جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية القمر الاتحادية بمناسبة العيد الوطني لبلاده    الرياضية توضح: لا علاقة لنا بالوصلة الإشهارية المثيرة للجدل.. والكاف تعتذر    الذكاء الإصطناعي والعدالة المجالية في المغرب: بين فرص التمكين ومخاطر التهميش    مفاوضات جديدة مرتقبة في الدوحة حول وقف لإطلاق النار في غزة    كأس إفريقيا للسيدات.. فيلدا: قتالية اللاعبات كانت حاسمة لانتزاع التعادل أمام زامبيا    اللاعب المغربي محمد أوناجم ينضم إلى نادي كهرباء الإسماعيلية    فوضى عاشوراء .. انفجارات ومواجهات تثير الرعب    السلطات تُغلق مخيمي "بن صميم" و"خرزوزة" بإفران بسبب افتقارهما لشروط السلامة    مصرع خمسيني في بني ملال بعد سقوطه من الطابق الخامس خلال معاينة شقة    حادثة اختفاء مركب الصيد "إيكلانتين" تثير جدلاً واسعاً بعد ظهوره في إسبانيا ومنح طاقمه حق اللجوء    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم للسيدات 'المغرب 2024': المنتخب الوطني المغربي يتعادل مع نظيره الزامبي '2-2'    إغلاق مقاهي شهيرة في طنجة إثر عمليات مراقبة مباغتة    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تكساس إلى 50 قتيلا بينهم 15 طفلا    ريان إير تعلن عن تعديل جديد يخص أمتعة المسافرين    توقعات طقس الأحد بالمغرب        مشروع طرقي ضخم لتحسين الوصول إلى ملعب الحسن الثاني ببنسليمان    الملك يهنئ رئيس القمر بالعيد الوطني        حكيمي يواصل التألق بمونديال الأندية        الحوثيون يقصفون مطار "بن غوريون" في إسرائيل    "حزب الله" يرفض التخلي عن السلاح    منتج الكبّار .. تعاونيات تبدع طرقا جديدة للتثمين وأقاليم تتلمّس الطريق    "حزب سانشيز" يمنع أعضاءه من الاستعانة بخدمات بائعات الهوى    "الطعريجة".. رمز متجذر في احتفالات المغاربة بعاشوراء    المغرب يراهن على مليون سائح صيني بحلول 2030    القمة السابعة عشرة لدول البريكس: تكتل متنامٍ وخيار بديل    المؤسسات والمقاولات العمومية.. زغنون يدعو إلى حوار إستراتيجي بين القطاعين العام والخاص    فيلدا: واجهنا منتخبا قويا يضم لاعبات متميزات وسنعمل على تصحيح بعض الأخطاء    تخريب شبكة المياه يتسبب في احتمال إغلاق المسبح البلدي بمكناس    في حوار مع الدار.. الخبير الدولي الصيني برنارد سوك: الصحراء أرض مغربية    إشهار ترويجي لشركة المراهنات "1xBet" يُظهر خريطة المغرب مبتورة على القناة الرياضية يثير الجدل (صورة)    القهوة تكشف سرا جديدا.. "إكسير الشباب" يعزز صحة الأمعاء ببكتيريا نافعة    بومداسة يوقع "إثنوغرافيا الدرازة الوزانية"    الهيمنة المسمومة .. كيف دفعت الصين ثمناً باهضاً للسيطرة على المعادن النادرة    كارثة رقمية محتملة .. ثغرة خطيرة تهدد آلاف المواقع المغربية    مدينة الحاجب تحتفي بعيد العرش في سهرة فنية بمشاركة Mos Kadiri    بيان تضامني مع المعتقلة سعيدة العلمي صادر عن هيئات ومنظمات حقوقية وسياسية في أوروبا الغربية    رفع اللواء الأزرق بميناء مارينا سمير وأربعة شواطئ تابعة لعمالة المضيق-الفنيدق    نداء من أجل تأسيس مجلس مغاربي للثقافة موجه إلى وزراء الثقافة المغاربيين        باريس سان جرمان يهزم بايرن ميونيخ ويبلغ نصف نهائي مونديال الأندية رغم النقص العددي    الوعي الزائف:رسالة إلى امرأة تسكنها الأوهام!    