يعيش المغرب اليوم على إيقاع تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة، تفرض على القوى الحية في البلاد، وفي مقدمتها الأحزاب السياسية الوطنية الجادة، تحمل مسؤولياتها كاملة في الدفاع عن مصالح الوطن، وصون وحدة ترابه، وصيانة مكتسبات الشعب المغربي، والمساهمة الفاعلة في استكمال بناء دولة ديمقراطية حديثة قوامها العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والتنمية المستدامة. وفي قلب هذه التحولات يقف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، شامخا، متشبثا بتاريخه النضالي العريق، وفيا لمبادئه وقيمه التي انبنى عليها منذ تأسيسه، مناصرا لقضايا الوطن والمواطن، مدافعا عن الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة، ومنحازا دوما إلى صفوف الكادحين والطبقات الشعبية. فقد أثبت الحزب على مر العقود أنه حزب مواقف وصوت الضمير الوطني اليقظ، لا يساوم على مبادئه، ولا يرضى بالتواطؤ مع قوى الفساد أو الريع أو الظلامية التي تتربص بالمغرب ومكتسباته. ولا يمكن الحديث عن هذه الدينامية السياسية والاجتماعية التي يعرفها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، دون التنويه بالدور الريادي والعمل الدؤوب الذي يقوم به الأخ الكاتب الأول إدريس لشكر، الذي لا يدخر جهدا في استحضار ومناقشة مختلف القضايا المرتبطة بمصلحة الوطن ووحدة ترابه، واتخاذ المواقف الشجاعة والترافع من أجل تحقيق غاية الدولة الاجتماعية، كما جاءت في خطب جلالة الملك محمد السادس نصره الله. وأن ما يقوم به مناضلونا ومناضلاتنا من اشتغال مستمر في الميادين الاجتماعية والتضامنية والنقابية والسياسية، يظل ترجمة حية لروح الالتزام والمسؤولية، في إطار ملتمس الرقابة الشعبية، إيمانا منهم بأن العمل الحزبي الجاد هو رافعة أساسية لصون المكتسبات وتحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لم يكن يوما حزبا طارئا على المشهد السياسي المغربي، بل ظل دائما حزبا للأمل ومستقبل المغرب الجديد. نحن هنا مستمرون ولن نترك الديدان والخفافيش تعبث بتاريخنا المضيء. ففي مغرب الأمل، حيث تشق إرادة مواطنينا وكل المغاربة الأحرار من ريفه وأطلسه وصحرائه، شرقه وغربه، طريقها نحو بناء دولة اجتماعية قوية وعادلة، يظل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قلعة صامدة، عصية على الانكسار، متشبثا بخياراته الديمقراطية، مدافعا عن وحدة الوطن وإجماعه الوطني، وعن حق كل مواطن في العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية. نعم، إن حزبنا التليد، الحاضر والشاهد والممارس والمنتقد، ظل على الدوام صوت ضمير الوطن اليقظ، وهو الحصن المنيع في وجه كل محاولات الردة عن قيم الديمقراطية أو محاولات الالتفاف على مكتسبات الشعب المغربي. ولذلك، لم يتردد الاتحاد في خوض معارك فكرية وسياسية حامية الوطيس ضد كل قوى الظلام التي تريد إعادة الوطن إلى الوراء، وتحتكر الدين مطية للتسلط على العباد وخنق الحريات، متاجرة بشعارات التقوى والإيمان لإخفاء مشاريعها السلطوية ومصالحها الضيقة. وإننا اليوم نواجه كذلك الفكر التحريفي الانبطاحي، الذي يتزين بلبوس الواقعية السياسية، بينما يخفي في جوهره نزعة استسلامية وتبريرا لكل أشكال الظلم الاجتماعي والهيمنة الاقتصادية. هؤلاء المنبطحون يرفعون شعار «الواقعية» لتسويق سياسات لا وطنية، ولتجميل تحالفاتهم مع مراكز النفوذ المالي والاقتصادي، ولو على حساب كرامة الشعب وسيادته على ثرواته. ونقولها بلا مواربة: إن الاتحاد سيظل