موجة حر مع "الشركي" من الاثنين إلى الجمعة بعدد من مناطق المغرب    تراجع معدل الادخار الوطني إلى 26.8% من الناتج المحلي    تراجع أسعار الذهب إلى أدنى مستوى في شهر    تراجع طفيف في أسعار الإنتاج بقطاع الصناعات التحويلية    أكثر من 230 باحثا في علم الاجتماع يعلنون مقاطعة منتدى الرباط إذا شاركت إسرائيل    آلاف المغاربة يحتجون على جرائم الحرب في غزة ويطالبون بإدخال المساعدات    إبادة متواصلة.. إسرائيل تقتل 26 فلسطينيا بغزة بينهم نازحون ومجوعون        محكمة الاستئناف تؤيد الحكم الصادر بحق المهداوي وتُدينه بالحبس النافذ والغرامة    سِنْتْرا: حانَةُ المَغرب المُغترب    الجامعة تهنئ أولمبيك آسفي عقب تتويجه بكأس العرش للمرة الأولى في تاريخه    اختتام فعاليات رالي "Entre Elles" الأول بدرعة تافيلالت    كنون ل"رسالة 24″ تصنيف "البوليساريو" كتنظيم إرهابي بات وشيكا والجزائر في مأزق    أخنوش يمثل جلالة الملك في مؤتمر الأمم المتحدة حول تمويل التنمية        جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية بالعيد الوطني لبلاده    بنسعيد: الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية جريمة تمس الذاكرة الجماعية وتُغذي الإرهاب والجريمة المنظمة    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    حي جوهرة بمدينة الجديدة : اعمى بريقه شاحنات الديباناج وسيارات الخردة.    المغرب يتصدر قائمة الدول الإفريقية المستوردة من تركيا    بووانو يرفض تصنيف البوليساريو "منظمة إرهابية"    حسين الجسمي: علاقتي بالمغرب علاقة عمر ومشاعر صادقة    رحلات جوية مباشرة تعزز التقارب الصيني السعودي: بوابة جديدة بين هايكو وجدة تفتح آفاق التعاون الثقافي والاقتصادي    التامني تحذر من تكرار فضيحة "كوب 28"    بايرن ميونيخ يتجاوز فلامنغو ويضرب موعداً مع سان جيرمان في ربع نهائي المونديال    الكاف يكشف عن المجسم الجديد لكأس أمم إفريقيا للسيدات الأربعاء المقبل    كيف أصبحت صناعة التضليل في زمن أباطرة الإعلام المُسيّس منْجما ذهبيا للاغتناء الفاحش    الانخفاض يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    ماذا يجري في وزارة النقل؟.. محامٍ يُبتّ في ملفات النقل خارج الوزارة والسماسرة يُرهقون المهنيين    قيوح ‬يجري ‬العديد ‬من ‬اللقاءات ‬والأنشطة ‬الوزارية ‬الهامة ‬في ‬إطار ‬منتدى ‬الربط ‬العالمي ‬للنقل ‬بإسطنبول    مقتل شخصين في إطلاق نار بشمال ولاية أيداهو الأمريكية    ميسي يقرر الاستمرار مع إنتر ميامي رغم اهتمام فرق الدوري السعودي    فاس.. الأمير مولاي رشيد يترأس نهائي كأس العرش بين نهضة بركان وأولمبيك آسفي    الجزائر.. الحكم على صحافي فرنسي بالسجن 7 سنوات بتهمة تمجيد الإرهاب    شيرين تشعل جدلا في موازين 2025.. "بلاي باك" يغضب الجمهور ونجوم الفن يتضامنون    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    أمن طنجة يتدخل بساحة أمراح لردع الوقوف العشوائي وتحرير مخالفات في حق المخالفين    حريق مهول بمنطقة خضراء بحي الشرف شمال طنجة تسبب في اختناق سيدتين    عبد اللطيف حموشي يطلع على الترتيبات الأمنية لمباراة نهائي كأس العرش بفاس    الأمير مولاي رشيد يترأس نهائي كأس العرش بين نهضة بركان وأولمبيك آسفي بفاس    بدر صبري يشعل منصة سلا في ختام موازين وسط حضور جماهيري    تنصت أمريكي على اتصالات إيرانية بعد ضربات واشنطن يكشف أن البرنامج النووي لم يدمر بالكامل    اشتداد موجة الحر في جنوب أوروبا والحل حمامات باردة وملاجىء مكيفة    "ميتا" تضيف خاصية ملخصات الذكاء الاصطناعي إلى "واتساب"    14 قتيلا في غزة بغارات إسرائيلية    حفل شيرين يربك ختام "موازين"    محكمة إسرائيلية تؤجل جلسة نتنياهو    القفز بالرأس في الماء قد يسبب ضرراً للحبل الشوكي    طبيب يحذر من المضاعفات الخطيرة لموجة الحرعلى صحة الإنسان    خريبكة.. الفيلم الصومالي "قرية قرب الجنة" يحصد الجائزة الكبرى    موازين 2025 .. مسرح محمد الخامس يهتز طرباً على نغمات صابر الرباعي    تراجع تلقيح الأطفال في العالم يهدد حياة ملايين الأشخاص وفقا لدراسة حديثة    تراجع التلقيحات يعيد شبح الأوبئة .. والمختصون يطالبون بتعبئة مغربية    ضجة الاستدلال على الاستبدال    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية «النموذج التركي»!
