الحسيمة.. تخليد الذكرى 19 لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية    الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بأكادير تستقبل أطفالا من ضحايا زلزال الحوز    التعادل السلبي يحسم ذهاب نهائي دوري أبطال إفريقيا بين الترجي والأهلي    استعدادا لموسم الصيف.. سلطات طنجة تحرر الشاطئ البلدي من الاستغلال العشوائي    مفتشية الأمن الوطني تتسلم 2447 شكاية    الناظور تحتفي بالذكرى التاسعة عشرة لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية    إعلاميون مغاربة يعتصمون بملعب القاهرة بسبب "الاعتمادات"    وزارة الحج السعودية تنبه: تأشيرة العمرة لا تصلح لأداء الحج    سبتة تفتح مسبحها البلدي الكبير بأمل تحقيق انتعاش سياحي    الأمثال العامية بتطوان... (602)    هلال يدين ضغوط السفير الجزائري على الوفود الداعمة لمغربية الصحراء بكاراكاس    فرنسا-المغرب.. توقيع اتفاق حول الإنتاج المشترك والتبادل السينمائيين    كأس الكونفدرالية الإفريقية (إياب النهائي).. نهضة بركان على بعد خطوة واحدة من تتويج قاري جديد    حنون تدخل على خط الرئاسيات الجزائرية    مطالب للحكومة بضمان تمدرس الأطفال المتشردين    أخنوش يقود الوفد المغربي بمنتدى الماء العالمي بإندونيسيا.. وجائزة الحسن الثاني تخطف الأنظار    جهة طنجة تتطلع الى استقطاب 700 الف سائح جديد في أفق 2026    إحباط تهريب وترويج 62,550 قرص مخدر وضبط ثلاثة مشتبه بهم    هكذا يهدد المغرب هيمنة إسبانيا في هذا المجال    نهائي الكاف.. الموعد والقنوات الناقلة لمباراة إياب نهضة بركان والزمالك    زهير الركاني: آليات الوساطة والتحكيم ركائز أساسية في عملية التطوير والتنمية التجارية لتنمية جهتنا و مدينتا    خطاب جلالة الملك محمد السادس في القمة العربية : تصور إستراتيجي جديد للعمل العربي المشترك    نائب رئيس الموساد سابقا: حرب غزة بلا هدف ونحن نخسرها بشكل لا لبس فيه واقتصادنا ينهار    الداخلية تمنع عقد مؤتمر ب "آسا" لقبائل "آيتوسى" كان سيٌعلن رفضها تفويت أراضيها الجماعية    أخنوش يترأس الوفد المغربي المشارك في المنتدى العالمي العاشر للماء بإندونيسيا    بدء وصول المساعدات إلى غزة عبر الرصيف الأمريكي المؤقت    فلاحون فرنسيون يهاجمون شاحنات طماطم قادمة من المغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    مداهمة مستودع بداخله قنينات خمر ولفافات كوكايين بطنجة    وفاة دركي خلال حادثة سير بطنجة    غامبيا تجدد تأكيد "دعمها الثابت" للوحدة الترابية للمملكة    التصدير يرفع أسعار الخضر بالمغرب ومهني يوضح    المعرض الدولي للكتاب يحتفي برائد السرديات العربية "العصامي" سعيد يقطين    "حفيدة آلان ديلون" تراهن على نتائج فحوصات إثبات النسب    تصفيات كأس العالم.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 عاما يفوز برباعية نظيفة على الجزائر ويتأهل للدور الرابع    المغربي مهندس مطار غزة يبرز "لقاءات مع التاريخ" في دعم القضية الفلسطينية    البحث عن الهوية في رواية "قناع بلون السماء"    بيان صحفي: ندوة لتسليط الضوء على مختارات من الإنجازات البحثية ضمن برنامج الماجستير في إدارة حفظ التراث الثقافي    أوكرانيا تنفذ عملية إجلاء من خاركيف    مشروع بأزيد من 24 مليون درهم .. هذه تفاصيل الربط السككي بين طنجة وتطوان    