المنتخب المغربي للفتيان يسحق كاليدونيا الجديدة ويعزز آمال التأهل    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    الركراكي يوجه الدعوة لآيت بودلال لتعويض غياب نايف أكرد    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    التجمع الوطني للأحرار بسوس ماسة يتفاعل مع القرار التاريخي لمجلس الأمن حول الصحراء المغربية    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    مغاربة فرنسا يحتفلون بذكرى المسيرة    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    بعد حكيمي.. إصابة أكرد تربك الركراكي وتضعف جدار الأسود قبل المونديال الإفريقي    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة الاسلاموفوبيا بفرنسا
نشر في هسبريس يوم 11 - 09 - 2015

كلما اقترب موعد انتخابي في فرنسا إلا وتصاعدت وتيرة استعمال موضوعات الإسلام والمهاجرين والهجرة في الخطاب السياسي للمتنافسين (من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار)، كوسيلة لتعبئة الكتلة الناخبة واستثارة عواطفها والمزايدة على بعضها في إصدار ووضع مشاريع القوانين التي تنتقص من حرية مزاولة العقيدة الإسلامية ومظاهرها وحظر رموزها في المجتمع الفرنسي بدءا بمنع الحجاب بالمدارس و النقاب بالفضاءات العمومية إلى تقليص الدعم المقدم لبناء المساجد ووضعية الأئمة المسلمين والحملة الاقتصادية و التربوية على المنتوجات "الحلال"، و نفس الأمر يمكن ملاحظته في المجال الإعلامي والتداولي الفرنسي حيث اتخذت بعض المنابر الإعلامية – الورقية- على وجه الخصوص من التهجم على الإسلام و السخرية من رموزه الموضوعة المفضلة لديها والأداة الفاعلة لرفع سقف مبيعاتها ونسبة متتبعيها، بدرجات متفاوتة من الحدة والشراسة حيث تعتبر مجلة "شارلي ايبدو" الكاريكاتورية النموذج الأكثر تطرفا في هذا الباب، حيث دأبت على جعل السخرية من الإسلام ورموزه المقدسة مادتها المفضلة وعنوان صفحاتها الافتتاحية منذ إعادة نشرها للرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في 2006 والتي سبق أن نشرتها إحدى الصحف الدنماركية وحتى بعد أن تعرض مقرها لحادث إطلاق نار مثير في مطلع سنة 2015 والذي ذهب ضحيته عدد من صحفييها حيث عملت إدارة الصحيفة مستغلة جو التعاطف الشعبي الفرنسي والدولي معها والتهاب النقاش حول ضرورة تحصين وحماية حرية التعبير دون قيود او حدود لكي تنشر على صدر صفحتها الأولى رسما أخر للنبي محمد (ص) لا يقل إساءة عن سابقيه.
واستمرارا على هذا النهج ، يمكننا أن نلاحظ كذلك الحضور الكبير لموضوعة "الإسلام" و إشكالية التدين الإسلامي داخل المجتمع الفرنسي في عناوين العديد من الكتب والمجلات والصحف الفرنسية خلال الآونة الأخيرة ومحاور العديد من الدراسات البحثية والاستقصائية ، والأمر لا يرتبط فقط بتداعيات أحداث "شارلي إيبدو" وما تلاها من فورة في التحقيقات الصحفية حول الظاهرة الإسلامية و إشكالية الإرهاب ، التي فرضت سعي الرأي العام الفرنسي لمزيد إطلاع على الواقع الإسلامي، على المستوى الديني، وعلى المستوى الاجتماعي، و على مستوى الإيديولوجيات التي تتبناها الحركات والأحزاب ذات المرجعية الاسلامية ، داخل الفضاء الإسلامي عموما ، وبصفة خاصة تلك التي تنشط في الفضاء الفرنسي عبر جمعيات ومنظمات دعوية و احسانية بضواحي المدن الفرنسية الكبرى ، ولكن الأمر يرتبط أيضاً بهذه "الفوبيا" المستحكمة والهلع التاريخي و الحضاري الذي تعيشه النخبة السياسية والثقافية والإعلامية في فرنسا من انتشار الإسلام وبروزه في المشهد الفرنسي، بالرغم من الخطاب الديماغوجي الرسمي الذي يسوق في الاتجاه الأخر إمكانية فرنسة الإسلام بحيث يصبح قابلا ومنسجما مع القيم اللائكية و مبادئ الجمهورية أو ما يصطلح عليه ب(الإسلام الفرنسي ) كلما تعلق الأمر باقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية،.
