هيئات صحفية ونقابية ترفض مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة        بعثة المنتخب المغربي تصل إلى زامبيا    نائبة برلمانية للميداوي: رسوم دراسة الموظفين تكرس منطق المتاجرة في التعليم    هواتف سطو مسلح بفرنسا تصل المغرب    مطار الحسيمة.. نمو ب 7 في المائة وحركة تتجاوز 92 ألف مسافر    العاهل الإسباني فيليبي السادس يلمح لزيارة مليلية    التوفيق: الذكاء الاصطناعي يثمن خطب الجمعة الموحدة    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية ورياح عاصفية بعدد من أقاليم المملكة        موسم "ذراع الزيتون" بالرحامنة.. ذاكرة المقاومة وتلاحم القبائل    وزيرة الاقتصاد والمالية: القانون يتيح للحكومة ضبط الأسعار في حالات استثنائية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    مصرع 26 شخصاً خلال محاولات الهجرة سباحة إلى سبتة    مختبر المغرب و البلدان المتوسطية و مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي يوقعان اتفاقية شراكة    مبابي يسير بثبات نحو "لقب" أفضل هداف في تاريخ المنتخب الفرنسي    العلاقات المغربية التركية: دينامية متواصلة من أجل شراكة واعدة    مطار الداخلة... خلل في الخدمات يسيء لصورة وجهة سياحية واعدة    رقم قياسي جديد في المبادلات التجارية بين المغرب والصين    في رسالة مصورة: 'إنفانتينو' يصف تأهل المنتخب المغربي إلى نهائيات كأس العالم 2026 بالإنجاز الاستثنائي    الذكاء الاصطناعي يكشف توقعاته في تأهل المنتخبات العربية والإفريقية رفقة المغرب    انطلاق الدورة الخامسة للمهرجان الدولي للفن التشكيلي بتطوان    ميناء الحسيمة يسجل تراجعا في مفرغات الصيد البحري    بادو الزاكي: الخسارة أمام المغرب "عادية".. فهو أفضل منتخب إفريقي    آلاف المغاربة يتظاهرون ضد الحرب على غزة والتطبيع... والدولة تواصل تعزيز علاقاتها مع إسرائيل    لجنة تؤطر النموذج الجديد للصيدليات    ترامب يوقع على قرار يغير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب رسميا    افتتاح الدورة ال13 للمهرجان الدولي "ملحونيات" بأزمور    كأس العالم 2026 .. المغرب القوة الصاعدة في سماء كرة القدم العالمية    المفوضية الأوروبية تغرم "غوغل" 3,5 مليار دولار لانتهاكها قواعد المنافسة    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بالمصالح اللاممركزة للأمن الوطني في عدد من المدن    ترامب يقول إن أمريكا تجري مفاوضات متعمقة مع حماس    سمكة قرش تقتل رجلا قبالة شاطئ سيدني    ألمانيا تدشن الحاسوب الفائق "جوبيتر" لتعزيز قدرتها في الذكاء الاصطناعي    عدد مستخدمي "شات جي بي تي" يتجاوز 20 مليونا في غشت    تلميذة تنال شهادة الباكالوريا الفرنسية في سن التاسعة    تصفيات مونديال 2026: الخسارة أمام المغرب "نتيجة عادية" (بادو الزاكي)        طنجة.. الدرك الملكي يوقف شابًا متورطًا في ترويج المخدرات وحبوب الهلوسة    ساكنة مدينة الجديدة تخرج لتجديد العهد على نصرة ف.ل.سطين    الزلزولي يتدرب منفردا مع ريال بيتيس    موهوزي كاينيروغابا .. جنرال أوغندي مثير للجدل يقود المعارك عبر "إكس"    مسعد بولس يلتقي دي ميستورا في واشنطن ويؤكد أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو "الحل الوحيد"    نقد مقال الريسوني    الصحة العالمية تقرر رفع حالة الطوارئ بخصوص جدري القردة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    حينما يتحدث جاد المالح، ينثر الابتسامات، يؤجج العواطف، ويؤكد ارتباطه العميق بالمغرب    بعد سنوات من الرفض.. أوروبا وأمريكا تعتمدان علاج مبتكر ضد ألزهايمر    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس        رضوان برحيل يعلن موعد إصدار جديده الفني    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    موجة جديدة من كوفيد-19 تضرب كاليفورنيا    سبتة تحتضن تقديم وتوقيع كتاب "محادثات سرية حول مدينة طنجة" لعبد الخالق النجمي    لحظات من الحج : 13- هنا روضة النبي،وهناك بيت الله‮    علماء يحددون البكتيريا المسؤولة عن أول جائحة في التاريخ البشري    مجلس الحكومة تتداول النسخ التصويري    دراسة: ثلاثة أرباع واد سبو في سيدي علال التازي تُصنف ضمن "التلوث المرتفع جدا"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المساء تقتحم «جمهورية العرفان الإفريقية» بقلب طنجة
نشر في المساء يوم 08 - 12 - 2013

أشخاص ذوو بشرة سمراء في كل مكان... تجمع لمواطنين أفارقة على الرصيف، وتجمع مماثل على الرصيف المقابل، ورجل وامرأة يرافقهما طفل يسيرون وسط الشارع، يبدو أنهم يشكلون أسرة..
