تنسيقية مهنيي الطاكسي الصغير بطنجة تستنكر الزيادة في التسعيرة دون سند قانوني    الحمري يشيد بتكوين الإدارة الترابية    الدرك يدعم العدول في كشف التزوير    معرض المغرب لصناعة الألعاب الإلكترونية .. من الترفيه إلى دعم الاقتصاد    المناظرة الوطنية الأولى للذكاء الاصطناعي تستقطب أزيد من ألفي مشارك وتُرسي دعائم رؤية وطنية طموحة    لاعبات للتنس يرفضن التمييز بأكادير    حمد الله يشارك في كأس العالم للأندية    طنجة.. توقيف متورطين في موكب زفاف أحدث ضوضاء وفوضى بساحة المدينة    الملك محمد السادس يأمر بوضع مراكز تضامنية رهن إشارة الفئات المعوزة    الراحل محمد بن عيسى يكرم في مصر    جرسيف تقوي التلقيح ضد "بوحمرون"    "الصحة العالمية": انقطاع الوقود 120 يوما يهدد بتوقف كامل للنظام الصحي في غزة    كأس العالم للأندية.. بونو وحكيمي ضمن التشكيلة المثالية للدور ثمن النهائي        النقاش الحي.. في واقع السياسة وأفق الدستور! -3-    وفاة سجين معتقل على خلفية قانون مكافحة الإرهاب بالسجن المحلي بالعرائش    الوقاية المدنية بطنجة تسيطر على حريق أعشاب سوق درادب    المنتخب المغربي النسوي يرفع وتيرة التحضيرات قبل افتتاح "كان السيدات 2025"    تطوان.. تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم "الدولة الإسلامية" تنشط بين تطوان وشفشاون    ألا يحق لنا أن نشك في وطنية مغاربة إيران؟    تعزيز التحالف الدفاعي بين المغرب والولايات المتحدة يُمهّد لشراكة استراتيجية أعمق    تفكيك شبكة نصب واحتيال خطيرة استهدفت ضحايا بهويات وهمية بجرسيف    نشرة إنذارية.. موجة حر مع الشركي وزخات قوية مرتقبة بالمملكة    مطار الحسيمة ينتعش مجددا.. ارتفاع ب12 في المئة وعدد الرحلات في تصاعد    اعتقال اللاعب الجزائري يوسف بلايلي في مطار باريس    بحث يرصد الأثر الإيجابي لبرنامج الدعم الاجتماعي المباشر على الأسر المغربية    مع اعتدالها قرب السواحل وفي السهول الداخلية .. يوعابد ل «الاتحاد الاشتراكي»: درجات الحرارة في الوسط والجنوب ستعرف انخفاضا انطلاقا من غد الجمعة    كلمة .. الإثراء غير المشروع جريمة في حق الوطن    تجاذب المسرحي والسرد الواقعي في رواية «حين يزهر اللوز» للكاتب المغربي محمد أبو العلا    بالصدى .. «مرسوم بنكي» لتدبير الصحة    في لقاء عرف تكريم جريدة الاتحاد الاشتراكي والتنويه بمعالجتها لقضايا الصحة .. أطباء وفاعلون وصحافيون يرفعون تحدي دعم صحة الرضع والأطفال مغربيا وإفريقيا    "تلك القبضة المباركة".. أسطورة بونو تتجذر من مونديال لآخر    إيران تعلق التعاون مع الطاقة الذرية    تفكيك خلية "داعشية" بين تطوان وشفشاون شرعت في التحضير لمشروع إرهابي    سعر النفط يستقر وسط هدوء مؤقت    نتائج بورصة البيضاء اليوم الأربعاء    تيزنيت تستعد لاحتضان الدورة الجديدة من «الكرنفال الدولي للمسرح»    ندوة توصي بالعناية بالدقة المراكشية        "المنافسة": سلسلة التوزيع ترفع أسعار الأغذية وتتجاهل انخفاضات الموردين    موجة الحرارة تبدأ التراجع في أوروبا    أنغام تخرج عن صمتها: لا علاقة لي بأزمة شيرين وكفى مقارنات وظلم    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    اعتراف دولي متزايد بكونفدرالية دول الساحل.. مايغا يدعو إلى تمويل عادل وتنمية ذات سيادة    الرعاية الملكية السامية شرف ومسؤولية و إلتزام.    دورتموند يعبر مونتيري ويضرب موعدا مع الريال في ربع نهائي كأس العالم للأندية    أتلتيكو مدريد يتعاقد مع المدافع الإيطالي رودجيري قادما من أتالانتا    ترامب يحث حماس على قبول "المقترح النهائي" لهدنة 60 يوما في غزة        نيوكاسل الإنجليزي يعتذر عن مشهد مسيء في فيديو الإعلان عن القميص الثالث    ملتقى فني وثقافي في مرتيل يستكشف أفق البحر كفضاء للإبداع والتفكير    عاجل.. بودريقة يشبّه محاكمته بقصة يوسف والمحكمة تحجز الملف للمداولة والنطق بالحكم    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    أكادير تحتضن أول مركز حضاري لإيواء الكلاب والقطط الضالة: المغرب يجسّد التزامه بالرفق بالحيوان    وقت الظهيرة في الصيف ليس للعب .. نصائح لحماية الأطفال    حرارة الصيف قد تُفسد الأدوية وتحوّلها إلى خطر صامت على الصحة    ضجة الاستدلال على الاستبدال    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موسيقى أفكار
نشر في المساء يوم 27 - 03 - 2008

دائما كان للشعر أسلاف. وإذا كان الشعر العربي القديم يعثر على أسلافه في عمق الصحراء العربية وفي امتداد كلمة الإسلام في بلاد الرافدين وأراضي الشام وبلاد فارس، دون أن يتجاوز هذه الأراضي الثقافية باتجاه رياح قادمة من الإغريق أو الرومان، فإن الشعر العربي الحديث، بخلاف ذلك، يجد بعض أسلافه في الشعر الغربي، الانجليزي والفرنسي والأمريكي واليوناني والإسباني، بوجه عام.
