الحكومة تحدث وكالة حماية الطفولة    الأحمر يلازم تداولات بورصة البيضاء    المغرب والولايات المتحدة يعززان شراكتهما الأمنية عبر اتفاق جديد لتأمين الحاويات بموانئ طنجة المتوسط والدار البيضاء    الحكومة تصادق على تقنين استخدام "التروتينت" ووسائل التنقل الفردي بقوانين صارمة    الإعلام الإنجليزي يشيد بأداء الوداد وحماس جماهيره في كأس العالم للأندية    "مجموعة العمل" تحشد لمسيرة الرباط تنديدا بتوسيع العدوان الإسرائيلي وتجويع الفلسطينيين    نشرة إنذارية تحذر المواطنين من موجة حر شديدة ليومين متتاليين    عبد النباوي: المغرب جعل مكافحة الجريمة المنظمة أولوية أمنية وقضائية    إصابة دركي بطلق ناري من بندقية صيد خلال إحباط عملية للهجرة السرية    أخبار الساحة    الوداد الرياضي يتلقى هدفين نظيفين أمام مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    كأس العالم للأندية: ياسين بونو يهدي الهلال تعادلا ثمينا أمام ريال مدريد    بيت الشعر في المغرب يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر    تعدد الأصوات في رواية «ليلة مع رباب» (سيرة سيف الرواي) لفاتحة مرشيد    سؤال الهوية الشعرية في ديواني .. « سأعبر جسر القصيدة» و «حصتي من الإرث شجرة» للشاعرة سعاد بازي المرابط    ‪حريق غابوي ضواحي تطوان يلتهم هكتارات.. و"كنادير" تواصل الطلعات    الرباط وبرايا ترسيان التعاون في العدل        الحكومة تصادق على إحداث المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي    بنيله شهادة البكالوريا من خلف أسوار السجن، نزيل يخطو أولى خطواته على سكة إعادة الاندماج (بورتريه)        نشرة إنذارية..طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح بعدد من مناطق المملكة    معرض بكين للكتاب: اتفاقية لترجمة مؤلفات حول التراث المغربي اللامادي إلى اللغة الصينية    الدوزي يُطلق العدّ التنازلي ل"ديما لباس"    كتل هوائية صحراوية ترفع الحرارة إلى مستويات غير معتادة في المغرب    العيون ‬تحتضن ‬منتدى ‬إفريقيا ‬لبحث ‬الآفاق ‬الاقتصادية ‬والتجارية ‬بالقارة    الشعب المغربي يحتفل غدا الجمعة بالذكرى ال55 لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد    الذهب يصعد وسط التوتر في الشرق الأوسط    التصعيد بين إسرائيل وإيران يعيد للواجهة مطالب إحياء مصفاة "سامير" لتعزيز الأمن الطاقي    إصابة حكم ومشجعين في فوضى بالدوري الليبي    ميداليات تحفز "بارا ألعاب القوى"    دلالات ‬تجديد ‬مجلس ‬حقوق ‬الإنسان ‬دعمه ‬لمغربية ‬الصحراء    طنجاوة يتظاهرون تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وإيران    رائحة دخان تجبر طائرة على الهبوط في ميونخ    "حزب الله" يدين التهديد بقتل خامنئي    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية يوقعان شراكة لتعزيز الشمول المالي الفلاحي بالمغرب    فرحات مهني يكتب: الجزائر الإيرانية    بنهاشم بعد مواجهة مانشستر سيتي: لعبنا بشجاعة وخرجنا بدروس ثمينة رغم الخسارة    ندوة علمية تناقش موضوع النخبة المغربية في زمن التغيير    عمال أوزون يحتجون بالفقيه بن صالح بسبب تأخر صرف الأجور ومنحة العيد    بيب غوارديولا في تصريح أعقب مواجهة الوداد الرياضي المغربي، إن "المباراة الأولى في دور المجموعات دائما ما تكون صعبة    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    الصين