ثورة الملك والشعب في ذكراها ال72..استحضار للتلاحم الوثيق بين العرش والأمة والتزام بمواصلة حمل مشعلها في ظل الوحدة الوطنية والترابية    اليابان تجدد عدم الاعتراف بالبوليساريو    الغلوسي: "تواطؤ داخل البرلمان يهدد استقلال القضاء ويؤسس لدولة داخل دولة"    تحديد أولى جلسات التحقيق في قضية وفاة "الراعي الصغير" والدفاع يدرس رفع استعطاف للملك    "البيجيدي" يرفض تهميش السياسيين والمنتخبين في إعداد الجيل الجديد من برامج التنمية ويدعو لاحترام الدستور    الغلوسي: إعادة الثقة للمؤسسات تتطلب مواجهة حازمة للفساد والرشوة ونهب المال العام        الأسعار ترتفع ب0,5% في يوليوز مقارنة بالسنة الماضية    صيادلة المغرب يحتجون بحمل الشارات السوداء ويهددون بالتصعيد ضد الوزارة (فيديو)    ارتفاع طفيف للدولار أمام العملات الرئيسية    تربية الأحياء المائية.. الوكالة الوطنية تنطلق في مراجعة المخططات الجهوية    تراجع طفيف ب10 سنتيمات في سعر الغازوال واستقرار في سعر البنزين بمحطات الوقود    مبادرة ملكية جديدة: المغرب يرسل 100 طن من المساعدات الإنسانية إلى غزة    الأمم المتحدة.. 383 قتيلا من عمال الإغاثة في 2024 نصفهم تقريبا في غزة    واشنطن تستهدف طلابا مؤيدين لفلسطين.. إلغاء أكثر من 6 آلاف تأشيرة دراسية    20 غشت.. ذكرى ثورة الملك والشعب    الألماني هانزي فليك يضغط على إدارة برشلونة لتسجيل مارتن    رسميا.. الرجاء الرياضي يرفع عقوبة المنع ويطوي صفحة النزاعات        توقعات أحوال الطقس لليوم الثلاثاء    باستخدام "جيت سكي" مكتراة.. شابان من الناظور يتمكنان من الوصول إلى السواحل الإسبانية    المغرب يسجل درجة حرارة قياسية بمدينة العيون    ماكرون يحذر: بوتين "غول ومفترس"    روبوتات دردشة تقدم محتويات جنسية لأطفال تقلق حكومة البرازيل    بورصة البيضاء تبدأ التداولات ب"الأحمر"    دراسة: المعمرون فوق المئة أقل عرضة للإصابة بالأمراض المتعددة    السياقة الاستعراضية توقف ثلاثيني بالقنيطرة    توقيف شخص بالقنيطرة للاشتباه في تورطه في السياقة بطريقة استعراضية بالشارع العام    البرغوثي المحرر من السجن في فلسطين ينضم إلى أزلام المطبعين مع الانحلال في المغرب    بطولة انجلترا: الاسكتلندي بن دوك ينتقل من ليفربول لبورنموث    أفغانستان.. زلزال بقوة 5,1 درجات يضرب منطقة هندوكوش    خبيرة أمريكية تكشف مدة النوم الضرورية للأطفال للتركيز والتفوق    الشرطة القضائية توقف طبيبة بمدينة البئر الجديد متلبسة بتلقي رشوة    إيقاف المتهم الرئيسي في محاولة سطو على وكالة بنكية ببني أحمد.. وإصابة عنصر من الدرك الملكي    إسبانيا.. توقيف عنصرين موالين ل"داعش" بالتعاون مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني    "غوغل" تضيف تحديثات إلى تطبيق الترجمة    فاس تواصل جذب السياح وتحقق نموا مستمرا في النشاط الفندقي    مهرجان "أصوات نسائية" يختتم مرحلته الأولى وسط أجواء احتفالية        سعد لمجرد يعود لمعانقة الجماهير المغربية عبر منصة مهرجان القنيطرة في سهرة استثنائية    مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة تنعي الروائي الكبير صنع الله إبراهيم    المغرب.. حين تُحلّق الطائرات محمّلة بالحياة نحو غزة    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    البكوري ينقذ المغرب التطواني بدعم مالي جديد تبلغ قيمته حوالي مليار سنتيم    نجم المنتخب الوطني يلتحق رسميا بالدوري السعودي    مهرجان الشواطئ يواصل جولته ويشعل مرتيل والناظور