إلا أن الاسلاموفوبيا (التخويف من الإسلام والمسلمين) كظاهرة لا تنفصل في مجملها عن تصور عام تشكل منذ عدة سنوات داخل المجتمع الفرنسي تجاه الظاهرة الإسلامية، وعن تقليد خطابي متواتر أصبح شبه عقيدة إيديولوجية عند مختلف ألوان الطيف السياسي وجزء كبير من المثقفين الفرنسيين تحت بند الدفاع عن اللائكية قاسمها المشترك هاجس الخوف والرعب الاجتماعي والسياسي من الإسلام( islamophobie) حيث يعتبر جزء كبير من النخبة الفرنسية أن تنامي الممارسة الدينية الإسلامية في فرنسا (بناء المساجد الحجاب الالتزام الديني) خصوصا بين الجيلين الثاني والثالث من أبناء المهاجرين الذين يحملون الجنسية الفرنسية و الاعتناق المتزايد للإسلام من لدن الفرنسيين المنتمين للفئات الاجتماعية المتوسطة، يشكل تهديدا للهوية الفرنسية ولعلمانية الدولة ولطريقة العيش الفرنسية، وهذا ما أصبح يأخذ منحى قانونيا و رسميا يمكن رصده في مواقف الدولة الفرنسية من بعض القضايا الإسلامية المرتبطة بحرية الممارسة الدينية وسعيها المتواصل لتقليص مداها، على الرغم من أن القانون الفرنسي يضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية و حرية المعتقد لجميع الديانات وينظم تواجدها في الحقل العام من خلال قانون 1901 المعدل بقانون 1907، والذي يكفل حق تأسيس الجمعيات الدينية وتنظيم التجمعات الدينية، كما أن الإسلام يعترف به كديانة لها وضعها الاعتباري في المجتمع الفرنسي بحكم الروابط التي تجمع فرنسا المعاصرة بالعالم الإسلامي والتي تعود إلى فترات التواجد الاستعماري الفرنسي بجزء كبير من إفريقيا، و منذ سنة 1922 حين وضع ليوطي بدعم من السلطان المغربي المولى يوسف حجر الأساس لبناء مسجد باريس الكبير الذي اختير لإدارته بعد ذلك الموظف الجزائري قدور بن غبريط ليصبح منذ ذلك الحين المؤسسة الدينية الإسلامية الأكثر تعبيرا عن التوجه الرسمي للدولة الفرنسية في طريقة تدبيرها للتدين الإسلامي خاصة بعد تولي إدارته من قبل شخصيات جزائرية صوفية ذات اتجاهات علمانية أمثال حمزة أبو بكر والد المدير الحالي للمسجد و عباس بن الشيخ والد صهيب بن الشيخ مفتي مدينة مارسيليا و الإعلامي غالب بن الشيخ الذي يقدم برنامجا حول الإسلام بالقناة الفرنسية الثانية (France2).
