في الحاجة إلى رجة سياسية تعيد الثقة    وقف حرب الإبادة على غزة والمسؤولية الوطنية    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    توقعات طقس اليوم الخميس بالمغرب    الرباط تفتتح مرآبًا عصريًا تحت الأرض لتخفيف ضغط السير وسط المدينة        مصرع وزيرين في غانا إثر تحطم مروحية عسكرية شمال غربي أكرا    الرجاء يتعاقد مع الزهواني من تواركة    شكايات واتهامات تضع حزب أخنوش في قلب الزوبعة    ترامب يهدد برسوم جمركية جديدة على الهند بسبب النفط الروسي ونيودلهي ترد: الاتهامات "غير مبررة"    من يتصدّر بلا معنى، يحكم بلا أثر!    الحرائق تخرج عن السيطرة في فرنسا.. قتلى ومفقودون ومناطق بأكملها تحت الرماد    هذه تفاصيل رسالة ماكرون للوزير الأول فرانسوا بايرو بخصوص التعامل بحزم مع الجزائر    حين يتحدث الانتماء.. رضا سليم يختار "الزعيم" ويرفض عروضا مغرية    تعيينات جديدة في صفوف الأمن الوطني بالإدارة المركزية واللاممركزة        المحكمة الدستورية تسقط الفقرة الأولى ومواد أخرى من قانون المسطرة المدنية    استيراد الأبقار بالمغرب يلامس سقف 150 ألف رأس والحكومة تتجه لإصدار قرار جديد    قرعة الأبطال و"الكاف" بدار السلام    لقجع وبلقشور يناقشان تحضيرات المغرب    وفيات سوء التغذية تزيد بقطاع غزة    حريق يواصل التمدد في جنوب إسبانيا    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بالأخضر    حقينة سدود المغرب تواصل الانخفاض رغم التحسن النسبي في معدل الملء    تنظيم جديد للسفر من "طنجة المتوسط"    تقلب الجو يوقف الصيد بمياه بوجدور    دعم السينما يركز على 4 مهرجانات    طيران مباشر يربط الأردن بالمغرب    خبيرة غذائية تبرز فوائد تناول بذور الفلفل الحلو    ماكرون يرفع سقف المواجهة مع الجزائر ويدعو حكومته لنهج أكثر صرامة    تكريم كفاءات مغربية في سهرة الجالية يوم 10 غشت بمسرح محمد الخامس    بادس.. ذاكرة شاطئ يهمس بحكايا التاريخ    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية قوية مصحوبة بالبرد وبهبات رياح مرتقبة من الأربعاء إلى الأحد بعدد من مناطق المملكة            توقيف أفارقة متورطين في تزوير جوازات سفر وشهادات مدرسية أجنبية ووثائق تعريفية ورخص للسياقة    حين ينطق التجريد بلغة الإنسان:رحلة في عالم الفنان التشكيلي أحمد الهواري    النجمة أصالة تغني شارة «القيصر» الدراما الجريئة    رئيس الفيفا جياني إنفانتينو: دعم الملك محمد السادس جعل المغرب نموذجاً كروياً عالمياً    المغرب... تضامن مستمر ومتواصل مع فلسطين بقيادة الملك محمد السادس    قراءة ‬في ‬برقية ‬الرئيس ‬الأمريكي ‬دونالد ‬ترامب ‬إلى ‬جلالة ‬الملك ‬    نتنياهو يتجه نحو احتلال قطاع غزة بالكامل    أكلو : إلغاء مهرجان "التبوريدة أوكلو" هذا الصيف.. "شوقي"يكشف معطيات حول هذه التظاهرة    طفل يرى النور بعد ثلاثين عامًا من التجميد    الموثقون بالمغرب يلجأون للقضاء بعد تسريب معطيات رقمية حساسة    غزة.. انقلاب شاحنة مساعدات يخلف 20 قتيلا ومستوطنون يهاجمون قافلة معونات قرب مخيم النصيرات    "وصل مرحلة التأزم البنيوي".. 3 مؤسسات رسمية تدق ناقوس الخطر بشأن أنظمة التقاعد    بطولة فرنسا: لنس يتوصل لاتفاق لضم الفرنسي توفان من أودينيزي    «أكوا باور» السعودية تفوز بصفقة «مازن» لتطوير محطتي نور ميدلت 2 و3    بين يَدَيْ سيرتي .. علائم ذكريات ونوافذ على الذات نابضة بالحياة    بنما تعلن من جديد: الصحراء مغربية... ومبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي الحل النهائي    نحن والحجاج الجزائريون: من الجوار الجغرافي …إلى الجوار الرباني    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي أنوزلا يكتب: ماكرون و«الإسلام الانفصالي»
نشر في اليوم 24 يوم 02 - 03 - 2020

علينا التعود مستقبلا على مصطلح جديد، خصوصا في الإعلام الفرنسي، نحته الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في وصفه الحضور الإسلامي المتنامي في فرنسا ب «الإسلام الانفصالي» أو «الانفصالية الإسلامية»، حسب الترجمة. والعبارتان تحملان معنى قدحيا لنعت المجتمعات المسلمة في فرنسا، تشبيهها ب»الغيتوهات» التي تعزل نفسها عن باقي المجتمع الفرنسي.
