أخنوش يحدد 4 أولويات لمشروع مالية 2026    رحيل الفنان المصري سيد صادق عن عمر 80 عاما في وفاة مفاجئة    الجمارك المغربية تجدد إجراءات الرقابة على المعدات العسكرية والأمنية    المغرب في قائمة الوجهات الأكثر تفضيلا لدى الإسبان في 2025    ارتفاع صاروخي في صادرات الطماطم المغربية نحو إسبانيا بنسبة 40%    تنديد دولي واسع بقرار إسرائيل السيطرة على مدينة غزة وحماس تعتبره "جريمة حرب"    بطولة إسبانيا.. مهاجم برشلونة ليفاندوفسكي يتعرض للإصابة    مدافع برشلونة إينيغو مارتينيز في طريقه إلى النصر السعودي    الشرطة توقف طبيبا متلبسا بتلقي رشوة 3000 درهم مقابل تسريع خبرة طبية    موجة حر تصل إلى 48 درجة وزخات رعدية مرتقبة في عدد من مناطق المملكة    قتيل ومصاب في انهيار بمنجم إميضر    بلدية إسبانية تتخذ قرارا مثيرا للجدل بحق المسلمين    بطولة أمم إفريقيا للمحليين.. بوابة اللاعبين المحليين صوب العالمية    أخنوش يحث وزراءه على ترشيد النفقات وإعطاء الأولوية للاستثمارات ذات الأثر الكبير    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية قوية مصحوبة بالبرَد مرتقبة بعدد من مناطق المغرب    المغرب يحتفي بيوم الجالية بشعار التحول الرقمي    المغرب يصدّر أول شحنة من القنب الهندي الطبي نحو أستراليا    هولندا.. مصرع قاصر في اطلاق نار بمدينة امستردام    مقاييس الأمطار المسجَّلة بطنجة ومناطق أخرى خلال ال24 ساعة الماضية    وفاة الفنان المصري سيد صادق        جبهة تحرير فلسطين تعلن مقتل وشاح    السلطات تحجز بالفنيدق طنا من البطاطس مجهولة المصدر وغير صالحة للاستهلاك    لطيفة رأفت تعلق على "إلغاء حفلين"    النجم الحساني سعيد الشرادي يغرد بمغربية الصحراء في مهرجان "راب افريكا"    العربيّ المسّاري فى ذكرىَ رحيله العاشرة    واشنطن تعلن عن جائزة 50 مليون دولار مقابل معلومات للقبض على الرئيس الفنزويلي    سان جرمان يتوصل الى اتفاق مع ليل لضم حارسه لوكا شوفالييه    وقفة احتجاجية بمكناس تنديدا ب"سياسة التجويع" الإسرائيلية في غزة    مدرب الرجاء يمنح فرصة لأبريغوف    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    مئات الأطباء المغاربة يضربون عن الطعام احتجاجا على تجويع إسرائيل لغزة    المؤشرات الخضراء تسيطر على افتتاح بورصة الدار البيضاء    مسؤول أممي يرفض "احتلال غزة"    "أوبن إيه آي" تقوي الذكاء الاصطناعي التوليدي    الدرهم المغربي بين الطموح والانفتاح النقدي... هل يطرق أبواب "العملات الصعبة"؟    المغرب على رادار البنتاغون... قرار أمريكي قد يغيّر خريطة الأمن في إفريقيا    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    عمليتا توظيف مالي لفائض الخزينة    ضمنهم حكيمي وبونو.. المرشحين للكرة الذهبية 2025    المنتخب المغربي المحلي يستعد لمواجهة كينيا        الملك كضامن للديمقراطية وتأمين نزاهة الانتخابات وتعزيز الثقة في المؤسسات    الماء أولا... لا تنمية تحت العطش    تيمة الموت في قصص « الموتى لا يعودون » للبشير