7,500 مليونير بالمغرب.. سر الصعود السريع في سلم الثروات الإفريقية    ميليشيات البوليساريو الوهمية ورقة إيرانية في الحرب السورية    نفاد جميع "تذاكر المغرب والنيجر"    السكتيوي: فخور باللاعبين والتأهل للنهائي ثمرة روح قتالية    موناكو تستضيف قرعة دوري الأبطال.. 36 فريقا يتنافسون على المجد الأوروبي    الرجاء يثبت نجمه الشاب يحيى إكِيز    زخم ثقافي وحملات بيئية يميزان صيف العاصمة الاقتصادية            مجاهد: "سيني بلاج" قيمة مضافة للمشهد السينمائي المغربي    أوروبا تجيز دواء جديداً ضد "الإيدز"    أداء إيجابي يفتتح بورصة الدار البيضاء    إدارة الجمارك... محجوزات السجائر المهربة تناهز 254 ألف وحدة في 2024    حزب الاستقلال يدين محاولات خصوم المملكة التشويش على النجاحات التي تحققها بلادنا    بطولة أمريكا المفتوحة لكرة المضرب.. الأمريكية كوكو جوف تتأهل إلى الدور الثاني    اختتام فعاليات المهرجان الثقافي والفني والرياضي الأول بالقنيطرة باستقطاب 750 ألف متفرج خلال أربعة أيام    مدرب مانشستر يونايتد يكشف عن تطورات حالة نصير مزراوي    الدنمارك تستدعي دبلوماسيا أمريكيا    ماذا تريد بعض الأصوات المبحوحة في فرنسا؟    خطوبة كريستيانو وجورجينا تثير تعليقات متناقضة في السعودية    إحصاء رسمي يكشف ارتفاع القطيع الوطني إلى أزيد من 32 مليون رأس    1720 قرصا مخدرا وشواهد طبية مزورة تقود لتوقيف شاب وشقيقته    المحكمة الابتدائية بالحسيمة تصدر حكمًا جديدًا في قضية الاتجار بالمخدرات    كيوسك الأربعاء | المغرب يتصدر دول شمال إفريقيا في حرية التجارة        ترامب يرأس اجتماعا في البيت الأبيض بشأن الأوضاع في "غزة ما بعد الحرب"    عائلة وأصدقاء أسيدون أسيدون يعلنون صعوبة وضعه الصحي ويطالبون بتكثيف الجهود للكشف عن حقيقة ما حدث له    مقتل 13 مسلحا في جنوب شرق إيران        الصين تنظم النسخة ال25 من معرضها الدولي للاستثمار في شتنبر المقبل    "رابطة حقوق النساء" تعتبر اعتقال لشكر انتهاكا لحرية التعبير وتطالب بضمان سلامتها الجسدية والنفسية    تقرير: النساء يتقاضين أجورا أقل من الرجال ب42% في القطاع الخاص                توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    صحيفة إسبانية: المغرب ضمن أكبر 15 مصنعاً للسيارات في العالم بطاقة إنتاجية مليون سيارة سنة 2025    عبد السلام حكار يتولى رئاسة جمعية ''اتحاد مقاولات المنابر الملائمة بالجديدة    اختتام الدورة الثانية لمهرجان الموروث الثقافي بجماعة الحوزية بايقاعات روحانية و عروض للتبوريدة    عامل الجديدة يدشن مجموعة من المشاريع التنموية والاجتماعية باقليم الجديدة    سكتة قلبية تنهي حياة سائق سيارة أجرة أمام مستشفى القرب بالسعادة الثالثة بالجديدة    عثر عليه بحاوية أزبال.. مسدس "غير حقيقي" يستنفر أمن طنجة    مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد يصدر تقريره السنوي لسنة 2025 حول الجغرافيا السياسية لإفريقيا    هؤلاء يبيعون لك الوهم ..    جلالة الملك يعزي أسرة الإعلامي الراحل محمد حسن الوالي    المغرب ‬‮:‬ ‬حملات ‬تقتضي ‬رفع ‬درجات ‬الحذر    غزة.. الحصار يرفع حصيلة المجاعة إلى 303 شهداء    تقرير أممي: ربع سكان العالم يفتقرون إلى مياه شرب آمنة    الصين تحقق سابقة عالمية.. زرع رئة خنزير معدل وراثيا في جسد بشري    ينقل فيروسات حمى الضنك وشيكونغونيا وزيكا.. انتشار بعوض النمر في بلجيكا    بعد غياب طويل .. 320 ألف متفرج يستقبلون سعد لمجرد    الصحافي والإعلامي علي حسن في ذمة الله    دراسة: النظام الغذائي النباتي يقلل خطر الإصابة بالسرطان    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رفقا بالعلماء
نشر في الرأي المغربية يوم 25 - 08 - 2013

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويبينون الحق لمن غوى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم*.
