إن تحديد مهام المصالح المركزية بمرسوم يضمن عدم تداخل المهام ما بين القطاعات الوزارية، من جهة، كما يضمن التزامها أمام رئيس الحكومة والحكومة من أجل تنفيذ البرنامج الحكومة، من جهة أخرى. لم يكتف محررو النصوص التنظيمية داخل الإدارة بنزع السلطة الإدارية من رئيس الحكومة والحكومة، بل عمدوا كذلك إلى إحداث تغيير مهم في المرسوم الملكي المتعلق بالمحاسبة العمومية، يستهدف تقليص السلطة المالية للحكومة على المصالح المركزية، حيث من المعروف أن الوزير هو الآمر بالصرف داخل الإدارة المركزية، أما الآمر بالصرف الثانوي فلا يمكن تعيينه إلا خارج المصالح المركزية وضمن حدود ترابية محددة؛ ولكن محرري المشاريع الإدارية عملوا على الدخول إلى السلطة المالية للوزير داخل المصالح المركزية من خلال إباحة تعيين آمرين بالصرف ثانويين في المصالح المركزية (من خلال حذف حدود ترابية من الفصل الرابع والستين من المرسوم الملكي للمحاسبة العمومية)؛ إذن فتقليص السلطة الإدارية والمالية للحكومة، حتى داخل الإدارة المركزية، كان يستهدف اقتسام السلطة داخل المصالح المركزية مناصفة بين السياسي والإداري، من جهة، وتهييء المرحلة للإداريين وتقليص دور السياسيين، من جهة أخرى. كما أن سلطة رئيس الحكومة على الإدارة لا يمكن أن تكون فعلية إذا لم تكن له سلطة على الدرجات العليا بالإدارة من خلال عملية الترقية (المهندسين الرؤساء، المتصرفين الممتازين،...)، والتقييم من خلال التفاني في العمل وخدمة البرنامج الحكومي المصادق عليه من طرف الأغلبية البرلمانية. وكان النص التنظيمي السابق يعترف لرئيس الحكومة بسلطة على الموظفين المرتبين في الدرجات العليا، ولكن هذه السلطة نزعت من رئيس الحكومة، فكيف له أن يضمن تنفيذ البرنامج الحكومي من طرف الموظفين المرتبين في الدرجات العليا وهو لا يملك سلطة عليهم، خصوصا في ما يتعلق بترقيتهم. من جهة أخرى، وجب التذكير بأن رئيس الحكومة لا يمكن أن يعرف ما يجري داخل الإدارة إذا لم تكن له سلطة على الجهاز المكلف بالمراقبة، من خلال سلطة تعيين المراقبين، ولكن هذه السلطة سحبت من رئيس الحكومة سنة 2008. وعندما كان الشعب المغربي يناقش الإصلاحات الدستورية، ومنها حق رئيس الحكومة في التعيين في المناصب العليا داخل الإدارة، كان محررو المشاريع الإدارية يهيئون نصا يمنح سلطة التعيين في مناصب رؤساء المصالح ورؤساء الأقسام للوزراء في تحدٍّ سافر للدستور الذي يمنح هذا الحق لسلطة وحيدة هي سلطة رئيس الحكومة (الفصل الواحد والتسعون من الدستور)، فهل كان محررو المشاريع الإدارية يجهلون الدستور الجديد الذي يمنح حق التعيين في المناصب العليا داخل الإدارة لرئيس الحكومة حصريا أم إن الإدارة المغربية كانت تعبر بصريح العبارة عن رفضها نزع سلطة تعيين رؤساء المصالح والأقسام من الوزير، لأن منح هذا الحق للوزير يعني أن الإدارة المشرعة ستفسر السلطة على أنها قابلة للتفويض (رغم أن النص لم يمنح أي تفويض)، وبالتالي ستستحوذ في الأخير على هذا الحق (من خلال تفويضه إلى كبار المسؤولين في الإدارة)، بينما احترام الدستور يعني أن سلطة التعيين هي ملك لرئيس الحكومة وغير قابلة للتفويض إلا إلى الوزراء، وبالتالي فإن الإداري سيكون خارج مجال سلطة التعيين (مع احترام شكليات التعيين)؟ 3 - سلطة تجاوز رفض التأشيرة تشرعن للإدارة تجاوز المراسيم التنظيمية منذ قرنين، أكد جون جاك روسو أنه كلما كان القانون قويا كان المواطن محميا بشكل جيد. ولكن بالعودة إلى المرسوم المتعلق بالمراقبة، فإننا نجد أنه بإمكان رئيس الحكومة تجاوز رفض التأشيرة حتى لو كان الأمر يتعلق بمقتضيات تنظيمية. هذه السلطة الممنوحة لرئيس الحكومة هي سلطة غير دستورية، لأن الدستور يأمر الحكومة باحترام القانون بشكله العام أي القوانين والمراسيم. من جهة أخرى، وقف القضاء الإداري المغربي ضد هذه السلطة عندما اعتبر أنْ لا سلطة للوزير الأول المغربي أمام المراسيم إلا سلطة واحدة هي سلطة التنفيذ (حكم المجلس الأعلى المتعلق بمراقبي المحافظة العقارية)، كما أن احترام مبدأ توازي الشكليات يمنع على رئيس الحكومة تجاوز المرسوم. إن سلطة تجاوز رفض التأشيرة هي مكيدة مدبرة من طرف اليد الخفية داخل الإدارة لتوريط السياسي في خرق القانون، إذ إن تحليلا بسيطا لمسطرة رفض التأشيرة المنصوص عليه في المرسوم المتعلق بالمراقبة يثبت أن المطلوب من رئيس الحكومة هو تبيض خرق القانون الذي يقوم به المدبر الإداري، حيث إنه من المفروض من المدبر الإداري والمدبر المالي احترام المشروعية؛ وفي حالة العكس، يجب تطبيق القانون تجاه المخالفين من خلال إعمال المسؤولية الشخصية والمسؤولية الإدارية والمسؤولية المالية والمسؤولية الجنائية، وليس تمرير عملية خرق القانون على مسؤولية رئيس الحكومة في خرق واضح للدستور والقانون والمرسوم. 4 - الصفقات العمومية مجال محجوز للإداري أمام الاستقالة التامة للسلطة السياسية رغم أن الدستور المغربي ينص على مبدأ المساواة أمام الطلبية العمومية والمساواة أمام القانون ومبدأ حرية المبادرة الخاصة ومبدأ الشفافية، فإن المطلوب من الحكومة السياسية كان هو تجسيد المبادئ الدستورية العامة والخاصة بالصفقات العمومية في قانون، حتى يشمل الشراء العمومي بشكل عام (الدولة، المؤسسات العمومية، الجماعات المحلية) ويحدد المبادئ العامة، ثم يأتي المرسوم ليحدد تجسيد السلطة الإدارية لتنفيذ مبادئ المساواة والشفافية أمام الطلبية العمومية؛ ولكن المدبر الإداري والمالي، بتشجيع من اللوبي الاقتصادي والمالي، أراد استمرار الحال على ما هو عليه في ما يتعلق بالصفقات العمومية، وعجز السياسي عن فرض تحديد المبادئ العامة بالصفقات العمومية من خلال القانون، ورضخ (السياسي) بالتالي لإرادة اليد الخفية، وما تمرير المرسوم الجديد للصفقات العمومية في المجلس الحكومي الأخير إلا تأكيد على استمرار قوة الإدارة أمام الحكومة في ما يتعلق بالصفقات العمومية. المنتصر السويني باحث