يتساءل الكثيرون عن مغزى الاتصالات المكثفة مؤخرا بين المغرب وكل من الصين وروسيا. يقول إخواننا المصريون: "اللي ما بيشوفش من الغربال يبقى أعمى"، ومن النظر عبر غربال أحداث الشرق الأوسط يبدوواضحا أن المقبل من الأيام سيكون صعبا جدا بالنسبة إلى المغرب، ذلك أن عملية التطبيع التي دشنتها الإمارات وتبعتها فيهاالبحرين وقد تتلوها دول خليجية أخرى، تؤشر لمرحلة ينطبق عليها المثل المغربي القائل: "يلا شفتي صاحبك تيحسنو ليه فزّكلحيتك"، أي إذا رأيتهم يحلقون لحية صديقك فعليك بتبليل لحيتك لأن الدور قادم عليك لا محالة. فالتغييرات والأحداث الجاريةبالمنطقة تؤكد أن دور المغرب في التعرض للضغوط بمختلف أنواعها ومستوياتها من أجل الانخراط الرسمي في هذه العملية،قد أصبح مسألة وقت فقط، وقد لا يكون هذا الوقت بالمتسع كفاية للقيام بالمناورات المطلوبة، وخصوصا أن هذا أمر لا يستويفيه المغرب ذو الماضي الإمبراطوري القريب وذو الأربعة عشر قرنا من الحضارة، مع الإمارات والبحرين اللتين لم تتما بعدنصف قرن من الوجود، أو السعودية التي لا يتجاوز وجودها المائة سنة. وإدراكا من المغرب لصعوبة المقبل من الأيام، وفي مبادرة استباقية للإسقاطات المنتظرة للتشكيل الجديد لخريطة التحالفاتالمقبلة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفي العالم، يأتي توجه المملكة نحو كل من الصين وروسيا عبر إحياء الشراكاتالاستراتيجية وتعزيزها، مسلحا بموقعه الجغرافي من جهة، ومرجعيته السياسية والدينية من جهة أخرى، وعمقه الإفريقي منجهة ثالثة، وخصوصا في ظل عجز فرنسا عن مساندة المغرب بعدما أصبحت بدورها عرضة للإهانة والإذلال من طرف تركيافي البحر الأبيض المتوسط . ويندرج تحرك المغرب في سياق إحساسه بخطورة الوضع وإدراكه للارتفاع الوشيك للقيمة الاستراتيجية لدول شمال إفريقيامن جهة، ومحور العراق وسوريا واليمن من جهة أخرى، في ظل الفقدان التدريجي لدول الخليج لأي قيمة استراتيجية فيالمستقبل بعد فقدانها لورقة الضغط السياسي التي كانت لديها قبل التطبيع وفقدانها في الوقت عينه لاستقلالها وأهميتهاالاقتصادية، دون الحديث عن انهيار وضعها المرجعي على مستوى الدين الذي أصبح تحصيل حاصل. ولكن مشكلة الدول المتبقية لحد الآن خارج دائرة التطبيع، أي شمال إفريقيا والعراق واليمن وسوريا ولبنان هي أنها تعاني منثلاث آفات: الفقر وعدم الاستقرار السياسي (باستثناء المغرب) وعدم الانسجام بين مكوناتها عقائديا وسياسيا وثقافيا(العراق وسوريا ولبنان واليمن تحت التأثير الشيعي، بينما الآخرون سنة)، مع العلم أن ما حدث لحد الآن سيقود مبدئيا، إماإلى نهاية الإسلام السني واجتياح الإسلام الشيعي للعالم الإسلامي أو انبثاق إسلام سياسي جهادي داخلي أكثر تنظيماوأكثر عنفا ودموية. لكن هذا موضوع آخر سنعود إليه لاحقا . يحدث كل هذا بينما تحتفظ أمريكا بنفوذها السياسيوالاقتصادي، بل وتقوم بتوسعته ليصبح على أبواب الصين وروسيا، بما أنها أصبحت عرابا من حيث الشكل لمنطقة تمتد منالحدود الليبية المصرية غربا حتى الحدود الهندية الصينية شرقا. ويقتضي حفاظ المغرب على استقلالية قراره وأراضيه فيهذه المرحلة وضمان مستقبله، أن يجد مظلة ودرعا واقيا من الضغوطات المقبلة لا محالة مثل تسونامي سياسيوجيواستراتيجي، وهذا ما يفسر إحياء المغرب لشراكاته الاستراتيجية مع كل من الصين وروسيا والاتصالات التي جرت علىأعلى المستويات وبمواكبة إعلامية رسمية مهمة. طبعا، هناك العديد من فرص التعاون التي يمكن أن تنبني عليها العلاقات المغربية الصينية والمغربية الروسية، وإذا كان الجزءالظاهر منها يتعلق بالتعاون في إطار محاربة كوفيد 19، فهناك احتمالات كبيرة جدا أن يكون قد جرى التداول بشأن العديدمن الملفات الأخرى الأكثر أهمية وذات البعد السياسي والاستراتيجي أثناء الاتصالات الهاتفية والمراسلات التي جرت علىأعلى المستويات، ولا شك أن الشهور المقبلة ستكشف لنا عن بعضها. بقي أن نقول إن السلوك الدبلوماسي الذي تبناه المغرب،لا يعتبر موقفا سلبيا ولا قطيعة بأي شكل من الأشكال مع المعسكر الأوروبي والعراب الأمريكي، بقدر ما هو سلوك دقيق وذكيجدا من أجل المتوقع والحفاظ على مسافة كافية للعمل والتحرك بحرية أكبر من الدول الأخرى، بل يمكن القول إن ذلك سيمكنالمغرب من التفاوض على شروط أفضل حول طبيعة العلاقات مع إسرائيل مستقبلا، إن هو اضطر إلى ذلك .