ولد الرشيد يدعو إلى تعزيز شراكة استراتيجية تجمع بين الأبعاد الأمنية والرهانات التنموية في المنطقة الأورومتوسطية و الخليج    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بارتفاع    التضخم يتباطأ للشهر الثاني لأدنى معدلاته منذ بداية العام بالمغرب    مقتل 4 أشخاص وفقدان 17 آخرين في انهيارات أرضية بالصين    "الاشتراكي الموحد" يدعو لاعتقال ومحاكمة الجنود الإسرائيليين المشاركين في "الأسد الإفريقي"    حملات جديدة ضد أتباع غولن بتركيا    نهضة بركان يعتزم تقديم شكوى ضد سيمبا التنزاني بسبب سوء المعاملة    رونالدو يشعل مواقع التواصل الاجتماعي بعد شائعة ارتباطه بالوداد    الشروع في إحداث موقف بجوار ملعب طنجة الكبير بطاقة تستوعب آلاف السيارات    زخات رعدية مصحوبة بالبرد مرتقبة اليوم الجمعة بعدد من مناطق المملكة    الناصري "يتهم" لطيفة رأفت بتضليل العدالة.."هناك لطيفة عند الشرطة وقاضي التحقيق وفي الصحافة شكون نتيقو!!"    بريطانيا تفكر في الإخصاء الكيميائي الإلزامي للمعتدين الجنسيين    "هنا".. عندما تتحول خشبة المسرح إلى مرآة لحياة أبناء "ليزاداك"    مهدي مزين وحمود الخضر يطلقان فيديو كليب "هنا"    "مهرجان الريف" يحتفي بالأمازيغية    الله أمَر بالسّتْر ولم يأمُر ببيْع الماسْتَر !    دراسة: الولادة المبكرة قد تكون مفيدة في حالة الأجنة كبيرة الحجم    قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    بريطانيا تدرس استخدام الإخصاء الكيميائي الإلزامي لمعاقبة بعض المعتدين جنسيا    إحباط تهريب آلاف الأقراص المخدرة بالدار البيضاء    سجن وجدة يوضح ملابسات وفاة سجين ويندد ب "المغالطات"    وزير النقل الفرنسي يشيد بتقارب المواقف مع المغرب بشأن ملفات استراتيجية    سلوفاكيا تساهم في الزخم المتزايد لفائدة مغربية الصحراء    قانون المسطرة الجنائية الجديد: هل الجميع يحارب الفساد؟    رسميا.. ريال مدريد يعلن رحيل كارلو أنشيلوتي    انتشار الأفران العشوائية يزعج الفدرالية المغربية للمخابز    حديقة الحيوانات بالرباط تعلن ولادة أزيد من 80 حيوانا من الأنواع النادرة    ملايين الزوار في حدث استثنائي: الأمن الوطني يُبهر المغاربة في "أيام الأبواب المفتوحة" بالجديدة    اتفاق على تعزيز دور الاتحاد البرلماني الإفريقي في ختام دورته بالرباط    الدولار يتراجع بفعل مخاوف الدين الأمريكي واليورو والين يصعدان    عزيز الذنيبي مدربا جديدا للنادي المكناسي ومحمد العزيز مساعدا له    قطر تخصص 36.5 مليون دولار جوائز في كأس العرب 2025    النساء الاتحاديات يدقن ناقوس الخطر حول معاناة نساء تندوف في مؤتمر الأممية الاشتراكية بإسطنبول    بكين.. الصين وهولندا تعززان شراكتهما الاستراتيجية    المغرب يعزز قدراته العسكرية بوحدات خاصة لمواجهة تهديدات الأنفاق باستخدام تقنيات متقدمة    انطلاق أيام التراث بمراكش احتفاء بالماء والحدائق    النيجر تعيد رسم خريطة التحالفات في الساحل: تكريم صدام حفتر صفعة جديدة للنظام الجزائري    حرارة وزخات رعدية في توقعات طقس الجمعة    الأزمي: تضارب المصالح ينخر عمل الحكومة وملتمس الرقابة كان ضرورة سياسية ودستورية    بنكيران: الحكومة تعمدت إفشال ملتمس الرقابة عبر التواطؤ مع بعض الأطراف في المعارضة    31 قتيلا و2939 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    بطاريات المستقبل تصنع بالقنيطرة .. المغرب يدخل سباق السيارات النظيفة    وزير الشباب والثقافة