الدورة الأكاديمية "الشعري والسردي" فاس، 23-24 ماي 2024    بسبب سلوكه.. يوفنتوس يقيل مدربه أليغري بعد يومين من تتويجه بكأس إيطاليا    الصين: مصرع 3 أشخاص اثر انهيار مصنع للشاي جنوب غرب البلد    وزير الخارجية الإسباني: رفضنا السماح لسفينة أسلحة متجهة لإسرائيل بالرسو بموانئنا    شفشاون.. الطبخ المغربي فسيفساء أطباق تعكس ثقافة غنية وهوية متعددة    قرار جديد من الفيفا يهم كأس العالم 2030 بالمغرب    فرق كبيرة تطارد نجم المنتخب المغربي    افتتاح الدورة الثانية عشرة لمهرجان ماطا الذي يحتفي بالفروسية الشعبية بإقليم العرائش    ملتقى الأعمال للهيئة المغربية للمقاولات يبرز فرص التنمية التي يتيحها تنظيم كأس العالم 2030    هدى صدقي تكشف عن جديد حالتها الصحية    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    كيف يتم تحميص القهوة؟    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً في إطار تحدٍّ مثير للجدل    الأمثال العامية بتطوان... (600)    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتاوى ضد القانون : «إذا حبس الأب ابنته في البيت فلأنه يحبها»
نشر في المساء يوم 10 - 07 - 2008

استعدادًا لانتخابات 2009، أُعلن عن تنظيم حزب العدالة والتنمية هذه الأيام لحملة استقطابية كبرى، يروم من خلالها تعزيز صفوفه بوافدين جدد وتقوية هياكله البشرية وتوسيع عدد أعضائه. وقد حدد كهدف استراتيجي لهذه الحملة، الوصول إلى ضم 1200 منخرط جديد، مع التركيز على رفع عدد فروع الحزب بالبادية بنسبة 25%، بينما الحملة في مجملها تبتغي الوصول إلى زيادة عدد الأعضاء بنسبة 10%. وكل ذلك في إطار خطة حزبية تهدف إلى تحقيق أوسع تغطية ممكنة لدوائر الترشيح في الاستحقاقات المقبلة التي لم تعد تفصلنا عنها إلا قرابة سنة.
وحزب العدالة والتنمية حزب نشيط وفاعل، ويتوفر لأعضائه الكثير من الطموح والرغبة في احتلال المزيد من المواقع المتقدمة. وهذا مشروع تماماً ولا يطرح في حد ذاته أية مشكلة. كما أن الحزب المذكور أصبح يزداد اقتناعاً ربما بأن تقوية نشاطه الدعوي يمثل ضمانة أكيدة لتحصيل المزيد من المكاسب السياسية، ولهذا فإن أطر الحزب تواصل تقديم نفسها للناس كمؤتمنة على التهذيب والإرشاد الديني وكمصدر لنشر المعرفة بالتعاليم الصحيحة لديننا الإسلامي الحنيف. إن نشطاء الحزب يعتبرون أن لهم مهمة أساسية متمثلة في تقديم «خدمة دينية» للمواطنين، يستخلصون من خلالها مقابلاً انتخابياً ومردوداً سياسياً، ولهذا ينشطون خارج الهياكل الدينية للدولة في مجال إصدار الفتاوى الدينية.
واليوم، يطرح التساؤل عن احتمال وجود علاقة بين الحملة الاستقطابية الجديدة وتجذر القناعة بفوائد العمل الدعوي من جهة، وبين سلسلة من الفتاوى الغريبة التي شرعت جريدة «التجديد» في نشرها مؤخراً.
ويتعلق الأمر هنا بفتاوى ماضوية وأصولية، تكرس المنطق الأبوي الذكوري، وتناهض العلم وحقوق الإنسان، وترفض الاعتراف بالمساواة بين المرأة والرجل، وتجيز العنف والتسلط، وتعادي أصول التربية الحديثة، وتمس بكرامة الأشخاص وبالحق في الاختلاف، وتقدم قراءة متزمتة للشريعة الإسلامية. والوجه الأخطر في هذا النوع من الفتاوى، هو أنها عندما تقرر ما يجب عمله وما لا يجب عمله، تصنع ذلك بمعزل عما يقرره القانون، فهي توجه الدعوة إلى الناس للسير في اتجاه مناقض لما يرسمه القانون وينص عليه.