لقد عرف هاجس الإسلاموفوبيا على مستوى الخطاب السياسي والثقافي ارتفاعا ملحوظا داخل المجتمع الفرنسي منذ أواسط الثمانينيات من القرن المنصرم مع تصاعد موجات الهجرة العائلية المغاربية إلى فرنسا وبروز عدد من مظاهر الالتزام الديني المرتبطة بالعادات والتقاليد وقضايا الأسرة والزواج في أوساط الجالية، وتأسيس المراكز الإسلامية والمساجد التي كان بعضها مرتبطا بعدد من التوجهات والحركات الإسلامية التي تتخذ موقفا معاديا من إسرائيل، وهو ما كان يثير حفيظة قطاع واسع من السياسيين اليمينين واليساريين المتعاطفين مع إسرائيل كبرنارد هنري ليفي و ألان فيلكينكراوت ومارك هالتر وعدد من النافذين في أجهزة الدولة الذين ينتمي بعضهم إلى مؤسسة "الكريف" (أو "المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا")، الذين شنوا حملات إعلامية واسعة منذ عدة سنوات للتخويف من خطر "المد الإسلامي" داخل المجتمع الفرنسي تحت مسمى "معاداة السامية" و"دعم الإرهاب"، وانضاف إليهم في السنين الأخيرة بعض الصحفيين مثل كارولين فورست و بعض الباحثين العرب الفرنكفونيين أمثال المفكر التونسي الراحل عبد الوهاب مؤدب صاحب كتاب: "الأصولية: أمراض الإسلام"، والصحفي الجزائري محمد السيفاوي.
ولهذا سعت الدولة الفرنسية منذ بداية التسعينيات بتأثير من المجموعات التي توجه الرأي العام إلى بذل مجهودات مضاعفة من أجل ضبط مجال الممارسة الدينية الإسلامية على أراضيها واستيعابها ورصد الحركات الإسلامية على المستوى الأمني والسياسي ، خصوصا مع اندلاع أزمة حرب الخليج الثانية 1991 وانفجار الأزمة الجزائرية سنة 1992، التي امتدت شرارتها لتصيب الأراضي الفرنسية ببروز بعض التيارات الجهادية على الساحة الفرنسية كالجماعة الإسلامية المسلحة (GIA) التي عملت على الاستقطاب و التجنيد خاصة في أوساط شباب الضواحي وداخل السجون الفرنسية حيث يتواجد عدد كبير من الجانحين من أبناء المهاجرين خاصة الأفارقة والجزائريين كمثال "خالد قلقال" الذي تم استقطابه وتجنيده بالسجن قبل أن يصبح العدو رقم واحد للشرطة الفرنسية بعد أحداث سان ميشيل إلى أن تمت تصفيته بعد مطاردة هوليودية بإحدى ضواحي مدينة ليون.
حيث استغلت الجماعات الجهادية تدني المستويات التعليمية لأبناء الجالية المسلمة بالضواحي المهمشة وظروفهم الاجتماعية المزرية، لاستقطابهم لتنفيذ عدد من العمليات الإرهابية داخل وخارج الأراضي الفرنسية .
حيث نفذت منذ ذلك الحين مجموعة من العمليات الإرهابية ضد مصالح و أمن فرنسا بشكل مباشر ليس في الجزائر فقط بل وفي قلب باريس من خلال تفجيرات محطة مترو سان ميشيل في 25 يونيو سنة 1995، كما عملت الدولة الفرنسية على المستوى التنظيمي و المالي بتشديد الرقابة والضبط على تمويل وبناء المساجد بصفة عامة وعلى أنشطة الحركات الإسلامية المعتدلة التي تشتغل بمجال الدعوة، وقد استمرت هذه السياسة إلى حدود تفجيرات 11 سبتمبر 2001 بنيويورك وواشنطن، التي ستستنفر الحكومة الفرنسية كباقي الدول الغربية إلى شن الحرب على التوجهات السلفية و المتشددة تمثلت في طرد عدد من الأئمة واعتقال بعض الناشطين الذين لهم علاقة بالتيار السلفي وفرض المراقبة الأمنية على المساجد، خاصة بعد تولي الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، حقيبة وزارة الداخلية سنة 2002.
