التهراوي يواجه "سلايتية المستشفيات"    استلام 257 حافلة جديدة بميناء البيضاء    العلوم السياسية في الثانوي    زمن النسيان العام    محمد البارودي يقود الديربي بين الوداد والرجاء    مجلس الحكومة يستعد الخميس المقبل لمنح ثلاث شركات للاتصالات تراخيص الجيل الخامس    الكاتب المغربي سعيد بوكرامي مرشحا لنيل جائزة ابن خلدون – سنغور للترجمة 2025    المانوزي: التمديد للشكر تم في منتصف الليل بشكل غير ديمقراطي وقد ألجأ للطعن إنقاذا للحزب    بركة: سنطلق في غضون أسابيع الربط المائي بين أبي رقراق وأم الربيع لنقل 800 مليون متر مكعب من الماء    ما سر استقرار أسعار العقار بالمغرب رغم تراجع المعاملات؟    البلاوي: "حماية المال العام تعد من المهام الجسيمة التي تستلزم تعبئة تشريعية وقضائية ومؤسساتية متكاملة"    تحرّك قانوني مغربي ضد توكل كرمان بعد إساءتها للمغرب    Trevo تفتح باب التسجيل للمضيفين المغاربة‬    أهداف حاسمة ومساهمات قوية ل "أسود الأطلس" في صدارة المشهد الأوروبي    اقتراب منخفض جوي يحمل أمطاراً ورياحاً قوية نحو الريف والواجهة المتوسطية    المدافع باعوف ضمن اللائحة الأولية لأسود الأطلس    باعوف ضمن الأسماء المدعوة في التشكيل الأولي لوليد الركراكي    جماعة اثنين شتوكة ترفض تنظيم مهرجان فوق ترابها دون سلك المساطر القانونية وتطلب تدخل عامل الإقليم    شبكة لغسل أموال المخدرات عبر "منتجعات صحية" تُطيح بمسؤولين بنكيين    تيزنيت: بتنسيق مع "الديستي"… عناصر الشرطة القضائية توقع بشخصين متهمين باضرام النيران بسيارتين بالشارع العام    شاطئ مدينة مرتيل يشهد اختتام البطولة الوطنية للصيد الرياضي الشاطئي    في قلب بنسليمان..مهرجان عيطة الشاوية يرى النور في مدينة المونديال    مواد سامة وخطيرة تهدد سلامة مستعملي السجائر الإلكترونية    تعديلات جديدة تحصر القيد في اللوائح الانتخابية وتضبط استطلاعات الرأي    تصريحات لامين جمال تُشعل الكلاسيكو    يضم نقوشا صخرية وقبورا جنائزية.. مطالب بحماية موقع أثري بكلميم من التخريب    فينيسيوس بعد استبداله في"الكلاسيكو": "سأغادر الفريق.. من الأفضل أن أرحل"    أزيد ‬من ‬178 ‬ألف ‬قضية ‬طلاق ‬وتطليق ‬سنويا ‬بمعدل ‬488 ‬حالة ‬يوميا    مونديال اليافعات (ثمن النهائي).. المنتخب المغربي يواجه كوريا الشمالية بطموح بلوغ ربع النهائي    تتويج المغرب في جائزة اللغة العربية    إقبال كبير من المهنيين وعشاق السينما على مهرجان الفيلم بطنجة    فاطمة عاطف.. تكريم بطعم المواويل    عودة الاحتجاج على تعطيل التكرير في مصفاة "سامير" وضياع حقوق الأجراء والمتقاعدين    اكتشاف خطر جديد في السجائر الإلكترونية يهدد صحة الرئة    دراسة حديثة: الاحتباس الحراري يؤثر في توزيع الأمطار والثلوج    "خاوة خاوة.. بلا عداوة" أغنية تجسد نداء الأخوة المغربية الجزائرية في ذكرى المسيرة الخضراء أعلنت شركة موغادور ميوزيك ديجيتال المغربية عن قرب إصدار الأغنية الجديدة "خاوة