وعلى الرغم من أن الرئيس الفرنسي أوضح أنه لا يهدف من هذه العبارة إلى مهاجمة أي دين، إلا أنه، باستعماله هذا الوصف الجديد للإسلام، وضع الإسلام والمسلمين في فرنسا، عن قصد أو عن غير قصد، في دائرة الاتهام ب «الانفصال» عن الجمهورية الفرنسية وقيمها، خصوصا عندما قال إن «الإسلام الانفصالي يتعارض مع الحرية والمساواة، ومع مبدأ عدم تجزئة الجمهورية والوحدة اللازمة للأمة».
ما أراد أن يقوله ماكرون صراحة للمسلمين الفرنسيين إن دينهم هو الذي يحول دون اندماجهم داخل المجتمع الفرنسي، وإن قيمهم تختلف عن قيم الجمهورية الفرنسية العلمانية، وهو ما يجعلهم يعيشون في «غيتوهات» داخل فرنسا، لكنها منفصلة عن قيمها الجمهورية العلمانية. وهذا كلام إطلاقي، فيه تعميمٌ كثير يظلم فرنسيين مسلمين كثيرين استطاعوا أن يرتقوا مناصب ومسؤوليات كبيرة داخل بلادهم، من دون أن تحول معتقداتهم الدينية بينهم وبين نجاحهم. المفارقة أن تصريحات ماكرون لم تأت على خلفية هجمات إرهابية في فرنسا اتهم فيها مسلمون، أو في سياق نقاش حول الحضور المزعج للرموز الإسلامية داخل فرنسا العلمانية، كما كان يحصل في السنوات الماضية، ما يجعلها تبدو مثل إعلان حربٍ من جانب واحد على أهل الديانة الثانية في فرنسا. وحتى عندما حاول أن يوضح قوله إنه لا يقصد به وصم الإسلام أو أي دين آخر إلا أن السيف سبق العَذَلَ! ما الذي يسعى إليه ماكرون من تصريحاته المستفزة هاته؟ وهل لها علاقة بحملة انتخابات البلديات التي تشهدها فرنسا حاليا؟ وما هو تأثيرها على حملة حزبه الانتخابية حاليا، وعلى حملته الانتخابية الرئاسية المقبلة، وهو لا يخفي رغبته في تمديد رئاسته ولاية ثانية؟ يبدو أن الرئيس لم ينتظر كثيرا ليعلن عن نواياه، فقد سارع إلى اتخاذ قراراتٍ لتطهير ما يصفه «إسلام فرنسا» من كل المؤثرات الخارجية التي تجعل منه اليوم، في نظره، مجرّد وعاءٍ لإنتاج التشدد والتطرف. والبداية، كما أعلن عنها، تتمثل في وقف الاعتماد على أئمة ودعاة من دول خارجية، فشلوا في وقف صناعة التطرّف التي تزدهر داخل «غيتوهات» المسلمين في فرنسا. هكذا تكلم ماكرون، وهذا هو تفكيره، وهذا هو منطقه البسيط والسطحي. أما هدفه، فهو مغازلة اليمين الشعبوي المتنامي في فرنسا وأوروبا عامة. بطرقه هذا الموضوع الحساس، وبهذا الأسلوب المستفز لمشاعر مسلمي فرنسا، إنما يغذّي ماكرون خطاب التيارات الشعبية وأحزاب اليمين المتطرّف المعادية للإسلام والمسلمين وسياسات الهجرة في فرنسا، ويعطي أكثر من مبرّر لخطاب إسلامي سطحي، يجد له صدى داخل الضواحي الفرنسية المهمّشة. فهو كمن يطلق النار على قدميه مرتين: عندما يستعدي عليه الناخبين المسلمين، وعندما يقوي