صحيح أن نصوص القانون ليست مقدسة، ولنا الحق في المطالبة بتغييرها، إلا أن ذلك لا يسمح لنا بالعمل على خرق تلك النصوص وتجاهلها وتعبئة المغاربة لإخضاع سلوكاتهم لضوابط أخرى، لا تحفل بقيمة القانون ولا تمنحه ذرة اهتمام، من خلال فتاوى تعتبر أنها تمتح من جوهر الإسلام الصافي والنقي، وفي حالات تكلف القانون نفسه على نحو واضح وجلي بتحديد مقتضيات السلوك فيها. فمثل هذه الفتاوى تفضي إلى ازدواجية من شأنها هدم أساس التعاقد المدني في جماعة منظمة.
فهل عملية نشر الفتاوى المشار إليها آنفا عملية بريئة أم تدخل في إطار مسايرة نمط التفكير المتأصل لدى فئة اجتماعية معينة وميلها شبه الغريزي إلى التعبير عن هويتها الدينية بطريقتها الخاصة، أملاً في جلب الدعم الانتخابي لتلك الفئة ولو على حساب المنطق والعقل والقانون.
إن الفتاوى التي تنشر هذه الأيام بجريدة «التجديد»، لا علاقة لها إطلاقاً بالعرض الذي ألقاه مدير الجريدة الشاب مصطفى الخلفي في ندوة (قيم المجتمع الديمقراطي) التي نظمها بمكناس بيت الحكمة أيام 8 و9 و10 ماي 2008، وهو العرض الذي أبهر الجميع ودافع فيه صاحبه عن وجود علاقة ودية بين الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان وبين حزب العدالة والتنمية بالمغرب.
وتخصص الجريدة في إطار صفحة (الدين والحياة) ركنا تسميه (قال الفقيه) لنشر أجوبة عن تساؤلات يبعثها القراء ويجيب عنها ثلة من العلماء تختارهم الجريدة وفق منهجها في العمل وخطها التحريري. والجريدة لا يمكن لها الدفع بكون الآراء والاجتهادات المنشورة تلزم أصحابها فقط وليس لها علاقة بخط «التجديد» وبحزب العدالة والتنمية، إذ كيف تصادف أن اجتمعت الفتاوى المنشورة حول ذات الرؤية دفعة واحدة وفي هذا الظرف بالذات وكيف تقاطعت في خدمة نفس الخطاب؟
أما حكاية أن الجريدة ليست ناطقة باسم الحزب ومواقفها ليست مواقفه، فلا تستطيع إخفاء مصدر المسؤولية عما يُنشر، إذ إن «التجديد» ليست جريدة مستقلة، ولا يسري عليها ما يسري على الجرائد المستقلة، ولا يمكن أن نتصور أن يُسمح بنشر هذا العدد من الفتاوى إذا قدرت إدارة الجريدة ورئاسة تحريرها أنها متعارضة مع توجهات حزب العدالة والتنمية، فلا يتعلق الأمر بمادة واحدة حتى يصح القول بإفلاتها من رقابة مسؤولي الجريدة.
وعندما نعرض ما جاء بهذه الفتاوى، فإن ذلك لا يندرج ضمن حملة جديدة ظالمة ضد الحزب الذي طالما تعرض لمثل هذه الحملات، ولا ضمن دعوة للانتقاص من حقوقه، فهو حزب شرعي، لا ننازعه حق الوجود، ولكننا نأمل أن يحرر نفسه من أصفاد الفكر الأصولي الضار بقيم القانون وحقوق الإنسان. فلن يعز وجود أعضاء بالحزب اختاروا الانتماء إليه رغبة في تأكيد دفاعهم عن مقومات هويتنا الجماعية، لكنهم غير مستعدين في ذات الوقت للتفريط في ضرورة الدفاع عن الكرامة الإنسانية والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة. وهؤلاء ينتظرهم عمل شجاع وصبور لإنقاذ الحزب من إغراء الشعبوية كمورد سهل للخيرات السياسية والانتخابية.