لا يختلف كثير من الناس حول المكانة السامية التي يحتلها العلماء في المجتمع، فإن علماء الشريعة هم ورثة الأنبياء، وسادة الأتقياء، الناس أحوج إليهم من الطعام والشراب، بل من الهواء الذي به قوام حياتهم إذ أن حفظ الأديان مقدم على حفظ الأبدان كما هو مقرر في مقاصد شريعتنا المطهرة.
والمسلمون اليوم يعيشون زمنا اختلت فيه الموازين، وانقلبت فيه المفاهيم، وراجت فيه سوق الباطل، وكثرت التهم والأراجيف، إنه زمن الفتن التي تموج كموج البحر، ضعف فيه صوت الحق حتى اختفى وانحصر ظله، وعلا فيه صوت الباطل حتى انتشر وغطى العالم ظلامه.
فتن متلاطمة، ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج الناظر يده لم يكد يراها من جلل الخطب وعظم المصاب، أمتنا أصبحت أمة مكلومة في جميع أطرافها فما إن يجف دم عضو فيها حتى يكلم آخر.
وفي أثناء هذه الفتن يتكلم عالم ويسكت آخر، فيأتي من يخطئ الإثنين، يرد على الأول في كلامه متهما إياه بالجهل، وينتقد الثاني على سكوته واصفا إياه بالخيانة، فلم تعد للعلماء تلك المكانة بين الناس، إذ الاتهامات من كل جانب، بل حتى بين العلماء أنفسهم وهذه أدهى وأمر.
لتنطلق بذلك حملة مسعورة ضد العلماء، تصدر لها بنو علمان ومن والاهم من ضعاف الإيمان، هدفها الطعن في شريعة الإسلام بنقض صرح عظيم من صروحها ألا وهو علماؤها.
أشعلوا نار هذه الفتنة مستغلين تصريحات مشبوهة ومواقف ملتبسة لبعض العلماء، أو قل إن شئت غير واضحة، ليطيروا بها إلى الأفق ضاربين كلام هذا العالم بذاك، هاتكين ستر الجميع، لتحقيق مناهم ولكن هيهات هيهات.
فللعلماء مكانة جليلة غير خافية، يفرضها نور الله الذي يملئ صورهم، ولا تزال الأمة الإسلامية بخير ما عظمت علماءها وعرفت لهم قدرهم ومكانتهم. ولا خير في أمة لا توقر علماءها وتتطاول عليهم، وتقدح فيهم.
حقوق العلماء على الأمة
للعلماء حقوقا على الأمة تتمثل في احترامهم وتوقيرهم وتبجيلهم، وعدم التطاول عليهم، والتعالم أمام آرائهم جهلا أو حماسة بغير حق. يقول طاووس -رحمه الله-: من السنة أن يوقَّر العالم.
ومن حقوقهم علينا الدعاء والاستغفار لهم.
وإن مما ابتلي به كثير من المسلمين في زماننا هذا الوقوع في أعراض العلماء والدعاة ونبذهم بألقاب السوء وتبديعهم وتضليلهم وتخوينهم، فلا تكاد تجد عالما سلم من الانتقادات والردود خاصة في هذه الفتن المتلاطمة فلم تبق لأي عالم حرمة ولا مكانة.
وهذا مبتغى موقظي هذه الفتنة حيث أرادوا الطعن في الإسلام بهدم صرح العلماء من خلال إزالة الثقة بينهم وبين العامة عن طريق هذه الردود والاتهامات الهوجاء التي ما جنى المسلمون من ورائها إلا الذلة والصغار ولا خير في أمة لا تعظم علماءها.
إن ما نعيشه اليوم من استهانة بمكانة العلماء واستباحة للحومهم وأعراضهم لينبئ لبشر عظيم إذ هو علامة من علامات هلاك الناس.
ورحم الله ابن عساكر إذ يقول: "اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب".
يقول الإمام الذهبي -رحمه الله- في سير أعلام النبلاء-: "ثم إن الكبير من العلماء إذا كثر صوابه وعلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زلله ولا نضلله ولا نطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو له التوبة من ذلك".