تدفع نحو مزيد من الانفتاح السياحي على المغرب: سفارتها بالرباط تتحرك لتعزيز توافد السياح الصينيين    برلمان أمريكا الوسطى يجدد دعمه للوحدة الترابية للمغرب ردا على المناورات    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    مربو الدجاج يثمنون توجه الحكومة لإعفاء الفلاحين الصغار ويدعون لإدماجهم الفعلي في برامج الدعم    إطلاق الهوية الجديدة ل "سهام بنك" خلفًا ل "الشركة العامة المغربية للأبناك"    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العطري: المعارضة تهاجم بنكيران لأن الانتخابات صدمتها
الباحث السوسيولوجي ل« المساء »: الشباب ما زال ينتظر تنزيلا حقيقيا للدستور
نشر في المساء يوم 30 - 08 - 2012

في هذا الحوار مع الباحث السوسيولوجي عبد الرحيم العطري يوضح بأن أهم شيء فعلته حركة 20 فبراير بالنسبة
للدولة أنها دعتها إلى مراجعة الكثير من الأسئلة. وبالنسبة إلى بنكيران فيقول إنه كسر الصورة النمطية للوزير الأول، لافتا الانتباه إلى أنه لا يجوز الاستخفاف بالرجل، فليس من المقبول في حروب السياسة الاستهانة بالخصم. وأكد العطري أن الشباب ما زال ينتظر تنزيلا حقيقيا للدستور، وفتح أوراش التشغيل وإعادة توزيع الثروة، بما يضمن العدالة الاجتماعية لجميع المواطنين.
لماذا بهت، في نظرك، بريق حركة 20 فبراير؟ البعض رأى بأنها صنعت من طرف النظام من أجل جعل التغييرات في المغرب مبررة، ولما تحقق ذلك لم يعد لها مبرر للوجود؟
القول بأن حركة 20 فبراير من صنع النظام فيه الكثير من العسف والتخوين، فلا يمكن القبول به بالمرة، أما الحديث عن حدوث اختراقات، فهذا ممكن، لكن ليس بالصيغة التي يتم تصويرها. علينا أن نعي جيدا بأن ما حدث في المغرب في السنة الفائتة، من دستور جديد وحكومة جديدة يقودها حزب كان مهددا إلى حد قريب بالمنع والطرد من اللعبة السياسية، ساهمت فيه إلى جانب عناصر أخرى، ما أطلق عليه حينها «بركات 20 فبراير».
التساؤل عن شروط إنتاج حركة 20 فبراير يفترض الانتباه إلى ثلاثة محددات على الأقل، المحدد الأول يمكن توصيفه بالشرط الإقليمي، بمعنى أن هذه الحركة لا يمكن فهمها في انفصال تام عما يجري الآن في العالم العربي من الماء إلى الماء. ثمة حراك شعبي، ثمة شارع عربي يقول كلمته اليوم بكل امتلاء، بعدما جزم الكثيرون بأنه انتهى ولم يعد قادرا على الفعل ولا حتى رد الفعل، فالسياق كفيل دوما بإنتاج المعنى، فهذا السياق الإقليمي لابد أن حركة 20 فبراير تأثرت به، في إطار ما يسمى بالعدوى الاحتجاجية. الشرط الثاني المؤسس يظل مفتوحا على المحلي، فهو شرط موضوعي متصل بالشروط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التي يمر بها المجتمع المغربي، أي أن هذه الحركة هي «رد فعل» احتجاجي على سوء تدبير الواقع الاجتماعي. كما أنها أيضا نتاج تمثلات وتمثلات مضادة تهم الشباب والسياسة والتنمية والفعل الاحتجاجي عموما. الشرط المؤسس الثالث يظل مرتبطا بالقارة السابعة، أي بالإنترنيت، الذي استحال سلطة خامسة تتأسس في الافتراضي، لكنها تربك حسابات الواقعي، بمعنى أن هذه الحركة الاحتجاجية المرتبطة ب20 فبراير، كان الإنترنيت عاملا مساهما في تقويتها، وفي إبرازها، وفي إنضاجها أيضا. وبالطبع ثمة شروط إنتاج أخرى قد تندغم مع هذه الشروط أو تتوازى معها، منها ما يتصل بتاريخية الفعل السياسي والنقابي بالمغرب، وحركية عدد من الأحزاب التي ظلت أكثر انتصارا للهامش.