والتواصل يتوج الفائزات والفائزين بالجوائز في حفل الدورة الثانية لجائزة المغرب للشباب    الحكومة تُطلق دعما مباشرا لحماية القطيع الوطني وبرنامجا لتحسين السلالات    بايتاس يكشف تفاصيل بخصوص العقوبات البديلة    منصة الرياضة نحو الغد: المغرب يبني المستقبل برؤية ملكية استراتيجية    السعودية تجري أول عملية لزرع جهاز ذكي داخل الدماغ في الشرق الأوسط    حوار مع سلافوي جيجيك يحذر فيه من "جدران غير مرئية جديدة"    الكفيف ولذَّة الكفوف    كأس العالم للأندية: فيفا يفتح نافذة انتقالات استثنائية من 1 إلى 10 يونيو    من تطوان إلى إشبيلية.. مسيرة فنية تحتفي بجسور الثقافة بين المغرب وإسبانيا    وزير الصحة المغربي يجري مباحثات ثنائية مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية    لإيقاف السرطان.. التشريح المرضي وطب الأشعة الرقمي أسلحة مدمرة للخلايا الخبيثة    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    في مجاز الغيم: رحلة عبر مسجد طارق بن زياد    المغاربة... أخلاق تُروى وجذور تضرب في عمق التاريخ    تلك الرائحة    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاوم والقاضي إسماعيل بن محمد هرماس الروداني :داك الرجل الشهم في داك الزمان


محمد جمال البشارة
تشبع المرحوم اسماعيل هرماس بأفكار المقاومة إبان تواجده الدراسي بمراكش وأصبح أحد أعضائها البارزين محليا ، ترفع تعففا عن الإمتيازات المادية والمعنوية التي حصل عليها الكثير من المقاومين والمنتسبين للمقاومة على السواء بعد الاستقلال ، وأدناها بطاقة المقاوم رغم كونه ذاق مرارة السجن بدون موجب إدانة فعلي والاعتقال مرارا بدون وجه حق بسبب تبنيه أفكار وطنية لا تتماشى و سياسة سلطات الحماية الفرنسية بالمغرب.
ولد المرحوم القاضي إسماعيل بن محمد بن سعيد بن علي هرماس سنة 1928م بحومة درب الأندلس بتارودانت حاضرة سوس العالمة ، بدأ مساره الدراسي المتيسر وقتئذ بالتعليم العتيق الذي يطبع مضمونه التوجه الأصيل والذي لم يكن يلبي طموحه وتطلعه ؛ الشيء الذي دفع به لشد الرحال في سن مبكرة حيث التحق بكلية ابن يوسف بمراكش ثاني العدوتين العلميتين وقتها بالمغرب بعد الجامع العامر القرويين بفاس، هناك عمق تكوينه السابق ووسع مداركه النظرية في القانون ، كما مكنه تواجده بمراكش من نسج علاقات التزاور وأخوة الجوار الدراسي بكلية ابن يوسف ، شكلت فسيفساء شخصيته الحازمة ، مع رفقاء من العيار الثقيل في النضال والوطنية ، منهم المصطفون في خندق المقاومة الشرسة ، نذكر منهم محمد الفقيه البصري ومولاي عبد السلام الجبلي و السوسي محمد بن سعيد ايت ايدر والروداني البروفسور عبد القادر التونسي عميد أطباء مستشفى ابن سيناء وغيرهم ممن انتدبوا ضمائرهم ووهبوا حياتهم خدمة لله ، وفداء للوطن والعرش بصدق وأمانة.
1937م نزل ضيفا بسجن تارودانت المقاوم عبد الله ابراهيم مع مجموعة من علماء مراكش لقضاء ثلاثة أشهر سجنا مع الأشغال الشاقة ( شق الطرق بغابة الوطنيين وتنظيف مجاري الواد الحار) حينها لاقوا تعاطفا وتضامنا كبيرا من لدن سكان تارودانت رغم بساطة معيشتهم خصوصا الحرفيون ؛ فأسرها عبد الله ابراهيم في نفسه حتى سنة 1950 وثم اختيار بعض المقاومين اليوسفيين (طلبة كلية ابن يوسف ) ضمنهم المقاوم اسماعيل لإجراء تكوين ونقل التجربة ، أطره عبد الله ابراهيم شخصيا حول تأسيس الجمعيات وتنظيم الحرف لخلق تكثلات حرفية لمواجهة غطرسة الاحتلال وتوحيد الكلمة ورص الصفوف.
