الملا عبد السلام ضعيف، رجل من رجالات الصف الأول في أفغانستان، وأحد الذين شاركوا في المفاوضات التي أددت إلى نشوء حركة طالبان، كان صوتا إعلاميا للزعيم الروحي لهذه الحركة الملا محمد عمر. مذكرات كتبها ضعيف بيده، وقال فيها كل شيء، باح بما له وما عليه: نشأته ودراسته في المدارس الدينية، ودوره في صد الحرب السوفياتية على أفغانستان. كشف خفايا علاقته بطالبان ما خبره من مفاوضات سرية وعلنية، داخلية وخارجية، وأسرار تقلبه في المناصب المتعددة التي تبوأها ومنها نائبٌ لوزير الدفاع ونائبٌ لوزير المناجم والصناعة. هنا في هذه المذكرات المثيرة، سيكشف الملا ضعيف، عن طبيعة العلاقة مع الأميركيين، وما يدور في ميدان المعارك، وخلف الكواليس السياسيّة من صفقات وأسرار. دوره منذ أحداث 11 شتنبر التي قلبت حياته وحياة بلده، وبعدها، حين كان صلة الوصل الوحيدة بين أفغانستان والعالم. قبل أن يصبح السجين رقم 306، في سجن غوانتانامو. إعداد: عادل الكرموسي خلال بضعة أعوام استقبلت الباكستان أكثر من مليوني لاجئ أفغاني. بدأت مخيمات صغيرة للاجئين ثم تحولت إلى مدن واسعة لمساعدة المجاهدين في صراعهم. وبمساعدة الوكالة، توحد المجاهدون، وأجبروا على اعتماد استراتيجية موحدة. واستمرت الوكالة بأداء دور أساسي مع الفصائل الجهادية حتى ظهور طالبان. في ذلك الوقت، كان الموظفون الصغار في الباكستان أشهر في أفغانستان مما هم في بلدهم الأم. وبصفتي ممثلا رسميا لإمارة أفغانستان الإسلامية، كان من المهم أن أحافظ على استقلاليتي من وكالة الاستخبارات الأجنبية هذه، لكنني لم أستطع تجنب تأثيرها تماما. حاولت ألا أكون ودودا جدا في تعاملي معها لئلا تستغلني، وفي الوقت نفسه ألا أكون حادا جدا لئلا ترفضني. كما حاولت أن أعمل بشكل رسمي، وألا أخبئ شيئا. وقد تركز معظم عملي في إقامة علاقة طيبة مع وزارة الخارجية. في يوم من الأيام دعاني مدير وكالة الاستخبارات، الجنرال محمود إلى الغداء. كانت تلك دعوة رسمية، لذا اسطحبت بعض موظفي السفارة. وكان الغداء في مقر الضيوف في مبنى وكالة الاستخبارات براوالباندي. بدا لي أن الجنرال محمود ونائبه الجنرال جيلاني هما من البنجاب. وشاركنا الغداء ضباط عاملون في "المكتب الأفغاني" مثل الضابط فاروق، والكولونيل غول، والرائد حمزه والرائد ضياء. وبدا لي أن رئيس المكتب الأفغاني من الباشتون. كانت تلك المرة الأولى التي اجتمع فيها بموظف الوكالة. وأول مرة أدخل مقرهم. رغم أنهم حاولوا لاحقا حل نزاعنا في أفغانستان. فإنني بقيت بعيدا عنهم، فالعمل سري هو من أكثر الأشياء التي أبغضها في حياتي. فأنا أرى في التجسس والعمليات السرية أمورا غير شريفة. وعلى الشخص أن يكون مختلفا جدا ليمارس مهنة قذرة كتلك. ومازلت أذكر أنهم حاولوا التقرب مني مرات عدة، حين كنت مدير وزارة الدفاع بالوكالة في كابول. وقد عرضوا علي الكثير من الأشياء، لكنني لم أفكر جديا بكل هذا قط. وعلى مدار الوقت الذي عملت فيه في وزارة الدفاع لم أكن أسمح لهم سوى بشيء واحد وهو زيارة لحل نزاع بين القبائل. حينها، سلموني رسالة تبلغ عن نزاعات بين القبائل كانت تحدث على الحدود في مقاطعة باكتيا جنوب شرق البلاد. في الحقيقة، كانوا يريدون أن يسيطروا على أراض أفغانية، قرب باكتيا. لكن الحدود ظلت كما هي واستطعنا أن نصل إلى حل داخلي لهذا النزاع. وخلال الوقت الذي عملت فيه سفيرا لم أبد موافقة لأي عرض من الوكالة أو رفضي له، بل حرصت على استخدام عبارات مبهمة لا تلزمني بأي أمر. وكان من مصلحة البلدين أن تجمعنا علاقة جيدة، فالأجواء العدائية تلحق الأذى معا. وبالمقابل، فان نشوء علاقة جيدة، سيفيد أفغانستان كثيرا، ذلك أنها كانت آنذاك بلدا استنزفتها الحرب والنزاعات الداخلية. وكان على البلدين أن يقيسا بحرص معادلة الربح والخسارة، بالإضافة إلى القيم المشتركة والأوضاع الثقافية والسياسية والاقتصادية والجغرافية المشتركة، التي زادت أهميتها عن الاختلافات. ولا ينبغي أن تحدد العلاقات المستقبلية بناء على النزاعات السابقة بين الأفراد أو الدول. بل إن مصلحة البلد هي التي تشكل دليلا لكل القرارات السياسية، ولا سيما القرارات التي تخص بلدا مجاورا. كما يفترض أن تعتمد العلاقة الثنائية على التطورات الاقتصادية والثقافية والاستقلال والاحترام المتبادل. باختصار، لا ينبغي وسم دولة بأنها عدو أو صديق، بل إن التعامل معها يجب أن يكون مبنيا على سياسات معتدلة تعتمد على المبادئ الأخلاقية. فالسياسة التي اتبعتها طوال الحياة خلال عملي كسفير وفي حياتي الخاصة استلهمتها على الدوام من مبادئ الإسلام واحترام الدول الأخرى، وتلك كانت سياستي الخارجية. كأي بلدين متجاورين تعدت العلاقة بين السفارة الأفغانية ووزارة الخارجية في الباكستان الحدود المتعارف عليها للعلاقات. فليس ما يجمع أفغانستان والباكستان مجرد حدود مشتركة فحسب، بل هما تشتركان في الثقافة والدين والأعراق واللغات نفسها. وجاء غزو الاتحاد السوفياتي ليوطد هذه الصلة أكثر فأكثر، إذ عبر حوالي ثلاثة ملايين أفغاني الحدود إلى الباكستان بحثا عن ملجأ. ولكن هذا العدد الكبير من اللاجئين شكل أعباء على السفارة الأفغانية وعلى وزارة الخارجية الباكستانية، حتى غدا توفير الأمن وتنظيم السكن وتنظيم اعتقال المجرمين من المهمات الملحة. ناهيك بوجوب التعامل مع التجار الذين يستوردون السلع التجارية عبر الباكستان وإيران. فتجارة الفواكه والحبوب ومنتجات سواهما بين الباكستان وأفغانستان، سبب المزيد من العراقيل، لا سيما بموضوع الأمن في المناطق الحدودية. وكان التعامل مع وزارة الخارجية. وهي المرجع الرسمي للسفارة، يشعرني بالارتياح، ولا سيما مع توفر إمكانية اللجوء إلى المسؤولين هناك عند مواجهة أي عرقلة أو مشكلة مع وزارات أخرى.