حيث سيتولى نيكولا ساركوزي خلال هذه المرحلة وضع مشروع لهيكلة النشاط الديني الإسلامي بفرنسا و إيجاد هيئة رسمية معترف بها لتمثيل المسلمين لدى الدولة تجمع في ثناياها مختلف التنظيمات و الجمعيات الإسلامية الفرنسية، أطلق عليها مسمى مجلس الديانة الفرنسي الذي أريد له أن يكون الأداة الرسمية التي تنفذ بها وزارة الداخلية سياستها في ضبط الشأن الإسلامي في فرنسا حيث أسندت رئاسته سنة 2003 لدليل أبوبكر مدير مسجد باريس الكبير المعروف بمواقفه السلبية من الحجاب والحركات الإسلامية، قبل أن يطاح به في انتخابات تجديد رئاسة المجلس التي فاز بها الدكتور محمد المساوي باسم تجمع مسلمي فرنسا سنة 2008 التي اعتبرها البعض انتصار للتوجه المغربي على التوجه الجزائري الذي يمثله مسجد باريس الكبير والجمعيات المنتمية إليه قبل أن يعود مجددا لرئاسة المجلس بعد انتخابه في يونيو 2013.
كما سيتم خلال نفس الفترة إعطاء انطلاقة معهد الإمام الغزالي لتكوين الأئمة الفرنسيين الذي احتضنه المعهد الكاثوليكي بباريس تحت إشراف المكتب المركزي للديانات التابع لوزارة الداخلية من اجل قطع الطريق على عملية استيراد الأئمة المتشددين من خارج فرنسا ممن لا يحملون ولا يحترمون القيم اللائكية والجمهورية .
ولا تقتصر مظاهر الإسلاموفوبيا في الخطاب السياسي الفرنسي الذي يتم تداوله خلال السباق الانتخابي المحموم الذي تخوضه القوى السياسية (السلطة والمعارضة) على حد سواء من اجل استقطاب الناخبين الفرنسيين المنتمين للكتلة اليمينة المعادية للأجانب التي تشكل القاعدة الجماهيرية لحزب الجبهة الوطنية الذي تترأسه اليوم مارين لوبين نجلة جون ماري لوبين المحارب القديم في صفوف الجيش الفرنسي بالجزائر والذي لم يتواني عن إطلاق أوصاف عنصرية شائنة في حق الأجانب و المسلمين لم يسلم منه حتى بعض الوزراء في حكومة الاشتراكي مانويل فالز بسبب أصولهم الإفريقية و المغاربية.
بل لقد تحولت الاسلاموفوبيا إلى محرك أساسي لموجة من المطالبات القانونية التي تسعى إلى إقصاء الإسلام تماما من المجال العام عبر مجموعة من الآليات التشريعية (مشاريع ومقترحات قوانين)، تقدمت بها الفرق البرلمانية من اليمين و اليسار على حد سواء تمثلت في قانون منع الرموز الدينية في المؤسسات التعليمية ومؤسسات الدولة الذي استهدف به الحجاب الإسلامي بصفة أساسية، و قانون منع النقاب في الشارع العام ومشروع قانون منع الحجاب بالنسبة للمربيات الذي تقدم به الحزب الاشتراكي (قانون 17 يناير 2012)، وفتح النقاش العمومي حول الهوية الفرنسية والمواطنة، الذي جعل من الإسلام عنصرا دخيلا على المجتمع الفرنسي بخلاف الديانتين المسيحية واليهودية، ومشروع قانون يقضي بتعديل قانون 1901 من أجل إعادة النظر في مفهوم التعددية الذي تفتخر به فرنسا كإحدى مكتسبات العلمانية، وقانون منع التأشيرات والإقامة للائمة المتشددين و طرد الأئمة الذين يجيزون تعدد الزوجات و يدعون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية.
ومن أخطر نتائج الإسلاموفوبيا هو تحولها من مجرد خطاب سياسي عدائي بحق أقلية دينية واجتماعية إلى عنف مادي يومي ترتكبه بعض الأيادي الآثمة في حق المعالم الإسلامية بفرنسا خصوصا المساجد والمقابر التي أصبح تدنيسها من الأمور المفضلة لدى بعض المتطرفين اليمينيين وكذلك الاعتداء الجسدي الذي يرتكب ضد المسلمين العرب والسود، والتمييز الذي يتعرضون له في ولوج الوظائف العمومية والخاصة بسبب الأسماء و الانتماء العرقي.