أمام كل عمارة تجمعات للأفارقة، وداخل كل مقهى يشكلون النسبة الأكبر، فلا تكاد تسمع حديثا آخر بغير الفرنسية بلهجة إفريقية وبعض الإنجليزية..
أما «ذوو البشرة البيضاء» فيبدون في هذا المكان «أقلية»، وقد اختاروا الانزواء هنا أو هناك بمفردهم، بل حتى في الأماكن العامة كالمقاهي والمتاجر، يكادون لا يختلطون مع الأفارقة.
هي مواصفات تجعل قارئها يعتقد أن الكلام هنا عن مدينة من مدن إفريقيا جنوب الصحراء، لكن مكانا ما في المغرب، وفي أقصى الشمال تحديدا، تنطبق عليه هذه المواصفات، إنه المجمع السكني «العرفان» بحي بوخلف، حيث بات المهاجرون غير النظاميين الأفارقة، يشكلون كيانا يكاد أن يتحول إلى ما يشبه «الجمهورية».
جولة داخل «الجمهورية»
بين الأزقة يوجد أفارقة.. داخل المقاهي يوجد أفارقة.. أمام العمارات يوجد أفارقة.. وبالقرب من المحلات التجارية هناك أفارقة.. مرحبا بك أنت في «جمهورية العرفان الإفريقية».
فرادى أو مجموعات، يتجول المهاجرون الأفارقة في هذا المكان هانئين مطمئنين، ولو نسبيا، لأن الأمر سيختلف إذا حان موعد دوريات الأمن، وإلى ذلك الحين يستمر هؤلاء في مزاولة أنشطتهم.. اثنان يعملان كإسكافيين، وثالث يبيع الحلوى والبسكويت، وآخر يبيع السجائر المهربة، لكن الأغلبية هنا لا يفعلون شيئا، ما عدى الاحتماء من مطاردة الأمن.
الداخل إلى هذا المكان عليه أن يعلم أنه هو الغريب، وأنه مشبوه حتى يثبت العكس وأن النظرات المتوجسة ستطارده، ما دام الغرض الأساس من هذا التجمع البشري هو الاحتماء من الأمن، لذا فإن من أخطر المغامرات التي قد يقدم عليها شخص ما، هي إشهار «كاميرا» والشروع في التقاط الصور.
إياك ثم إياك أن تتحدث عن كونك صحفيا، فبالنسبة لعدد كبير من الأفارقة هنا، الصحفي والشرطي وجهان لعملة واحدة، ما دام الاثنان يحاولان سبر أغوار «جمهوريةٍ إفريقيةٍ» وسط طنجة، قامت بسرعة البرق.
حتى وإن كنت تلتقط صورا من المقعد الخلفي للسيارة وراء زجاجها المعتم، سينتبه إليك أحدهم، هذا ما حصل مع «المساء» فعلا، ساعتها ما عليك إلا أن تحث مرافقك على أن يدوس على البنزين قبل أن يتم الأفارقة الغاضبون من «فضولك» وقفتهم، إن كنت لا تريد المشاكل.. أما إن كانت «الحماقة» قد بلغت بك مبلغها وغامرت بالتقاط صور وسط الشارع العام، فمن المؤكد أن الكاميرا لن تنجو، ومن المحتمل أنك ستنال علقة ساخنة قبل أن تغادر المكان.. فلسلامتك، لا تفعل ذلك!
