قال عبد العلي حامي الدين القيادي في حزب العدالة والتنمية، إن إنهاء حالة الاختلاف السياسي ستكون مهمة معقدة في غياب قراءة جماعية موضوعية لما حصل داخل حزب العدالة والتنمية, هل حالة الانقسام التي عاشها الحزب خلال المؤتمر الأخير وقبله خلال المجلس الوطني مع التصويت على الولاية الثالثة، ستستمر بعد المؤتمر الثامن؟ أولا، الحزب لم يكن في حالة انقسام، ولكنه كان في حالة خلاف سياسي، ظهرت بوادره الأولى بعد الانتخابات الجماعية وقبل الانتخابات التشريعية، بعدما بدأ يظهر تأثر بعض القيادات بالضغوطات الكبيرة التي مورست على الحزب خلال هذه المرحلة، في محاولة لإضعاف البعد التواصلي في شخصية الأمين العام عبد الإله بنكيران، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية. وهنا بدأت وجهات النظر تتباين، وقد تعمق التباين أكثر بسبب الاختلاف في قراءة نتائج اقتراع السابع من أكتوبر، وما تفرضه من التزامات أخلاقية وسياسية على الحزب، وكيفية استثمار هذا الوعي الشعبي في بناء حكومة قوية ومنسجمة قادرة على الالتزام ببرنامجها والدفاع عنه. لكن، في ظل هذا الاختلاف، بدأت بعض الإشارات تكشف وجود تفكك في الجبهة الداخلية للحزب، رغم أن الحزب، على المستوى الظاهري، كان يبدو متماسكا من خلال بياناته المتواصلة التي أعقبت تعيين بنكيران يوم 10 أكتوبر إلى ما بعد إعفائه مع بيان 16 مارس. وأنا أعتقد أن هذا الاختلاف تحول إلى إحجام بعض القيادات عن مساندة بنكيران، وبالتالي، إضعاف العملية التفاوضية برمتها، والسماح بإمكانية تعيين شخصية ثانية من الحزب، بعد ستة أشهر من البلوكاج المتعمد. وطبعا، هناك تفاصيل عديدة سيأتي أوان توضيحها للرأي العام. هل ممكن إنهاء الاختلاف السياسي؟ إنهاء حالة الاختلاف السياسي ستكون مهمة معقدة في غياب قراءة جماعية موضوعية لما حصل. وهو ما ينبغي أن يتم على ضوء التقييم الشامل لأداء الحزب خلال هذه المرحلة، بما يؤدي إلى الاتفاق على حد أدنى من منهج تدبير العلاقة مع الدولة، وما يستلزمه من ضرورة توضيح المسؤوليات بدقة بين المؤسسات، في إطار نوع من الوضوح المفيد لاستمرارية الجدوى من العمل الحزبي والسياسي. هل تتوقع أن ينجح العثماني في رأب الصدع؟ شخصيا، لا أعتقد أن هذه المهمة موكلة إلى شخص معين، ولو كان هو الأمين العام، لكنها مرتبطة بالرؤية التي تحملها القيادة، ومدى قدرتها على فهم التحولات الجارية داخل البنية التنظيمية للحزب من جهة، وداخل المجتمع من جهة أخرى. لقد كشفت محطة المؤتمر الوطني الأخير أن الحزب في عمومه هو حزب مناضل، يطرح الكثير من الأسئلة الحقيقية على المشروع الإصلاحي للحزب على المدى البعيد، ورغم تسرب بعض الأفكار المغرقة في البراغماتية والتفكير اللحظي، فإن عموم المناضلين والمناضلات يتطلعون إلى تحقيق الإصلاح الديمقراطي والعدالة الاجتماعية الحقيقية بين فئات المجتمع المختلفة. ما هو الدور الذي سيلعبه بنكيران مستقبلا؟ رغم الضربات التي تعرض لها الأستاذ عبد الإله بنكيران، فإنه قرر ألا ينسحب من الحياة السياسية، وأن يبقى عضوا داخل الحزب دون مسؤولية تنفيذية، وهو اليوم عضو داخل المجلس الوطني، لكنه ليس عضوا عاديا، إنه زعيم الحزب الذي يتمتع بأكبر سلطة معنوية داخل الحزب، ومن المؤكد أن تجربته وحنكته السياسية ستكونان رهن إشارة الحزب في الوقت المناسب. كيف سيكون موقع الحزب في الحكومة بعد انتخاب العثماني أمينا عاما؟ اختيار العثماني أمينا عاما للحزب، بعد تنافس انتخابي حاد، فيه إشارة إلى إرادة تعزيز مكانة الحزب في قيادة الحكومة، كما أن حرص العثماني على تشكيل فريقه الأساسي من الوزراء الغارقين في التدبير العمومي يذهب في هذا الاتجاه، بغض النظر عن مضاعفاته السلبية على الأداة الحزبية، لكني أعتقد، شخصيا، أن طريقة تشكيل الحكومة بعد ستة أشهر من البلوكاج، والاعتراض على حزب الاستقلال، وإعفاء بنكيران، وقبول الحزب في النهاية بتشكيل حكومة من ستة أحزاب، بالإضافة إلى طريقة تعاطي الحكومة في أيامها الأولى مع أزمة الحسيمة، وطريقة إخراج التصريحات الإعلامية من بيت رئيس الحكومة، أثرت كثيرا في صورة الحكومة لدى الرأي العام ولدى المتعاطفين مع حزب العدالة والتنمية. إلى أين يتجه البيجيدي بعد المؤتمر الثامن؟ أولا، لا بد من تأكيد أن حزب العدالة والتنمية هو الحزب الأول اليوم في البلاد، وبالتالي، فهو يتحمل مسؤولية قيادة النضال من أجل حياة سياسية ديمقراطية حقيقية. ثانيا، لا بد من الإقرار بأن منسوب التسيس داخل حزب العدالة والتنمية ارتفع بشكل ملحوظ، وهو ما يفرض على القيادة الجديدة تطوير أدوات الإقناع السياسي والبيداغوجي بعيدا عن الاستخدام الديماغوجي لبعض المقولات التي تخاطب العاطفة، مع العلم بأن من أبرز مكتسبات المرحلة الحالية: ترسيخ قيمة الحرية، وحرارة التعبير عن الرأي التي ارتفعت داخل الحزب بغض النظر عن بعض الانزلاقات هنا وهناك، والتي لا يمكن التصدي لها بالمقاربة الانفعالية أو الزجرية. كل هذه المعطيات تجعل حزب العدالة والتنمية أمام خيار واحد هو الالتحام مع تطلعات الجماهير، والتعبير عن انتظاراتها، سواء من موقع الحكومة أو من موقع البرلمان أو من موقع التدبير الجماعي.