جبهة خصومه داخل اليمين الفرنسي المتطرّف الذي يقتات على مثل هذه الخطابات التي تعادي الإسلام، وتقوي الخوف منه تحت غطاء تهديد «الإسلاموفوبيا». خلفية كلام ماكرون انتخابية صرفة، ولذلك، هو كلام عابر ستمحوه الأيام كما محت خطابات عنصرية سابقة، فيما عمقه إيديولوجي، وهنا خطورته، فهو يسير في منحى النقاش العام الذي شهدته فرنسا خلال العقود الأخيرة في محاولة إيجاد «إسلام فرنسي» لم ير النور، لأن الدين لا يُصنع داخل المختبرات. وفي الحالتين، مراميه خطيرة، ليس فقط على مستقبل ماكرون وحزبه، وإنما أيضا على مسلمي فرنسا الذين يتم التعامل معهم مثل حطب يابس، يلقى به كل مرة لإذكاء نار الحملات الانتخابية بين المتنافسين. ولكن الواقع يقول غير ذلك، فماكرون الذي يسعى اليوم إلى دغدغة مشاعر كتلة يمينية متطرّفة، عشية الانتخابات البلدية في 22 مارس المقبل، ينسى أنه مدينٌ للمنتخبين المسلمين الفرنسيين الذين منحوا أصواتهم له ولحزبه في انتخابات 2017، وأن ثمانية نواب فرنسيين مسلمين، من نحو عشرين نائبا فرنسيا مسلما داخل المجلس الوطني، ينتمون إلى حزبه (الجمهورية إلى الأمام)، فإذا كان الرئيس يهدف من كلامه، كما فسر هو نفسه ذلك، إلى تشجيع المسلمين الفرنسيين على الاندماج داخل الجمهورية الفرنسية، فهذا هو أحسن نموذج على الاندماج. ولكن يبدو أن ماكرون الذي بدأ حملته الانتخابية لرئاسيات 2022 مبكّرا يريد أن يتخذ من الإسلام عدوا له للتغطية على فشله الذريع في معالجة إشكالات اقتصادية واجتماعية كثيرة تعصف بالبلاد، وتمس كل الفرنسيين.
لا يجب أن تخضع معالجة قضايا الفرنسيين المسلمين إلى المزايدات السياسية، بقدر ما تحتاج سياسة واقعية وخلاقة، تتعامل مع قضيا المسلمين الفرنسيين بوصفهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات مع جميع مواطني الجمهورية الفرنسية، وتعامل الإسلام باعتباره دين نحو 6.5% من الفرنسيين، وليس عدوا تجب محاربته، كل مرة تحت حملة تحمل مسمىً جديدا. فبعدما فشلت موضة اتهام مسلمي فرنسا ب»أسلمة» المجتمع الفرنسي التي شاعت طيلة العقدين الماضيين، ولم تنجح شعارات اليمين الفرنسي المتطرّف حول «الغزو الإسلامي»، في تأليب الفرنسيين ضد بني جلدتهم من الديانة الإسلامية، يحاول ماكرون تجريب مفهومه الجديد، وهو يقود حملته نحو الانتخابات المقبلة، إلى درجة تحوّل معها الإسلام والمسلمون في فرنسا وقضاياهم إلى حطب لحملات انتخابية عنصرية، تقوي أصحاب الأفكار المتطرّفة من متشدّدين دينيين ويمينيين شعبويين، وهو ما يهدّد مستقبل وحدة المجتمع الفرنسي وتماسكه، وكذا المجتمعات الأوروبية بصفة عامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.