نشر في المساء يوم 29 - 12 - 2013

دُبجت ربما آلاف المقالات وصيغت مئات الأوراق البحثية وعشرات الكتب في العقد الأخير للحديث عن «النموذج التركي»، باعتباره ظاهرة جيو-سياسية وثقافية واقتصادية. وعكف باحثون عرب -ومنهم كاتب السطور على دراسة الظاهرة الجديدة في المنطقة، التي استمدت وهجا إضافيا من غياب النماذج العربية والشرق أوسطية المقابلة.
قطعت تركيا وحزب «العدالة والتنمية» ورئيس الحكومة رجب طيب أردوغان شوطا طويلا منذ استلام الأخيرين للسلطة في عام 2002 وحتى الآن، فشهدت المنطقة والعالم نجاحات غير منكورة تم تضخيمها لأسباب لا تتعلق بتركيا ذاتها، وإنما بالدور المنوط بتركيا أن تلعبه في المنطقة. وبالمثل أيضا، فقد جرى غض النظر عن تناقضات بنيوية في «النموذج التركي» تتعلق بالشفافية والعدالة الاجتماعية، من ناحية، وبالانضواء الكامل تحت العباءة الأمريكية، من ناحية أخرى، مما يفقد في الواقع هذا «النموذج» شطرا كبيرا من استقلاليته الاقتصادية والسياسية. الآن، وفي خضم فضيحة الفساد الكبيرة التي تواجهها حكومة أردوغان، والتي أطاحت بمكون أساسي من صورة حكومة «العدالة والتنمية»، أي نظافة اليد والنزاهة، يتفكك التحالف غير الشفاف الذي قام عليه حكم «العدالة والتنمية» في تركيا مع حركة فتح الله غولن، رجل الدين المقيم في بنسلفانيا الأمريكية منذ عام 1999. لا يمكن لحكم ديمقراطي يؤسس ل»نموذج» ما أن يتحالف مع حركة سرية تعمل في أنشطة اقتصادية ومالية وثقافية واجتماعية، تقدر ثروتها بعشرات المليارات في تركيا وحول العالم، بدون آليات رقابية شفافة ومعلومة للكافة؛ فالشفافية هي جوهر الديمقراطية الحقيقية وصنوها الأساس. وبغض النظر عن تفاصيل اعتقال أبناء لوزراء في حكومة «العدالة والتنمية» لاتهامهم بالتربح والفساد، وبقطع النظر عن صحتها من عدمها (المتهم بريء حتى تثبت إدانته)، تكشف فضيحة الفساد الأخيرة في تركيا أن الطلاق قد وقع، بالفعل، بين حركة فتح الله غولن، المسيطرة على الشرطة والقضاء، وحكومة «العدالة والتنمية» التي تحالفت معها طيلة العقد الماضي.
