أمر سيف المارد الخيرقان أن يحمله إلى الجزيرة الرابعة فوجدها كثيرة الأزهار والرياحين وفيها نهر عظيم يقسم الجزيرة إلى شطرين، كما رأى فيها عمودا و جرنا من النحاس الأحمر كتبت عليه أسماء وطلاسم مثل دبيب النمل .. ولما سأله عنها قال الخيرقان: إن هذه الجزر كلها مطلسمة بمثل هذا العمود والجرن، لأن عابد النجم حاكم هذه الجزيرة نصب هذه الأرصاد لتصد عن المدينة خطر الأعداء .. وحكى له ما كان له من عداء عابد نجم مع وزيره كيوان وكيف أن سر إبطال هذه الأرصاد موجود في كنز كوش بن كنعان.. وكيف قام كيوان بفك هذه الأرصاد .. ودخلت جيوشه مدينة عابد نجم وقتل نجم، وأفنى جميع الخلق حتى لم يبق فيها جنس إنسان.... ثم نقله الخيرقان إلى جزيرة أخرى فيها عجائب لا تعد ولا تحصى وقال له اعلم أن هذه الجزائر كلها مطلسمة لا يستطيع أن يدخلها غريب .. وجعل يمر به من الجزر المختلفة ويفرجه على عجائبها، ويريه ثمار أشجارها المختلفة إلى أن أراه ثمارا على شكل إنسان تسبح الله العلام آناء الليل وأطراف النهار وتقول: واق واق سبحان الملك الخلاق .. ثم أوصله إلى الجزيرة التي هو طالبها وهي جزيرة الكافور، فرأى مدينة البنات على يمينها ومدينة الرجال على يسارها .. وهنا اعتذر الخيرقان لسيف عن عدم قدرته على التقدم به خوفا من الأرصاد التي في جزيرة البنات، وأنزله في مكان منعزل من الجزيرة ..فأتى على مرج أخضر فيه أشجار وأنهار وأطيار تسبح الواحد القهار. ووجدوا نهرا جاريا، لكن ماءه مخالف للمياه لأنه أصفر وتأمل في الدنيا حوله فلم يجد أنيسا ولا جليسا، فتعجب الملك سيف من ذلك، وسار إلى مغار وسار يعبد الله ويتضرع إليه ويبتهل إلى الله تعالى إلى أن أصبح الصباح وأضاء الكريم بنوره ولاح ونزل من ذلك الجبل إلى المرج حتى وصل .. ثم اقترب سيف من مدينة البنات وكانت مختلفات اللباس كل طائفة تختلف عن لون أختها حسب طبقتها، ولبس الحلة فصار مثل البنات واختفى بينهن .. لكن إحداهن وهي الوزيرة مرجانة كشفته وعرفت أنه رجل، فطلب منها الأمان وحكى لها ما كان..وأخبرها أنه جاء من أجل استرداد ولده وزوجته منية النفوس.. فقالت له: لو وقعت في يد غيري من هاته البنات لكن بسيوفهن قطعنك .. فشكرها سيف شكرا زائدا وأثنى عليها، فقالت: لا شك أنك تحبها محبة زائدة حتى تخاطر بنفسك وتلقي بها في المهالك.. ثم أرشدته مرجانة إلى مكان منية النفوس.. بحيث أخبرته أنها في السجن تعاني أصناف التعذيب .. وقالت له: إن طاوعتني عد إلى بلدك واجتمع بأهلك وأجنادك واترك أمرها وتزوج غيرها .. قال سيف: هيهات أن أتركها أو أن أعود بغيرها إلى بلادي واتركها في ديار الأعادي... وأدخلته مرجانة إلى المدينة دون أن يشعر به أحد، وجعلته يقابل زوجته منية النفوس ويرى ابنه، فلما رآها على حالها وما أصابها من سقمها ونحولها من بعد حسنها وجمالها وقدها واعتدالها، ذرفت الدموع من عينيه، وانسلب عقله وتاه فكره .. وقام سيف بفك قيودها، ثم إنه فقد الصبر وطلب الحرب والطعن والضرب وخرج إلى بنات المدينة وأعمل فيهن سيفه، لكن الساحرات في مدينة البنات استطعن التغلب عليه وشل حركته، لأن الكثرة تغلب الشجاعة، فأحيط به من طرف البنات الجنود، وأخذ وسجن مع زوجته منية النفوس، وكبل بالأغلال والقيود.. وإلى ما كان من أمره سنعود .. ترقبوا في الغد حكاية الخضر