لنتأمل إذن بعض النصوص المنشورة في ركن (قال الفقيه) بجريدة التجديد :
* ففي العدد 1797 (فاتح يناير 2008)، ذكر السائل أن والده زو َّجه بامرأة لا يحبها، وبعد معاناة دامت 12 سنة لم يعد قادراً على الاستمرار، ووجد امرأة تناسبه وخطبها من والدها وقد وافق. إلا أن المشكلة الآن هي أن السائل يسكن ببلجيكا والقانون لا يسمح بالتعدد هناك، وهو لا يستطيع أن يترك زوجته الثانية وحدها بالوطن الأم، فما الحل؟
ويجيب الأستاذ عبد الرزاق الجاي: «.. إذا رأيت أنه يستحيل عليك معاشرة هذه المرأة وأنك لا تستطيع أن تفي بحقها فنقول لك كما قال القرآن الكريم: «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان». هذا بالنسبة إلى المرأة التي اختارها الوالد، وما عدا ذلك، فلك كامل الحرية في اختيار الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، وشرط التعدد أن تعدل. فإن كانت الدولة لا توافق على التعدد فإن الله تعالى قد شرع التعدد وأذن فيه بشرط العدل. وكذلك لك أن تعقد القران بالشروط المتعارف عليها، بأن تقدم الصداق وتشهد الشهود ويحضر ولي المرأة، بحيث يكون العقد بخمسة شروط: الزوج، والزوجة، وتسمية الصداق، وموافقة الولي، وحضور الشهود.»
هاهنا، نلاحظ أن «المفتي» يقترح على السائل التعدد وشروط الزواج بدون أي اعتبار لما تقرره مدونة الأسرة. فكأن هذه الأخيرة غير موجودة، وكأن السائل ليس مغربياً مطوقاً بواجب إخضاع زواجه لمقتضياتها. فخطاب المفتي إلى سائله يقوم على ما يلي: «مارس التعدد كما تشاء بشرط العدل فقط، ولابد في كل امرأة تتزوجها من حضور وموافقة الولي». فكأننا في زمن ما قبل مدونة الأسرة، إذ إن هذه الأخيرة في المادة 13 تعتبر أن شرط ولي الزواج لا يكون إلا «عند الاقتضاء» وليس دائماً، لأن للراشدة حسب المادة 25 أن تعقد زواجها بنفسها دون حاجة إلى ولي.
فإذا كان حزب العدالة والتنمية قد عارض زواج المرأة بدون ولي في مرحلة وضع مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية، فإن ذلك لا يمنحه اليوم حق تسخير إعلامه لنشر معلومات غير صحيحة عما يخضع له المغاربة المسلمون قانوناً، مثل تجاهل إذن المحكمة لإمكان التعدد، وتجاهل حق المرأة الرشيدة في الزواج بدون ولي.
وكيف نستسيغ وجود «شروط متعارف عليها» تحل محل شروط المدونة؟ فهذه الشروط المتعارف عليها أصبح متعارفا عليها من طرف من؟ وكيف؟ الأصل أن شروط الزواج حسمتها مدونة الأسرة ولم تتركها لاجتهاد علماء «التجديد». وهل وجود مواطن مغربي مسلم بديار أجنبية يعفيه من الخضوع لأحكام المدونة.
نخشى أن يكون حزب العدالة والتنمية الذي صوت لصالح مدونة الأسرة في البرلمان رغم معارضته في السابق لكثير من مقتضياتها، قد أصبح يتحين الفرصة للتحرر من تلك المقتضيات ودعوة الناس إلى تجاهلها. والفرصة في حالتنا هنا هي وجود طالب الفتوى خارج المغرب.
* في العدد 1894 من «التجديد» بتاريخ 19 ماي 2008، جاء السؤال على الشكل التالي: «أنا شابة أبلغ من العمر 20 سنة، حبسني أهلي في المنزل منذ 15 سنة ولا أخرج إلا إلى الطبيب، وذلك خوفاً من الفاحشة، لسوء فهمهم وكثرة جهلهم «رغم حسن نيتهم»، علما أن أبي ليس متديناً، فهو فقط حبيس التقاليد الريفية القديمة. وهو ما ولد لدي شعوراً بالإحباط وأثر سلبا على نفسيتي، حتى أصبحت أفكر في الانتحار أحيانا بشرب «الماء القاطع» داخل الحمام، بما تنصحونني؟».
