في الوقت الذي تتزايد وتيرة التطورات المرتبطة بطي آخر صفحات نزاع الصحراء المغربية، يكثف وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، تحركاته الدبلوماسية على أكثر من جبهة، من خلال سلسلة لقاءات ثنائية رفيعة المستوى عقدها على هامش الأسبوع الرفيع للدورة ال80 للجمعية العامة للأمم المتحدةبنيويورك. بوريطة افتتح هذه اللقاءات بجلسة عمل مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، ستافان دي ميستورا، لتبادل وجهات النظر حول آخر مستجدات النزاع الإقليمي المفتعل، على ضوء الإحاطة التي ينتظر أن يقدمها في شهر أكتوبر أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، والتي تتضمن خلاصة اللقاءات والمشاورات التي يجريها مع ممثلي الأطراف المعنية في ملف الصحراء المغربية، بهدف تحريك العملية السياسية التي تقودها الأممالمتحدة. وعقب ذلك، أجرى وزير خارجية المملكة مباحثات مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، تناولت العلاقات الثنائية بين الرباط وموسكو، والمواقف الروسية من القضايا الإقليمية المرتبطة بالسلم والأمن، وفي مقدمتها نزاع الصحراء المغربية؛ وأكد الطرفان أهمية تعميق الحوار السياسي وتوسيع مجالات التعاون الاستراتيجي بين البلدين. كما ركزت تحركات المسؤول الحكومي المغربي على تعزيز الشراكة مع الولاياتالمتحدة حين التقى نائب وزير الخارجية الأمريكي، كريستوفر لانداو، الذي أبرز عراقة العلاقات المتميزة بين البلدين، مؤكدا استعداد الإدارة الأمريكية للعمل بالتنسيق مع المغرب من أجل "النهوض بالازدهار والسلم والاستقرار في المنطقة". وفي تصريح للصحافة عقب اللقاء، أوضح لانداو أن "الولاياتالمتحدة اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء، وأن الحكومة الأمريكية ستشجع الشركات الأمريكية الراغبة في الاستثمار بالأقاليم الجنوبية للمملكة، في إطار المبادرات الاقتصادية والتجارية العالمية لإدارة ترامب". كما شملت لقاءات بوريطة الثنائية نظيره الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، وعضو الكونغرس الأمريكي، جو ويلسون، فضلا عن مسؤولين أوروبيين وخليجيين وأفارقة، وتمحورت خلالها المباحثات حول دعم وحدة المغرب الترابية وتكريس مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي للنزاع، إضافة إلى سبل تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في المجالات السياسية والاقتصادية. وفي إطار تعزيز الاستقرار الإقليمي، عقد رئيس الدبلوماسية المغربية اجتماعات مع نظرائه من بوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد لتتبع تفعيل المبادرة الملكية الرامية إلى تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، الشيء الذي يترجم حرص الرباط على دعم التنمية والازدهار في المنطقة. تحركات مكثفة قال عبد الرحيم المنار السليمي، رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، إن لقاءات وزير الشؤون الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، على هامش الدورة ال80 للجمعية العامة للأمم المتحدةبنيويورك، توضح أن الدبلوماسية المغربية باتت تتحرك ضمن مساحات ودوائر متعددة، الشيء الذي يعكس انتقال المغرب من قوة إقليمية إلى قوة فوق إقليمية. وأوضح المنار السليمي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن اللقاءات المكثفة لوزير الشؤون الخارجية المغربي في أروقة منظمة الأممالمتحدة تعكس قدرة الدبلوماسية المغربية على التحرك بفعالية وواقعية داخل فضاء دولي معقد ومتعدد الأطراف. وأكد أستاذ الدراسات السياسية والدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط أن الدبلوماسية المغربية تمكنت من توسيع دوائر تحركها من خلال الموازنة بين فضاء دعم مبادرة الحكم الذاتي، الذي يضم دولا مثل إسبانيا والولاياتالمتحدة وبريطانيا، وفضاء الدول الصديقة للملف كروسيا، التي تقترب من رئاسة مجلس الأمن، مما يعكس بعدا فوق إقليمي للمغرب. وبخصوص هذا التحرك، شدد الخبير في نزاع الصحراء على أن الدبلوماسية المغربية تعمل على توظيف التناقضات الموجودة