واقفا شامخا في وجه تجار الدين الذين يتلاعبون بمشاعر المواطنين، ويسعون إلى احتكار الفضاء الديني لفرض وصايتهم على العقول والضمائر. وسيظل أيضا في مواجهة مافيا الريع، التي لا تتورع عن امتصاص دماء الشعب ونهب خيرات الوطن، والباطرونا المتوحشة اللاوطنية التي ترى في هذا الوطن مجرد سوق مفتوح لمراكمة الإرباح دون أي التزام اجتماعي أو وطني تجاه العمال والكادحين، أو تجاه الدولة الاجتماعية التي ننشدها جميعا. هؤلاء جميعا هم الطابور الخامس الحقيقي، الذي يتحرك في الظل لتقويض جهود الحزب وقيادته، محركا الخفافيش والديدان، مغذيا البصاصين واللئام، في محاولات يائسة للنيل من الاتحاد وتاريخه آو التشويش على مساره الإصلاحي الجاد. لكننا نقول لهم اليوم، بكل يقين: إن بيت الاتحاد قوي، له رب يحميه، وله مناضلون أوفياء مستعدون لخسارة كل شيء إلا أن يطعنوا الاتحاد في ظهره. فالابن البار لا يغادر البيت ساعة الشدة، بل ينتقد ويصارح ويناقش من داخله، إيمانا منه بأن الاتحاد ليس ملكا لأشخاص أو قيادات عابرة، بل هو ملك جماعي صنعه تاريخ طويل من التضحيات والنضال. أما الدراويش بين قوسين، بكل أسف عميق، ممن ضاقت بهم رحاب الاتحاد، فسلكوا دروب التسكع على أبواب الخصوم، أو ارتموا في أحضان الطابور الخامس، فهؤلاء مكانهم خارج البيت، يلوكون الأكاذيب، ويطلقون السهام المسمومة، متوهمين أنهم قادرون على طمس تاريخ صنعه الشهداء والمناضلون الأوفياء. إن الدبلوماسية الحزبية التي ينخرط فيها الاتحاد اليوم، وطنيا ودوليا، ومكانته المرموقة داخل الأممية الاشتراكية، كلها شواهد دامغة على أنه حزب مؤسسات، حزب له مشروع واضح يتقاطع مع طموحات الشعب المغربي في بناء دولة اجتماعية قوية وعادلة، وفق النموذج التنموي الجديد الذي يضمن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لكل المغاربة. ونؤكد لهؤلاء جميعا أننا لن نترك الديدان والخفافيش تعبث بتاريخنا المضيء، ولن نتيح لهم فرصة تبخيس تضحيات المناضلين أو تشويه صورة حزب أسهم في صنع الاستثناء المغربي، وكان ولا يزال مدرسة للأمل، ومنارة للوطنية الصادقة، وحصنا منيعا في وجه كل من يتربص بمغرب الأمل والوحدة الوطنية والإجماع الوطني. الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزب لن يموت ولن يغسل كما قال بعض ممن سمحت لهم أنفسهم بتجاهل إباء عفة وأخلاق مناضلينا وشهدائنا، بل هو باق ويتمدد بروح الفكر والضمير الاتحادي المستمد من دماء شهدائه الطاهرين، الذين استرخصوا حياتهم من أجل استمرارية ورفعة هذا الوطن. فما تجرعه مناضلو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من مرارة زمن سنوات الجمر والرصاص، لم يذقه أي مناضل آخر في الأحزاب الأخرى، قاب قوسين أو أدنى من الموت أو السجن أو التشريد. واليوم، وأمام هذا الهامش من الحريات العامة الذي انتزعته نضالات مناضلينا ومناضلاتنا، وعلى رأسهم المجاهد عبد الرحمن اليوسفي، أصبح الكل يتحدث عن الديمقراطية والحرية وكأنها منحة نزلت من السماء، متناسين أن وراءها قوافل من المناضلين الذين دفعوا أعز ما يملكون. الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ماض نحو مؤتمره الوطني الثاني عشر بخطى ثابتة، متمسكا بتاريخه العريق وإرادة مناضليه الصادقين، منفتحا على المستقبل، ملتزما بقضايا الوطن والمواطنين، ومصمما على المساهمة في بناء مغرب جديد، حر، ديمقراطي، مزدهر، تسوده العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. (*)الكاتب الإقليمي للحزب بالحسيمة عضو المجلس الوطني