- كثيرون راهنوا على انطفاء لهيب زخم الاحتجاجات بالتقدم في الزمن والابتعاد عن زخم الربيع العربي. هل كان ذلك رهانا صائبا أم أن المجتمع المغربي حابل بالكثير من المشاكل التي تجعله دائما على صفيح ساخن؟
إن سقف المطالب بات يرتفع رويدا رويدا، أمام غياب جواب سياسي واجتماعي من قبل الحكومة، و20 فبراير، كما قلنا قبلا، لم تنته بعد، إنها البداية فقط، والدليل على ذلك أنها تمارس الآن نوعا من «الاختراق الاجتماعي» لكافة حساسيات المجتمع الثقافية والاجتماعية والسياسية، بل العمرية أيضا. الأمر أشبه ما يكون بكرة الثلج التي تأخذ حجما أكبر في طريق تدحرجها، فالمطالب التي بدت محتشمة، ومدعمة بصور الملك والأعلام الوطنية لم تعد كذلك بالأمس القريب، فالطلب الاجتماعي بات مرتفعا، والانضمام إلى سجل الاحتجاج بات سلوكا مجربا من قبل الجميع.
علينا ألا نعتبر بأن حركة 20 فبراير انتهت بميلاد دستور جديد، أو بصعود حكومة جديدة، ما دامت بعض الإجابات السياسية والاجتماعية مؤجلة، وكما كان يقول دائما وزير الداخلية البروسي إن أي حركة احتجاجية مهما كانت بسيطة يكمن فيها تنين الثورة، ولهذا فهذه الحركات البسيطة يمكن أن تفل نظاما من حديد كما فعلت في مصر وتونس، في أجوبة مقنعة، فالشباب ما زال ينتظر تنزيلا حقيقيا للدستور، وفتح أوراش التشغيل وإعادة توزيع الثروة، بما يضمن العدالة الاجتماعية لجميع المواطنين.
- ما هي آثار هذه الحركة على كل من الدولة والأحزاب والمجتمع؟
أكيد هناك آثار دالة ساهمت في تغيير الأداء والانطراح، لكن قبل تحديد هذه الآثار لنكتشف في البدء دلالات الحركة الاحتجاجية، التي يجب أن نميز فيها بين ثلاثة عناصر أساسية، العنصر الأول، وهو ما أسميه عنصر الفعل، أي أن حركة احتجاجية ترمي إلى إحداث فعل يستتبعه رد فعل معين. والفعل الذي ترمي إلى إحداثه حركة 20 فبراير، ومختلف الحركات الاحتجاجية، هو الانتقال من وضع غير مرغوب فيه إلى وضع مرغوب فيه، أي من وضع اللا تنمية أو التنمية المؤجلة والمعطوبة إلى وضع التنمية الإيجابية أو التنمية المواطنة. العنصر الثاني هو التوزيع أو سؤال التوزيع. كل حركة احتجاجية ترنو بالضرورة إلى إعادة توزيع الثروة (المادية والرمزية) من جديد، وإعادة توزيع العوائد بشكل جديد أو ما نعبر عنه في دارجتنا ب «نعاودو التقاسيمة». ولهذا في كل الحركات الاحتجاجية يظهر بشكل واضح مطلب إعادة توزيع الثروة. العنصر الثالث، وهو ما أسميه بالبناء، يفيد بأن أي حركة احتجاجية ترمي إلى إعادة بناء الواقع وإعادة تشكيله وكتابة تاريخ النسق وفق خطاطة جديدة لا تكون فيها فروق شاسعة بين من يملك ومن لا يملك. هذه العناصر الثلاثة: الفعل، البناء والتوزيع سوف نجدها حاضرة في هذه الحركة، وهذا الحضور الثلاثي يكون له تأثير على أداء من تتوجه إليه الحركة بالاحتجاج، والدولة بالطبع هي أول متأثر بهذه الدينامية، فالدولة التي اطمأنت طويلا إلى كل الأمثلة التي كانت تتردد بصددها، والتي تبرز وتبرر قوتها وتحكمها في كافة تضاريس المجتمع من قبيل «يد المخزن طويلة»، و«المخزن قاد بشغالو»، و «اللي قالها المخزن هي اللي كاينة»...، هذه الترسيمات، التي ترسبت في المخيال الاجتماعي عن الدولة، ربما هي التي منحتها نوعا من الاستئساد ونوعا من التضخم الدولتي الهوياتي. إذن الدولة اليوم صارت في وضعية حرجة، إذ بدأت ترى بأن رموزها التي كانت تستند إليها أصبحت كرامتها تمرغ في تراب الاحتجاجات، يعني بدأت تثار لديها أسئلة وجودية بصدد قوتها.
