بعد الاتفاق الاجتماعي.. مطالب بالزيادة في معاشات المتقاعدين    الموت يغيّب الشاعر محمد حنكور "الهواري" أيقونة الشعر الأمازيغي.. هذه قصة حياته وموعد الجنازة    حماة المال العام كيطالبوا بتحريك مسطرة "غسل الأموال" واتخاذ إجراءات حازمة فحق اللصوص والمفسدين    حراك جديد فالعدل.. شلل غيضرب المحاكم هاد السيمانة والنقابة الوطنية للقطاع بغات رئيس الحكومة يتدخل    فيدرالية ارباب المقاهي تنفي الاتفاق على زيادة اثمان المشروبات وتشكو ارتفاع الأسعار    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزير الدفاع الإسرائيلي لنتنياهو: حنا للي مسؤولين على إعادة الأسرى والمقترح المصري مزيان    حزب الله يستهدف قاعدة إسرائيلية بالصواريخ    وفاة مدرب الأرجنتين السابق لويس مينوتي بطل مونديال 1978    عادل تاعرابت كان غايسلخ كاكا: غوت عليا وشنقت عليه    هزة أرضية خفيفة تضرب ضواحي تاونات    الدار البيضاء تبعد "شاحنات درب عمر"    المشاهد الجنسية في أفلام هوليوود تراجعات بنسبة 40% وها علاش    بطولة اسبانيا: بيتيس يعزز حظوظه بالمشاركة القارية    يجب على الإسرائيليين إغراق الشوارع لمنع عملية رفح – هآرتس    يهم نهضة بركان.. الزمالك المصري ينهزم قبل مباراة نهائي كأس "الكاف"    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    طلبة الطب في مسيرة وطنية اليوم بالرباط ردا على إغلاق وزير التعليم العالي باب الحوار    هذا ما قررته المحكمة في قضية كريمة غيث    الاتحاد السعودي يعاقب عبد الرزاق حمد الله    الدوري الإسباني.. النصيري يواصل تألقه    عنف المستوطنين يضيق الخناق على الفلسطينيين في الضفة الغربية، و دول غربية تتصدى بالعقوبات    "الجزيرة" ترد ببيان ناري على قرار إغلاق مكاتبها في إسرائيل    باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    دعوة من بيت الذاكرة لترسيخ التنوع الثقافي من أجل إشاعة قيم السلام    عندها الزهر لي كيهرس الحجر.. مرا ربحات 2 مرات فالقمر فقل من 3 شهر    الإنتحار أزمة نفسية أم تنموية    اعتصامات طلاب أمريكا...جيل أمريكي جديد مساند لفلسطين    دراسة مواقف وسلوكيات الشعوب الأوروبية تجاه اللاجئين المسلمين التجريد الصارخ من الإنسانية    العفو الملكي    سيدات مجد طنجة لكرة السلة يتأهلن لنهائي كأس العرش.. وإقصاء مخيب لسيدات اتحاد طنجة    رأي حداثي في تيار الحداثة    الأرشيف المستدام    دراسة أمريكية: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    يوسف النصيري دخل تاريخ إشبيلية مع أحسن 10 هدافين دازو عندهم    رئيس جمهورية غامبيا يستقبل المدير العام للإيسيسكو في بانجول    نتانياهو سد "الجزيرة" فإسرائيل    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    "فنون شعبية على ضفاف درعة".. وثائقي يسلط الضوء على التحولات التي شهدتها فنون زاكورة (فيديو)    فيلم "من عبدول إلى ليلى" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    وصل لأعلى مستوياته التاريخية.. التداول النقدي فات 400 مليار درهم    موجة حر مرتقبة بمناطق في المغرب    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    المغرب يسحب أول دفعة من قرض 1.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي    نشرة إنذارية.. موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    "نوستالجيا" تحصد جائزة الجم للمسرح    برلماني يسائل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات..    هل زيادة 1000 درهم في الأجور قادرة على مواكبة نفقات الأسر المغربية؟    قلعة مكونة تحتضن الدورة 59 للمعرض الدولي للورد العطري    وضعية الماء فالمغرب باقا فمرحلة "الإنعاش".. نسبة ملء السدود وصلت ل32 فالمية وبدات فالتراجع    الفنان الجم يكشف حقيقة إشاعة وفاته    طنجة.. مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس" يرفع شعار الإبداع والتلاقح الفني    الأمثال العامية بتطوان... (589)    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عطوان: تحولت إلى نجم في المخيم عندما رد جمال عبد الناصر على رسالتي
قال إن الحصول على عمل ضمن وكالة «الأونوروا» كان حلما بالنسبة للاجئين
نشر في المساء يوم 15 - 12 - 2009

قليلة هي تلك السير الذاتية التي تعكس التاريخ مثلما تعكس سيرة حياة عبد الباري عطوان أحداث زمانه. فقد ولد عبد الباري عطوان في مخيم للاجئين في غزة عام 1950، التي غادرها في السابعة عشر من عمره ليصبح أحد أهم المعلقين الصحفيين في قضايا الشرق الأوسط في العالم.
