مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون مالية 2026 والنصوص المرتبطة به    مبعوث ترامب: واشنطن تعمل على اتفاق سلام بين المغرب والجزائر خلال 60 يوما    جلسة عمومية لمجلسي البرلمان اليوم الاثنين لتقديم مشروع قانون المالية    المغرب يرفع ميزانية 2026 إلى 761 مليار درهم مع قفزة في خدمة الدين العمومي    الذهب يرتفع قليلا بعد تراجعه من أعلى مستوياته القياسية    المغرب يتوقع نموا ب4.6% وعجزا في الميزانية عند 3% سنة 2026    تشديد أمني في مطار بفلوريدا بعد رصد برج مشبوه قرب طائرة ترامب    الملك محمد السادس يهنئ منتخب المغرب للشباب بعد تتويجه التاريخي بكأس العالم    بعد الفوز التاريخي.. الصحافة الأرجنتينية تشيد بفوز المغرب وتصفه ب"الإعصار الإفريقي"    توقيع مؤلفات جديدة في فعاليات ملتقى سينما المجتمع التاسع ببئر مزوي    صندوق جديد بمقاربة مندمجة .. الحكومة تخطط لإعادة هيكلة التنمية المجالية    "مالية 2026" تكشف رؤية استراتيجية لترسيخ السيادة الدفاعية والرقمية    "مشروع المالية" يخطط لإحداث قرابة 37 ألف منصب شغل في الإدارات    في موسم التحالفات الكبرى    علاج رقمي أم عزلة جديدة؟    "قتالية الأشبال" تبهر الإعلام الأجنبي    وهبي يثمن تعاون المغرب وموريتانيا    "اتحاد الكرة العربية" يشيد بالمغرب    باها يكشف قائمة "منتخب U17" المشاركة في نهائيات كأس العالم للفتيان    بورصة البيضاء تغلق بحصيلة إيجابية    اليوم الثالث من فعاليات المهرجان الوطني للفيلم يتميز بالمرأة والحرية والخيال    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مرتيل.. مصرع طالبة واختناق أخرى بسبب تسرب غاز البوتان    وزارة الصحة تطلق الحملة الوطنية لتشجيع الرضاعة الطبيعية    من سانتياغو إلى الرباط... المغرب يغني للنصر ويرقص على إيقاع المجد    وفاة أم وابنها وإصابة آخرين في حادثة سير خطيرة ضواحي الجديدة    فرنسا..استمرار إغلاق متحف اللوفر عقب عملية سطو    لقاء حصري مع عبد الرحمان الصروخ يكشف تفاصيل صادمة حول نزاع عائلي دموي بدوار الرملة ببني جرفط    اجتماع نقابي بمستشفى ابن سينا يبحث سبل إنصاف الشغيلة الصحية وتحسين أوضاعها الاجتماعية    خامنئي: اعتقاد ترامب أنه دمّر المنشآت النووية الإيرانية "وهم"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    وزارة الانتقال الطاقي تكشف عن مشاريع لتأهيل وتدبير النفايات المنزلية بإقليم الجديدة    الكاف يشيد بالتتويج المستحق للمغرب بكأس العالم تحت 20 سنة    لقجع: "التتويج باللقب العالمي جاء بفضل الرؤية الشاملة للملك محمد السادس والرهان على الكفاءة المغربية"    سرقة في اللوفر.. نحو 60 محققا يلاحقون اللصوص والمتحف يمدد إغلاق أبوابه    دعم مالي ودون تزكية حزبية.. الشباب مدعوّ لولوج الحياة السياسية    المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة يحقق المجد العالمي.. تصريحات مؤثرة للاعبين بعد التتويج التاريخي بكأس العالم في الشيلي    منتخب أقل من 20 سنة يتوج بالمونديال ويهدي كرة القدم المغربية أول لقب عالمي    بعد 20 سنة من النجاح.. دي جي كور يستعيد وهج "راي أند بي فيفر"    احتجاجات "لا ملوك" في مدن أمريكا تستقطب حشودا كبيرة للتنديد بترامب    "حماس": ملتزمون باتفاق غزة بينما إسرائيل تواصل خرقه    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة.. التاريخ في مرآة السينما ووجع المجتمع    لا شرقية ولا غربية... وإنما وسطية    سرقة مجوهرات في متحف اللوفر بباريس    ساعة أمام الشاشة يوميًا تخفض فرص التفوق الدراسي بنسبة 10 بالمائة    تونس توضح حقيقة منع تصدير التمور إلى المغرب    حسن واكريم.. الفنان المغربي الذي دمج أحواش والجاز في نيويورك    ارتفاع مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي ب 64 في المائة عند متم شتنبر في ميناء طانطان    "مرحبا بيك".. إينيز وريم تضعان بصمتهما الفنية في كأس العالم النسوية بالمغرب    الفنان فؤاد عبدالواحد يطلق أحدث أعماله الفنية    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أرض الصومال.. دُوَيلة تباع فيها العملة بالميزان!