في النظام الدولي لخدمة مصالح المملكة، سواء عبر اللقاءات مع حلفاء تقليديين مثل الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربي أو وزير خارجية الأردن، أو من خلال توسيع فضاء شركائها مثل وزير خارجية بلجيكا، إضافة إلى تعزيز الشراكات الإقليمية مع دول الساحل المرتبطة بالمبادرة الملكية الأطلسية الإفريقية. ولفت السليمي الانتباه إلى أن هذه الحركية الدبلوماسية المتنوعة في نيويورك تظهر قدرة المغرب على خلق ديناميكية مستمرة في ملف الصحراء المغربية، من خلال لقاءات متوازنة مع قوى دولية متنافسة، مشيرا إلى أن "المغرب التقى بالصين في بكين، وبالولاياتالمتحدةوروسيا في نيويورك، واختار التوقيت والمكان الملائمين للقاء ستافان دي ميستورا، قبل أيام من تقديم تقرير الأمين العام حول الملف، ما يعكس التخطيط الدقيق للمصالح المغربية". وخلص المحلل السياسي ذاته إلى أن هذه القوة فوق الإقليمية التي باتت تتمتع بها الدبلوماسية المغربية سيكون لها تأثير مباشر على القرارات القادمة لمجلس الأمن بشأن قضية الصحراء المغربية، فيما تبدو تحركات وزارة الخارجية الجزائرية في نيويورك محدودة ومشتتة، بسبب انحصار مصلحتها في دعم البوليساريو، سواء عبر محاولة نسخ لقاءات الوفد المغربي مع بعض الدول أو تمويل دول للحديث عن البوليساريو في محافل دولية بطريقة غير متناسقة، مثل موقف جنوب إفريقيا الأخير. حسم وشيك يرى عبد القادر بريهما، أحد أعيان القبائل الصحراوية، أن التحركات الدبلوماسية المتسارعة التي يقودها وزير الشؤون الخارجية، ناصر بوريطة، في نيويورك، قبيل الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، تمثل نقلة نوعية في أسلوب تدبير المملكة لملف الصحراء المغربية، مؤكدا أن "هذا الزخم يعكس انتقال المغرب من مجرد الدفاع عن موقفه إلى فرض أجندته السياسية والدبلوماسية على الساحة الدولية". وأضاف بريهما، ضمن إفادة لهسبريس، أن اللقاءات الثنائية التي عقدها وزير الخارجية مع المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، ومع وزراء خارجية روسيا وإسبانيا ونائب وزير الخارجية الأمريكي، فضلا عن مسؤولي دول خليجية وإفريقية، تكشف عن منهجية مغربية تقوم على استباق التحولات الدولية وخلق ديناميكية متعددة المستويات تخدم الموقف الوطني وتعزل الطرح الانفصالي. وعن مبادرة المغرب بخصوص تمكين دول الساحل من ولوج المحيط الأطلسي، أوضح المتتبع لخبايا ملف الصحراء أن "هذه الخطوة تؤكد قدرة المملكة على الجمع بين البعد التنموي والدبلوماسي في آن واحد"، مبرزا أن "المغرب لا يكتفي بالدفاع عن وحدته الترابية، بل يطرح مشاريع استراتيجية تجعل منه فاعلا محوريا في القارة الإفريقية وشريكا موثوقا للقوى الدولية". وأردف الفاعل السياسي بالأقاليم الجنوبية أن اللقاء الذي جمع بوريطة بمسؤولين أمريكيين شكل لحظة فارقة؛ إذ جددت واشنطن تأكيدها على مغربية الصحراء وإعلانها تشجيع الاستثمارات في الأقاليم الجنوبية، وهو ما يعزز المكتسبات التي راكمتها الدبلوماسية المغربية منذ الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء. كما نبه بريهما إلى أن التحركات المغربية في نيويورك، باختيارها التوقيت والمكان قبيل أيام من بدء مناقشات مجلس الأمن، تعكس قدرا كبيرا من الذكاء الاستراتيجي في استثمار اللحظات المفصلية للتأثير على مسار القرارات الأممية، لافتا إلى أن "هذه الدينامية المكثفة، التي تسبق الذكرى الخمسينية للمسيرة الخضراء، تحمل دلالات قوية على اقتراب النهاية الحتمية لهذا النزاع المزمن، وتجسد في الآن ذاته جدية المملكة المغربية في حسم الملف بأسلوب دبلوماسي رصين وبوسائل سلمية متوافق عليها دوليا". وسجل عبد القادر بريهما، في ختام حديثه لهسبريس، أن هذه الدينامية الدبلوماسية المكثفة تؤكد أن المغرب يسير بخطى واثقة نحو فرض مبادرته للحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي، في وقت تبدو فيه التحركات الجزائرية مرتبكة وتفتقد إلى رؤية استراتيجية، مكتفية بمحاولات يائسة لحماية جبهة البوليساريو الانفصالية وتمويل خطابات متجاوزة في المنتديات الدولية.