ترجمة: إبراهيم الخشباني* في شهر مارس 2015، أرسل هشام المنصوري رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى إحدى الشركات المختصة في محاربة البرمجيات الضارة، حذَراً منه من احتمال وجود إشارات تفيد أن شخصا ما قد يكون تمكن من الولوج إلى حاسوبه عن بُعد دون إذن منه. إنه يتذكر أنه قد تبادل بعض الرسائل مع ناشري البرمجيات، غير أن تبادل الرسائل هذا تم إيقافه بعد ذلك ببضعة أيام، عندما حل ببيته عشرة من رجال الأمن بلباس مدني ببيته في الرباط من أجل اعتقاله، حسب ما أكد للجنة حماية الصحافيين في باريس حيث يعيش الآن كلاجئ سياسي. المنصوري الذي كان يعمل حينها رئيس مشروع لدى جمعية مغربية تهتم بالصحافة الاستقصائية، بحيث كان مكلفا بتنسيق تطبيق الحكي المؤمن المسمى “الراوي” (StoryMaker)، كما كان يحقق حول الرقابة الرقمية، تم إيداعه السجن بتهمة الزنا، وهي تهمة جنائية نددت لجنة حماية الصحافيين بكونها تهمة ملفقة، هدفها الانتقام منه لعمله الاستقصائي. وعندما عاد إلى حاسوبه بعد إطلاق سراحه في يناير 2016، أخبر لجنة حماية الصحافيين أن رسائله الإلكترونية التي توثق لشكوكه لم تعد موجودة في حاسوبه، ويبدو أنها قد تم محوها منه في غيابه. أكد العديد من الصحافيين الذين قابلتهم لجنة حماية الصحافيين في إطار الإعداد لهذا المقال عثورهم على خلل في أجهزتهم الإلكترونية، وهو ما يدل حسب رأيهم أنهم يخضعون للمراقبة. وذكر الكثيرون منهم أن محادثاتهم الخاصة قد تنشرها دون موافقة منهم، في محاولة واضحة لتشويههم والإضرار بمصداقية تقاريرهم الصحفية المستقلة، وهناك منهم من غادر البلاد أو غادر المهنة نتيجة لذلك. لقد كانت مراقبة الصحافيين والمراسلين المستقلين ونزوح الكثيرين منه ضربة قاسية لحرية الصحافة في المغرب، حيث يتعرض الصحافيون للمضايقات منذ عقود. ولقد صرحت سامية الرزوقي، الأستاذة الجامعية المستقرة في كاليفورنيا للجنة حماية الصحافيين بقولها: «هل بلغنا إلى النقطة التي لم نعد فيها قادرين على التأكيد بشكل قاطع على وجود صحافة مستقلة في المغرب؟ لا، بكل تأكيد، ولكن…». المملكة المغربية معروفة دوليا بكونها تدافع عن الإسلام المعتدل وبكونها قد حسنت من سجلها في مجال المساواة بين الجنسين، إلى غير ذلك من السياسات التي تعتبر تقدمية بالنسبة للمنطقة. ومع ذلك، تقول الرزوقي التي كانت صحفية في المغرب في تصريحها للجنة حماية الصحافيين، فإن مؤسسات الدولة القوية المسماة ب”المخزن” -الملكية، وبعض الوزارات في الحكومة، والأجهزة الأمنية، وكذلك رجال أعمال قريبون من هؤلاء، قد انخرطوا منذ التسعينات وبشكل تدريجي في ممارسة القمع على وسائل الإعلام المستقلة. ووفقا لأبحاث لجنة حماية الصحافيين، فإن السلطات المغربية قد تحكمت في سوق الإعلانات ووظفته لزمن طويل حتى تتمكن من تشجيع تغطية إعلامية موافقة لهواها، كما أن بعض الصحافيين المستقلين تعرضوا للاعتقال وللترهيب. وتلجأ السلطات المغربية كذلك، وفقا للأبحاث التي أجرتها سامية الرزوقي، إلى برمجيات تجسسية متطورة جدا، مثل (Privacy International) وكذلك (Citizen Lab). في أواخر سنة 2016، تعرض تاجر سمك في الحسيمة للموت طعنا بواسطة شاحنة لجمع القمامة أثناء محاولته استرداد بضاعته المصادرة من طرف الشرطة. وحسب ما وثَّقته وسائل الإعلام، فإن الحدث قد أثار احتجاجات اقتصادية واجتماعية في منطقة الشمال والريف. وعقب ذلك في شهر دجنبر من سنة 2017 اعتقال ثلاثة صحافيين هم: حميد المهداوي، ومحمد العسريجي، وعبدالكبير