الخبر المفرح أن قافلة ضمت مجموعة من النشطاء المصريين انطلقت صباح يوم السبت 19/7 لكي تعبر عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني في غزة. أما الخبر المحزن أن القافلة تم إيقافها بالقرب من العريش ومنعت من الوصول إلى معبر رفح. أما الخبر المخجل فإنه في اليوم الذي منع فيه النشطاء من دخول غزة فإن نحو 500 سائح إسرائيلي قدموا إلى مصر عبر طابا لقضاء عطلاتهم على شاطئ البحر الأحمر، في تزامن وجهت رسالة مفادها أن أبواب مصر مفتوحة للإسرائيليين في حين أن مصر ذاتها تغلق الأبواب في وجوه المصريين وتمنعهم من التضامن مع أشقائهم الفلسطينيين. إطلاق القافلة المصرية في هذا التوقيت لم يكن خبرا مفرحا لمثلي فحسب، ولكنه كان مفاجئا أيضا. كان مفرحا لأنه تم في أجواء ملبدة وملتبسة صورت مصر والمصريين في معسكر موالاة الإسرائيليين الذي لا يكن الود للفلسطينيين عامة ويحمل مشاعر البغض لقطاع غزة بوجه أخص. الذي ظلت حركة حماس تديره طيلة السنوات الست الماضية. وهو الانطباع السلبي الذي نتج عن بعض التصريحات السياسية فضلا عن المعالجات الإعلامية الفجة التي قبحت وجه مصر واساءت إلى صورتها في العالم العربي والإسلامي. في هذه الأجواء المعتمة لمعت فكرة إرسال وفد النشطاء للتضامن مع غزة، الأمر الذي فاجأ الجميع وبدأ سباحة ضد التيار المسموم الذي أحدثه الضجيج الإعلامي والموقف السياسي الملتبس. لم يكن هؤلاء من الإخوان، ولم يذهبوا لمساندة حركة حماس. أو قل إن أولئك النشطاء كانوا ممن لم تتلوث ضمائرهم، بحيث وجدوا انه في الصراع فإن موقفهم محسوم، وهم مع الفلسطينيين المقاومين على طول الخط. أعني أنهم كانوا مع المقاومة ومع الشعب الفلسطيني، بصرف النظر عن أي عناوين أو لافتات رفعها هذا الفصيل أو ذاك. كانوا مدركين أنها معركة الشعب الفلسطيني وليست معركة حماس، كما كانوا واعين بأن المقاومة في غزة لا تتصدى لها حماس وحدها، ولكن إلى جانبها حركة الجهاد الإسلامي والجبهتان الشعبية والديمقراطية. ومعهم آخرون من الوطنيين الفلسطينيين الذين آمنوا بعدالة قضيتهم وقرروا ان يدافعوا عنها حتى آخر رمق. هذا الوضوح والنقاء اتسم به موقف أولئك النشطاء، الذي أزعم أنه يشرف الوطنيين المصريين. ويصحح الصورة الشائهة والمقلوبة التي شاعت عنهم في العالم العربي والإسلامي. وبموقفهم ذاك فإنهم وجهوا ثلاث رسائل على الأقل. واحدة تكذب الادعاءات المسمومة التي يطلقها الإعلام المصري، وتعلن أن أصحاب تلك الأصوات المنكرة لا يعبرون عن حقيقة الشعب المصري، ولكنهم يمثلون أسوأ ما في مصر. الرسالة الثانية موجهة إلى الشعب الفلسطيني في غزة وفي كل مكان، وهي بدورها رسالة تكذيب للادعاء بأن مصر الحقيقية غيرت موقفها التاريخي وانتقلت إلى مربع موالاة الإسرائيليين والتحالف معهم ضد الفلسطينيين. الرسالة الثالثة موجهة إلى العالم العربي والإسلامي محملة بذات المضمون الذي يثبت موقف الشعب المصري ليس فقط في دفاعه عن عدالة القضية الفلسطينية وانما أيضا في إدراكه أن الاحتلال الإسرائيلي يمثل تهديدا لأمن مصر القومي وللأمة العربية جمعاء. ليس مقنعا السبب الذي أعلن في تفسير منع القافلة المصرية من الوصول إلى رفح والدخول إلى غزة. ذلك أن موقف مصر الرسمي من منع عبور وفود التضامن مع غزة. سابق على حالة الاشتباك الراهنة والتهديدات المحتملة لسلامة الزائرين، ذلك أنه حين يتم إغلاق المعبر في وجوه أصحاب الحاجات الغزاويين فلا يستغرب أن يغلق في وجوه الزوار القادمين للتضامن أو الإغاثة. وهو ما حدث خلال الأشهر القليلة الماضية حين منع وفد نسائي أوروبي من دخول القطاع للتضامن مع نساء غزة اللاتي أثبتن درجة عالية من الشجاعة والصمود والبطولة. كما منع وفد يضم 25 عضوا في البرلمان الأردني أرادوا أن يوصلوا الرسالة ذاتها إلى شعب القطاع. بقدر ما كان إطلاق القافلة مشرفا لشعب مصر فإن منع وصولها إلى القطاع كان مسيئا لوجه مصر، ولو كان لي رأي فيما جرى لاعتبرت السماح للقافلة بدخول القطاع فرصة لتحسين صورة مصر ورد اعتبارها. على الأقل فإن مثل ذلك القرار كان يمكن ان يؤكد للقاصي والداني أنه إذا كانت مصر لديها أسبابها في مقاطعة حماس أو مخاصمتها، فإن موقفها المتضامن مع الشعب الفلسطيني ثابت ولم يطرأ عليه أي تغيير. إن الصورة التي تقدم بها مصر الراهنة في الإعلام الإسرائيلي والعربي والغربي تنطلق من أن إسرائيل ومصر تقفان معا الآن في مواجهة فلسطينيي القطاع. في حين ان عبور قافلة التضامن والإغاثة يقدم دليلا على عدم صحة ذلك الادعاء. في حين أن المنع الذي تم يثبته ويدلل على صحته. ناهيك عن أن السماح بعبور القافلة من شأنه ليس فقط أن يخفف من حدة التوتر الذي أشاعته المبادرة المصرية، ولكنه أيضا يحسن من الصورة السياسية لمصر في الخارج، من حيث إنه يعطي انطباعا بأن في البلد بعض التعددية، التي تسمح لفئة من الناس أن تتبني موقفا مخالفا للموقف الرسمي الذي تلتزم به الحكومة. إنني أخشى أن يهيمن الصراع مع الإخوان ومن ثم مخاصمة حماس على موقف مصر الاستراتيجي من القضية. وهذا الذي أتحدث عنه ليس من قبل التشاؤم وسوء الظن، لأن مختلف الشواهد تدل على أن الفأس وقع في الرأس كما يقولون، وأن مبارك لم يكن وحده الذي يمثل كنز إسرائيل الاستراتيجي. ذلك أنه إذا لم يستطع أن يورث السلطة لابنه، لكنه ورث سياسته لخلفائه. أخيرا فلعلك لاحظت أنني لم أعقب على مفارقة تزامن دخول السياح الإسرئيليين إلى مصر ومنع المصريين من دخول غزة، ولا تحسبن أن ذلك كان سهوا مني، لأنني تعمدت ذلك تاركا التعليق لك، خصوصا ان الكلمات محبوسة في حلقي بما يعجزني عن التعبير بما عندي.