بهذه العبارات لخص جلالة الملك أمس، في خطاب العرش، فلسفة الملكية، التي تبناها جلالته منذ اعتلاء عرش أسلافه المنعمين. مذهب خول للمغرب، اليوم، تعزيز مكاسبه واحتلال مكانة مهمة وقوية على الصعيدين الإقليمي والدولي، والاحتياط من التقلبات الاقتصادية والسياسية، التي عانت دول أخرى عواقبها على حساب رفاه وطمأنينة شعوبها. يتعلق الأمر بالتحسين المستمر لعيش المغاربة، والحفاظ على مكاسبهم وقيمهم، وحصتهم من الإمكانات، التي تخول لهم التطلع إلى مستقبل أفضل، فرادى بصفتهم مواطنين، وجماعة بصفتهم أمة. "كل ما تعيشونه يهمني: ما يصيبكم يمسني، وما يسركم يسعدني. وما يشغلكم أضعه دائما في مقدمة انشغالاتي"، هذا ما ذكره جلالة الملك في خطاب العرش. في الخطاب الموجه إلى الأمة، استعرض جلالة الملك بعض الاختلالات، التي وقف عليها جلالته خلال جولاته عبر المملكة وفي الخارج، من خصاص في البنيات التحتية والمشاريع المهيكلة التي يعانيها سكان بعض المناطق الهامشية، والأحياء العشوائية بالمدن الكبرى، مع الإشارة إلى الصعوبات التي يعانيها مغاربة العالم، للولوج بالكرامة والسلاسة الضروريتين إلى الخدمات القنصلية ببلدان الاستقبال. وكما دأب على ذلك جلالة الملك خلال السنوات الست عشرة الأخيرة، فإن جلالته يتدخل على إثر معاينات، كي يعطي تعليماته السامية للجهات المعنية، من أجل حل المشاكل المسجلة، واتخاذ القرارات الضرورية لتفادي تكرارها في المستقبل. وفضلا عن قضايا المعيش اليومي للمواطن، يتدخل العاهل الكريم، كذلك، من موقعه كضامن لسير المملكة على الطريق الصحيح، المؤدي إلى مستقبل مزدهر. وفي هذا السياق، يذّكر جلالة الملك، بنبرة قوية، بضرورة القطع مع الحلقة المفرغة المستمرة، التي انحبس فيها إصلاح التعليم وتعثر في الخروج إلى الوجود، والحال أن الأمر يتعلق بمشروع، كل تأخير فيه يؤدي إلى الإضرار بمستقبل الأمة. إلا أن مستقبل المواطن لا يمكن أن يبنى على هامش ما يجري حوله. ففي عالم يعرف معارك شرسة من أجل التموقع، للمملكة حق وواجب الدفاع عن مصالحها، وصيانة وتعزيز روابطها مع أصدقائها وحلفائها. كل هذا لن يتأتى إلا من خلال دبلوماسية فاعلة ودينامية، كما بلورها جلالة الملك كنموذج على الصعيد الدولي، بفضل ثلاثة أسس أساسية، تتمثل في الصرامة، والتضامن، والمصداقية. ويتعلق الأمر بصرامة المواقف والالتزامات، والتضامن مع الأصدقاء ومع الحلفاء وفي القضايا العادلة، والمصداقية إزاء الشركاء. وأخيرا، فإن تحسين الأوضاع والتقدم إلى الأمام لا يمكن أن يتأتى في حالة التفريط، خلال الطريق، في الهوية ونقط الارتكاز، ومن هذا المنطلق حرص جلالة الملك على التذكير بأن على المواطن، من باب الواجب الديني والوطني، أن يحرص على الحفاظ على ما يشكل هويته، ومن مقوماتها المذهب المالكي، الذي تبناه المغاربة وساروا على نهجه منذ القديم، ومن القيم الروحية والإنسانية التي انخرطوا فيه دائما، وهذا ما صنع وحدتهم وخصوصيتهم. في هذا السياق، قال جلالة الملك "عليك أن ترفض كل دوافع التفرقة، وأن تظل، كما كنت دائما، غيورا على وحدة مذهبك ومقدساتك، ثابتا على مبادئك، ومعتزا بدينك، وبانتمائك لوطنك".