عين المرحوم قاضيا متدربا بمحكمة الحاكم المفوض بتارودانت في 3 نونبر 1956م، أي ثمانية أشهر بالضبط بعد الإعلان المشترك بين الحكومة الفرنسية وجلالة المغفور له محمد الخامس عن نهاية عهد الحجر واستقلال المغرب . لم يكن التعاطف الحزبي ولا ماضيه السياسي ونضاله في صفوف المقاومة ليؤثرا على استقلاليته وتجرده ونزاهته في اتخاذ التدابير الوقائية أو القرارات الإجرائية وانتهاء بتطبيق المساطر القانونية وإصدار الأحكام القضائية ، في فترة حرجة جدا صادف تعيينه خروج المغرب المستقل من مخاض عسير وبداية تجربة مريرة ، لأن مؤسسات الدولة الحديثة العهد بالاستقلال التي شكلت قطار المغرب ، قاطرته حزب الاستقلال صاحب النفوذ والمنتسبون له أصحاب كلمة وحصانة حزبية . هذه المرحلة تعتبر نقطة تحول ومحطة وقوف ومفترق طرق ، حتمت على المرحوم إسماعيل هرماس سنوات معدودة بعد تعيينه ، التوقف الاضطراري لمراجعة تطلعاته التي آمن بها وندر حياته من أجلها وناضل على قبلها في صفوف الحزب ، منها استقلالية القضاء باعتباره أقنوم العدالة الاجتماعية ، وأحد المبادئ الأساسية التي تشبع بها في أحضان المقاومة وحزب الاستقلال إبان فترة الحماية .
بعد سبع سنوات من الحياة المهنية في سلك الوظيفة العمومية كقاض كفؤ ونزيه بشهادة رؤسائه المباشرين السابقين، واعتراف المفتشين الجهويين لحزب الاستقلال لنفس الفترة باكادير وناحيته ، كونه "وطني مخلص ونزيه"، نتنقل المرحوم القاضي للعمل بعد تارودانت في محاكم القطر السوسي بكل من مدن تزنتت وبيزكارن وانزكان واكادير ( المحكمة الإقليمية) التي حولت مقر عملها إلى تارودانت إثر فاجعة زلزال مدينة اكادير في 29 فبراير 1960 م؛ بعدما استفاد المعني من الترقية المهنية قبل كل انتقال. أمام استماتته القوية للمبادئ الوطنية وقناعاته الشخصية والحزبية المعلنة،عبثا حاول إفهام بعض مناوئيه، السياسيين على الخصوص ، الذين يعتبرون سلطة الحزب أقوى من سلطة القضاء ، فيما المرحوم المقاوم القاضي يرى عكس ذلك ، كون مبدأ استقلالية القضاء يحتم عليه التجرد وعدم التدثر لا بميدعة الحزب ولا بعباءة المقاومة ، توخيا لإحقاق الحق في القضاء وتكريس العدالة الاجتماعية كتشريع إلهي قبل أن تكون مطلبا أجمعت عليه كل القوى الوطنية والسياسية إبان فترة الحماية الفرنسية بالمغرب وبعد انجلاء عهد الحجر وبزوغ فجر الحرية .
في شهر يوليوز 1961م بدأ يتداخل الشأن الحزبي بالقضائي ، لتختلط الألوان وتتشابك الخطوط وتتعقد الخيوط ؛ بدأت عملية شد الحبل والتدخل في استقلالية القضاء وجعل سلطة الحزب أقوى من سلطة القضاء عن طريق إملاءات مفتش الحزب بالناحية للتأثير على سير العدالة ، هذا إضافة إلى ظروف عمل مشحونة مع الرؤساء المباشرون خلاف نظرائهم الستة السابقون والذين عملوا على تزكية عمل المرحوم إسماعيل كقاض كفأ ونزيه استفاد إثر ذلك ثلاث مرات من الترقية . وغريب أن تجتمع الصدف السيئة دفعة واحدة سالكة غاية بعينها لتتفق على نفس الهدف ؛ والأغرب من ذلك أن جملة مآخذ واتهامات بخصوص مساطر سير العدالة وجهها مفتش الحزب وقتئذ للقاضي المقاوم في كتاب ، كان الأولى أن تصدر عن الرؤساء المباشرين باعتبار ذلك أولا شأن داخلي للمحاكم ثانيا كون مهمة الرؤساء الأولى هي مراقبة مدى تطابق الأحكام التي يقضي بها القضاة مع التشريعات المعمول بها عموما ، مما يبين بالواضح الملموس قوة حزب الاستقلال ونفوذ بعض أعضائه الذين يريدون قضاء استقلالي عوضا عن استقلالية القضاء .