خاوة.. بلا عداوة"، بمشاركة نخبة من الفنانين المغاربة والجزائريين، في عمل فني مشتر    إعطاء انطلاقة 49 مركزا صحيا جديدا على مستوى 9 جهات    ارتفاع أسعار النفط بعد التوصل إلى إطار عمل لاتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين    تصاعد الشكاوى من عنصرية المرضى والزملاء ضد الممرضين في بريطانيا    هامبورغ تتصدر مجددا قائمة الولايات الأكثر سعادة في ألمانيا    ترامب يرغب في لقاء كيم جونغ أون    روسيا تعلن اعتراض 193 مسيرة أوكرانية    النفط يرتفع بعد توصل أمريكا والصين إلى إطار عمل لاتفاق تجاري    بورصة البيضاء تبدأ التداول بأداء إيجابي    الأمين العام للأمم المتحدة يدين انتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف    الانتخابات الرئاسية في كوت ديفوار .. تقدم الرئيس المنتهية ولايته الحسن واتارا    كيوسك الإثنين | إصلاحات جديدة لتعزيز الشفافية وتحصين العمليات الانتخابية    دونالد ترامب يبدأ زيارة رسمية لليابان    الصين: ارتفاع أرباح الشركات الصناعية الكبرى بنسبة 3,2 بالمائة عند متم شتنبر    "البحر البعيد" لسعيد حميش يتوج بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بقايا داحس والغبراء (نسخة جديدة وغير منقحة)
نشر في المساء يوم 22 - 11 - 2009

في خضم الحرب، التي تتبع معاركها العالم أجمع، بين الجزائر، الشعب والنظام، ومصر، الشعب والنظام، تتبادر إلى الذهن أسئلة كثيرة عما إذا كنا إزاء دولتين عصريتين تنتميان إلى الألفية الثالثة أم قبيلتين من جاهلية الألفية الأولى: مصر تطالب بضمان أمن مواطنيها القاطنين في الجزائر، وهذه ترد بأن الأمر لا يخرج عن نطاق «الرياضة»، فالأصل هو «تاريخ النضال المشترك ضد الاستعمار» و«الأخوة العربية».. كذا، التي «تجمع الشعبين الشقيقين». ومصر، في المقابل، تعتبر المعارك التي خاضها جمهور البلدين كليهما في «موقعة» الجزائر و«غزوة» القاهرة و«نزال» أم درمان مجرد سلوكات فردية معزولة لا تنفي حقائق أن «الشعبين الشقيقين» يدركان أن ما يجمعهما أكثر من أن تفرقه الدقائق المعدودة لمباراة كرة قدم...، هذا كلام جميل، لكنهم حقيقة يكذبون كنشرات الأخبار..
إذ في مقابل هذا النفاق المفضوح، نجد أن الجزائر قد عملت، مباشرة بعد نهاية مباراة القاهرة، على تنظيم عملية تجييش غير مسبوقة لعواطف الجزائريين، عندما نقل التلفزيون الرسمي، بكل قنواته الفضائية والأرضية، صور بعض اللاعبين مدرجين في الدماء بالإضافة إلى نقل أخبار آحاد، عن وجود إصابات بليغة في صفوف الجماهير الجزائرية، كل هذا على إيقاع أناشيد الثورة الجزائرية وصور مركبة لهؤلاء «الضحايا» الذين سقطوا فداء للوطن في «غزوة القاهرة» ضد «الإخوة الأشقاء»، مع ضحايا الثورة الجزائرية ضد المستعمرين الأعداء، ناهيك عن صور لرموز هذه الثورة «بومدين والحسين أيت أحمد وغيرهما.. وطبعا المناضل جدا جدا «عبد العزيز بوتفليقة»، كل هذا التجييش العاطفي فقط لأن الأمر يتعلق بمباراة في كرة القدم..
