من سوء حظ طنجة أن سكانها اليهود، الذين صار عددهم اليوم أقل من 50 شخصا بعد أن كانوا في السابق بعشرات الآلاف، قد رحلوا.. لقد نزحوا بعد أن تحولت طنجة من مدينة مزدهرة أيام الحماية إلى مدينة منبوذة في عهد الاستقلال. لكن رغم قلة اليهود الطنجويين فإنهم أبانوا مؤخرا عن كونهم قوة حقيقية، واستطاعوا أن يقلبوا وجه الوالي محمد حصاد ويسببوا له الأرق، بل أرغموه على عقد اجتماعات ماراثونية، من بينها الاجتماع الذي عقده مع برلمانيي المدينة، لكي يؤكد لهم أن قرار هدم مستشفى «بن شيمول» المهجور كان قانونيا، وأنه لم يخرق القوانين. ومنذ أن جاء الوالي حصاد إلى طنجة لم يعقد، ولو مرة، اجتماعا من هذا القبيل رغم أن معالم تاريخية كثيرة تعرضت للدمار. هكذا، يبدو أن والي طنجة يضع كفة مليوني نسمة من السكان الطنجويين المسلمين في كفة، وأقل من خمسين طنجاويا يهوديا في كفة مقابلة، وواضح جدا من هي الكفة الثقيلة. سكان طنجة يهنئون طبعا مواطنيهم اليهود على حسهم التضامني العالي والرفيع، ويتمنون لو أن الطنجاويين اليهود يضعون أيديهم في أيدي الطنجويين المسلمين والمسيحيين، حتى يوقفوا عمليات التدمير التي تتعرض لها معالم طنجة منذ سنوات. وخلال السنوات الماضية، تعرضت مآثر كثيرة في طنجة للدمار، وتحولت معالم تاريخية كثيرة إلى عمارات متوحشة، وأصبحت المناطق الخضراء تجزئات سكنية بفعل قانون الاستثناء الذي يضعه الوالي في جيبه لكي يذبح المكان الذي يشاء، بالقانون طبعا، وفي النهاية يقول إنه يتحدى من يشير عليه بمنطقة خضراء تحولت إلى عمارة، ليسأل كاتبه العام محمد الصفريوي وسيأتيه بالخبر اليقين. قضية مستشفى «بن شيمول» جعلت الكثير من سكان طنجة يمارسون لعبة مسلية اسمها «ماذا لو...؟»، وهي لعبة تقول مثلا: ماذا لو كانت المدينة الأثرية في كاب سبارطيل في ملكية اليهود؟ وهي مدينة ابتلعها ثري خليجي وجعلها من ممتلكات قصره، أو: ماذا لو كانت غابة السانية في ملكية اليهود الطنجاويين؟ وهي غابة ذبحتها زوجة العمدة السابق لكي تقيم بها مشروعا سكنيا، أو: ماذا لو كانت مدرسة وادي المخازن في ملكية يهود طنجة؟ وهي مدرسة طرد منها تلاميذها لكي تتحول إلى إقامة سكنية، أو: ماذا لو كانت مدرسة ابن عاشر في ملكيتهم هي أيضا، وهي مدرسة تحوم حولها وحوش العقار كل يوم لتدميرها وتحويلها إلى فيلات، أو: ماذا لو كانت البقعة التي كانت ستبنى فيها مدرسة يعقوب المنصور في ملكية يهود المدينة؟ وهي بقعة تحولت إلى حي سكني وذهبت المدرسة إلى الجحيم، أو: ماذا لو كان كورنيش طنجة في ملكية يهود؟ وهو كورنيش تبنى فيه العمارات فوق الرمال، أو: ماذا لو كان ملعب الفروسية في ملكية يهود طنجة؟ وهو ميدان سيتم هدمه لتحويله إلى تجزئة عقارية. وهناك الكثير جدا من الأمثلة التي يمكن أن تدخل ضمن لعبة «ماذا لو...؟». غير أن السؤال الكبير الذي يحلق اليوم في سماء طنجة هو: ماذا لو كانت الأرض التي كان سيقام فوقها المعرض الدولي «طنجة 2012 في ملكية يهود طنجة؟». هذا السؤال يكبر اليوم مثل شبح مخيف، حيث تتناسل إشاعات قوية تقول إن هذه الأرض، التي تقدر مساحتها بعشرات الهكتارات والتي تم انتزاعها من مالكيها البسطاء، يحوم حولها أشخاص نافذون، وإن توزيعها قد بدأ فعلا بين وحوش العقار، وذلك بعلم الوالي ومباركته. وإذا كان والي طنجة يعطي سكان طنجة حقهم من التقدير، فيجب أن يعقد ندوة صحافية يعلن فيها بوضوح عن مصير هذه الأرض، وإذا لم يفعل فمعنى ذلك أن الإشاعات صارت حقيقة، والحقيقة ستتحول إلى فضيحة، وهي فضيحة ستتكسر فوق رؤوس أشخاص كثيرين. السكان ينتظرون ما سيقوم به الوالي، دون أن ينسوا تقديم أجمل عبارات الشكر إلى مواطنيهم يهود طنجة الذين أعطوا مثالا رائعا لمعنى التضامن والدفاع عن ممتلكاتهم في المدينة.