عطوان يروي بصدق وروح عفوية في هذا الكتاب قصة رحلته من أوحال مخيم اللاجئين إلى رأس هرم صحيفة «القدس العربي». خلال رحلته يصور عبد الباري عطوان الرعب الذي سببته مذابح المخيمات والنتائج غير المتوقعة للتدخل البريطاني في المنطقة. كما يروي المآسي التي واجهته جراء تنقله من بلد إلى آخر، والصدمة الثقافية التي أحس بها عندما سافر إلى لندن في السبعينيات. ويحكي أيضا لقاءاته الصحفية مع شخصيات سياسية مهمة مثل مارغريت تاتشر وأسامة بن لادن وياسر عرفات والعقيد القذافي وشاه إيران. كما لا يخلو الكتاب من روايات عن تجارب شخصية وإنسانية كان أكثرها تأثيرا تجربة لقاء أولاده بريطانيي المولد مع عائلته في المخيم.
كانت الفترة التي تلت الغزو الإسرائيلي على غزة من أشد الفترات قسوة على العائلات الفلسطينية التي تسكن المخيمات، فقد أغلقت المدارس ومراكز التدريب الزراعي وتم إجبار السكان على إتمام العقود و المبادلات بالجنيه الإسرائيلي بدل المصري بفارق أقل من قيمته بكثير. كما وافق البريطانيون على تسليم حسابات مصرفية من عهد الانتداب للإسرائيليين، مما جعلهم يستغلون هذه الحسابات و الضرائب الثقيلة للاحتلال ليكملوا بعد ذلك حلقة التهجير ضد الفلسطينيين. في ذلك الوقت عرفت البطالة في القطاع مستويات مرتفعة، فيما قل دعم «الأونوروا» وزاد الوجود الإداري المصري.
في يوم 7 مارس 1957 أجبرت الأمم المتحدة إسرائيل على الانسحاب من قناة السويس عقب المقاومة التي أبداها المصريون، عند ذاك عادت غزة إلى الإدارة المصرية مرة أخرى. وفي 15 من الشهر نفسه أصدر عبد الناصر قرارا بمنع السفن الإسرائيلية من عبور القناة، وكانت فرحة كبيرة بالنسبة للفلسطينيين الذين كانوا يرون في عبد الناصر البطل الذي أدب الغزاة. لقد كنت من أشد المعجبين بشخصية عبد الناصر، الشيء الذي دفعني إلى كتابة رسالة إعجاب بشخصه، و لكنني لم أعرف العنوان فكتبت عليها إلى القائد ناصر، القاهرة و ذهبت بها إلى مكتب البريد.
قوة الكلمات المكتوبة
كانت فرحتي شديدة عندما فتحت المدرسة أبوابها من جديد. كنت آنذاك في السابعة من العمر وكنت أحرص كثيرا على المثابرة و عدم الوقوع في المشاكل خوفا من عصي المعلمين. لذا عندما دخل مدير مدرستنا برفقة أربعة من مساعديه حاملين عصيهم يسألون عن اسمي، بدأت أرتجف من شدة الخوف باحثا في عقلي الصغير عن أي خطإ صغير ارتكبته. سألني المدير: «هل أنت عبد الباري عطوان؟»، فأجبت بصوت مرتجف: «نعم، سيدي..». وسألني المدير: «من أين تعرف القائد ناصر؟» فأخبرته بصوت متلعثم : «من الراديو، سيدي». لم يكن لدينا في ذلك الوقت تلفاز أو جريدة، ولكنني كنت أستمع إلى عبد الناصر من مذياع جيراننا. فقال المدير: «خذ هذا. فقد وصلك في البريد» وأعطاني مغلفا كبيرا. لم تكن الرسائل شيئا مألوفا في مجتمعنا، فبالأحرى أن تصل رسالة إلى طفل في المدرسة. كان هذا أمرا مثيرا للدهشة بالنسبة لأقراني. أخذت الرزمة التي كتب عليها اسمي و عنوان المدرسة ووضع عليها طابع بريدي مصري.
أمرني المدير: «افتحها إذن» فقمت بفتحها ووجدت رسالة من عبد الناصر يشكرني فيها على رسالتي ويرسل لي كتبا و بعض صوره. انتشر الخبر في المخيم كالنار في الهشيم وكان هذا سببا في زيادة إعجابي بجمال عبد الناصر لطيبته و كرمه معي. لقد أصبحت بين يوم وليلة نجم المخيم، و كانت هذه أول مرة أتلقى فيها شيئا مقابل كتاباتي!