«النموذج التركي» والشفافية
قام المنطق الداخلي لما سمي «النموذج التركي» على إقليمية شرق أوسطية واضحة، فلم يتم الحديث عنه باعتباره نموذجا عالميا يتجاوز منطقته الجغرافية، بل تم النظر إليه وتسويقه باعتباره بديلا ناجحا لأنظمة الحكم في البلاد العربية تحديدا. ولما كانت الأخيرة -وبلا استثناء واحد- تعاني من فساد وترهل تتراوح شدته من بلد عربي إلى آخر، فقد كان «النموذج التركي» بضاعة رائجة وبالأخص، بسبب ما نسب إليه من شفافية عزت على تجارب المنطقة. وحتى النظام السياسي التركي، الذي عُدَّ موئلا للفساد والمحسوبية طيلة عشرات السنين، لعب دورا في تلميع صورة حزب «العدالة والتنمية» باعتباره قطيعة مع ذلك الماضي بالتحديد. أليس اختصار الحزب هو «أق»، الذي يعني أبيض ونظيف بالتركية؟
تغيرت الصورة الآن مع استقرار الحزب لعقد من الزمان في مقاعد الحكومة، فتبدلت أولويات وارتفعت طموحات وظهرت ترهلات. وحتى بدون الخوض في هذه التفاصيل المحتاجة إلى دراسة وتأصيل وثائقي وعملي، تبقى قضية أساسية فائقة الأهمية تتعارض مع الشفافية في هذا «النموذج التركي»، أي قضية التحالف بين حزب سياسي معلن، يخوض الانتخابات البرلمانية، وحركة سرية ناشطة في البلاد، يديرها أشخاص من الخارج ولها واجهات وأفرع في الداخل وتسيطر على جهاز الشرطة وتحظى بنفوذ قوي في السلطة القضائية. تحالف الطرفان، حزب «العدالة والتنمية» وحركة فتح الله غولن، لتقليم أظافر المؤسسة العسكرية التركية ولأسلمة المجتمع التركي من الأسفل، في ظل غطاء أمريكي واضح. ربح الطرفان من هذا التحالف -قبل طلاقهما الأخير فالحزب حظي بكتلة تصويتية ضخمة قوامها مليونا صوت من أنصار غولن في كل الانتخابات الماضية وتلقى دعما معنويا وإعلاميا وماديا من الحركة. ويمكن لمن يريد الاستزادة في هذا السياق مراجعة كل «خطابات الانتصار» «الأردوغانية» بعد المعارك الانتخابية والتي يوجه التحية فيها إلى... بنسلفانيا، في إشارة واضحة إلى فتح الله غولن.
وفي المقابل، اتسع نشاط الحركة في تركيا تحت حكم «العدالة والتنمية» اقتصاديا وإعلاميا وثقافيا وسياسيا، فضُربت رموز المؤسسة العسكرية التركية وأودعت السجون، وانضم أنصار الحركة إلى البرلمان والمجالس المحلية التركية وطوابق الدولة التركية تحت غطاء الحزب. قبل أشهر، ظهر إلى السطح أن الخلافات بينهما قد أصبحت عصية على التجسير، فأسرّت إلي شخصية قيادية من الحزب بأن حركة غولن تريد الذهاب إلى آماد أبعد في مواجهة المؤسسة العسكرية، الأمر الذي رآه الحزب مضرا بالتوازن الداخلي التركي. كما أرادت الحركة الحصول على حصة أكبر في وظائف الطوابق العليا للدولة التركية، وهو ما رآه الحزب مبالغا فيه للغاية. في المقابل، وقبل شهور أيضا، اعتبرت شخصية أكاديمية تركية -معلنة الانتماء إلى حركة غولن- في حديث خاص، أن نزوع أردوغان المتزايد نحو «الشخصنة والشمولية» سيسبب مشاكل مقبلة. ولم يمض أسبوعان على ذلك حتى اندلعت «انتفاضة تقسيم» التي أظهرت مكنونات شخصية
أردوغان.
لا تهتم هذه السطور بإنحاء اللائمة على طرف من طرفي التحالف المنفصم، وإنما بملاحظة أن المادة اللاصقة لهذا التحالف قد انتهى مفعولها منذ أشهر، وأن الطلاق الذي لا مفر منه يتحين الفرصة للإعلان عن نفسه، فكانت فضيحة الفساد الأخيرة إعلانا مدويا عن هذا الطلاق. أما الحقيقة الساطعة في ما جرى، أي التحالف غير الشفاف بين الطرفين، فهي الأجدر بتسليط الضوء عليها، إذ ربما تبرر الغاية الوسيلة في السياسة المجردة، ولكنها لا تقوى على فعل ذلك عند الحديث عن «نموذج» يحتذى به.