بدأ دق الطبول بمراسلة من صفحة واحدة صادرة عن مفتش حزب الاستقلال باكادير تحمل رقم 34 بتاريخ 14 يوليوز 1961م، هي جملة اتهامات ومؤاخذات بخصوص مساطر قضائية على سبيل المثال كما ورد بالمراسلة واختتمت بتشبيه المرحوم القاضي " بأحد قواد العهد البائد" . أرسلها المعني بها القاضي إلى أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب بالرباط تحت إشراف مكتب الحزب بتارودانت ، بعدما رد على مضمونها في جواب من أربع صفحات باسطا كل الحيثيات وما وراء الكلمات وما بين السطور ، حسب مقتضيات التشريع القضائي المغربي لربما تتدخل اللجنة التنفيذية للحزب لترد مفتش الحزب بالناحية إلى رشده . ما يزال المشكل قائما في انتظار الحل، حتى أرسل كتاب ثان إلى وزارة العدلية الشريفة يتهم القاضي المقاوم بتعاطي الرشوة ، لكن هذه المرة من دوي القربى الرؤساء المباشرين ( وظلم دوي القربى أشد مضاضة من السيف المهند ) دون أن يعلم بما يحاك له ويدبر في صمت . فورد إليهم من الوزارة تعقيب بضرورة إقامة الدليل ، وعبثا حاولوا عن طريق مسرحيات هزيلة السيناريو رديئة الإخراج ، آخرها إعطاء الأمر إلى" الشاوش "للذهاب لدى مركز الشرطة والتصريح باطلا بذلك ، فرفض رغم تهديده بتسريحه ، وعوضا عن دلك صرح بالمكيدة التي تحاك لصاحبها في الخفاء، لما يعلم عنه من النزاهة... ثم كتبوا ثالثة إلى الوزارة أن القاضي اشترى أملاكا عديدة مند توليه القضاء ، ولما علم أن المكائد تولاها الرؤساء نيابة عن مفتش الحزب ، رفض الإدلاء هذه المرة بأية إجابة ، وكاتب الوزارة مطالبا إيفاد لجنة محايدة للتحقيق معه ، فصدر الأمر إلى المدعي العام بمحكمة الإستئناف بالرباط بتاريخ 19غشت 1961 للقيام بذلك ، فأدلى القاضي المقاوم بمجموعة رسوم لأملاك منها ما يعود لمائتي سنة خلت ورثها عن والده باع بعضا منها سنة 1949 و 1960 واشترى عوضا عنها أملاك أخرى ... وكان آخر مسمار يدق له أسفل النعل اتهامه بعدم الكفاءة وسوء السلوك ؛ دفعته هذه المعاناة للمثول تلقائيا أمام اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال للدفاع عن نفسه ودحض التهم الملصقة بتلابيبه ، وقيام الحزب بدور الوساطة لدى مسؤولي وزارة العدلية الشريفة ليكونوا على بينة من نزاهته ووطنيته وصدق طويته ونقاء أساريره . لكن جميع الحجج الواقعية والقرائن المادية لم تكن كافية ربما لتمنع صدور رسالة وزير العدل تحمل رقم 622 G.S.M بتاريخ 26 /04/1962م سجلت في 8 ماي الموالي بالمحكمة الإقليمية بتارودانت تخبر المعني باتخاذ قرار لوضع حد لفترة تدريبه والتشطيب عليه من مجلس القضاء .
تكالبت الأقدار المفتعلة في المسار الإداري للقاضي إسماعيل ، فاضطر أواخر ربيع نفس السنة 1962م، تجشم عناء السفر إلى الرباط كمسلك ادري وسياسي وطرق جميع الأبواب ذات الصلة بالموضوع بحثا عن الحل أو بالأحرى الحق فاتضح له مند البداية أن المسؤولين المركزيين إنما يماطلونه إلى حين صدور ظهير الإعفاء ، فلم يجد بدا لربح الوقت الميت سوى طرق آخر الأبواب ، باب مكتب يحمل رقم 3 بشارع علال بن عبد الله بالرباط حيث يعمل محام من العيار الثقيل هو الآخر ومناضل شرس ، اسمه عبد الرحيم بوعبيد ( وعبد العلي بالحاج) الذي تقدم نيابة عن موكله القاضي إسماعيل هرماس ، بمقال أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى للقضاء بالرباط يطعن في قرار وزير العدل و يعيب عليه الشطط في استعمال السلطة ، حيث يقضي بتوقيف المعني والتشطيب عليه.