إخلاء طائرة رايان إير في مايوركا بسبب إنذار كاذب وإصابات طفيفة بين الركاب    غويركات يرثي محمد بهضوض.. "الفكرة التي ابتسمت في وجه العالم"    "الحرب بوسائل أخرى": رواية عن السلطة والحب والإدمان    السلطات تمنع عروض الهواء الطلق في "الليلة البيضاء للسينما وحقوق الإنسان" وتثير استياء المنظمين    عبد الله العروي: اسْتِبانَة    جامعة محمد السادس تشارك في ابتكار جهاز ينتج المياه العذبة من الهواء دون مصدر طاقة خارجي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    الحرارة القاتلة: دعوات عاجلة لحماية عمال البناء والزراعة بالمغرب    تفسيرات علمية توضح أسباب فقدان ذكريات السنوات الأولى    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    تغليف الأغذية بالبلاستيك: دراسة تكشف تسرب جسيمات دقيقة تهدد صحة الإنسان    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدلية الحقوق والواجبات
نشر في ميثاق الرابطة يوم 10 - 01 - 2013

تمت الإشارة في الأعداد السابقة من 102 إلى 104 من جريدة ميثاق الرابطة الغراء إلى تحديد مفهوم الحق وتحديد مرادفاته، وتبين أن الترادف اللغوي قد جمع بينهما، فقيل في معاجم اللغة: حق الشيء: وجب"[1]، وقال الأزهري معناه: وجب يجب وجوباً، وحقيقة الرجل: ما يلزمه حفظه ومنعه ويحق عليه الدفاع عنه من أهل بيته[2]، ولكن المجال التداولي والشرعي والقانوني فيه بعض الفروق بينهما في الاستعمال، فيجعل ما يطالب به الإنسان له حقاً، بينما يجعل ما يطلب من الإنسان أن يفعله واجباً، فيقال للطالب أو العامل أو الابن واجب عليك أن تفعل كذا، ويقول من حقي أن أخذ كذا.
ولعل في شرح الأزهري السابق ما يفيد هذا المعنى أيضاً، إذ جعل حقيقة الرجل ما يلزمه حفظه، وهذا يفيد معنى الوجوب، أي ما يجب على الرجل حفظه، وكذلك ما يلزمه منعه، وهذا يفيد معنى الوجوب، ويحق عليه الدفاع عنه من أهل بيته، وهذه تفيد الوجود أيضاً، فالمعنى واحد بين الحق والواجب، والفارق بينهما بحسب التعدية إن كانت له أو عليه، فيقال حق له وحق عليه، وكذلك الواجب.
ولا إشكال في التعامل مع الفروق التداولية أو القانونية، في جعل ما يُلزم به الإنسان واجباً عليه، فتكون الواجبات ما على الإنسان فعله اتجاه نفسه ومجتمعه ودولته، والحق ما يطالب به لنفسه ولمجتمعه ودولته، وإذا وجد إشكالية في هذا التعامل، هو وجود إنسان أو طائفة أو حزب يطالب بما له من حقوق دون أن يؤدي ما عليه من واجبات، فهذا ما يخل في معادلة الحقوق والواجبات، فكل حق يقابله واجب، وكل واجب يقابله حق، فما هو حق لإنسان هو واجب على الآخر، وكل واجب على إنسان هو حق للآخر.
وقد كان الإسلام أقرب إلى استعمال كلمة الحق من استعمال كلمة الواجب؛ لأن الحق يؤدى عن قناعة وطاعة ورضاً من المسلم، حتى لو كان واجباً عليه، فقال تعالى: "إِنَّ الاِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا اِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا اِلا الْمُصَلِّينَ الَذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" [المعارج، 19-25].
