والمخططات لجلب السياح تذهب سدى بسبب التساهل مع "الخطافة".. إنه العبث، صراحة لم يعد هناك فارق بين المطار والمحطة الطرقية، بل إن ما يحدث في بعض المحطات أرحم مما أصبح يمارس في مطار محمد الخامس ما يستدعي تحرك المسؤولين لتمشيطه قبل فوات الأوان.