كنت أقف على الرصيف في انتظار فرصة مواتية لعبور الشارع وسط فوضى عارمة من اللامبالاة والعبث: كلاكسونات وازدحام خانق وتسابق محموم للسيارات والحافلات والدارجات. فيما الراجلون يعبرون الطريق كيفما اتفق. في هذا الشارع لا أرى شرطي المرور إلا عندما يكون الملك في زيارة للدار البيضاء. ما عدا ذلك يُترك الشارع للفوضى وجحيم الازدحام والكلاكسونات، وأيضا لتبادل الشتائم والصراعات التي تحدث بين الوقت والآخر بين السائقين. لسوء حظي أن علي في كل مرة أن أجتاز هذا الشارع، وأن أعرض نفسي في كل مرة لهذا الإحساس المبهم بالخوف من أن تدهسني سيارة مجنونة أو دراجة تسابق الريح. لا أدري إن كان هذا الخوف يداهمني وحدي أم هو شعور مشترك لدى كل الراجلين، وإن كنت أحيانا لا أفهم الطريقة الحمقاء التي يقطع بها بعضهم الطريق. صراحة يصيبني ذلك بالدوار، ولا أدري كيف يمتلكون تلك الجرأة المدهشة لمراوغة السيارات والحافلات. لو كنت مكانهم سأصاب حتما بالرعب، وهو ما يحدث لي باستمرار، خصوصا إذا كان الشارع الذي سأقطعه يشبه هذا الشارع. المهم بعد تردد طويل قررت العبور، قبل أن يفاجئني موكب جنائزي، تتقدمه سيارة لنقل الأموات، فيما تطوع أحد السائقين لتنظيم حركة السير وتسهيل مرور الموكب الجنائزي. صراحة فاجأني ما قام به ذلك السائق، لأنني لم أكن أنتظر أن يتطوع أي أحد لإنقاذ ذاك الموكب من فوضى هذا الشارع. بدأ الموكب يشق طريقه، ولو كان ذلك بصعوبة، قبل أن تفاجئه سيارة أجرة، وتعترض طريقه. طلب سائق سيارة نقل الأموات من سائق الطاكسي أن يفسح له الطريق كي يمر، لكنه لم يأبه به، قبل أن يتطور الأمر بينهما إلى شجار لفظي. تحلق المارة حولهما وطلبوا من سائق الطاكسي أن يلعن الشيطان ويترك الجنازة تمر، فرد بدون حياء: «وشكون ميت كاع؟» استهجن المارة رده وذكّره أحدهم بأنه صائم، فزاد ذلك في غيه وبدأ يشتم ويلعن واللعاب يتطاير من فمه، وأصر على ألا يترك الموكب يمر، مهددا من يقترب منه ب«هراوة». فيما حاول أهل الميت رده عن غيه، وأن يترك الموكب يمر حتى يستطيعوا دفن الميت قبل صلاة العصر. دام هذا المشهد الغريب عدة دقائق، توقفت فيها حركة الشارع كليا وارتفعت أبواق السيارات والزعيق، قبل أن يتراجع سائق الطاكسي في الأخير عن عناده، بعد تدخلات عديدة، ويترك الموكب الجنائزي يمر. اجتزت أخيرا الطريق بسلام. لكن حالة من الكدر كانت تتملكني. كنت في الواقع أتوقع أن أرى أي شيء في هذا الشارع. لكن أن تبلغ الوقاحة حد منع موكب جنائزي من المرور، فهذا ما لم أكن أتصوره أبدا.