الأزمي    لسنا في حاجة إلى المزيد من هدر الزمن السياسي        صيف شفشاون 2025.. المدينة الزرقاء تحتفي بزوارها ببرنامج ثقافي وفني متنوع    المغرب يواجه ضغوطا لتعقيم الكلاب الضالة بدل قتلها    تسجيل 4 وفيات بداء السعار في المغرب خلال أشهر قليلة    "دراسة": تعرض الأطفال طويلا للشاشات يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب    من هم الأكثر عرضة للنقص في "فيتامين B"؟        الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    جو عمار... الفنان اليهودي المغربي الذي سبق صوته الدبلوماسية وبنى جسورًا بين المغرب واليهود المغاربة بإسرائيل    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    نحن والحجاج الجزائريون: من الجوار الجغرافي …إلى الجوار الرباني    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عطوان: كان عملي بمصنع الطماطم أخطر من سفري إلى "تورابورا" لمقابلة بن لادن
النظام الأردني كانت علاقته متوترة بالشعب الفلسطيني
نشر في المساء يوم 24 - 12 - 2009

قليلة هي تلك السير الذاتية التي تعكس التاريخ مثلما تعكس سيرة حياة عبد الباري عطوان أحداث زمانه. فقد ولد عبد الباري عطوان في مخيم للاجئين في غزة عام 1950، التي غادرها في السابعة عشر من عمره ليصبح أحد أهم المعلقين الصحفيين في قضايا الشرق الأوسط في العالم.
عطوان يروي بصدق وروح عفوية في هذا الكتاب قصة رحلته من أوحال مخيم اللاجئين إلى رأس هرم صحيفة «القدس العربي». خلال رحلته يصور عبد الباري عطوان الرعب الذي سببته مذابح المخيمات والنتائج غير المتوقعة للتدخل البريطاني في المنطقة. كما يروي المآسي التي واجهته جراء تنقله من بلد إلى آخر، والصدمة الثقافية التي أحس بها عندما سافر إلى لندن في السبعينيات. ويحكي أيضا لقاءاته الصحفية مع شخصيات سياسية مهمة مثل مارغريت تاتشر وأسامة بن لادن وياسر عرفات والعقيد القذافي وشاه إيران. كما لا يخلو الكتاب من روايات عن تجارب شخصية وإنسانية كان أكثرها تأثيرا تجربة لقاء أولاده بريطانيي المولد مع عائلته في المخيم.
بدأ يومي الأول في الأردن بإدراك حقيقة أن كل مشاريعي و خططي السابقة حول إنهاء المرحلة الثانوية والالتحاق بالجامعة لم تكن واقعية، وأن علي أن أعمل بكد وتعب حقيقي حتى أصل إلى ما أصبو إليه. حل المساء وذهب صلاح ليستلقي على فراشه على حافة السطح. استلقيت أنا الآخر على السرير أطالع النجوم في السماء وأستمع إلى همهمة سكان السطح وهم يتحدثون ويدخنون السجائر. جفا عيني النوم عندما تذكرت مشكلة السير نائما التي كنت أعاني منها. وبدأت مباشرة في عصر دماغي للخروج بحل من هذه الورطة. كان معي القليل من الحاجيات التي أحضرتها معي من رفح ولم يكن لدي ما يوحي لي بأي حل، غير كوفية مصنوعة من القطن كنت جلبتها معي من المخيم. قمت سريعا بربط طرفها في كاحلي، بينما شددت الطرف الآخر بإحكام إلى ركن السرير. وبعد أن اختبرت قوة إحكام الرباط أدركت أنني لن أذهب إلى أي مكان الليلة وأن هذه الكوفية ستمنعني من السقوط من حافة السطح.