يجيب الأستاذ عمر البستاوي بما يلي: «والدك يعاملك بهذه المعاملة لأنه يحبك، ويخاف عليك، ويحرص على سلامة عرضك، فقدري له هذا الدافع، والتمسي له الأعذار، واصبري عليه، فإن الله تعالى سيجعل لك من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، يقول الله تعالى: «ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب» الطلاق2، ويقول –أيضاً- سبحانه ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً» الطلاق:4، وإياك والتفكير في الانتحار، فقد نهانا ديننا الإسلامي عن اقتراف مثل هذه الجريمة البشعة، يقول الله تعالى: «ولا تقتلوا أنفسكم، إن الله كان بكم رحيماً» النساء29 (..) أسأل الله أن يثبت قلبك على الدين وأن يهديك إلى الصراط المستقيم».
هذا هو كل ما جادت به قريحة المفتي أمام حالة حبس أو احتجاز تتعرض له أنثى -لمجرد كونها أنثى- منذ 15 سنة، ولم يظهر للمفتي وجه بشاعة الجريمة إلا في وصف واقعة الانتحار (والانتحار مرفوض على كل حال)، بل إن المجيب اعتبر الضحية أي الفتاة المحتجزة هي المسؤولة لما أورد بخصوصها آيات تحث المسلم على أن يتقي الله ولما سأل الله أن يهديها الصراط المستقيم، فمن يطلب منه أن يتقي الله الأب الذي يحتجز أو يحبس ابنته لمجرد الخشية من الفاحشة أو السجينة؟
إن «الحبس في البيت» إلى الحد الذي يدفع المتعرض له إلى الانتحار، هو قرينة على أننا نوجد أمام مقومات الجريمة المنصوص عليها في المادة 436 من القانون الجنائي التي تقضي بأن «يعاقب بالحبس من 5 إلى 10 سنوات كل من يختطف شخصاً أو يقبض عليه أو يحبسه أو يحجزه دون أمر من السلطات المختصة وفي غير الحالات التي يجيز فيها القانون أو يوجب ضبط الأشخاص».
لقد تجاهل «المفتي» أننا أمام جريمة ولم ينصح بفعل شيء ما لرفع حالة هذا الوضع الإجرامي، فحرية الفتاة لا تساوي في نظره أي شيء، وليس من سبيل أمامها سوى الصبر والاصطبار، وهذا هو تصور المرأة في نظر البعض، فهي مهددة أكثر بالانزلاق نحو الفاحشة، والأب يريد بها خيراً حتى وإن اعتدى على حريتها وهو دائماً على حق، لمجرد أنه أب، وهذا مناقض لأصول التربية الحديثة وللمستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة التي نصت في مادتها ال54 على واجب الآباء إزاء أبنائهم في «التوجيه الديني والتربية على السلوك القويم وقيم النبل المؤدية إلى الصدق في القول والعمل، واجتناب العنف المفضي إلى الإضرار الجسدي والمعنوي». «تعتبر الدولة مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتهم طبقا للقانون. تسهر النيابة العامة على مراقبة تنفيذ الأحكام السالفة الذكر». فالسلطة الأبوية تعرضت أكثر للتقييد مع مدونة الأسرة، وليس من حق الآباء أن يفعلوا بأبنائهم ما يشاؤون.
وهكذا نلاحظ أن الجواب على السائلة لم يذكر بعدد من المقتضيات القانونية التي تهم وضع تلك السائلة، ولم يقترح عليها مراجعة جمعية نسائية أو حقوقية تعنى بملف العنف ضد النساء بالهاتف أو بالمراسلة مثلاً للنظر في العنف الممارس ضدها، ولم ينصحها بالتماس تدخل أحد أفراد العائلة الذين يترددون على البيت أو شيء من هذا القبيل، بل تركها تواجه مصيرها كما لو أن البلاد لا تحكمها قوانين ولا مؤسسات لحماية الأفراد من تعسف الآخرين ولو كانوا من الأهل وأقرب الأقربين، وكما لو أن النصوص الجديدة التي دخلت تشريعنا لمواجهة الحالات التي هي من قبيل السائلة، إنما هي نصوص لا تصلح لنا ولا علاقة لها بديننا ودنيانا.