بلاد البخور والآلهة فيها بنكان ولا أحد يعترف بها
نشر في المساء يوم 04 - 01 - 2016

لنتفق منذ البداية على أن الأمر لا يتعلق بالصومال الشهيرة التي عاصمتها مقديشو، بل بأرض الصومال (Somaliland ) التي عاصمتها هرقيسا، أو ما يعرف أيضا بالصومال الشمالي.. عند منتصف النهار يخرج من البنك المركزي لأرض الصومال رجل يدفع عربة صغيرة، من النوع الذي يستعمل في أشغال البناء تحت سماوات أخرى، وقد كدس فوقها مترا مكعبا من الأوراق النقدية المحلية. يدفعها بعناء ولا أحد يدهشه المنظر المثير للفضول، ولا لصوص في الناحية يتربصون به لسلبه جبل المال الذي يدفعه أمامه. فالبلاد أمان، ثم إن الحمولة النقدية على ضخامتها لا تساوي في الواقع ثروة، كما قد يتبادر إلى ذهن الغريب. إنه منظر فريد لا يتكرر في أي مكان آخر من العالم. لذلك تأكد عندما تكون شاهدا عليه بأنك بلا أدنى شك في هرقيسا عاصمة أرض الصومال، أو بلاد البخور والآلهة كما سماها فراعنة مصر قديما… هرقيسا هي عاصمة أرض الصومال أو بلاد بونت القديمة، التى أطلق عليها العرب القدامى اسم «أرض البخور والآلهة»، لأنهم كانوا يستوردون منها البخور زمن كان قطاع عريض من أهلها وثنيون، أو يدينون بمعتقدات مختلفة. لقد عرفت هذه الأرض التوحيد عقيدة منذ عهد فرعون مصر أخناتون، ثم دخل إليها دين الإسلام في بداياته حتى قبل أن يدخل يثرب، وذلك بفضل تجار زيلع. وزيلع هذا هو ميناء يحيط به البحر من ثلاث جهات، ويقع في الشمال الغربي للصومال، على ساحل خليج عدن المقابل لدولة جيبوتي. وقد مر منه الرحالة ابن بطوطة أثناء رحلته الشهيرة، وترك لنا إشارة عابرة عنه وعن سكانه الأقدمين. لكن هذا العمق الحضاري ليس هو ما يصنع شهرة أرض الصومال في هذا العصر، بل تصنعها في الواقع مشاهد أكوام الأوراق المالية الكبيرة والمنتشرة في كل مكان من هرقيسا، وأصحابها ناس بسطاء جدا لا أثر لليسر عليهم. فأي سر يتخفى يا ترى وراء تلك الصور المثيرة للدهشة والفضول؟
«أكوام فلوس بالكيلو»!