العيش على السطح
عشت على السطح أكثر من شهر وتعودت سريعا على هذا النمط الغريب والجديد من السكنى. كان السطح يتمتع بإطلالة على بنايات أخرى أقل ارتفاعا. وكنا بين الفينة والأخرى نلمح جزءا من فخذ امرأة وهي تغسل على السطح ظنا منها أنه لن يراها أحد وهي على سطح بيتها. كان منظر الغروب من السطح ساحرا، إلا أننا كنا مشغولين وقتها بالبحث عن لقمة العيش والبقاء على التمتع بالمناظر الطبيعية. كما كان هناك حمام على السطح وكنا نحظى برفاهية التمتع بماء ساخن للاستحمام كل يوم جمعة مقابل فلسات معدودة.
أتذكر بوضوح ذلك الشخص الذي كان ينام بجانبي على السطح، فقد كان شخصية مثيرة للاهتمام. كان يقص علينا ليلة تلو أخرى في الظلام نفس القصة الغريبة، كما لو كان يحاول طرد جني أو مارد التبس بجسده. كان هذا الرجل يعمل شرطيا في غزة وفي إحدى الليالي أحضروا إليه جثة شابة إلى مخفر الشرطة بينما كان مناوبا. كانوا قد وجدوها على الشاطئ ويبدو أنها كانت ضحية جريمة شرف. وكان عليه، بصفته الضابط المناوب، أن يحرس الجثة التي وضعوها على طاولة بجانبه. كان يحكي لنا بأن الجو كان باردا ماطرا وأنه و إن أراد الخروج فلن يستطيع ذلك. «لم أكن أريد الخروج. لقد صار لدي فضول غريب لأرى جثة تلك الشابة. وما إن حل الظلام حتى وجدت نفسي أصارع رغبة جامحة في إلقاء نظرة على جثتها. وبقيت حتى الفجر وأنا أتعذب وأعاني نتيجة لتضارب مشاعري ورغباتي في تلك الليلة» كان يحكي لنا هذه القصة المنفرة كل ليلة، مضيفا في كل مرة تفاصيل أكثر. وكان يشجعه في ذلك شعورنا بالفضول والقرف في آن معا.
علاقة متوترة
كانت علاقة النظام الأردني بالشعب الفلسطيني علاقة يشوبها كثير من التوتر. فبعد الحرب العالمية الأولى عندما كانت تحت الانتداب البريطاني، كان 80 في المائة من الأراضي المسماة «فلسطين» تقع شرق نهر الأردن، وكان بعض المؤسسين لمنظمة التحرير الفلسطينية يطالبون بحقهم في هذه الأراضي. أما إمارة شرق الأردن فقد خرجت إلى الوجود أول مرة في مؤتمر القاهرة عام 1921، الذي ترأسه وينستون تشرتشل، أمين سر الشؤون الاستعمارية البريطاني آنذاك والذي نصب الأمير الهاشمي عبد الله أميرا على الحجاز. كان البريطانيون يعتبرون الأمير عبد الله خيارا آمنا لما سيكون فيما بعد دولة عازلة بين أجندة بلفور الصهيونية في فلسطين وبقية العالم العربي. وعلى هذا الأساس، أقيمت مملكة الأردن المستقلة في عام 1946.
بعد ذلك بعامين، اغتيل الملك عبد الله في حادث إطلاق نار عليه في العشرين من يوليوز عام 1950 على يد مصطفى شكري عشو، وهو خياط فلسطيني أراد بقتله الملك عبد الله أن يرد على الخطوات التي اتخذها النظام الأردني بعد نكبة فلسطين عندما قامت كل من الأردن و لبنان ببدء مفاوضات سلام منفصلة مع إسرائيل.
كان الملك حسين بن طلال يعتلي عرش الأردن عندما وصلت إلى عمان عام 1967. وكان متضايقا جدا من أعداد الفلسطينيين المتزايدة التي تعيش في الأردن، والتي كان يرى أنها تهدد سلطته في الأردن. وكانت نظرته هذه واقعية آنذاك. لكن صلاح ابن عمي كان يقول لي: «رغم ذلك يجب على الأردنيين أن يكونوا ممتنين لوجود رجال الأعمال و الفاعلين الفلسطينيين لأن كثيرا من التقدم و الازدهار الذي يحظى به الأردن هو من صنع هؤلاء. قبل وصول هؤلاء إلى الأردن، كانت المملكة الهاشمية عبارة عن صحراء قاحلة تسودها البداوة».