ولأن الجزائر الحديثة لطالما سوقت صورتها على أنها الحارسة الأمينة على قيم الثورة الجزائرية.. كذا، ولأن الشعب الجزائري هو من الشعوب المقهورة على مر التاريخ، من «محظية» عثمانية إلى محمية فرنسية، وإلى ثكنة عسكرية، فإنه كان على استعداد لبلع طعم الهلوسة الإعلامية عن كون «محاربي الصحراء» سيردون الصاع صاعين لهؤلاء «الصاغرين» الذين يريدون بالجزائر شرا، فهجم مئات الآلاف من الجزائريين على السفارة المصرية وعلى مكتب الجامعة العربية بالجزائر العاصمة، وتم ترهيب أغلب المصريين القاطنين في الأحياء الشعبية. و«نزولا عند رغبة هذه الجماهير»، تم إنشاء خلايا إدارية في كل الولايات والأقاليم الجزائرية لاستصدار جوازات سفر «سريعة»، وفي زمن قياسي، لكل راغب في السفر إلى الخرطوم. ورغم أن القانون الجزائري يفرض إجراءات صارمة في منح هذه الوثيقة لأصحاب السوابق الجنحية والجنائية، فإن طبيعة المناسبة جمدت كل هذا. ومن الطبيعي أن يبادر الجانحون والمجرمون السابقون والحاليون وكل المتسكعين والمتشردين إلى اغتنام هذه الفرصة للسفر عبر الطائرة في بلد غني بثرواته الطبيعية، لكن المستوى المعيشي لمواطنيه يجعل هذا النوع من السفر حكرا على العسكر ورهطهم.
ولأن المناسبة في سطحها مجرد مباراة في كرة القدم، وفي عمقها مناسبة للنظام الفاقد لكل أشكال المشروعية داخليا كي يسعى إلى كسب هذه المشروعية من الخارج، لذلك أصدر «فخامة الرئيس» أمره بأن تتكفل الدولة بكل مصاريف السفر، ذهابا وإيابا، إلى الخرطوم، وتتكفل السفارة الجزائرية في السودان بمصاريف المبيت والإيواء والتغذية وتذاكر الدخول إلى المباراة،... كل هذا فقط لأنها مباراة في كرة قدم، أما اللاعبون فقد وعدهم «فخامة الرئيس» شخصيا بمبالغ تعتبر خيالية بالقياس مع هزالة الدخل الفردي للمواطن الجزائري. هذا عن داحس أو، عفوا، عن الجزائر..
أما عن «شقيقتها» «الغبراء الفرعونية»، ولأن الله حبا رعاياها بميزة لا يضاهيهم فيها أحد من قبائل العرب، وهي «الكلام البليغ في كل شيء دون قول شيء»، فقد احتل أحد المفوهين «المتخصصين في الشؤون الجزائرية»، بحكم اشتغاله مدة من الزمن في الجامعة الجزائرية، (احتل) منبر القناة المصرية الخاصة «دريم 2»، ليظهر للعالمين نتائج دراساته وخبرته في العقلية الجزائرية، قائلا إن «الجزائري مصاب برهاب الاضطهاد وعقدة الدم»، وهو بهذا معذور في كل ما فعله من أعمال تخريبية للفنادق والمقاهي والمرافق الخاصة بملعب القاهرة، لذلك على المصري أن يعتبر الجزائري بمثابة الأخ الأصغر، ومن الطبيعي أن يكون الأخ الأصغر مشاكسا ومتمردا على الأخ الأكبر. وانبرى خبير آخر يمن على الجزائريين مساعدة جمال عبد الناصر لهم في ثورة استقلالهم، وذهب الانفعال بهذا الخبير إلى درجة «الاعتقاد الجازم بأنه لو عاد جمال عبد الناصر ورأى ما فعله «الهمج الجزائري» في شوراع القاهرة، لندم كثيرا على كونه الملهم للثورة الجزائرية». والتمس خبير ثالث، عبر «قناة الحياة» الخاصة، من الحجاج المصريين الموجودين في البيت الحرام الدعاء للمنتخب بالانتصار.. وهاجم متدخل آخر بعض الشخصيات العامة التي دعت إلى التهدئة، مشككا في مصريتها.. أما مفوه آخر، فقد فضل أن يذكر «أشقاءه في السودان» بكون السودان ومصر وطن واحد، وأن تشجيع السودانيين لمنتخب الفراعنة واجب، «فالحسنة في ذوي القربى أولى»، حسب تعبيره..، ومن الطبيعي أن تدخل الجرائد الصفراء على الخط من كلا الجانبين، وهكذا صورت جريدة مصرية العلم الجزائري بنجمة سداسية بدل نجمته الخماسية، وبالمقابل فبركت جريدة جزائرية صور اللاعبين المصريين لتضع مكانهم صور ممثلات وراقصات مصريات..