والسعيدية    إنجاز طبي.. خلايا بنكرياسية تُنتج الأنسولين لمريض السكري    دراسة علمية تكشف وجود علاقة بين المعدة والصحة النفسية    دراسة: حماية الحاجز الدموي الدماغي قد تحد من التدهور الإدراكي لدى المسنين    الهزيمة أمام خورفكان تنهي مسيرة الحسين عموتة مع الجزيرة    الصحافة من بوابة الثقافة في ذكرى رحيل غلاب    "سينما الشاطئ" تحل بطنجة وتحتفي بالإبداع المغربي في الهواء الطلق    دموع الأم ووفاء الوطن.. لحظات استثنائية في حفل كزينة بالرباط    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هموم عربية
نشر في المساء يوم 17 - 11 - 2009

لا يسع المتأمل في خريطة العالم العربي إلا وضع يده على قلبه خوفا مما يمكن أن تؤول إليه أوضاع مختلف دوله، فبعضها غارق في النزاعات الطائفية، وبعضها تمزقه الحروب الأهلية، وأغلبها يرزح تحت نيران أنظمة استبدادية، وبعضها يعاني من ويلات الاحتلال، وبعضها منهمك في حرب طاحنة مع دولة «شقيقة» حول مشكل حدودي أو رد فعل على تصريح سياسي أو ما شابه ذلك من الأسباب التي لا تستحق أن تخاض من أجلها حرب تأتي على الأخضر واليابس وتجعل البلدين فريسة لقوى الهيمنة العالمية.
وكل ما سبق جعل عالمنا العربي مليئا ببؤر التوتر وأسخنَ بقعة على سطح الأرض، رغم أنها أكثر المناطق تجانسا، حيث تجمع بين شعوبها روابط التاريخ وتضاريس الجغرافيا وآصرة العقيدة ووحدة اللغة والحضارة.
تذكرت هذا الواقع وأنا أشارك في لقاءات عربية، ضمت نخبة من أهل الرأي والفكر. كان المفترض أن نناقش خلالها آفاق الإصلاح في العالم العربي والسياسات الحديثة والمجتمعات التقليدية وإمكانيات الحوار بين القوى المختلفة، فكريا وسياسيا، ومصير التحالفات القائمة.. كان طموحنا كبيرا وأملنا واسعا، وكان الحوار ثريا والمتحاورون متهممين، وكانت مردودية اللقاءات غنية بالاقتراحات والمبادرات والملاحظات التي يمكن أن تطور الفعل السياسي العربي وأداء الفاعلين.
ولكن، ونحن في غمرة هذا النقاش، الذي يستشرف هذه الآفاق المشرقة، وجدنا أنفسنا أمام وقائع ضاغطة وإكراهات محبطة وحقائق مكبلة لأية انطلاقة عربية.
عالمنا العربي أكثر المناطق أمية، وأقلها قراءة، وأشدها ركودا.
عالمنا العربي مثل بقعة زيت حارقة تنتشر في كل الاتجاهات.
في اليمن، حرب أهلية طاحنة تحصد يوميا أرواحا بريئة وتهدد بتفكك هذا البلد الذي لم يضمد بعد جراح التجزئة التي عاناها منذ عقود من الزمن. والأخطر أن هذه الحرب قد تتوسع رقعتها في أي لحظة بسبب التقاطب الإقليمي. ولا يمكن لأحد أن يستهين بما سيترتب عن أي خلاف إيراني سعودي في المنطقة.
وفي السودان، خطر آخر ينذر بتفكك هذا البلد الذي لطالما رددنا منذ صغرنا بأن ثروته الزراعية كافية لإطعام كل العرب! السودان اليوم مهدد بانفصال جنوبه، مع ما قد يترتب عن ذلك من حرب دائمة في تلك المنطقة. وهذا أخطر ما يتهدد الكيانات القطرية العربية، أي التفتت والانقسام المفضي إلى نزاعات أبدية بين الشمال والجنوب.
وفي العراق، كيانات طائفية وحرب أهلية واحتلال أمريكي وعنف وعنف مضاد وثروات تنهب وحضارة تشوه وآثار تسرق. آه على العراق.
أما لبنان فهي عاجزة عن تدبير حوار وطني يفرز دولة قوية، وفائضُ الحرية داخلها لم يساهم في دمقرطة الدولة والمجتمع بعيدا عن الكوطا الطائفية، والخطر الإسرائيلي يتهددها في كل لحظة وحين. هذا ناهيك عن حروب الكبار التي تخاض على هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة جدا، والتي هدفها ضرب المقاومة والممانعة وإخضاع هذا البلد لمسلسل التطبيع مع هذا الكيان الغاصب.