على أرضية ساحة متربة يمر بجانبها طريق رملي في هرقيسا، كبرى مدن جمهورية أرض الصومال المعلنة من طرف واحد وعاصمتها، تكدست أوراق العملة في أكوام مصففة هنا وهناك. إنهم صرافة العملة غير الرسميين، الذين يعملون في الهواء الطلق من دون وجود حراس أو لصوص. لكن رغم كثرة عددها، إلا أن القيمة الفعلية لتلك الكميات الضخمة من أوراق العملة المحلية (تسمى «شلن» أرض الصومال) تكاد لا تساوي شيئاً كثيرا عند تحويلها إلى عملة أجنبية. فسعر صرف الدولار الأمريكي يبلغ تقريبا 30000 شلن، ما يعني أن من يريد صرف مبلغ 100 دولار سوف يحصل على مبلغ ضخم بالنقد المحلي يكفي لملء حقيبة السفر عن آخرها. والأكثر غرابة في الموضوع أنه بعد نهاية العمل، ينصرف أولئك الصرافة الى بيوتهم تاركين خلفهم أكوام الفلوس في أماكنها على قارعة الطريق. فعلى الرغم من حالة البؤس المستشري بين غالبية سكان العاصمة، فإن الوضع آمن ويا للغرابة، ولا تحصل سرقات. أما عن السر في تدهور عملة الشلن إلى هذا الدرك الأسفل الذي بات موضوع تفكه وسخرية لدى البعض، فتقف وراءه عوامل عديدة متداخلة. لعل أبرزها حالة الانفلات النقدي، التي ينتعش في غياب سلطة ضبط نقدية فعالة. وهكذا تطبع أوراق النقد الصومالي من فئات 50،100،500، 1000 شلن بكميات هائلة في إنجلترا (من طرف البنك المركزي لأرض الصومال)، وتطبع أيضا في آسيا من طرف صوماليين آخرين، ثم تنقل إلى «بونت لاند» المجاورة، ومنها يجري تهريبها إلى أرض الصومال، من طرف شخصيات نافذة وعصابات منظمة. والنتيجة أن العملة الصومالية «الشلن» أضحت فاقدة لقيمتها النقدية بسبب التضخم المالي، وتواجه خطرا حقيقيا قد يؤدي إلى انقراضها تماما، بعد أن صار التجار والمصالح الحكومية يمتنعون عن التعامل بها. وفي غياب تام لدور البنك المركزي في تنظيم السوق المالية، لا أحد ولا جهة تملك سلطة فرضها على الوطن والمواطنين كعملة وطنية رئيسية. وبالمقابل، يفضل المواطنون في أرض الصومال التعامل بالدولار والجنيه الاسترليني، بالنسبة إلى من يتلقى منهم طبعا تحويلات مالية من ذويه المغتربين. أما الباقون فيعانون البطالة والفقر الشديد، ويضطرون إلى البحث عن طرق لكسب لقمة العيش. ولا يجدون أمامهم من بدائل سوى الهجرة، أو الانضمام إلى عصابات إجرامية، أو إلى مجموعات القراصنة في الصومال والبونتلاند المجاورين.
الهاتف بدل الأبناك
ولأن أرض الصومال لا تتوفر على قطاع بنكي مهيكل، فإن سكانها يعتمدون في معاملاتهم المالية على أساليب مبتدعة. فالبلد ليس فيها سوى بنكين اثنين فقط. وأخيرا (قبل أسابيع) افتتح أحمد محمد سيلانيو، رئيس جمهورية أرض الصومال، «بنك ذهب شيل التجاري الدولي» في العاصمة هرقيسا، الذي يعد أول بنك تجاري في البلاد. وتسعى سلطات أرض الصومال من وراء افتتاحه إلى جذب بنوك أجنبية، وبالتالي استقطاب استثمارات تنعش الاقتصاد المنهار. وصرح مسؤولو البنك بأنهم يعتزمون فتح فروع في جميع مناطق أرض الصومال. وكانت سلطات أرض الصومال أنشأت في العام 2012 بنكا مركزيا من أجل تحفيز بنوك تجارية أجنبية على العمل في بلادها، من دون نتيجة تذكر. كما أكد وزير الطاقة والمعادن بأرض الصومال، حسن عبدي دواله، في فبراير الماضي، بأن موازنة بلاده تصل إلى ربع مليار دولار، فهو يعتمد بشكل كبير على مبيعات الماشية للدول الخليجية، وعلى تحويلات المغتربين. فهناك مليون ونصف المليون من أبناء أرض الصومال مغتربون في أوروبا وأمريكا الشمالية والخليج العربي، يحولون نحو أهلهم مليار دولار سنويا. وهو مبلغ هائل بالنسبة إلى بلد صغير، ويفترض حصول عمليات مصرفية هائلة يقوم بها قطاع مصرفي مزدهر. لكن في غياب أبناك تفي بالغرض، ابتدع الصوماليون الشماليون حلا عمليا. نظريا، يتوفر نحو ثلث سكان أرض الصومال البالغ عددهم 3,5 ملايين على حساب لدى شركة الهاتف الخلوي الوطنية. وبواسطته يستطيع أي واحد منهم القيام بعمليات مالية، من قبيل استقبال أو إرسال المال، وأداء الفواتير، وغيرها. ويعفيهم ذلك طبعا من حمل كميات كبيرة من الأوراق المالية في كل مرة، ومن التنقل والانتظار في طوابير أبناك غير موجودة أصلا. وقد مكن هذا النظام العملي والبسيط شركة «ذهب شيل» العاملة في قطاع الصرافة وتحويل الأموال من تحصيل أرباح هائلة، فاستثمرت في قطاع الهاتف الخلوي وأنشأت شركتها الخاصة. وجعلها ذلك تدخل خلال الأسابيع الماضية في حرب منافسة اقتصادية شرسة مع شركة الاتصالات الرسمية «تليصوم»، التي استثمرت بدورها في قطاع تحويل الأموال والصرافة.