- أمام هذا نتساءل اليوم هل ما زال «المخزن قاد بشغالو»؟ أم أننا انتقلنا من سجل دولة التدخل إلى سجل دولة التخلي؟
أعتقد أن أهم شيء فعلته حركة 20 فبراير بالنسبة للدولة أنها دعتها إلى مراجعة الكثير من الأسئلة التي تساهم في إنتاج التضخم الدولتي. إذن المشكل هنا هو تغيير القناعات والتمثلات حول الذات وحول الآخر، فهذا الشباب الذي كنا نعتقد بأنه طلق السياسة، وأنه لا هم له إلا وضع قرط في أذنه أو اللهاث وراء أخبار ودلع شاكيرا، هذا الشباب أصبح يغير قواعد اللعب ويربك الكثير من الحسابات. هذا درس آخر أعطته هذه الحركة للدولة. أما على مستوى الأحزاب، فهذه الحركات الاحتجاجية جعلت الأحزاب تغير أداءها وفرضت عليها أن ترفع من سقف مطالبها، فالأحزاب التي لم تكن قادرة على فتح أفواهها إلا في عيادة أطباء الأسنان، أصبحت اليوم تطالب بملكية برلمانية، وأصبح زعيم حزب إداري يقول إن الملك يجب أن يسود ولا يحكم، كما أصبح قياديون وباحثون يوقعون وثيقة ترفض الطريقة التي يتم بها حفل الولاء. هذه الحركة فرضت إيقاعا متقدما على الأحزاب، جعلها تغير أداءها، وجعلها في كثير من الأحيان تغير حتى تمثلها ورؤيتها للشباب. هذا الشباب ليس عازفا عن السياسة، ولكنه يمارسها بصيغة وطريقة أخرى. كما أن هذه الحركة فرضت على المجتمع المدني أن يغير من آليات اشتغاله، كما فرضت عليه إيقاعا يدعوه إلى الانتقال من اللا فعل إلى الفعل، وإلى الخروج من الانتظارية القاتلة إلى المبادرة.
- بعد مرور أكثر من 200 يوم على قيادة بنكيران للحكومة، كيف تقرأ خطاباته ومن خلالها تعهدات الحزب ووعوده للجماهير التي صوتت له؟
كتب الباحث العميق محمد الناجي يوما مقالا دالا يدعو فيه إلى عدم الاستخفاف بالرجل، فبنكيران سياسي ألمعي، يعرف جيدا كيف يمارس السياسة، وكيف «يلعبها» أساسا في ظل مجتمع تنتشر فيه الثقافة الشفاهية، ويولي أهمية قصوى للقول لا للمكتوب، فبنكيران من السياسيين القلائل الذين يعرفون جيدا كيف يشتغلون على هذه القيم المميزة للمجتمع المغربي.
طبعا المعارضة التي فرض عليها وضع المعارضة لم تستطع بعد استيعاب صدمة الانتخابات، ولهذا تصعد من خطابها ضد بنكيران وتتهمه بالشعبوية.