وفي فلسطين، انقسام داخلي بلغ حد الاقتتال بين الإخوة فاسحين المجال للعدو الصهيوني لتهويد القدس وحصار غزة والزيادة في عدد المستوطنات وانتهاك المقدسات وتدنيسها.
وبطبيعة الحال، لم تغب مصر المحروسة عن الاهتمام، وهي التي تعيش إرهاصات التوريث وتغلق حدودها في وجوه أهل فلسطين وتدفع ثمن سياسات فقرت الفئات الشعبية والنخب، حيث لا يستطيع الأستاذ الجامعي والطبيب المتخصص ومن على شاكلتيهما امتلاك مسكن.
ولن أحدثكم عن المغرب لأنكم أهله وأدرى بشعابه.
أما الانتخابات العربية فقد سارت بذكر فضائحها الركبان، حيث تجاوزت التزوير والتلاعب في النتائج إلى اختراع شكل جديد في الحكم هو النظام الرئاسي الوراثي؟!
ففي تونس، مثلا، انتهت الانتخابات بمنح الرئيس الكبير ولاية خامسة، والعقيد الثائر قاعد في خيمته الرئاسية بدون منافس، والقائمة طويلة.
أما دول الخليج فما زالت مكبلة بثقل العادات والتقاليد التي فاق تأثيرها النصوص الدينية، ولذلك فرغم التحديث العمراني ما زالت العقليات السائدة والفئات المتنفذة محافظة تعارض كل مسار إصلاحي أو مبادرة تحديثية.
وتضاف إلى أزمات الداخل، بطبيعة الحال، تربصات الخارج الطامع في ثروات المنطقة والطامح إلى لعب دور رئيسي فيها. وهذا ما يجعل هذه البلاد في خطر، إن لم نقل في مهب الريح.
كنا نقلل من هول هذه الكوارث ببعض الطرائف ونخفف من هول هذه الصدمات ببعض النوادر كخطابات القذافي وحكايات بعض الزعماء وفتاوى بعض «علماء آخر الزمان» .. كنا نتذكر الزعيم الثائر القذافي الذي بإمكانه طرد عشرات الآلاف من العمال العرب بجرة قلم لأن مقالا صحفيا نشر في جريدة مستقلة لم يعجبه، أو تصريحا لشخصية معارضة لم يرقه. وكنا نتأسف على هذه الحالة التي أوصلنا إليها أمثال هؤلاء الحكام.
كنت أخلص دائما، من خلال نقاشاتنا الهامشية، إلى أن هذه الشعوب الصابرة تستحق وضعا أفضل وهي التي ضحت وقاومت وبذلت وتمنت بدون جدوى.
كنت أخلص دائما إلى أن التراخي في حل هذه المشاكل ينذر بتفاقمها، وأن فشل جهود المصالحة العربية مؤشر آخر على عدم جدوى هذه المؤسسات القومية، وفي مقدمتها الجامعة العربية.
كنت أنظر إلى تزايد الدورين التركي والإيراني في المنطقة، فأتساءل عن أدوار مصر والمغرب والسعودية وغيرها، وهي التي كانت إلى أمس قريب محرك المبادرات العربية.
كنت أخلص دائما إلى أن مأساتنا تتمثل في هذه الأنظمة المتسلطة على رقابنا، وهذه المعارضات الضعيفة والمشتتة والمنشغلة بمصالحها وخلافاتها البينية، كما تتمثل أيضا في شعوب يائسة وعازفة وغير مبالية ومنسحبة من ساحة الفعل تاركة المجال لأصحاب المصالح والأهواء.
اكتشفت أن النخبة غائبة، وجزء منها صار أجيرا يكتب من محبرة السلطة ويرى بعينها.
إنها مأساتنا نحن العرب، بأسنا بيننا شديد، يحسبنا العدو جميعا وقلوبنا شتى، تزداد خلافاتنا وحروبنا في زمن لا مكان فيه للضعفاء.
مأساتنا أننا لا نعرف كيف نتوحد، كما لا نعرف كيف نختلف.
يتوحد العالم من حولنا ولا نزداد إلا تشرذما، ويتقوى خصومنا ولا نزداد إلا ضعفا، وينضج غيرنا ولا نزداد إلا بلادة.
هي، إذن، إكراهات وضغوط تجعلنا أيتاما في مأدبة اللئام. وتدفعنا إلى الاقتناع بصحة المقولة الشهيرة «اتفق العرب على ألا يتفقوا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.