انظروا إخواني إلى إنصاف هذا الإمام الهمام للعلماء فإنّه يقرر بأنّه إذا ظهر منهم خطأ فإنهم لا يتركون بالكلية ولا يشنع بهم على المنابر وعلى رؤوس الأشهاد، بل يجب احترامهم وتقديرهم مع اجتناب الخطأ الذي وقعوا فيه فلا يعرف لأهل الفضل فضلهم إلا ذوو الفضل .فأين نحن من هؤلاء، وقد تجرأنا على علمائنا حتى أضحى همنا الوحيد البحث والتنقيب عن أخطائهم فقط بذل محاسنهم؛ نعوذ بالله من الخذلان.
حقوق العلماء على العلماء
عن أبي حازم -رحمه الله- قال:"العلماء كانوا فيما مضى من الزمان إذا لقي العالِم مَن هو فوقه في العلم كان ذلك يوم غنيمة، وإذا لقي من هو مثله ذاكره، وإذا لقي من هو دونه لم يَزهُ عليه. حتى كان هذا الزمان فصار الرجل يعيب من هو فوقه ابتغاء أن ينقطع منه حتى يرى الناس أنه ليس به حاجة إليه، ولا يذاكر من هو مثله، ويزهى على من هو دونه فهلك الناس".
ليشاهد المسلمون جميعا الحالة التي كان عليها العلماء الربانيون، من تواضع جم، ومعاملة حسنة، والروح التي طبعت علاقاتهم.
قال ابن عبد البر -رحمه الله-: "هذا باب قد غلط فيه كثير من الناس، وضلت به نابتة جاهلة لا تدري ما عليها في ذلك، والصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته وثبتت في العلم أمانته وبانت ثقته وعنايته بالعلم لم يلتفت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة... وأما من لم تثبت إمامته ولا عرفت عدالته ولا صحت -لعدم الحفظ والإتقان- روايته، فإنه ينظر فيه إلى ما اتفق أهل العلم عليه، ويجتهد في قبول ما جاء به على حسب ما يؤدي النظر إليه.
يقال "زلة العالم مضروب لها بالطبل"، ويستقبح من العالم القدوة ما يهون من العامة، وتزداد شناعة هذه الزلة إذا كانت لتسقط عالما من العلماء تحت أي ذريعة، فمن العلماء من دخل دوامة الجرح والتعديل من أضيق أبوابها، فعندما لم يجد المحدثين سخر جام غضبه على العلماء فتراه يجرح هذا ويبدع ذاك، إرضاء لناشئة فئام تطاولت على العلماء فتتبعت زلاتهم وهفواتهم وعرضتها على هؤلاء العلماء دون تمحيص ولا تثبت ليقولوا كلمة لا تخدم الإسلام ولا المسلمين.
وهذا الداء الذي بدأ ينخر في جسد الأمة الإسلامية كالسوس زاد من حدته الفتن المعاصرة التي عصفت بالأمة.
فالله الله في علماء الإسلام يا علماء الإسلام.
فهذه دعوة للتسامح ونبذ الفرقة والاختلاف، والانتقال إلى حالة الود والالتئام، ضمن علاقة يسود فيها الاحترام والتناصح بالحق والخير والوئام.
وليرحم الكبير الصغير، وليعلم العالم من هو دونه، ويبذل له النصح في سر وأدب بعيدا عن التشنيع على رؤوس الأشهاد، ورسائل الضغائن والأحقاد.
يقول العلامة أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله-: "وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر، لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل".
وفي الختام هذه نصيحة أبوية وكلمة تربوية من فضيلة الشيخ العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- يقول فيها: "ولا تتهاونوا باغتياب العلماء السابقين واللاحقين، لأن غيبة العالم ليست قدح في شخصه فقط، بل في شخصه وما يحمله من الشريعة، لأنه إذا ساء ظن الناس فيه، فإنهم لن يقبلوا ما يقوله من شريعة الله، وتكون المصيبة على الشريعة أكثر... ثم إنكم ستجدون قوماً يسلكون هذا المسلك المشين، فعليكم بنصحهم... وإذا وُجد فيكم من لسانه منطلق في القول في العلماء، فانصحوه، وحذروه، وقولوا له: اتق الله، أنت لم تتعبد بهذا.
وما الفائدة من أن تقول: فلان فيه، وفلان ما فيه.
قل: هذا القول فيه كذا وكذا، غلط.. بقطع النظر عن الأشخاص".
والله أسأل أن يجنب الأمة الإسلامية مواطن الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه ولي ذلك والقادر عليه.
* من كتاب الرد على الزنادقة والجهمية لإمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.