يوما عن يوم يزداد الضغط على رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، قبل إعلان النسخة الثانية من حكومته المنتظرة، كما أن الأوضاع الصعبة التي يمر منها الإسلاميون في كل من مصر وتونس، تزيد من حجم الضغوط التي يمارسها خصوم زعيم "البيجيدي" عليه من أجل إرغامه على تقديم المزيد من التنازلات، خصوصا مع محاولات الكثير منهم، أي خصوم بن كيران، استنساخ التجربة المصرية وإسقاطها ب "القوة" على المغرب، رغم أن الفارق كبير جدا بين النظامين المصري الجمهوري والمغربي الملكي. وبدت تمظهرات محاولة إسقاط التجربة المصرية على المغرب للعيان أولا من خلال بروز حركة شبابية تحمل نفس اسم الحركة التي قادت "العصيان" ضد الرئيس المصري المُنْقَلب عليه محمد مرسي، "تمرد" مع إضافة نعت "المغربية"، ولم يحاول مؤسسوها إبداع اسم جديد بل حافظوا على الاسم ذاته لإرسال رسالة مفادها أنها امتداد لأختها المصرية. وبدا حينها أحد مؤسسيها، يقرأ بيانها ب "تتعتع" مما جعل الكثير من المتابعين يذهب إلى أن عضو "تمرد" المغربية يقرأ بيانا لم يكتبه أو لم يشارك في صياغته. وأعلن حينها أن الحركة "هدفها الأسمى" هو إسقاط الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وتشكيل ما أسمته حينها "حكومة ائتلاف وطني" وفتح النقاش حول إعادة صياغة الدستور "لإرساء ملكية برلمانية"، بل واستعارت شيئا من شعار البيجيدي في تشريعيات نونبر 2011 "صوتنا فرصتنا ضد الفساد والاستبداد"، حينما جعلت أحد أهدافها "وضع حد لاستمرار التسلط والاستبداد". وثانيا، من خلال الانتقادات الحادة التي عبرت عنها أحزاب المعارضة، خصوصا حزبا الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والذين سيلتحق بهما فيما بعد حزب الاستقلال بعد أن مارس مفهوما جديدا للمعارضة "حصريا" للمغرب سمي ب "المعارضة من الداخل"، وهو الوصف الذي أطلقه الكاتب الأول لحزب الوردة، إدريس لشكر، على ما يقوم به حزب حميد شباط في أيامه الأخيرة في الحكومة. وبدا جليا كيف أن أحزاب المعارضة هاته "تسفه"، سواء في مهرجاناتها الخطابية الإشعاعية أو محطاتها التنظيمية الداخلية أوفي البرامج التلفزية الحوارية، (تسفه) جميع الخطوات التي تقول حكومة بن كيران أنها تقوم بها من أجل "الإصلاح". وثالثا، عبر التظاهرات الاحتجاجية ضد حكومة بن كيران المحبوكة بعناية والحشد لإنجاحها بمختلف الوسائل المتاحة، وهو الأمر الذي عكسته مسيرة حزب الاستقلال بالرباط، والتي حملت اسم "مسيرة الغضب" على الحكومة واستهدفت شعاراتها على الخصوص حزب العدالة والتنمية رغم أنه ليس وحيدا في الحكومة. ورابعا، من خلال ترصد حركات وسكنات شريك حزب العدالة والتنمية الاستراتيجي، حركة التوحيد والإصلاح، وإلصاقهما، أي الحزب والحركة، بما يسمى ب "التنظيم العالمي للإخوان المسلمين"، وهذا ظهر واضحا في بيانات حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي وفي منبريهما الإعلاميين، مستغلين على الخصوص تهمة "الإرهاب" التي ألصقها الانقلاب العسكري بمصر بجماعة محمد بديع. وخامسا، وارتباطا بالنقطة الرابعة، من خلال مطالب بحل حزب العدالة والتنمية، لصفته "الإسلامية"، وهذه المرة تطوع حميد شباط لإعلان هذا المطلب صراحة باندفاعه المعتاد، لأن "حزب الخطيب يستغل الدين في السياسة" حسب وصفه. وسادسا، من خلال ما يقول محللون ومتابعون أنه "عرقلة" لخروج التشكيلة الحكومية الجديدة وربح مزيد من الوقت من أجل الضغط على بن كيران لتقديم تنازلات أكبر لصالح حليفه المتوقع، صلاح الدين مزوار. ووجد بن كيران نفسه في وضع لا يحسد عليه في مواجهة "الخصوم" الذين يريدون "جر المغرب إلى النموذج المصري"، من جهة، وفي "مواجهة" قياديين من حزبه الذين يلحون على أن الحل هو "الذهاب إلى صناديق الاقتراع من جديد"، في محاولة منه للخروج من عنق الزجاجة بأقل الخسائر. لهذا أبدا الزعيم الإسلامي فعليا استعداده للتنازل في مفاوضاته مع صلاح الدين مزوار، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، من أجل تشكيل حكومة جديدة "لأن الوقت لا ينتظر" ولأن "السياسة هي فن الممكن، ومزوار هو الممكن الآن"، حسب قوله، من أجل تفادي أي منعطف خطير قد يجهز على النموذج المغربي في تعامله مع موجة الربيع العربي او ما يسمى ب "الإصلاح في ظل الاستقرار". أما مواجهة حركة "تمرد" في نسختها المغربية فقد "تطوعت" للقيام به بدل حكومة بن كيران، حركة تطلق على نفسها اسم "صامدون"، والتي أعلنت عن حَلِّ نفسها بنفسها عندما لاحظت أن "لا تجاوب" مع "تمرد" المغربية من طرف المواطنين. ويبقى رهان الكثير من قياديي البيجيدي والمتعاطفين مع التجربة الحكومية الجديدة معقودا على ذكاء رئيس الحكومة من أجل الخروج بأقل الخسائر، والاستمرار في تجربتهم الحكومية وتجنب السيناريو المصري ومحاولات الإطاحة بحكومة النهضة في تونس والتي تقودها أجهزة الدولة العميقة بتحالف مع المعارضة العلمانية، فهل ينجح زعيم الإسلاميين في تجاوز العاصفة؟