* وفي العدد 1903 من جريدة التجديد فاتح يونيه 2008، وردت صيغة السؤال بالشكل التالي: «زوجي يريد الزواج من أخرى، ويقول إنه عوض أن يقع في الحرام، يريد مني أن أوافقه على هذا الزواج لكن،ي لا أتصور أنه يمكنني أن أعيش معه تحت سقف وأنا أعلم أنه متزوج، لذلك فأنا مصرة على الطلاق، يقول لي إن هذا حقه الذي منحه إياه الشرع ولا ينبغي أن أعارض هذا الحق. لكن سأجني على نفسي إذا وافقت، لأن هذا الأمر سيسبب لي تعاسة كبيرة، فماذا أفعل؟ هل أوافقه على ما يريد أو أمضي في مسعاي إلى الطلاق إذا كنت أحس بوقوع الضرر علي؟».
وجاء جواب الأستاذ مولاي عمر بنحماد على الشكل التالي: «وبعد، فإني أنصح السائلة بأن تحسن تقدير عاقبة الأمر الذي تختاره. وأخشى أن يكون موقفها من التعدد قد تأسس بناء على الحملة التي تستهدفه وتقدمه على أنه ظلم للمرأة، وإلا فعلى أي أساس قدرت أنها ستعيش في تعاسة كبيرة؟ أو أنها تحس بوقوع ضرر عليها؟ والأمر لم يقع بعد؟ إن الذي يشكوه المجتمع من العنوسة وأشياء أخرى... لا يمكن فصله عن المنع أو شبه المنع من التعدد، والأمر في حالات عديدة يدور بين تعدد الزوجات وتعدد الخليلات؟ والغريب أن يشتد الإنكار إلى قريب من درجة التجريم لتعدد الزوجات، وبالمقابل يقع التغاضي إلى قريب من درجة التحليل لتعدد الخليلات؟ وننصح الزوج بأن ينصت إلى كلام زوجته لكي لا يكون زواجه بالثانية فراقاً للأولى؟ والأمر له عواقبه الوخيمة خاصة في حال وجود الأولاد...».
إن هذا الجواب يجافي روح مدونة الأسرة، فهذه المدونة تنطلق عموماً من أن في التعدد ضرراً للمرأة، ولهذا يشترط حضور الزوجة المراد التزوج عليها وموافقتها (م43 وم45) وإذن المحكمة بالتعدد الذي يتوقف على ثبوت «المبرر الموضوعي والاستثنائي»، وتوفر طالب التعدد على «الموارد الكافية لإعالة الأسرتين وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة (م41). بينما نص الفتوى ينطلق هكذا مسبقاً من أن التعدد لا ينطوي على أي ضرر. وأخطر من ذلك، فالمجيب عوض أن يدل طالبة الفتوى على كامل حقوقها في هذا الصدد، لتكون على بينة من الأمر وتختار بكامل الوعي، فإنه يحاول أن يوحي إليها أنها مجبرة دينيا على قبول التعدد في كل الأحوال، وأن في ذلك مصلحة ثابتة، وألا قيمة بالتالي لكل التعقيدات الواردة في القانون والخاصة بمسطرة التعدد التي تسمح للمرأة التي يريد زوجها عقد قرانه على أخرى بإمكان التدخل لحمل زوجها على تغيير رأيه وجعله يعدل عن التعدد، أو يتحمل بالمقابل تبعات التطليق أو الشقاق، بما في ذلك الإيداع في أجل سبعة أيام فقط لمجموع المبالغ المترتبة عن استيفاء كافة حقوق الزوجة وأولادها وإلا اعتبر في حالة تراجع عن طلب الإذن بالتعدد.
إن المجيب يقرر مكان السائلة، وينكر عليها حتى حق الإفصاح عن مشاعرها وعن كون التعدد سيسبب لها تعاسة كبيرة، وهذا هو منطق الفكر الشمولي الذي لا يؤمن بحق الفرد في حرية الاختيار والشعور، فالجماعة تقرر مكانه وبصورة مسبقة. فمادام المفتي يقدر بأن شعور المرأة التي يريد زوجها الزواج عليها بالتعاسة غير مبرر، فيجب أن نعتبر هذا الشعور كأنه لم يكن ولم يحصل ولن يحصل...
(يتبع)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.