خيارات أردوغان
لا يتبقى أمام أردوغان من خيارات سوى اثنين: يتمثل الخيار الأول المستبعد في رضوخ أردوغان لمقتضيات التحقيق ورفع الحصانة عن الوزراء الثلاثة المقبوض على أولادهم، لاستكمال التحقيقات وتبرئة ساحتهم، وبالتالي ترميم صورته وحزبه و«نموذجه». ويترتب عن ذلك اجتراح توافقات جديدة مع جزء من الطيف السياسي لتعويم الأزمة وترميم النظام السياسي الحالي، وهو أمر يبدو مستبعدا بدوره نظرا إلى الفجوة الكبيرة التي تفصل «العدالة والتنمية» عن العلمانيين في حزب «الشعب الجمهوري» أو القوميين في حزب «الحركة القومية» أو الأكراد داخل وخارج البرلمان التركي. ذهب أردوغان بعيدا في استهداف المؤسسة العسكرية التركية ورموزها ولا يمكن توقع ترميم لهذه العلاقة طالما بقي في السلطة، وبالتالي سيتعين عليه ترميم علاقاته بحلفاء الأمس من الليبراليين الذين اتهمهم بأبشع الصفات إبان «انتفاضة تقسيم» صيف هذا العام، وأيضا مع حركة غولن التي يتهمها بتدبير «الحملة القذرة» التي تشن عليه الآن. يبدو هذا الخيار مستبعدا بالنظر إلى شخصية أردوغان المعتدة بنفسها والسادرة في طريق الاستئثار برأيها، فهو قد سعى إلى تركيز السلطة في يده وفي يد حفنة من الرجال حوله، وبالتالي عند إصابة هؤلاء -كما جرى في الفضيحة الأخيرة- ستتعرض صورته مباشرة إلى الضرر. باختصار، سيتعين على أردوغان الاعتراف بالخطإ والانحناء للعاصفة، وهو أمر أصبح لا يجيده بعد عشر سنوات على مقعد رئيس الوزراء. أما الخيار الثاني الأرجح فمؤداه أن يستمرئ أردوغان البقاء في موقع المتعرض إلى «مؤامرة قذرة» تحوكها أطراف محلية ودولية ضده شخصيا وضد حكومته، وبالتالي استنفار مؤيديه إلى الحد الأقصى للدفاع عن الوجود السياسي للحزب في مواجهة طيف واسع من الخصوم في الداخل. في هذه الحالة، يكون «النموذج التركي» القائم على التوافقات والربح بالنقاط، وليس بالضربات القاضية، قد انتهى بالفعل، حتى ولو ربح أردوغان انتخابات الرئاسة المقبلة.
الخلاصة
سيتذكر المتابعون حول العالم في المقبل من السنوات أن «النموذج التركي» قام على توافق سياسي غير شفاف، بين حزب سياسي معلن هو «العدالة والتنمية» وحركة سرية بقيادة فتح الله غولن، وهو أمر يتناقض مع روح وجوهر الديمقراطية. ذهبت المادة اللاصقة التي جمعت مصالح أردوغان وحزبه وفتح الله غولن وحركته، فظهرت الشروخ واضحة في تحالف غير شفاف. تمثلت المادة اللاصقة لهذا التحالف في حصار المؤسسة العسكرية التركية وأسلمة المجتمع التركي من أسفل، ولكن بدون التعرض للمصالح الاقتصادية الكبرى في البلاد أو حصة الخارج فيه، وكان بديهيا أن ينتهي هذا التحالف المفتقر إلى الطابع الديمقراطي مع انتهاء مفعول مادته اللاصقة. قبل غيرهم، سيكتشف المتابعون العرب قريبا أن إعجابهم بما سمي «النموذج التركي» كان راجعا في أصله إلى افتراض ما ليس فيه من صفات، وأن العطب الأساسي في هذا الإعجاب العارم ليس جوانب الضعف في هذا «النموذج التركي» بحد ذاتها، وإنما في الأساس الرغبة في تعويض الغياب لنموذج عربي قادر على الإشعاع والإلهام، فكان «النموذج التركي» بحق... بدلا عن ضائع!
مصطفى اللباد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.