أولا، لا يمكن تقييم عمل أي حكومة من خلال مرور 100 أو 200 أو حتى 300 يوم، إن هي إلا «موضات إعلامية» اخترعتها ماكينة الإعلام لتبرير سعيها وراء الخبر.
من المؤكد أن بنكيران كسر الصورة النمطية للوزير الأول، فلم نعهد وزيرا أول يخاطب الناس في التلفزيون، فوحده الملك من كان يخاطب المواطنين. كما لم نعهد وزيرا أول يرد بقوة على منتقديه، ويتخذ قرارات لم يقدر على اتخاذها أي من سابقيه ويدافع عنها مباشرة، فقرار الزيادة في البترول كان مبرمجا منذ الحكومة السابقة، لكن لا أحد لم يكن يود المغامرة، لكن هذه الجرأة لا تلغي فشل الرجل أحيانا في تبرير خطابه وأسلوبه التواصلي، فالمشكلة الحقيقية التي تواجهه هي أن مساحة الاشتغال المرسومة له ضيقة جدا، ولا يمكنه أن يملأها كليا، فثمة مصالح، وثمة ممارسات متجذرة، لا يمكن الانتهاء منها بصعود بنكيران أو غيره. لهذا كله أضم صوتي إلى محمد الناجي وأقول: لا تستخفوا بالرجل. فليس من المقبول في حروب السياسة الاستهانة بالخصم، كيفما كان هذا الخصم.
- هل من الممكن الحديث عن طبقة وسطى في المجتمع المغربي، بإمكانها إحداث التغيير المطلوب؟
كثيرا ما توصف الطبقة الوسطى بكونها «صمام أمان» المجتمع، بالنظر إلى دورها الرئيس في حفظ التوازن المجتمعي، وإسهامها المباشر في النقاش الحواري التعددي، بسبب تموقعها في وضع بيني يشكل جسر عبور اجتماعي، فملامحها السوسيو اقتصادية والثقافية تسمح لها بأن تكون فاعلة في صياغة الحال والمآل المجتمعي، ولهذا كانت هذه الطبقة تحسم كثيرا من النتائج في لحظات من التاريخ السياسي للوطن العربي، فحركات التحرر و الاستقلال كانت ممهورة بتوقيع منتسبي هذه الطبقة في أكثر من بلاد عربية، كما أن عمليات التغيير السياسي والاجتماعي، في شكل ثورات وحركات ثقافية تنويرية، كانت أيضا من صنعهم.لكن مع استلهام الدرس الكولونيالي واستراتجيات التهميش، التي يجيدها صناع القرار العربي، باتت الطبقة الوسطى تتعرض للتآكل والانمحاء، قبل أن تنتهي من ممارسة أدوارها الطبيعية، وتصير منشغلة ب«قلق اليومي» و«سلطة الخبز» كما الطبقة الدنيا. فالأستاذ الجامعي مثلا، الذي كان محسوبا إلى حد قريب على الطبقة الوسطى، بات اليوم مصنفا ضمن خانة «المهددين بالفقر»، أو في أحسن الأحوال في أسفل تراتبية الطبقة الوسطى، وهذا يعني أن نزيفا متواصلا يحدث في التشكيلات الاجتماعية، خصوصا في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية، مضافا إليها سوء الأحوال السياسية وتدهور الظروف المعيشية. فالفئات التي كانت إلى حد قريب تصنف ضمن الطبقة الوسطى بدأت تفقد مواقعها الطبيعية يوما بعد آخر، ليس فقط في المغرب فقط، بل حتى في الضفاف الأخرى.ولهذا يفهم كيف أن السؤال الاجتماعي كان، وسيظل، من أكبر الأسئلة التي تؤرق بال الفاعل السياسي. إنه سؤال مفتوح على كل الرهانات، ومفتاح لكل الاحتمالات، واعتباره رقما أساسا في معادلات التحرك والاشتغال أمر لا مندوحة عنه، فكل مكونات النسق السياسي تراهن على «الاجتماعي»، وتجعله الهدف الأقصى لممارساتها وخطاباتها.