لا غرابة أن يكون القاضي المقاوم إسماعيل هرماس الروداني أول قربان مبدأ استقلالية القضاء ، لكن الأغرب أن تصادف سنة تعيينه 1956م سنة ميلاد القاضي الروداني مولاي حسون جعفر آخر قرابين نفس المبدأ المناضل من أجله مند 50 سنة . هل هو مكر الأقدار أم هما رجال المبادئ الذين يضحون بدواتهم في سبيل قناعتهم، خلاف رجال الأفكار ورجال الأشخاص الذين يتغيرون بتغير الإيديولوجيات وألوا النعمة ؟؟؟
خريف نفس السنة 1962م، على المستوى السياسي هذه المرة ، إلتأم أعضاء المجلس الوطني لحزب الاستقلال بسوس ، في اجتماع بضغط من أعضاء الحزب الملتزمين والمتعاطفين بالناحية لمناقشة وتقييم ما آلت إليه وضعية أفراده ، خصوصا بعض أطره المعدودين الذين يعتبرون أطرا حزبية مثقفة ( جل المنخرطين أصحاب حرف ) بعد الصدمات واللطمات الواحدة تلو الأخرى لربما تكون الأخيرة التي يتلقونها من أعضاء الحزب بالرباط بين الفينة والأخرى ، و خرجوا بتقرير مفصل في ثلاث نسخ رفع إلى كل من رئيس الحزب بالرباط واللجنة التنفيذية به ومفتشية الحزب لأكاد ير و طرفاية . بقي التقرير بدون جواب ؛ فكان الحل هذه المرة ليس طرق الأبواب ، بل دق آخر مسمار في النعش لتبرئة الذمة و إراحة الضمير ، فكان قرار تقديم إستقالة جماعية لأعضاء مكتب حزب الإستقلال بتارودانت مؤرخة في 2 نونبر 1962 م، ومما جاء في مضمونها " ...وإنه لمن المؤسف أن نرغم أخيرا على اتخاذ موقف عجزت السلطات الفرنسية وهي في أوج عزتها فرضه علينا ، فانقدنا إليه آخر الأمر طوعا واختيارا ... بعد عشرين سنة قضيناها جميعا داخل صفوف حزب الاستقلال تحدونا الرغبة الصادقة في الإصلاح..."
للتذكير والأمانة التاريخية ، كان القاضي المرحوم اسماعيل هرماس يحضر خارج أوقات العمل إلى المحكمة وهي بناية يعود تاريخها إلى فترة الحماية الفرنسية توجد بحومة القصبة ، ليس للاشتغال على الملفات ، بل للقيام بأشغال البستنة . كان بإمكانه إعطاء الأوامر لمن يقوم بذلك وهم كثر، أسهلهم تنفيذا المعتقلين أو المساجين المتواجدين بالسجن أمتار معدودة عن مقر المحكمة ؛ لكن إبائته وعزته أبت عليه وهو الوطني المعتقل سابقا بذات السجن ، الإ أن يقوم شخصيا بغرس شتائل الورد وأشجار البرتقال بيديه النظيفتين ، وبقيت الأشجار شاهدة بمدخل المحكمة إلى حدود السنة الماضية (2010م) وثم اجتثاثها ، حيث عرف مقر المحكمة المذكورة إصلاحات هيكلية لتخصص لقضاء الأسرة.
بعد القضاء التحق بالتعليم في 1/10/1963م (وزارة التهذيب الوطني والشباب) حيث عمل بثانوية ابن سليمان الروداني ، ولم يلبث أن قدم استقالته لأسباب لا تقل عن ما سبق ذكره ، التخلي عن المبادئ السياسية العامة التي كانت كتلة الحركة الوطنية تطالب بها، ومنها إصلاح التعليم وجعله من الأولويات الوطنية بعد الإصلاح الزراعي.
لما خرج إسماعيل هرماس (1968م) مرفوع الرأس من الوظيفة العمومية ، قرر خوض غمار الفلاحة العصرية (مبادئ الإصلاح الزراعي)، واستثمر لأجل ذلك ذكائه وحنكته وإرثه من والده, فكانت أول مرة يبتسم له فيها القضاء الإلهي فيما عزم ، غير أنه توفي سنة 1977م وعمره 49 سنة في عز شبابه وأوج فلاحته. ومن بين الذين نعوه الفقيه العلامة الحسن البونعماني في مرثية من بحر البسيط تضم 115بيتا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.