سانشيث فرسالة بمناسبة تأسيس حزب العمال الاشتراكي: حسيت بالدعم وممتن ليكم وخاصنا فالصبليون سياسة حقيقية ماشي الخداع    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    قمة "نارية" بين حامل اللقب نهضة بركان ومتزعم البطولة الجيش الملكي في دور السدس عشر    السجن لبارون مخدرات مغربي مقيم بشكل غير قانوني بإسبانيا    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    الذهب يستقر بعد تثبيت البنك المركزي الأمريكي لأسعار الفائدة    تراجع التضخم في كوريا إلى أقل من 3 في المائة    منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ترفع توقعاتها للنمو العالمي لعامي 2024 و2025    الداخلية تحدد تاريخ إجراء انتخابات جزئية بدائرتي بنسليمان وسيدي سليمان    نادي سعودي يُغري حكيم زياش براتب ضحم لخطفه من غلطة سراي    رونالدو يقود النصر إلى نهائي كأس السعودية لمواجهة غريمه التقليدي الهلال    مقترح قانون لتعزيز مشاركة المواطنين في العملية التشريعية    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    حادثة سير تسلب حياة سيدة في مراكش    شرخ في خزانات سفينة يؤدي إلى تسرب الوقود بساحل سبتة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    المغرب ينافس إسبانيا على التفوق الجوي.. "الميراج" في مواجهة "يوروفايتر"    دوري أبطال أوروبا (نصف النهاية/ذهاب): دورتموند يهزم باريس سان جرمان 1-0    دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب    روسيا تكشف تدمير "درونات" أوكرانية    غضب رسمي أردني من "اعتداء" إسرائيليين على قافلتي مساعدات إلى غزة    نائب رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية: زعماء دول عربية قالوا لي اهلكو "حماس" دمروهم لأننا سندفع الثمن    هل ستعود أسعار الخضر للإشتعال؟    ففرانسا تحكم على شيفور مغربي مهرب الحشيش فموك بغرامة قياسية فتاريخ جرائم تهريب المخدرات    السعودية تدعو طرفي الصراع في السودان إلى ضرورة تغليب مصلحة الشعب السوداني    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    الصين: مصرع 36 شخصا اثر انهيار طريق سريع جنوب البلد    باحث إسرائيلي في الهولوكوست: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة.. وهناك أدلة كافية قبل أن صدور إدانة المحكمة الدولية    الصين تعتزم إطلاق المسبار القمري "تشانغ آه-6" في 3 ماي    اختفاء رئيس جماعة ينتمي لحزب "الأحرار" بآسفي بعد وضع مذكرة بحث وطنية ضده بسبب "شيكات بدون رصيد"    بالفيديو.. تعطل فرامل جرافة يتسبب في اصطدام مروع بسيارة في إقليم الحسيمة    مليلية تودع "أحوري".. الصوت النضالي لحقوق الريفيين بالمدينة المحتلة    اتحاد جدة صيفطو كريم بنزيما لريال مدريد وها علاش    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    البيرو..إطلاق منصة لتعلم أي لغة إشارة في العالم باستخدام الذكاء الاصطناعي    الطبقة العاملة باقليم الحسيمة تخلد ذكرى فاتح ماي    حكيمي بعد خسارة PSG مع دورتموند: لالي كان صعيب وثايقين فريوسنا غانتأهلو للفينال فالروتور    تخلف ورجعية. سلطات إيران استجوبت طاقم وممثلي فيلم "حبة الكرموس المقدس" اللي غادي يشارك ف مهرجان "كان"    دوري الأبطال.. دورتموند يهزم باريس سان جرمان ويقطع خطوة أولى نحو النهائي    أرباب المقاهي يهاجمون مجلس المنافسة    مدينة طنجة عاصمة عالمية لموسيقى الجاز    أسعار الذهب تتراجع إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    حموشي يستقبل سفير باكستان ويناقشان تطوير التعاون الأمني بين البلدين    من طنجة.. نقابات تدعو لتحصين المكتسبات وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين ظروف العمل    «باب الحكمة» بتطوان تصدر «حكاية مشاء» للكاتب محمد لغويبي    آثار جانبية مميتة للقاح "أسترازينيكا".. فما هي أعراض الإصابة؟    