- هل باتت الدولة تتخلى عن كثير من نفوذها وسلطتها لفائدة فاعلين آخرين؟ هل انتقلنا من دولة التدخل إلى دولة التخلي؟
إن تعميق نفوذ تدخل الدولة يتأسس على التخريج التالي: «الدولة يفترض فيها أن تنهض بكل شيء». إن معطى النفوذ هذا كان من أبرز نتائجه عسر الانتقال من المخزن إلى الدولة، أي من التقليد إلى العقلانية، ومن مجتمع الرعايا إلى مجتمع المواطنين. كما أنه جعل الدولة ذاتها «تطمئن» لصورتها المعطاء التدخلية في كل شيء، وهو يعد سببا رئيسا وراء انبناء تصورات سلبية عنها، تمنع الأفراد والجماعات من المبادرة والفعل خارج التوجيه الدولتي.
إن خطاب الدولة ينتقل اليوم من الانتصار للدولة التدخلية إلى الدولة المتخلية، وهو ما يلوح في جملة من المشاريع التنموية، التي تجعل من المقاربة التشاركية سندا لها، لكن التصورات المنغرسة في أعماق القرويين وغيرهم من الحضريين عن الدولة القادرة على فعل كل شيء، كانت سببا رئيسا وراء فشل كثير من المشاريع في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
طبعا كان هذا الانتقال من دولة التدخل إلى دولة التخلي، وفي كثير من ملامحه، تنفيذا مباشرا لتعليمات البنك الدولي وتحديدا مع سياسة التقويم الهيكلي واستكمالا مباشرا لنفس التعليمات مع تنفيذ مخطط الخوصصة، الذي تخلت بسببه الدولة عن أهم المؤسسات وأكثرها ربحية. وفي نفس السياق يأتي التدبير المفوض كصيغة جديدة لمشاريع التخلي وتفويت اختصاصات الدولة لفائدة المعمرين الجدد، أو ما يصطلح عليهم الآن بأقوياء «حزب فرنسا» المغربي، الذين باتوا يسيطرون على تدبير النقل والماء و الكهرباء والتطهير السائل والنظافة والاتصالات ومواقف السيارات، دون أن تكون للدولة القدرة على الاحتجاج على إخلالهم بمقتضيات دفاتر التحملات.
يمكن اعتبار التراجع عن مجانية كثير من الخدمات التي يقدمها المرفق العمومي على درب تجذير وتبرير دولة التخلي، تماما كما هو الأمر بالنسبة للخدمات الصحية، التي لم تعد بالمجان بالمرة. وعليه فإن «ارتفاع الطلب الاجتماعي وتنامي السلوك الاحتجاجي» يظل العنوان البارز لمغرب الهشاشة، فبؤر التوتر والاختلال تلوح في أكثر من مناسبة و على أكثر من صعيد، في تأشير دال وقوي على التهاب الاحتقان المجتمعي، فأرقام البطالة تستمر في الارتفاع، والموت في مقبرة المتوسط تظل أخباره الحدث الأبرز بصورة يومية، وفوق ذلك كله فدوائر الفقر والفاقة والتهميش، المنتجة بامتياز لكل بواعث الخلل والجنوح تواصل اتساعها على حساب حق المواطن في العيش الكريم.
- انسحاب الدولة هل يهم جميع القطاعات؟
علينا أن نعترف بأن التخلي كخيار جديد لا يهم كل القطاعات، بل يهم التدبير التنموي فقط، أما ما يتعلق بالتدبير السياسد ي والأمني، فإن الدولة ماضية في خيارات التدخل والمخزنة، وهذا يبدو جليا في الوقت الذي أسندت فيه إدارة التراب الوطني إلى وزارة البيئة والسكنى والماء مع محمد اليازغي، فبالرغم من تنظيمه آنئذ حوارا وطنيا حول المجال الترابي المغربي، فإن هذا القطاع ظل شأنا خالصا لوزارة الداخلية، ولم يكن لتفرط فيه يوما، بالرغم من «قسم» تجربة التناوب.