تضخم وجفاف
لقد ضاعف تعامل التجار بالدولار الأمريكي من فقدان الثقة في العملة الوطنية لأرض الصومال (الشلن)، بنسبة يقدرها خبراء من أبناء البلد ب 90%. ونتيجة لفقدانها قيمتها المادية والرمزية، أصبح الشلن مقتصراً على التعاملات الهامشية في المجتمع الصومالي، حيث يدفع الفقراء وأصحاب الدخل المحدود ثمن ذلك. وتواجه حكومة أرض الصومال الوضع بمحاولة طرح عملة جديدة للبلاد، إلا أن ذلك يواجه بصعوبات كبرى. وتكاد خلال ذلك أوراق عملة «الشلن» الصومالية بفئاتها أن تختفي من التداول، مهددة ببقاء فئة واحدة منها فقط قيد التداول، وهي فئة ال»1000 شلن» الأكثر تداولا. ونحن هنا نتحدث عن العملة القانونية، التي طبعها البنك المركزي لأرض الصومال. أما العملة المزورة التي تتم طباعتها واستيرادها من آسيا بكميات ضخمة، فقد أغرقت الاقتصاد في تضخم لا مثيل له في أي مكان آخر من العالم. فقد بدأ العديد من التجار يستعملون الدولار في تسعير بضائعهم لافتقادهم الثقة في العملة المحلية. وأمام اتساع رقعة المطالب الشعبية بحظر طباعة العملة وتهريبها، تدخلت سلطات بونتلاند أخيرا واستجابت بإقرار المنع. لكن ذلك لم يوقف عمليات الطبع، وتواصلت بالتالي فوضى النقد على حالها. ويضر هذا الوضع أكثر بسبل عيش الأسر الضعيفة بشدة، خصوصا الفقراء والنازحون داخلياً في جمهورية أرض الصومال، وعموم من يتقاضون أجورهم بالشلن الصومالي. ومن مظاهر ذلك مثلا، نجد الارتفاع الحاد في أسعار الفحم الذي يعد الوقود الأساسي للطهي في المنطقة، حتى بلغ سعر كيس الفحم الذي يزن 25 كيلوغراماً 90,000 شلن صومالي (13.84 دولار).كما تشهد أسعار البضائع الأساسية، بما فيها المواد الغذائية ارتفاعاً صاروخياً، بسبب التضخم المرتبط بتدفق العملة المزورة. وتضاعف سعر كيس الدقيق ثلاث مرات تقريبا، من 12 دولارا قبل عام إلى 33 دولارا حاليا، «وهذا المبلغ يعادل راتب شرطي في أرض الصومال ! لكن لشدة وطأة التضخم على الناس جانب من الطرافة، إذ يبلغ سعر كوب الشاي مثلا 500 شلن صومالي. وإذا دفع الزبون ورقة نقدية أعلى من المبلغ المطلوب، فلن يتم إعادة الباقي له. ويكون عليه حينها إما طلب كوب آخر. أو الانصراف. فالأوراق المالية صارت فاقدة لقيمتها ولثقة المتعاملين بها. ولأن المصائب لا تأتي فرادى كما قالت العرب قديما، فإن العام الحالي كان وبالا على أرض الصومال بسبب استفحال جفاف شديد للعام الثالث على التوالي، أتى على الأخضر واليابس. وتحولت نتيجة له أجزاء واسعة من البلاد إلى أراضٍ قاحلة يصعب العيش فيها. وبعدما أصبحت أرواح السكان مهددة مع ما تبقى لهم من ماشية على قيد الحياة، نزح كثيرون نحو المدن تاركين وراءهم ممتلكاتهم من أراضٍ ومنازل وأعداد كبيرة من الماشية التي أنهكها الجفاف، فنفق الكثير منها.