رحلة العمل الشاق
كانت فرص العمل المتوفرة للاجئين الفلسطينيين في عمان قليلة جدا، ورغم قلتها فإن هذه الفرص كانت محورا للنزاع بين الفلسطينيين أنفسهم. وكانت أحسن فرص العمل، حسب أولئك المحظوظين بالحصول على وظائف، هي أن يعمل الشخص إما مع رب عمل فلسطيني متعاطف أو مع السلطات البلدية. وخلال الوقت القصير الذي قضيته في عمان تمكنت من العمل مع الاثنين.
كان عملي الأول في مصنع لتعليب الطماطم يقع ضمن مجمع كبير وراء بوابة حديدية ضخمة. كان المصنع يحتوي على ثلاثة مبان تشبه الثكنات. كان أحدها يصنع من الصفائح المعدنية علبا وكان المبنى الآخر يعد الأطنان من الطماطم في الماكينات ليتم تعليبها وتجهيزها في صناديق. أما المبنى الثالث فكان مخزنا لمنتجات المصنع ومركزا للتوزيع في نفس الوقت.
بدأت عملي في المخزن أحمل الصناديق إلى الشاحنات وأفرغها ليتم تسليمها من بعد. كان هذا العمل قاصما للظهر، خاصة بالنسبة لشاب نحيل وضعيف مثلي. لكنني رغم ذلك كنت واعيا لموجة البطالة المكتسحة في الأردن، وكنت ممتنا لأنني حصلت على عمل وسط هذه الأزمة. كان رب عملنا الفلسطيني، واسمه السيد حجازي، سليل عائلة معروفة من مدينة الخليل. رحل أفراد هذه العائلة عن فلسطين قبل أن يتمكن الإسرائيليون من مصادرة ممتلكاتهم، مما جعلهم يحتفظون بوضع مادي جيد. وكان السيد حجازي معجبا بي، وكان يرى أنني أرهق نفسي في حمل الصناديق الثقيلة فنقلني إلى المبنى الثاني حيث أسندت لي مهمة نقل المعلبات الجاهزة من المنصة إلى الصناديق.
كان الجو داخل المبنى الثاني ملبدا بالأبخرة والروائح الكريهة للطماطم المتعفنة، التي كان يتم تركها في البراميل. لكن المشكلة الحقيقية في العمل الجديد أن الطماطم كانت تعلب وهي تغلي من شدة الحرارة. وبما أن المعمل لم يكن يوفر لنا القفازات، فسرعان ما أصيبت يداي بحروق وتقرحات كثيرة. كانت كل علبة ألمسها بمثابة حصة تعذيب. بعد فترة اقتربت من السيد حجازي وأريته يدي المتقرحة، إلا انه قال لي إني سأتعود على العمل سريعا وستخشًن يداي. رجوته حينها أن ينقلني هذه المرة فقط وأنني لن أساله بعد ذلك أي معروف آخر. وافق على طلبي و قال لي: «حسنا هذه المرة فقط لأننا إخوة فلسطينيون، لذا لا تخيب ظني بك!» كانت وظيفتي الجديدة في المبنى الأول حيث تصنع العلب المعدنية وكان عملي الجديد الأخطر على الإطلاق بين كل الأعمال التي قمت بها سابقا والتي سأقوم بها لاحقا بما في ذلك رحلاتي الخطيرة إلى دول الشرق الأوسط بحثا عن قصص صحفية وحتى أخطر من ذهابي إلى تورا بورا لمقابلة أسامة بن لادن.