أشهر عازف كمان بالمغرب.. المايسترو أحمد هبيشة يغادر إلى دار البقاء    فوزي الصقلي : المغرب بلد منفتح على العالمية        وفاة بول أوستر مؤلف "ثلاثية نيويورك" عن 77 عاما    هل تستطيع فئران التجارب التلاعب بنتائج الاختبارات العلمية؟    جمعية طبية تنبه إلى التهاب قناة الأذن .. الأسباب والحلول    حارة نجيب محفوظ .. معرض أبوظبي للكتاب يحتفي ب"عميد الرواية العربية"    الأمثال العامية بتطوان... (586)    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولة المغاربة
نشر في اليوم 24 يوم 27 - 09 - 2019

من الأمور الاستثنائية في المغرب أن شكايات وتظلمات وصرخات المواطنين التي تُترك لتعلو، ثم تخبو في سماء الأحزان، لتطفو ثم ترسب في بحر الظلمات، هي نفسها الشكايات والاختلالات واللامبالاة العامة التي تدوّنها أقوى مؤسسات الدولة، لله ثم للتاريخ. يمكن أن نقرأ التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات بحنق شديد من كل المؤسسات والهيئات والبرامج، ونطالب بتنفيذ القانون والمحاسبة، ونستغرب، مع الإعلام الذي يستغرب، من هذه الوقائع المالية الغريبة، وكأنه حدث غير مسبوق في صنفه. يمكننا أن نتحدث وكأن تقارير الحسابات السابقة، سواء جاءت من مؤسسة دستورية أو جهاز تفتيش آخر أو جمعية معنية بالنزاهة وحماية المال العام، كانت تنتهي بملاحقات قضائية ومحاكمات مشوقة وتفجير أسرار وسقوط شبكات بعد تحقيقات وتحريات، من تلك التي نرى في سيناريوهات هوليود أو تلك التي تحدث في واقع الأمم المتقدمة.
لا شيء من هذا يحدث طبعا. لا شي من هذا حدث إلى الآن. مع ذلك، هذه الحساسية من روائح الفساد الإداري وتردي الخدمات والتخلف والنهب تعبير عن رأي عام حي. علامة صحية. طيب، كيف يمكن أن نقرأ هذه التقارير الرسمية التي تتحدث بلسان المغاربة؟ سأتفادى الربط بين مضامين التقرير وبين الإعداد المحتمل لإسقاط أسماء ووجوه بعينها من مؤسسات ووزارات هنا. سأحاول أن أبحث في مداخل أخرى ممكنة لهذا الوضع الغريب الذي نعيشه جماعة انطلاقا من رمزية التقرير، أن أتأملّ مع القارئ هذه الذات الجماعية التي تعذب أفرادها كلما أمسكت مسؤولية بقسم ولادة أو مديرية مالية أو مصلحة أو شركة عمومية أو منصب عمومي صغر شأنه أو كبر، كلما وجدت نفسها بين داعي مراكمة المال، على حساب البقية، وداعي التعفف لحساب البقية.
تقرير المجلس الأخير يتبع منطقا معينا في ممارسة الدولة للرقابة. مجلس يقوم بمهام رقابية على مستوى عال من الدقة، يقدم الفرصة للمؤسسات موضوع هذه المهام بتقديم تبريراتها وأجوبتها على ملاحظاته، يحيل القضايا التي يرى أنها قد تستوجب عقوبات جنائية على النيابة العامة. في العام الماضي مثلا، أحال الوكيل العام للملك لدى المجلس ثمانية قضايا تتعلق بأفعال، قد تستوجب عقوبة جنائية على رئاسة النيابة العامة. بعد ذلك، يبقى أن المجلس يشتغل، بمنطقه هذا ومهامه ودقته وصرامته القانونية، داخل المغرب وليس في بريطانيا. فحين يكشف المجلس تخلف الممارسات عن القواعد القانونية الناظمة لها، فهذا يعني تخلف المكلفين بتنفيذ هذه الممارسات (أي نحن المغاربة في الغالب) عن نصوص القانون، مقابل خضوعهم (أي نحن المغاربة أيضا، وإن آلمت هذه ‘النحن') لسلطات رمزية أخرى هي سلطات النفوذ والقرابة والعرف. علاقة الولاء والخضوع لهذه السلط أكبر من قدرات المجلس ومهامه، وأكبر من متمنيات المغاربة أو ذاك الجزء اليقظ من الرأي العام، أو ذلك الجزء الذي ينشد التغيير داخل السلطة.