دويلة انفصالية لا يعترف بها أحد
تقع أرض الصومال في منطقة القرن الإفريقي شمال الصومال، وتعتبر هرقيسا (800 ألف نسمة) عاصمتها. وتحدها من الجنوب والغرب إيثيوبيا ومن الشمال جيبوتي وخليج عدن، ومن الشرق إقليم بونتلاند الصومالي الشهير بقراصنته. ويقدر عدد سكان أرض الصومال بثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة (إحصائيات 2008)، يدينون بالإسلام على المذهب السني وغالبيتهم يتبعون المذهب الشافعي ولغتهم الصومالية. وكانت المنطقة مأهولة ونشطة تجاريا منذ آلاف السنين، إذ عرفت في عصور الفراعنة باسم أرض العطور والبخور، وشكلت لديهم مصدرا لجلب العطور والعاج والذهب وغيرها من السلع الثمينة. كما دأبوا على تسميتها بأرض الأجداد والآلهة، لاعتقادهم في كون أرواح آلهتهم وأسلافهم كانت تستقر فيها. وخلال الحملات الاستعمارية في القرن التاسع عشر عندما تقاسمت الدول الاستعمارية إفريقيا، وقعت أرض الصومال من نصيب بريطانيا. بينما استعمرت إيطاليا الصومال الجنوبي ( الذي عاصمته مقديشو). وفي 26 يونيو 1960 حصلت أرض الصومال على استقلالها، وقرر قادة الإقليم طوعا الوحدة مع الجنوب، من أجل تحقيق حلم «الصومال الكبير»، حيث تم إعلان الوحدة بين الجنوب والشمال خلال العام نفسه من الاستقلال. لكن سكان أرض الصومال شعروا بالكثير من المرارة والغبن، بسبب ما اعتبروه هيمنة الجنوب واستئثاره بالثروة والسلطة، في مقابل تهميش الشمال اقتصاديا وسياسيا. وترجموا ذلك عام 1988 بإعلان تمرد مسلح قادته الحركة الوطنية الصومالية. وردت عليه الحكومة العسكرية المركزية بعنف مفرط، أدى إلى قتل وتهجير المئات وتدمير المدن، مما عمق الفجوة بشكل كبير بين جنوب الصومال وشماله. وفي أعقاب انهيار الحكومة المركزية في الصومال التي كان يقودها سياد بري في العام 1991، أعلنت أرض الصومال من جانب واحد استقلالها وأعلنت نفسها دولة مستقلة عن الجنوب المضطرب، الذي دمرته الحرب الأهلية وشهد تدخلا عسكريا أمريكيا. وعلى الرغم من مواجهة أرض الصومال لإكراهات عدم اعتراف المجتمع الدولي بها دولة ذات سيادة، فإنها نجحت في بسط الأمن في ربوعها وقامت بإعادة مؤسسات الحكم إلى مجراها الطبيعي. حيث تجري فيها انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة بشكل عادي. وتعتمد منذ انفصالها، نظاما سياسيا متكاملا يتشكل من رئيس وبرلمان منتخبين، ومجلس أعيان، وأجهزة أمنية مستقرة. ويتم تداول السلطة بشكل دوري. لكن أرض الصومال تواجه حتى اليوم تحديات عديدة، أبرزها الفشل في إقناع العالم بالاعتراف باستقلالها، وكذا وجود نزاع ترابي بينها وبين إقليم «بونتلاند» المشابه لوضعيتها (منفصل عن الصومال وغير معترف به هو الآخر) حول منطقتين تابعتين جغرافيا (حسب التقسيم الاستعماري) لأرض الصومال، لكن محسوبتين عشائريا على بونتلاند. ويطرح عدم الاعتراف بأرض الصومال دوليا مشاكل اقتصادية على الخصوص، إذ لا تستطيع الحصول على قروض لإعمار البلد، ولا جلب مستثمرين. ولذلك فإن البلد يعيش بالأساس على تحويلات أبنائه المغتربين، وعائدات ميناء بربرة. وبفضل استقرارها، تعتبر أرض الصومال ملاذاً آمناً في محيط مضطرب. فيلجأ إليها باستمرار الصوماليون من كل الربوع، فراراً من أهوال الحروب والفوضى التي تشهدها المناطق الجنوبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.