إن القرآن الكريم استعمل كلمة الحق هنا بالمعنى المزدوج، فالغني في أمواله حق للسائل والمحروم، ولم يقل القرآن الكريم أن عليه واجباً في ماله، حتى يكون في أدائه للمال راضياً ومطمئناً، بأنه أدى حقاً عليه، وكذلك السائل أو المحروم، لا يشعر وهو آخذ للمال إنما أخذه كرهاً أو عن غير رضاً، وإنما أعطي من المال ما له فيه حق، فتكون نفسه متقبلة للمال ولو لم يكن من جهده وعمله، والحكمة لا تدرك هنا إلا إذا تصورنا أن هذه الصورة قابلة لتبادل الأدوار بقدر الله تعالى، فمن كان غنياً قد يصبح غداً سائلاً أو محروماً، ومن كان اليوم سائلاً أو محرما، قد يصبح غداً غنياً، فتكون نظرة كلاهما للمال على أنه أداة لإقامة الحياة الدنيوية فقط، وأن الإنسان يكفيه من المال ما يقيم حياته، وبقدر كونه ليس غاية دينية، فكذلك الأحرى أن لا يكون غاية دنيوية.
ويستبين معنى الحق من الواجب أيضاً في قوله تعالى: "وَهُوَ الَذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَءَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" [الاَنعام، 142].
تجتمع في هذه الآية كلمتان هما: الإيتاء والحق، بقوله: وَءَاتُوا حَقَّهُ، والإيتاء فعل إيجابي من الدافع وفعل سلبي من الآخذ، من حيث الأشياء سواء كانت مالاً أو محصولاً، ولكنه فعل إيجابي من الدافع والآخذ من حيث المعنى، وهذا يعني أن إيتاء الحق فعل إيجابي مشترك من الناحية المعنوية الشرعية، وكأن دافع الحق إيتاءً، يدفعه لنفسه، فهو الدافع وهو القابض، وهذا لا يتحقق إلا بجعل الإيتاء يحصل منفعته دافعه أولاً، بمعنى أن فائدة إيتاؤه للحق يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، وليس في الآخرة فقط، ومعنى ذلك أن الحق والواجب يلتقيان في فعل الإيتاء، فيدفع الإنسان ما عليه من حق للسائل والمحروم، فيتحولون من محتاجين سلبيين، إلى فعالين مستغنين، وفاعلين للإيتاء متى وجب عليهم، بإيتائهم ما عليهم من حق، سواء كان من الزكاة أو غيرها[3]، فتدور حركة الاقتصاد في المجتمع المسلم، بدوران حركة المال، لذا كان الإيتاء الذي يجمع مفهوم الحق والواجب معاً، هو عماد حركة الاقتصاد في المجتمع المسلم، ويكون الدافع والآخذ هو المجتمع نفسه، وإن نفذه أفراده، وهكذا تدور جدلية الحقوق والواجبات بصورة نافعة للمجتمع وأفراده ونظامه.
وفي فكرة التقنين للحقوق والواجبات يقول الفيلسوف جان جاك روسو: "لا بد من قوانين لربط الحقوق بالواجبات، ورد العدالة للانطباق مع هدفها ففي حالة الطبيعة، حيث كل شيء مشتركاً لا أكون مديناً بشيء لأولئك الذين لم أتعهد لهم بشيء، ولا أعترف بما يكون للغير إلا بما يعود عليَّ بالنفع، لكن ليس كذلك في الحالة المدنية حيث تكون جميع الحقوق محددة بالقانون"[4].
يتبع في العدد المقبل..
-------------------------------------
1. معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، ص: 244. وانظر: أساس البلاغة، أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، تحقيق عبدالرحيم محمود، دار المعرفة، ص: 90.
2. لسان العرب، ابن منظور، 10/51 و 52.
3. فقد الزكاة، الدكتور يوسف القرضاوي، 2/964.
4. العقد الاجتماعي، جان جاك روسو، ترجمة ذوقان قرقوط، دار القلم، بيروت، د. ت.، ص: 78.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.