فهل يقود تسجيل معطى الانسحاب الدولتي من مسؤولية تدبير الشأن الاجتماعي و إنتاج الرفاه والاكتفاء بدور المتفرج (حالة غرق الدار البيضاء مؤخرا، ولا قدرة الدولة على توجيه اللوم لشركات التدبير المفوض)، هل يقود هذا الوضع الملتبس إلى استعادة ما أنتجه إدمون عمران المالح قبلا بصدد الدولة، وهو يقول: «لا وجود للدولة، إذن، في المنطلق في شكلها المؤسسي، لكن هناك زمرة اجتماعية ذات بنية محددة مع صلاحيات سلطوية لا تقل عنها تحديدا ولها تمثلات دينية معينة أيضا. إن للوضعية قيمة النموذج بعيدا عن النظام المرجعي المغربي. وهو بالتالي نموذج مجتمع بدون دولة، بل ضد الدولة»؟؟. فهل المخزن ما زال «قاد بشغالو»، خصوصا مع انكتاب نص «الانتقال من دولة التدخل إلى دولة التخلي»؟


«تسونامي الإفتاء» مهووس بالجسد ومتبرم من السياسة
- ما رأيك في الفتاوى التي بات يطلقها البعض بخصوص الحريات الفردية للأفراد وخطرها على المجتمع والديمقراطية وحرية التعبير؟
ما أثاره رضوان السيد في كتابه «الصراع على الإسلام» ينطبق، إلى حد بعيد، على الحالة الدينية بالمغرب، وإن كان الصراع في هذا الهنا والآن يتخذ طابعا آخر سمته ومحوره «الصراع على أنماط التدين»، فالكل راغب في «الكلام» باسم الدين، والكل معتقد بأن شمس الحقيقة تشرق من جبينه هو. في ظل هذا السياق ظهر ما أسميه «تسونامي الإفتاء»، وهو انفجار إفتائي لا يهم المغرب وحده، فالصراع على أنماط التدين أنتج الكثير من المفتين والدعاة والحركات الدينية، التي ترى في أطروحاتها «المنقذ من الضلال». إلا أن ما يميز «تسونامي الإفتاء» هو تركيزه على الجسد والجنس والمرأة، وتبرمه كثيرا من الإفتاء في السياسي وما يتصل أساسا بمصالح مالكي وسائل الإنتاج والإكراه. ما يميز هذه الفوضى الإفتائية أيضا هو السرعة والتسويق، فنحن أمام فتاوى شبيهة بالأكلات السريعة، علما بأن الفتوى في الثقافة الإسلامية، كما الأطعمة الجيدة، تنضج على نار هادئة، وتستوجب بحثا و استقصاء لآراء فاعلين من حساسيات متعددة، دونما ادعاء في الختام بمطلقيتها، إذ يختم المفتي دوما عبارته الشهيرة «هذا ما بلغه علم الحقير الفقير إلى الله فلان بن فلان والله أعلم». أما اليوم فالمفتي بات يؤسس لنفسه سلطة فوق السلط، ويتوفر على موقع إلكتروني يطلق فيه على نفسه ما شاء من توصيفات العلامة والفهامة، علما بأن المتخصصين في كتابة وفيات الأعلام هم من يجوز لهم إطلاق ذلك، لكن مفتينا لا يترددون في توشيح أنفسهم بأنفسهم بهذه التوصيفات.
يمكن القول بأن ما يعرفه الأفراد من إحباطات واقعية يدفع باتجاه الهجرة إلى السماء، فعندما تغيب العدالة عن الأرض ولا يتحقق في الواقع ما نحلم به تتواتر الهجرة إلى مساحات أخرى، تكون السماء، بما تحيل عليه من تدين، بديلا عن الواقع المفترى عليه، و هذا ما يبرر الإقبال على طلب خدمات الإفتاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.