الحر، بسبب تغطيتهم للاحتجاجات، وفقا لما أسفرت عنه أبحاث لجنة حماية الصحافيين (CPJ). الصحافي الحر على المرابط، دائم السفر من برشلونا في إسبانيا حيث يقيم إلى مسقط رأسه تطوان بالمغرب. وقد اعتاد المرابط كتابة تعاليق في الشأن المغربي، بما في ذلك مظاهرات الريف. يقول علي المرابط في تصريح للجنة حماية الصحافيين: «في كل مرة يهاجمونني بفيروس، أو بنوع من البرمجيات التجسسية». في إشارة إلى السلطات المغربية التي وفقا لتصريحه، تحاول التجسس على عمله. وقد سبق أن حُكِم على المرابط في سنة 2003، بثلاث سنوات سجنا بتهمة «إهانة الملك». وعلى الرغم من العفو الذي صدر عنه في سنة 2004، سرعان ما مُنِع سنة 2005 من ممارسة الصحافة لمدة عشر سنوات بسبب كتابته عن الصحراء التي هي موضع نزاع. يصف المرابط حاسوبه المحمول القديم بأنه أصبح يقوم بسلوك غريب حتى عندما يكون مُطْفَأً وليس في حالة استخدام، مثل فتح ملفات على الشاشة لا يعرفها المرابط، أو أن تشتغل كاميرا الويب بمفردها ومن ذات نفسها. وصرح للجنة حماية الصحافيين أن برنامجا لمكافحة الفيروسات اكتشف في حاسوبه ثلاث برمجيات ضارة على الأقل. وأضاف قائلا: «كل ما أقوم به هو جعل حياتهم صعبة، ولكن ليست مستحيلة». الصحافية سعيدة الكامل التي تعمل لصحيفة القدس العربي اللندنية، والمقيمة بالرباط، قالت من جهتها للجنة حماية الصحافيين إنها تلاحظ أحيانا أن صوتها كان خلال مكالماتها الهاتفية يرن مختلطا بمصادر أصوات أخرى، مثل والد ناصر الزفزافي، الناشط المسجون لعشرين عاما بسبب دوره في قيادة مظاهرات الريف، كما أن هاتفها أصبح ساخنا عند لمسه، وتفرغ بطاريته بسرعة. وتقول سامية الرزوقي في تصريحها للجنة حماية الصحافيين، إنها أيضا تتذكر أنها عندما كانت لازالت في الرباط، وخلال كل مسيرتها الصحفية سواء كمراسلة لرويتر أو قبل ذلك عندما كانت ضمن فريق أسوشيتد بريس، كانت تلاحظ أن صوتها يتردد على مسامعها خلال مكالماتها الهاتفية، وأنها في أكثر من مرة كانت تسمع مثل تسجيل لإحدى محادثاتها الهاتفية السابقة تجري على خلفية مكالماتها الحالية. الرزوقي التي سبق لها أن درست المراقبة الحكومية في المغرب، لديها فكرة واضحة عن التكنولوجيا المتاحة للدولة في هذا المجال. وقد أخبرت لجنة حماية الصحافيين أنها وزملاؤها الصحافيون في مجموعة “مامفاكينش” تلقوا في سنة 2012 وثيقة تحتوي على كلمة فارغة مرفقة برسالة إلكترونية لم يكونوا يتوقعونها. وكانت منظمة “الخصوصية الدولية” (Privacy International) قد أشارت إلى أن هذا المُرفَق يحتوي بالفعل على برامج تجسس طورتها الشركة الإيطالية “Hacking Team” (فريق القرصنة). هذه المنظمة البريطانية غير الحكومية التي تعنى بالدفاع عن حق الخصوصية وبالترويج له حول العالم أكدت كذلك أن «نشر مثل هذه البرمجيات التجسسية يحتاج لاستثمارات ضخمة لا تستطيعها إلا دولة بقصد استهداف مجموعة من الصحافيين الوطنيين». وكان اختراق قاعدة بيانات في يوليوز الأخير قد أدى إلى نشر مستندات على الإنترنت، تؤكد أن وكالتين للمخابرات المغربية –”المجلس الأعلى للدفاع الوطني” و”مديرية مراقبة التراب الوطني”- قد اشترتا نظاما للتحكم عن بعد من الشركة الإيطالية “فريق القرصنة” (Hacking Team) ، والذي يسمح لمن يملكه بمراقبة جميع الأنشطة على الأجهزة الخاصة بالشخص المستهدف في نفس وقت قيامه بها، كما وذكرت تقارير أخبار لاحقة. في عام 2015، رفعت وزارة الداخلية المغربية دعوى تشهير ضد جمعية الحقوق الرقمية، وهي