فمن الواضح اليوم أن "الإسلام" في الخطاب السياسي الفرنسي أصبح مرادفاً أساسياً لمفهوم الخطر الكاسح الذي يتهدد القيم العلمانية للمجتمع الفرنسي، بل الوسيلة الأكثر إثارة في الحملات الانتخابية، والحال أن هذه الرؤية الساذجة التي تتعامل بها النخبة الحاكمة في فرنسا مع الإسلام لا يمكن أن تشكل سوى الحطب الذي يلقى في فرن الاحتقان الاجتماعي الذي ولده فشل مشروع إدماج أبناء المهاجرين من الجيلين الثالث والرابع في النسيج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
مما أدى كذلك إلى بروز ظاهرة جديدة اشد تعقيدا من سابقاتها يمكننا أن نطلق عليها مصطلح "الفرنسيين المتشددين" التي تضم فرنسيين من ذوي الأصول (العربية/ المغاربية) بالإضافة إلى معتنقين جدد للإسلام بعضهم فرنسيون اصلاء و آخرون من أصول أروبية و برتغالية وافريقية ، ينتمي اغلبهم إلى أحياء الهامش و الضواحي، أصبحوا يشكلون اليوم وقود الجماعات الجهادية الكبرى خاصة بعد التحاق الكثير منهم بالجبهات السورية والعراقية بعد حراك الربيع العربي، وتحولهم إلى أعداء حقيقيين وخطر داهم يهدد بضرب المصالح الفرنسية واستقطاب المزيد من أبناء الضواحي كنتيجة طبيعية لسياسات التهميش والإقصاء الاجتماعي التي نهجتها الحكومات الفرنسية المتعاقبة أولاً وأخيراً، قبل أن يكونوا ضحايا قراءات دينية نصية متشددة أو غير سوية.
لذلك نعتقد أن سياسة ضبط المظاهر الإسلامية وتقزيم تواجدها في المجال العام تحت بند الهوية الوطنية الفرنسية وعلمانية الدولة و تكريس التخويف من الممارسة الدينية الإسلامية واستعداء النخب لمظاهرها و الاكتفاء بالمقاربة الأمنية في التعامل مع الظاهرة والإدماج القسري للمسلمين في المنظومة القيمية السلوكية والاجتماعية الفرنسية ليست هي الإجابة الواقعية عن وضعية المسلمين بفرنسا وعن المطالب الاجتماعية العميقة للفئات المهمشة في الضواحي، بل الأساس هو تكريس مفهوم العدالة والمساواة في حقهم كما هي مسطرة في الدستور الفرنسي باعتبارهم فرنسيين كاملي المواطنة، وتمكينهم من الاندماج المتوازن في المدن والقرى بدل حشرهم في مجمعات السكن الغير اللائق بالغيتوهات والتي أضحت مفرخة للإجرام بكافة أنواعه وللظواهر السلبية وانعدام الأمن، وتحقيق التعليم والتكوين المتكافئ الذي يراعي الخصوصيات الأسرية لتلاميذ وطلبة وشباب عاطل عن العمل، ينتمي أغلبهم إلى عائلات عمالية متواضعة تم استقدام آبائهم من القرى النائية بدول المغرب العربي وإفريقيا لبناء الاقتصاد الفرنسي في العقود الأخيرة من القرن العشرين، مما سيسمح لهم بالخروج من المعضلة الاجتماعية التي هي سبب كل المظاهر السلبية لوضعية المسلمين الفرنسيين، بدل إلصاق كل ذلك بالإسلام دون أن يكون له أي صلة بتشكلها وتفاقمها.
والتغاضي عن احترام وتقدير الأخلاق والقيم الإسلامية السمحة التي تدعو إلى السلم والتعايش والإخاء الإنساني وتحقيق العدالة والمساواة، وعدم اعتبارها كمكسب هوياتي للجميع: دولة ونخبة ومجتمعا ًداخل الفضاء الفرنسي، وتطليق عقلية الخوف والتخويف الممنهج والتوظيف المسيس له على مستوى الخطاب السياسي و المستويات الثقافية والإعلامية لكسب الرهانات الانتخابية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.