إذا ما تمكنت من الاستفراد بمغربي يسكن المنطقة بعيدا عن أنظار ومسامع الأفارقة، فقد يخبرك بأنه متذمر جدا من وجودهم.. «لقد صاروا هم المتحكمين في المنطقة.. هؤلاء الموجودون هنا يختلفون عن باقي الأفارقة في أماكن أخرى، إنهم يتسببون في المشاكل، وحتى الأمن عجز عن ضبطهم.. لقد صرنا نخشى على أنفسنا وأسرنا»، يعلق أحد السكان بصوت منخفض وعلامات الغضب بادية على وجهه، قبل أن يخبرنا بأن أغلب جرائم الأفارقة هنا تتمثل في اقتحام المنازل والاعتداءات الجسدية وأحيانا السرقات.
ورغم ذلك فإن الوجود الإفريقي في هذه المنطقة، لا يقابل دائما بالرفض، فصاحب محل تجاري بالقرب من مجمع العرفان، يبدي تفهما كبيرا لوجود هؤلاء المهاجرين بالمغرب، «فلو وجدوا حياة طبيعية في بلدانهم لما قدموا إلى هنا»، يعلق صاحبنا قبل أن يتابع قائلا بأن الأفارقة كانوا «نية ومَافِيهُومْش تْحْرامِيَّات... لكن معاشرتهم للمغاربة هي التي جعلت منهم مجرمين»...
الغريب، أن هاته العبارة الأخيرة تلقى شبه إجماع من طرف عدد كبير من قاطني المجمع، الذين تلمس في كلامهم نبرة غضب من بعض التصرفات غير القانونية للمهاجرين الأفارقة، وفي الآن نفسه يجدون لها مبررات.
دوافع وآمال مختلفة
قدومنا إلى هنا قدر وليس اختيارا... عبارة يطلقها «إبراهيما»، المهاجر الإفواري العشريني، بصوت تلمس فيه نبرة حزن تعززها نظرته البئيسة التي تنم عن يأس استوطن نفسيته، وهي عبارة تلخص حال العشرات من الأفارقة في هذا المكان، الذين تختلف حكاياتهم ودفعهم إلى دخول مغامرة غير مأمونة العواقب، بقدر ما تتشابه أشكالهم.
ليس كل المهاجرين في «جمهورية العرفان الإفريقية» سعداء بواقعهم الجديد، ولكن في المقابل، هناك كثيرون يعتبرون أن واقعهم هذا أرحم بكثير من ذاك الذي خلفوه في بلدانهم الأصلية، والذي لا يزال يحاصر إلى الآن الملايين من بني جلدتهم، والذي يدفعهم إلى تتبع «طريق الشوك» ذاته الذي أوصل هؤلاء الأفارقة إلى هذا المكان.
«إبراهيما» الشاب نحيل البنية الجاحظ العينين، يتذكر بألم بدايات سنة 2011، ففي الوقت الذي كان فيه العرب من المحيط إلى الخليج، منشغلين ب»ربيعهم المنشود»، كانت أبيدجان، العاصمة الإفوارية تعيش شتاء داميا لم تتوقف خلاله زخات الرصاص، التي اضطرت الآلاف إلى هجر وطنهم، بعد الأزمة السياسية التي تلت الانتخابات الرئاسية في دجنبر من سنة 2010، والتي تحولت إلى نزاع مسلح.
لم يكن ل»إبراهيما»، حسب روايته، أي انتماءات سياسية، لكن الحرب الطاحنة تحولت إلى عمليات قتل جماعي على أسس دينية، طالت حتى أسرته الفقيرة بضواحي العاصمة، ليضطر إلى الفرار من هذا الجحيم، الذي كان شاهدا خلاله على عدة عمليات وحشية.
«اخترت الهجرة إلى المغرب الذي قدمت إليه سيرا على الأقدام، عبر رحلة طويلة مرت عبر مالي وموريتانيا، كل ذلك في سبيل الوصول إلى طنجة، والتي كنت أخطط أن أعبر منها صوب إسبانيا، ثم إلى فرنسا حيث يستقر أبناء عمومتي... لكن الآن أنا عالق هنا، لا أستطيع الهجرة صوب الضفة الأخرى، ولا العودة إلى بلدي»... يحكي «إبراهيما».
