يمر الأميران محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ومحمد بن زايد، ولي العهد الإماراتي، بفترة عصيبة هذه الأيام؛ ذلك أنه بعد سنوات من «التمرد» على قواعد السياسة العربية، تلقى مشروعهما الغامض للسيطرة والتحكم في المنطقة ضربات قوية دفعت خصومهما، خصوصا بعد مقتل جمال خاشقجي، إلى الحديث عن بداية نهاية كليهما أو أحدهما على الأقل. ولد مشروع ابن زايد وابن سلمان نتيجة توافق موضوعي بينهما تجاه مخرجات الربيع العربي الذي أتى بالإسلاميين إلى السلطة، خصوصا في مصر واليمن، الخاصرتين الغربية والجنوبية للعربية السعودية. وقادا معا ما سمي بالثورة المضادة في بلدان الربيع، فأسقطت الإخوان في مصر، وعرقلت نجاحهم في اليمن، فآلت البلاد إلى جماعة الحوثي ومن ورائها إيران. ومن اشتراكهما في محاربة الإسلام السياسي، انتقلا إلى إبرام تحالف «عاصفة الحزم» ضد اليمن، الحرب التي تقول الأممالمتحدة إنها تسببت في انتشار الأوبئة والأمراض والمجاعة، وجرائم ترقى إلى جرائم حرب، ناهيك عن ملفات أخرى مثل حصار قطر، ودعم المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد الرئيس التركي أردوغان، وانتهاء بتعقب المعارضين ورميهم في السجون، أو قتلهم بالرصاص، وحتى تقطيع أحدهم، وهو جمال خاشقجي، بمنشار كهربائي. تطور التحالف الغامض بين الرجلين إلى تأسيس مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، الذي أعلن في 16 ماي 2018. وفي 7 يونيو الماضي، عقد الاجتماع الأول للمجلس برئاسة الأميرين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، أعلنا خلاله «استراتيجية العزم»، حُدد هدفها في بناء نموذج للشراكة بين البلدين على ثلاثة أصعدة؛ الصعيد الاقتصادي، والصعيد السياسي والأمني والعسكري، وعلى صعيد التنمية البشرية. كما جرت المصادقة في أول اجتماع على 44 مشروعا، تقرر تنفيذها خلال السنوات الخمس المقبلة. وحسب الأمير محمد بن زايد، فإن التحالف السعودي الإماراتي يأمل أن يكون «نواة لتوحيد العرب حول قضاياهم المصيرية». وللأمرين رهانات مختلفة، فالإمارات التي أقامت نموذجا ليبراليا اجتماعيا دون سياسة ودون إيديولوجيا، سوى إيديولوجيا السوق وأموال النفط وفرق الأمن الخاصة وشعارات حول «إسلام ليبرالي معتدل»، تعتقد أن استمرار نموذجها الاقتصادي رهين بالقضاء على كل النماذج الأخرى، دينية وهابية (النموذج السعودي التقليدي)، أو سياسية ديمقراطية (مخرجات تجربة الربيع العربي)، وتعول على ابن سلمان لتنحية الإسلام الوهابي نهائيا، لأنه الأكثر تأثيرا في المجتمع الخليجي، ومنه المجتمع الإماراتي. أما السعودية، فقامت على أساس إيديولوجي مفاده أنها حامية الإسلام والمسلمين في العام، سلاحها في ذلك الإيديولوجيا الوهابية التي تعضد امتدادها في العالم بمال النفط. ولأميرها محمد بن سلمان رهان مختلف، فهو يريد تدارك تأخرها الاقتصادي لعله يخفف من مشاكل البطالة وضعف الاندماج الاجتماعي، ويريدها أن تستفيد من الخبرة الإماراتية، التي استطاعت أن تتحول إلى مركز اقتصادي وتجاري لكبريات الشركات والبنوك العالمية. في هذا الإطار يمكن فهم مؤتمر «دافوس الصحراء» لتمويل وإنجاز مدينة «نيوم» على البحر الأحمر، القريبة من مصر وإسرائيل، والمتطلعة نحو الأبيض المتوسط ومن ورائه أوربا. ويعكس المشروع أولوية الهاجس الاقتصادي لدى ابن سلمان لتعزيز شرعيته في الحكم حتى يظفر بالملك خلفا لأبيه، وهي شرعية بحث عنها في حرب اليمن، وفي إعادة هيكلة حكم العائلة، بتركيزه في أبناء الملك سلمان والمقربين منهم، لكن يبدو أن دم خاشقجي سيُفشل المشروع كله. ذلك أن اغتيال خاشقجي حوّل السعودية إلى دولة «مارقة» في نظر الإعلام العالمي وهيئات حقوقية تضغط بقوة من أجل إزاحة ولي العهد عن الحكم، وربما ملاحقته قضائيا في محاكم دولية بعد تلبيسه تهمة قتل خاشقجي، وهذا السيناريو متوقع جدا رغم الحماية التي يوفرها له الرئيس الأمريكي ترامب، أو الدعم المعنوي الذي يقدمه له رئيسا مصر وإسرائيل. وكان الصحافي المغدور، جمال خاشقجي، قد كتب محذرا محمد بن سلمان من أن حرب اليمن قد تجعله «بشار أسد جديدا»، في إشارة إلى جرائم الحرب التي ارتكبها الأخير ضد شعبه في سوريا، لكن يبدو أن ما لم يحققه خاشقجي في حياته، أي وقف حرب اليمن، قد يحققه وهو ميت، لكن ليس لصالح الشعب اليمني فقط، بل لصالح مستفيدين آخرين، أمثال إيران التي «صارت ذات نفوذ كبير في الشرق الأوسط والخليج، وأصبحت تطمح إلى أن تجد لها موطئ قدم داخل الجزيرة العربية»، يقول تاج الدين الحسيني، الذي ينبّه إلى خطورة انضمام المكون الشيعي في السعودية إلى إيران، ما قد يؤدي إلى تفكك دولة السعودية. وهو سيناريو سيئ، يستدعي مصالحة عاجلة في المنطقة بين قواها الحية، الشعبية والرسمية.