العيش رغم الصعاب
منذ حادثة رسالة جمال عبد الناصر أصبحت حديث المدرسة، وكان كل الأطفال في المدرسة يودون أن يصبحوا أصدقائي، وسرعان ما صرت عضوا في عصابة صغيرة تكونت من أعز أصدقائي، وهم حمزة الحالم ومحمد لاعب الكرة المحترف وعلي الصبي الجريء. لقد أصبحنا أصدقاء في سن السابعة ولازلنا على اتصال حتى يومنا هذا.
بدأت المدرسة ولم يكن هنالك زي رسمي إلا أننا كنا مجبرين على الخضوع لكشف النظافة قبل الدرس، لذلك كنت أنتعل حذاء ضيقا جدا كان الوحيد المتوفر لعائلتنا آنذاك، ولكنني كنت أخلعه حالما ينتهي التفتيش لأنه كان يسبب لي ألما لا يوصف. كان كل الأطفال حفاة في ذلك الوقت و كنا نضطر إلى مواجهة مشكلة أخرى هي أشواك الصبار التي تخز أقدامنا الحافية، لكن علي كان دائما يحمل معه إبرة كنا ننزع بها الشوك.
كانت الملابس البالية التي تعطيها لنا وكالة «الأونوروا» كل عام مدعاة للضحك و الإهانة معا. فهذه الملابس كانت تجمع في رزمة من بطانية و تقدم إلى اللاجئين، هم و حظهم. فقد تكون عائلة مكونة من عدة أولاد ذكور ويجدون داخل الرزمة ملابس للإناث، وقد تجد في الشتاء رجلا بشارب و هو يلبس معطفا نسائيا أو تجد ولدا يلبس جوارب نسائية. لقد كان هناك أناس من شدة الفقر يضطرون إلى بيع ما يحصلون عليه من ملابس مقابل شراء أشياء أساسية مثل الشاي. كان وضعا مأساويا بكل ما تعنيه الكلمة.
لم يكن هناك طعام كاف و لا مال كاف ولا فرص عمل كافية. لقد كنا نتضور جوعا بما للكلمة من معنى، ونتيجة للجوع الذي واجهته في طفولتي أصبت بالأنيميا طوال حياتي. لم يكن لنا ملجأ من الجوع سوى بطاقات التموين، التي كانت وكالة الغوث توزعها، والتي أصبحت في ما بعد إثباتا للهوية لأننا كنا مواطنين بلا وطن.
كانت الوكالة توزع المساعدات مرة كل شهر في مركز لها يبعد عن المخيم بثلاثة كيلومترات. وكان سكان المخيم يذهبون سيرا على الأقدام إلى المركز في أجواء احتفالية. ولكن أبي، بما أنه كان يعمل في الأرض، فقد كان يتوفر على رفاهية الحمار الذي كنا نحمل عليه حصتنا من الإعانات. و كانت الوكالة في ذلك الوقت توزع التمر في بعض الأحيان علاوة على الطعام. التمر كان الشيء الوحيد القريب إلى الحلوى في ذلك الوقت، وكنت دائما أدخل يدي خفية في كيس مؤونتا لأختطف بعض التمرات في طريقنا إلى البيت.
البعض كان يحتال على بطاقات التموين مثل أحد أقاربنا، الذي ادعى بأن بطاقته فقدت وحصل على أخرى، مما مكنه من الحصول على ضعف حصته لعدة مرات قبل أن ينكشف أمره لحسن الحظ على يد فلسطيني (وليس أحد المشرفين الأوروبيين) يعمل في «الأونوروا». وقد كان الحصول على عمل ضمن الوكالة حلما للاجئين حيث الراتب الجيد والاستقرار المادي.
عندما كنت في الثامنة أو التاسعة كنت عادة ما أخرج للتجول مع العصابة في الحقول المجاورة. كنا غالبا ما نتمازح حول الجوع وأجسادنا الهزيلة. ومرة من المرات اقترح علي أن ندخل إلى أحد حقول الخيار القريبة لنأخذ منه ما يسد جوعنا. ورغم محاولتي لإقناعهم بخطورة الأمر إذا اكتشف الحراس وجودنا، لم أكن قادرا على مقاومة لذة الخيار الطازج. و سرعان ما وضعنا محمد للحراسة واجتزنا السياج الفاصل للحقل ونحن نلهث و نضحك من فرط الإثارة. وما إن وصلنا حتى جمعنا الغنائم و ذهبنا لنأكلها على الشاطئ.
مع مرور الوقت اخترعنا طرقا أخرى لنسد بها جوعنا، منها أننا كنا نقضي ساعات لنصب الفخاخ للحجل، وعندما كنا نمسك بمجموعة من الحجل كان محمد يذبحها و ينظفها لأنه الوحيد الذي كان يملك سكينا و كنا نشويها على النار لنستمتع بعد ذلك برفاهية الحصول على لقيمات من اللحم القاسي والمالح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.