ليس لهذا الشاب عمل قار، فقد سبق له أن مارس التسول، ثم عمل ماسح أحذية، لكن لم يكن يجني شيئا، بالنظر ل«منافسة» مغاربة له في هاته المهنة، وعدم معرفته الجيدة بالمدينة، ليعود إلى التسول مجددا، قبل أن يستقر به المطاف في مجمع العرفان، ليقاسم شبابا آخرين شقة قد يصل عدد قاطنيها أحيانا 25 فردا.
«لا أعلم شُقة من هذه، فقط أحد الأصدقاء عرض علي المبيت فيها مقابل نسبة مما أجنيه يوميا، ووافقت تجنبا للنوم في الشارع الذي كنت اضطر إليه في أغلب الأحيان».. يقول إبراهيما متوجسا بعد أن حاول التهرب من الإجابة عن هذا السؤال، قبل أن يسترسل «لكن بقائي هنا لن يطول، إذ سوف أحاول الهجرة مرة أخرى بعد أن فشلت في المرتين السابقتين.. وأنا متأكد أنني سأنجح هذه المرة».
اليأس والخوف، سمتان ليستا بالضرورة لصيقتين بكل الأفارقة الموجودين في «جمهورية العرفان»، ف»أمادو» الشاب السينغالي العشريني، أنيق الشكل بشوش الوجه، يبدو قانعا بشكل حياته في طنجة، ولو أنه يأمل في الأفضل، فهذا الشاب القادم من مدينة «تيفاوان»، وجد في المغرب «شبه عمل» لم يكن قادرا على العثور عليه في بلده.
«هذا دواء صالح للروماتيزم، وهذا لألام الظهر... إنها فعالة جدا»، يقول «أمادو» متحدثا عن تلك العلب الصغيرة التي يعرضها يوميا في الشوارع والأسواق، والتي منها يجني مالا يمكنه من العيش «أفضل مما كان عليه في السينغال» حسب قوله.
يعيش «أمادو» في مرآب (كاراج) رفقة مجموعة من المهاجرين الآخرين، غالبيتهم العظمى سينغاليون، وكما هو الحال مع «إبراهيما»، يصاب صاحبنا بالحرج عندما يسأل عن قانونية استخدامه ل»مسكنه»، فيجيب بأنه عرض عليه من طرف مهاجرين آخرين، كما يشدد على أنه «لا يتسبب في المشاكل ويحب المغاربة وهم بدورهم يحبونه».
«كنت أفكر في الهجرة إلى إسبانيا، لكن الآن آمل أن أسوي وضعيتي القانونية في المغرب.. أنا أفكر أيضا في الزواج، ولما لا العودة إلى بلدي ثريا يوما ما».. هكذا يفصح «أمادو» عن آماله، مجسدا حالة التناقض الصارخ في «جمهورية العرفان الإفريقية»، بين أشخاص يعتبرون حياتهم هذه جحيما لا يطاق، وآخرين يعتبرونها نعيما بالمقارنة مع ما يعيشونه في بلدانهم.
«مستوطنون»
من نوع خاص!
«نحن السكان الأصليون صرنا أقلية هنا...»، العبارة لا تعود إلى أحد سكان أستراليا أو أمريكا الشمالية الأصليين، بل هي عبارة أطلقها أحد الشباب القاطنين في محيط مجمع العرفان، وعلى ما فيها من غرابة، إلا أن فحواها صادق لدرجة كبيرة.
جولة في هذا المكان صباحا وأخرى ليلا، تجعلك متأكدا من أن نسبة المغاربة هنا لا تكاد تتجاوز الثلث، وهو التغير الذي تم بهذا المجمع السكني المدشن سنة 2006، خلال مدة لا تتجاوز السنة، ويرجع سبب ذلك، حسب السكان، إلى أن جل مالكي الشقق به من المغاربة المقيمين بالخارج، الذين لا يزورون مساكنهم إلا مرة أو مرتين في السنة.
غياب مغاربة المهجر عن شققهم يشكل أكبر التحديات الأمنية التي بات يعاني منها سكان مجمع العرفان، إذ في فترة الصيف الأخيرة فقط سجلت مصالح الأمن عشرات الشكايات قدمها مواطنون مغاربة عائدون إلى المغرب، بعدما فوجؤوا ب«غزو» مهاجرين أفارقة لشققهم.