ونفس ما قيل عن داحس/الجزائر، يقال عن الغبراء/مصر، فقد كانت مباراة الخرطوم مناسبة للحزب الوطني الحاكم منذ ما يناهز الثلاثة عقود، وخاصة لجنة الشباب التي يترأسها ولي العهد «جمال مبارك»، ليظهر خطأ من يشكك في قدرة ولي العهد على حماية مصالح «أم الدنيا»، فنظموا الصفوف لتجييش «الكوادر» الشبابية، للسفر الجماعي إلى أم درمان، غير أن المناسبة لن تمر دون أن تكون لأم الدنيا لمستها الخاصة، فإذا كان «الخصم متوحشا، فإنه علينا نحن أن نكون في مستوى أربعة آلاف سنة التي هي عمر حضارتنا»، فانتدبوا كتاب كلمات وملحنين «تحت الطلب»، لتأليف الشعارات والأناشيد، وقامت الشركة المصرية للطيران بالتعاقد مع بعض «المحسنين الغيورين على الوطن»، لتأجير طائرات أجنبية إضافية لنقل المشجعين بأثمنة جد تفضيلية إلى الخرطوم، وتبرع «محسنون آخرون» بمصاريف الوجبات الغذائية السريعة للجمهور في الخرطوم.. كل هذا فقط لأنها مباراة في كرة القدم..
كان هذا غيضا من فيض معطيات كثيفة ومتسارعة على مدى الأيام القليلة التي فصلت مباراة القاهرة عن مباراة أم درمان، أي من السبت إلى الأربعاء، دون أن نتطرق إلى ما سبق المباراة على مدى شهرين، وما سيليها من تداعيات.. معطيات بمثابة الأدلة، الملموسة والقطعية، على صدق كل التحليلات السياسية والفلسفية عن مفهوم الإيديولوجيا في الأنظمة الشمولية، فإذا كان السؤال هو لماذا نسي المصريون والجزائريون فجأة كل مآسيهم الداخلية، من فقر وتهميش واستبداد وفساد يعم البر والبحر، وبادروا إلى إظهار وطنيتهم وغيرتهم على وطنهم، فإن الجواب بسيط هو أن هناك مستبدا داخليا أقنع هذه الجماهير الغافلة بأن مشكلة الوطن تتمثل في عدو خارجي يريد به شرا، وأن الوطن أهدرت كرامته ويجب على الجميع أن يهب لاستردادها، مع أن الوضع الداخلي للبلدين، يظهر أن الجزائر ومصر هما آخر بلدان العالم التي يحق لها أن تتكلم عن السيادة والكرامة، لذلك سارعت بعض الأقلام في الدولة الصهيونية إلى التقاط هذا الوضع الكارثي، وتمنت لو أن مباراة في كرة القدم تعقد بين حماس وفتح، وطالب آخر بكأس تلعب فيها كل الدول العربية.. فمن قال إن الرياضة في تابوت هذا الشرق مجرد لعبة؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.