منظمة مغربية غير حكومية، بعد أن ورد ذكرها في تقرير الخصوصية الدولية حول المراقبة الحكومية في البلاد، وفقًا لتقارير إخبارية. ولم نتمكن في لجنة حماية الصحفيين من التعرف على نتيجة الدعوى. ولم تَرُد لا وزارة الداخلية ولا إدارة الدفاع الوطني على مكالمات لجنة حماية الصحافيين التي كانت تطالبهما بالتعليق على هذا الأمر. قامت الإدارة العامة للأمن الوطني المغربي، التي تشرف على الإدارة العامة للمراقبة الترابية، بالرد على مكالمتين هاتفيتين من لجنة حماية الصحفيين، ولكن بعد ذلك وضعت لجنة حماية الصحفيين في حالة انتظار دون أن تجيب أبدا بأي رد. بعد التوصل إلى الكشف عن فريق الاختراق، أصبح عدد أكبر من الناس يرفضون التحدث إلى الصحفيين، حسب عمر راضي، وهو صحفي تحقيقات مقيم في الدارالبيضاء. وصرح بأنه: «لقد أصبحت أعداد المشتكين والمبلغين عن التنديدات تتناقص كثيرا». وكان الراضي قد أبلغ في السابق عن مراقبة رقمية لموقع “لكم” الصحفي المستقل، الذي أغلقته السلطات المغربية في سنة 2013 بعد محاصرته. ويتولى الراضي حاليا توفير تكوينات في مجال الأمن الرقمي للصحفيين والناشطين المغاربة. صرح العديد من الصحافيين للجنة حماية الصحافيين بأنهم نادراً ما يستخدمون الواتساب، خوفًا من أن تُستخدم الرسائل التي يرسلونها إلكترونيًا ضدهم. الراضي، الذي كان أيضًا قد أنجز تقريرا عن احتجاجات الريف، قال للجنة حماية الصحفيين- مستشهداً بمعلومات من أفراد أسرومحامي السجناء- إن السلطات «كانت قد أشارت إلى رسائل الواتساب الخاصة أثناء استنطاقات المعتقلين على خلفية المظاهرات، بمن فيهم الصحفيون». وقال الراضي للجنة حماية الصحافيين إنه كان قد اضطر لإيقاف التحقيق في عمليات استيلاء محتملة على أراضٍ بعد أن هددت السلطات مصدره الذي لم يتحدث معه إلا هاتفياً فقط. ويضيف الراضي أن الموقع الإخباري “Le360” القريب من السلطات نشر بعد ذلك بقليل مقالا تضمن معلومات مستقاة من تلك المكالمة الهاتفية الخاصة، وذلك حسب الراضي بهدف معالجة استباقية لبعض القضايا التي أثارها مصدر المصدر المذكور، وكذلك لتحذير الصحفي بإلقاء إشارات سلبية إليه. ووفقا لتقارير إخبارية، في أسلوب آخر لتثبيط الصحفيين ووسائل الإعلام المستقلة، تماطلت السلطات المغربية في إعداد بطاقات صحفية لبعض الصحفيين أو وسائل الإعلام،أو رفضت تسليمها بموجب قانون جديد تم تقديمه عام 2016. وقال الراضي للجنة حماية الصحفيين إنه توقف عن محاولاته الحصول على بطاقة صحفية بعد أن رُفض طلبه في عام 2013، رغم أنه لا يزال يكتب للمنشورات الأجنبية، إلا أنه فشل في بيع أي مقالات إلى أية وسائل إعلام محلية لمدة ثلاث سنوات. وأما الرزوقي فأكدت للجنة حماية الصحافيين أنها انتظرت بطاقتها المهنية الصحفية لمدة أحد عشر شهرا عندما كانت تعمل لفائدة ال “آسوشيتيد بريس”، ولم تتمكن من الحصول عليها إلا عندما عرضت قضيتها على رئيس الحكومة المغربية آنذاك عبد الإله بنكيران، عندما التقته بمناسبة استجواب معه في سنة 2016. ولم تجب وزارة الاتصال عن طلب التعليق على هذه الحالات، الذي وافتها به لجنة حماية الصحافيين عبر البريد الإلكتروني. وصرحت سامية الرزوقي للجنة حماية الصحافيين بكون: «العديد من الصحافيين المستقلين الذين أعرفهم قد انتقلوا إلى مهن أخرى، أو غادروا البلاد، والقليل فقط هم الذين لا يزالون يحاولون العمل على بناء صرح صحافة مستقلة». *التقرير نشر في موقع لجنة حماية الصحافيين يوم 1 يوليوز 2019 وهو من إنجاز دانيا حجاجي