«أحمد»، رب أسرة في عقده الثالث، كان شاهدا على إحدى هاته الحالات، عندما عاد جاره المقيم بفرنسا إلى شقته ليفاجأ بكونها محتلة من طرف الأفارقة.. «وجد داخلها ما لا يقل عن 12 إفريقيا، اقتحموها بعدما كسروا الأقفال، وكان جاري مرفوقا بزوجته وأبنائه، فاضطر للفرار قاصدا قسم الشرطة، وقبل قدوم الأمن كان المهاجرون قد فروا جميعا»، يحكي المتحدث.
ويقول «أحمد» إن السكان يعلمون جيدا أن كل عمارة تقريبا في هذا المجمع السكني يوجد بها أفارقة يحتلون شققا خالية، لكنه يقول إن أحدا لا يستطيع التصدي لهم كونهم يقتحمونها على شكل مجموعات، كما يؤكد وجود أفارقة يؤجرون شقاقا ومرائب استولوا عليها لأفارقة آخرين.
مصدر أمني أكد أن عمليات احتلال الشقق، تعد أكثر المخالفات القانونية التي يرتكبها المهاجرون غير النظاميين الأفارقة بمجمع العرفان، إذ إن كل حملة أمنية على المنطقة تعرف إخلاء لشقق فارغة، يوجد أصحابها في الخارج في أغلب الأحيان، ورغم عدم وجود إحصاء دقيق لعدد الشقق التي تم إخلاؤها، كون أغلب العمليات تأتي في إطار حملات أمنية وليس بناء على شكايات، إلا أن المتحدث يؤكد أن جل الشقق الخالية محتلة من طرف الأفارقة.
ويكشف المصدر ذاته، أن عمليات احتلال الشقق، تتم عنوة من طرف الأفارقة أحيانا، ومنهم من يؤجرونها لأفارقة آخرين، لكن في أحيان أخرى يتم الأمر بتواطئ مع حارس إحدى العمارات، أو باتفاق مع صاحب الشقة نفسه.
إثبات الذات
المطاردات الأمنية للمهاجرين السريين الأفارقة، التي يعرفها بشكل روتيني مجمع العرفان، لم تعد تسير في مسارها المعتاد، بعدما انتهج مجموعة من المهاجرين الذين استوطنوا المنطقة أسلوب «إثبات الذات»، فبعدما كانت الحملات الأمنية تبدأ بمطاردات تتلوها اعتقالات وتنتهي باختفاء مؤقت للمهاجرين، صار هؤلاء «يتحدون» العمليات الأمنية أحيانا عبر احتجاجات واقتحام أماكن عامة، حسب ما أطلعنا عليه عارفون بخبايا المنطقة. مساء الرابع من دجنبر الجاري، عاشت طنجة أخطر مواجهة بين الأمن وأفارقة منطقة «بوخالف»، الذين انطلقوا في مسيرة احتجاجية حاملين جثة مهاجر كامروني قالوا إن عنصرين أمنيين أسقطاه من الطابق الرابع لإحدى العمارات بمجمع العرفان.
مسيرة الأفارقة التي تصدى لها الأمن في منطقة «مسنانة»، شهدت مواجهات بالحجارة أدت إلى إصابات، وإلى كسر زجاج عدة سيارات وتدمير سيارة إسعاف، قبل أن تتدخل هيئات حقوقية لإقناع الأفارقة بتسليم جثة الضحية لتشريحها وإجراء تحقيق يحدد سبب الوفاة.
ورغم أن الرواية الرسمية نفت قتل المهاجر الكامروني «صديق» ذي ال24 ربيعا، خلال مداهمة أمنية، قائلة إنه تم العثور على جثته في الطريق العام، إلا أن الأفارقة كانوا مصرين على اتهام السلطات بقتله لدوافع «عنصرية».
وفي العاشر من أكتوبر الماضي، عاشت طنجة توترا مشابها وإن كان أقل حدة، إذ أثناء مطاردة الأمنيين لأفارقة داخل عمارات سكنية كانوا يستغلون شققها بشكل غير قانوني، حاول مهاجر سينغالي يدعى «موسى سيك» ويبلغ من العمر 25 عاما، الفرار بالانتقال من شرفة الشقة الموجود فيها إلى شرفة أخرى بالعمارة الملاصقة لها، لكن مغامرته هذه لم تمر بسلام، إذ سقط المهاجر الإفريقي من الطابق الرابع وقضى نحبه.