فحصَ المجلس حوالي ست مؤسسات صحية بمناطق جغرافية متباعدة وخرج بملاحظات متشابهة في عمومها. هناك ثقافة وعرف، غير سليمين طبعا، بل فاسدين تماما، يتكرّران هنا وهناك، ويضعان كل القوانين المنظمة للعلاقات في ثلاجة الموتى. تشعر أن “المغربي”، وهو في جلباب مهنة من مهن الدولة أو مسؤولية من مسؤولياتها، لا يطبق القانون إلا في حدود دنيا وكأنما بشكل قسري. هناك نمط تدبيري يتكرر في قطاعات مختلفة سمته الأساسية تكييف النص القانوني مع الممارسة الانتهازية، مع التملص من المهام، ونادرا جدا بسبب إكراهات واقعية. أحيانا، ممكن أن يعمد البعض إلى تعطيل قانون ما، مراعاة لظروف معقولة تحقيقا لمصلحة أكبر وأشمل. يحدث هذا. لكن يحدث في الغالب أن يُعطّل القانون بكل بساطة لأسباب انتهازية أو يرضخ للعرف الساري بين دهاقنة هذه الإدارة أو تلك..
وكيف يُعطّل القانون؟ بعدم الالتفات إليه من البدء، بنسيان وجوده، بعدم تسجيل محاضر الاجتماعات أو أسماء وتواريخ دخول وخروج المرضى أو نوعية العلاجات أو المقتنيات أو أسعارها أو الغياب عن المداومات أو تحويل أسرّة المرضى إلى أقسام الممرضين المداومين، أو بقيادة برنامج وطني ضخم في قطاع رئيس ببركة الأولياء والخطابات الرنانة وشبكة من الأقارب في إدارة البرنامج…
الداعون إلى المحاسبة والعقاب يريدون أن تتحقق معجزة ما وتأتي قوة خارقة، قضائية أو سياسية أو رمزية، وتقضي على هذه البيئة الثقافية التي تجذرت وشكلت نمطا يمكن اقتفاء أثره في قطاعات مختلفة. شبكة انتهازية أسست فضاء لا قانونيا بجوار الفضاء القانوني المنظم لعلاقاتها المهنية. هل يمكن للقانون أن يتصدى لهذا الواقع؟ صعب، قد يقلّصه أو يحد منه على أبعد تقدير. لقد وصلنا إلى مرحلة صارت فيها نقابات من قطاعات حسّاسة جدا لحياة المغاربة، تكتب بيانات وتمارس الابتزاز للحفاظ على بيئات ريعية ومكتسبات غير قانونية نهارا جهارا. الدولة نفسها تبدو أحيانا وكأنها تتوسل بعض أصحاب المهن الحرة لأداء ما عليهم من ضرائب، بل هناك فساد حتى باسم القانون مثل استمرار النواب في التردد بشأن المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية التي تفتح نافذة خطيرة لمافيات السطو على العقارات، وهذا اسمه الفساد باسم القانون، وليس خارج القانون، وهو قضية أخرى، يصنعها مغاربة أيضا، لكن بإمكانات “تشريعية” أقوى.. ما الحل؟ أن ترسل الدولة كل هؤلاء إلى السجن؟ كم عددهم؟ هل الأمر ممكن حتّى؟ كم ستدوم المحاكمات؟ هل ستكون حملة تطهير أم حملة تغيير؟ لا أعلم، لكن أكيد أننا، نحن المغاربة، متورطون في كل هذا، والدولة متورطة معنا بشكل أكيد أيضا، وأحلامنا وآمالنا أسيرة لكل هذا كذلك. الدولة تصنعنا بقدر ما نصنعها، ونحن والدولة نصنع المغرب في المحصلّة، ومن أجل ثمرة هذه الصناعة المشتركة نحتاج إلى أن نصنع الدولة بأكثر مما تصنعنا !.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.