ولا يجادل أحد في أن قصيدة «الأرض اليباب»، للشاعر الإنجليزي توماس إليوت، هي إحدى الجدّات المميزات لما اصطُلح عليه، في البداية، بالشعر الحر، أي ذلك الشعر الذي سيأخذ أبعادا أكثر عمقا مع بدر شاكر السياب وشعراء مجلة شعر اللبنانية، ليستحق معاصرة بها سَيُوسم في مجرى البحث عَمَّا يُسَمِّي به الزمن والحياة.
وإذا كانت نازك الملائكة، الشاعرة العراقية التي رغبت في الاستفحال على شعراء الحداثة، قد سارعت لرسم قواعد وحدود ممارسة شعرية ناشئة، طالعة من قلب الأغلال، فإن قصيدة «الأرض اليباب» قد لعبتْ دور الجَدَّة الشعرية الحكيمة التي مدَّتْ الشعراء العرب المعاصرين بأنساغ الحنان، فنفخت في أرواحهم ما َوسَّع من أحداق الرؤيا، وما جعل الشعر ضربا من النبوءة المفترسة المنبثقة من قلب الأهوال، ذات الأبعاد الحضارية.
حكاية تموز، وما يتصل بها من شعرية ميثولوجيا الخصب والانبعاث، التي هيمنت على الشعر المعاصر، في الخمسينيات والستينيات، تعود، في رأيي، إلى هذه الجَدَّة الكريمة. فمن يتأمل قصيدة «الأرض اليباب» يجدها تعبق برموز وإشارات، لا تجعل القصيدة فقط تلهج بنشيد الفكر وإنما تسري في ثناياها أيضا، وعلى نحو سري، تعويذة سحرية تقول بإمكانية نهوض الحياة من قلب الموت، إنها تعويذة الانبعاث والخصب التي استقاها إليوت، كما يوضح بنفسه في هوامش القصيدة، من اطلاعه على كتاب «الغصن الذهبي»، وخاصة منه الجزأين المتعلقين ب: أدونيس، أتيس وأوزيريس.
ما من شك في أن الشعر العربي تلقف قصيدة إليوت بهوامشها. وهي لم تؤثر فيه فقط، بغنائيتها التركيبية الملامسة لعتبة التجريد، وإنما أيضا بإحالاتها الرمزية والأسطورية والشعرية والثقافية المتنوعة. فقد استطاع إليوت، من خلال «الأرض اليباب»، بوجه خاص، امتصاص وتحويل تراث شعري وديني وفلسفي بكامله، تآخت فيه «أزهار الشر» بودلير، وإشراقات رامبو، وأنباز سان جون بيرس مع جحيم دانتي وتحولات أوفيد، وإنيادة فريجل، وطقوس وأغاني وثنية ضاربة الغور في لاوعي البشرية.
ولعل هذه الخلفية الثقافية العميقة، الخاضعة لكيمياء شعرية صارمة، هي أحد أسباب افتتان الشعر العربي المعاصر بقصيدة غامضة، لشاعر مُركِّب، نَعَت شيخ النقاد الإنجليز، ريتشارد، صنيعه، ب«موسيقى أفكار». إن فتنة هذه القصيدة الغامضة جَعلتْ لها جاذبية كبيرة في الشعر العربي المعاصر، فهي الأم الكبيرة لهذا الشعر، احتضنت نصوص أدونيس وخليل حاوي ويوسف الخال، وخاصة بدر شاكر السياب، بحيث وسمتها بملمح تموزي، صادفَ هوسا تاريخيا وحضاريا عميقا في أرواح شعراء، سَتتَّسع أحداقُ استعاراتهم أكثر، بفعل ذلك الحنان الإليوتي، لبريق نبوءة الانبعاث المجهضة.
لا شك أن ديوان «أنشودة المطر» هو الأكثر احتضانا لهوس هذه الرؤيا. ولا شك أن بعض ما يؤثث فضاء قصائده من أمطار وغيوم، وأبواب ورياح، وشجن وصََلْب، ومحار ورعود، وشفق وأطفال، وموتى وطين، وصدى وعويل... يجد نسبه الشعري في قصيدة إليوت، لكنه نسب يعلن عن أمومة شعرية خلاقة أتاحت، مع مؤثرات عربية قديمة(خاصة ديوان أبي تمام)، لعبقرية شعرية إمكانية التفتق من قلب العراق، والمضي بالشعر العربي، بخطى دامية، إلى آفاق واسعة.
يعرف الجميع أن شعرنا المعاصر تَوزَّعت مرجعيته الغربية بين الشعر الفرنسي والشعر الإنجليزي على نحو خاص. لكن ما ينبغي الانتباه إليه، في هذا السياق، أن شاعرا كإليوت، لم يستطع أن يكون إنجليزيا أمريكيا إلا من خلال عمق فرنسي (بودلير) وإيطالي (دانتي). وهذا التعدد المؤسس لعمق الشعر هو ما ينبغي الحرص على حماية نشيده الإنساني في اللحظة الراهنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.