كانت هذه هي الرواية التي اعتمدتها ولاية الأمن، لكنها لم تلق قبولا لدى المهاجرين الأفارقة وخاصة السينغاليين، الذين تجمهروا أمام المشرحة العمومية بمستشفى «الدوق ديطوفار» متهمين الشرطة بقتل زميلهم، ثم تحولت الوقفة الاحتجاجية إلى محاصرة المشرحة. هذه الاحتجاجات كادت أن تتطور لما هو أسوأ، خاصة مع استعداد عناصر الأمن لتفريق الاعتصام الذي استمر من مساء يوم الحادث إلى فجر اليوم الموالي، واضطرت السفارة السينغالية إلى بعث ممثلة لها أقنعت المهاجرين بإنهاء حصارهم، واعدة إياهم بالتنسيق مع السلطات الأمنية والقضائية لفتح تحقيق في الحادث.
وفي نونبر الماضي، شهدت جامعة عبد المالك السعدي، التي تضم اثنين من أكبر الكليات بالجهة، هما كلية القانون والاقتصاد وكلية العلوم والتقنيات، (شهدت) لحظات مرعبة، إذ أثناء حملة أمنية ضد المهاجرين السريين، عمد بعض الأفارقة إلى اقتحام حرم الكلية التي حاولوا كسر باب أحد أقسامها، كما عمدوا إلى كسر باب الحي الجامعي واقتحامه للاحتماء داخله.
وقبل أيام، كان مصير عنصر من القوات المساعدة «نطحة بالرأس» من طرف مهاجر إفريقي، فأثناء عملية أمنية استهدفت التحقق من هوية مجموعة من الأفارقة الموجودين داخل مقهى، عمد المهاجر الإفريقي إلى الاعتداء جسديا على عنصر القوات المساعدة الذي كان يرتدي زيه الأمني، ليتسنى له الهرب خوفا من إلقاء القبض عليه نظرا لعدم توفره على وثائق الإقامة.
الأمن وأفارقة «العرفان».. مسلسل مطاردة لا ينتهي
حصلت «المساء» على معطيات من مصادر أمنية، تؤكد أن الحملات على المهاجرين السريين الأفارقة بمجمع «العرفان»، عرفت ارتفاعا خلال الأشهر الاخيرة، حتى صارت تشكل جزءا من العمل الروتيني شبه اليومي لولاية الأمن.
وحسب المصادر ذاتها فإن عدد الأفارقة الموقوفين في المنطقة المذكورة تجاوز خلال الشهرين الماضين فقط 1000 شخص، نسبةٌ كبيرةٌ منهم لم يطل بهم الاستقرار بطنجة، التي قدموا إليها من مدن مغربية أخرى استعدادا للتوجه صوب الضفة الجنوبية، وهو ما يؤكد أن «جمهرية العرفان» صارت مركزا رئيسا لاستقبال المهاجرين غير النظاميين من كافة ربوع المغرب.
ويؤكد مصدر أمني أن التهم التي يواجهها هؤلاء الأفارقة بالإضافة إلى مخافة قانون الإقامة والهجرة، هي اقتحام الشقق واحتلالها بشكل غير قانوني، بالإضافة إلى حالات اعتداء محدودة.
ويشير المصدر ذاته إلى أن «طباع» المهاجرين الأفارقة بمجمع العرفان صارت مختلفة عن نظرائهم بأماكن أخرى، إذ صاروا ينهجون في عدة أحيان سياسة «التحدي» تجاه الأمن، التي تتجاوز أحيانا الاعتداءات اللفظية والاتهامات بالعنصرية، إلى رشق الأمنيين بالحجارة.
ويقول المتحدث نفسه إن المشاكل التي تواجه الأمنيين يكون مصدرها في الغالب الأفارقة الآملون في الهجرة صوب أوروبا، في حين يختلف الأمر مع المهاجرين الساعين إلى الاستقرار في المغرب، خاصة الذين يتوفرون على عمل في البناء مثلا أو كباعة متجولين، والذين يتفادون المشاكل مع الأمن أملا في تمكنهم من تسوية وضعيتهم القانونية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.