العالم في حالة تغير مستمر في الواقع، والإنسان -بحكم تطور ملكاته وأفكاره وتزايد معارفه- يتغير بدوره ويغير من مواقفه وقناعاته الفكرية والسياسية. وهذا كله يواكب هاجس العيش والبقاء والتواصل في هذا العالم الغريب. غير أن ما تعيشه اليوم شعوب كثيرة في العالم ينافي هذا الكلام، حيث إنها لم تطور أفكارها ولم تغير مواقفها وقناعاتها التي تبنتها منذ أزمنة طويلة ومازالت تحافظ على رؤية قاصرة متصلبة نحو شعوب أخرى ونحو ثقافات وديانات المختلفين عنها... إن التحولات التي يعيشها المغرب في جميع المجالات دفعت بعض الناس إلى النظر إليه بريبة وشك وحقد في بعض الأحيان. وبالإمكان ملاحظة هذه النظرة بوضوح في عيون بعض الحاقدين على المغاربة، سواء كانوا من أشقائنا في العروبة والإسلام (كالجزائر) أو من جيراننا المختلفين عنا في اللغة والدين (كإسبانيا).. إنها نظرة حقد تاريخي لا علاقة له بأي تطور معرفي ثقافي يتبجح به هؤلاء صباح مساء. يستعصي على الكثير من المغاربة فهم هذا الهجوم المتطرف من حكام الجزائر وإعلامها الذي أصبح مفضوحا للعام والخاص، لأنه هجوم لا ينبني على مبررات حقيقية ومشروعية سياسية واضحة، اللهم تلك الرؤية القاصرة التي تريد إغراق المغرب في مشاكل تمنعه من التفكير في التطور وقيادة بلدان المنطقة نحو التقدم الاقتصادي والحضاري. وهذا يعني بالملموس أن حكام الجزائر، من خلال السياسة التي ينتهجونها، لا يريدون الخير للمغرب والمغاربة، ضاربين عرض الحائط بالأخوة الدينية والقومية التي تجمعنا كشعب مغربي بالشعب الجزائري. ولمواجهة هذه النظرة الغريبة الشاذة التي لا يمكن التحكم فيها، حيث تقف ثقافة غريبة ورؤية سياسية عديمة اللون والرائحة والطعم، يجب على المغرب، حكاما ومحكومين، فضح هذه السياسة المنتهجة من طرف حكام الجزائر وإعلامها المتواطئ البعيد عن المهنية والأخلاق الصحفية المتعارف عليها عالميا، سواء بواسطة قنوات إعلامية متميزة أو بدبلوماسية استباقية وذات رؤية استشرافية. وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه أن يكون الإعلام الإسباني بكل تجلياته في مستوى الأحداث الأخيرة التي وقعت في العيون، ويعمل على تغطيتها بحرفية ومهنية بالغة دون محاباة لأي طرف من الأطراف، ارتأى هو الآخر أن ينحو المنحى الخاطئ ويداهن الطرف الآخر ويشوه الحقائق ويرفع من حالة الطوارئ فيه لاختلاق الأكاذيب وتلفيق التهم للمغرب جزافا دون بحث أو تمحيص مما تقتضيه المهنية الإعلامية التي طالما تشدق بها. لقد كانت أحداث العيون -رغم صعوبة تقبلها وتقبل النتائج الدموية التي أسفرت عنها بعد أن أزهقت آلة الحقد أرواح بعض شهداء الواجب والوطن- كافية لفضح عورة الإعلام الإسباني التي كان يغطيها بالنفاق والمداهنة والكذب والادعاء، وكافية لوضع النقط على الحروف في مسألة منح تراخيص الاعتماد لصحافيين إسبانيين منحازين إلى الطرف الآخر على حساب المغرب الذي يفتح لهم ذراعيه وحضنه ويستقبلهم على أرضه أحسن استقبال، وكافية لإعادة النظر في الدبلوماسية الإعلامية التي كان ينتهجها المغرب من خلال وسائل إعلام دولية متقاعسة عن تحمل مسؤوليتها، والتي هي بمثابة إنذار للحكومة المغربية كي تعمل على إصلاح الإعلام العمومي الجامد الذي مازال يتعامل مع الأحداث والقضايا الوطنية برؤية تقليدية وأساليب كلاسيكية أكل عليها الدهر وشرب. إننا في حاجة إلى إعلام قوي يساند الدولة ودبلوماسيتها في الوصول إلى الرأي العام العالمي بمهنية متطورة وبرؤية إعلامية قادرة على تغيير المواقف المتشنجة تجاه المغرب من خلال تقديم صورته خالية من الشوائب التي الصقها بها الإعلام المغرض الذي يخدم أجندة سياسية بدل أن يكون همه إبراز الحقيقة بكل أمانة وبكل حياد، وهذا لن يتأتى إلا بالعمل على إصلاح الإعلام العمومي المغربي. فقناة «ميدي1 تي في»، مثلا، من القنوات الرائدة في مجال الإخبار، وقد تمكنت من تغطية أحداث العيون بطريقة متميزة وبتقديم الحقائق وتحليل نتائجها من خلال برامج استضافت فيها فاعلين ومهتمين بقضية الصحراء المغربية، بينما رأينا تقاعس باقي القنوات العمومية عن ذلك وظهر ضعفها الكبير في التعاطي مع القضية واستغراقها في تقديم برامج الطبخ والسهرات الموسيقية التافهة... وغيرها من المواضيع والبرامج التي لا تقدم إلى المشاهد المغربي وغير المغربي إلا التفاهة والرداءة الإعلامية. ولو أن الإعلام العمومي المغربي لم يكن متقاعسا عن القيام بدوره كاملا في العديد من القضايا الوطنية، وعمل على برمجة مواضيع تثقيفية وسياسية تفيد المشاهد المغربي وتطلعه على الوقائع وتوضح له حقوقه وواجباته تجاه وطنه ومجتمعه لما تجرأت قناة مثل «الجزيرة» القطرية على تشويه الحقائق والتعاطي مع المغرب وقضاياه بطريقة منحازة وبرؤية قاصرة وابتعاد عن المهنية الإعلامية، لأنها حينها كانت ستجد أمامها إعلاما مغربيا قويا يصل إلى الرأي العام الوطني والعربي والعالمي وينقل إليه الحقيقة كما هي، بحيث يظهر الإيجابيات التي حققها المغرب في المجال الاقتصادي والسياسي والحقوقي، كما يظهر السلبيات التي تجب معالجتها والوقوف عندها. أما أن يتقاعس ويكتفي بالتنديد ببعض وسائل الإعلام العربي والغربي المتواطئ والحاقد على المغرب فهذا يعني أن إعلامنا والقائمين عليه مازالوا لم يؤمنوا بحقيقة التغيير والإصلاح وتطور الإنسان. إننا نأمل أن يصبح لنا في المستقبل إعلام مغربي قوي، متميز بمهنيته العالية، محافظ على الثوابت الوطنية والثقافية للمغاربة الذين هم في حاجة إلى قنوات تلفزية تثقيفية لا إلى قنوات تجهيلية متخلفة تعود بهم إلى الماضي السحيق وتغرقهم في التقليدية الإعلامية...