على الرغم من أن المغرب كان سباقا للإعلان عن إطلاق حملة واسعة ومكثفة للتلقيح ضد فيروس كورونا المستجد، وذلك في اجتماع كان قد ترأسه الملك محمد السادس في شهر نونبر من العام الماضي، بحضور وزير الصحة وعدد من المسؤولين الحكوميين والعسكريين، وتم الإعلان في دجنبر عن اقتناء 65 مليون جرعة من اللقاح، إلا أن الإطلاق الفعلي للحملة الوطنية تأخر لأشهر، ولم تنطلق فعليا إلا مع بداية شهر فبراير من هذه السنة، لتأخر وصول دفعات اللقاح التي كان قد أبرم المغرب صفقات للحصول عليها، حيث أطلقت الحملة مباشرة بعد تأمين المغرب لستة ملايين جرعة، غير أن تطورها على مدى الأشهر السابقة وإلى اليوم، بقي مرهونا بوصول شحنات اللقاح، في ظل تسابق دولي للحصول عليها. انطلاق عملية التلقيح في صفوف المواطنين، بدأت مطلع فبراير الماضي، مع المسنين الذين تتجاوز أعمارهم 80 سنة والعاملين في الصفوف الأمامية في مواجهة الوباء، من رجال شرطة وأطباء وصيادلة وأطر شبه طبية. ولكون المسنين، كانوا أول المواطنين المستفيدين من التطعيم ضد فيروس كورونا المستجد، فإن المراحل الأولى للتطعيم كانت لها انعكاسات مباشرة على عدد الحالات الحرجة جراء الإصابة بفيروس كورونا المستجد، وهو التأثير الذي بقي مستمرا وجعل أرقام شاغري أسرة الإنعاش في أقسام "كوفيد -19" في المستشفيات المغربية مستقرة، ومتجهة نحو الانخفاض أكثر فأكثر، حيث كان المغرب يسجل مع بداية انطلاق حملة التلقيح 744 حالة حرجة بسبب فيروس كورونا، وانخفض هذا العدد إلى 302 مع بداية شهر ماي، ثلاثة أشهر بعد انطلاق حملة التلقيح. ويفسر المسؤولون المغاربة انخفاض الحالات الحرجة المترتبة عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد مع بداية حملة التلقيح، بكون المسنين الذين كانوا يمثلون الفئة الأكثر عرضة لتدهور الوضع الصحي بعد الإصابة بكورونا وحاملي عوامل الاختطار، من أمراض مزمنة، تم تحصينهم بإخضاعهم للتلقيح ضد الفيروس.
مع توسيع السلطات المغربية لحملة التلقيح ضد فيروس كورونا، وتخفيض أعمار المستفيدين، حيث بدأت الحملة الآن تشمل من تصل أعمارهم ل55 سنة، بدأت عدة مؤشرات تعرف انخفاضا أكثر، مثل أعداد الحالات النشطة المصابة بفيروس كورونا المستجد، حيث كان يسجل المغرب مع انطلاق الحملة 13099 حالة نشطة حاملة للفيروس، وانخفض العدد بشكل كبير جدا ثلاثة أشهر بعد انطلاق التلقيح ليصل إلى 4256 حالة نشطة، مسجلا نوعا من الاستقرار خلال الأيام الأخيرة. حالات الوفيات بسبب فيروس كورونا المستجد، عرفت تذبذبا منذ انطلاق حملة التلقيح ضد فيروس كورونا المستجد، حيث كان المغرب يسجل ما معدله 12 حالة وفاة يومية بسبب الفيروس مطلع شهر فبراير الماضي مع بداية حملة التلقيح ضد فيروس كورونا المستجد، وهو الرقم الذي عرف ارتفاعا على الرغم من انطلاق حملة التلقيح، ووصل إلى 14 حالة مع بداية شهر مارس، قبل أن يعود للاستمرار في الانخفاض منذ شهر أبريل الماضي، حيث بات المغرب يسجل يوميا أقل من عشر حالات وفاة بسبب الفيروس، وسط مؤشرات تشير إلى استمرار التراجع اليومي في هذا المؤشر، تزامنا مع تقدم حملة التلقيح. مع إعلان المغرب على إطلاق حملة التلقيح ضد فيروس كورونا المستجد، وتعميمها مع بداية شهر فبراير الماضي بعد توصله بملايين الجرعات من لقاحي "آسترازينيكا" و"سينوفارم"، كانت حملة التلقيح في ذروتها، حيث كان يتم تلقيح ما يفوق 200 ألف شخص يوميا، وسجلت الحملة ذروتها، بتمكين أزيد من مليون مواطن من الجرعة الأولى للقاح في أسبوع واحد، إلا أنه ومع النصف الثاني لشهر مارس، سجلت الحملة أدنى مستوياتها، فيما يشبه التوقف، حيث انخفض المعدل الأسبوعي للتلقيح بالجرعة الأولى إلى 38 ألف جرعة في الأسبوع الثالث من شهر مارس، وهو ما يتم تفسيره بتأخر التوصل بجرعات لقاح فيروس كورونا. في بداية شهر ماي، توصل المغرب بجرعات جديدة، ما أعاد لحملة التلقيح ضد فيروس كورونا المستجد جزءً من نشاطها، لتستعيد زخمها تدريجيا، بارتفاع عدد المتلقين للجرعة الأولى من اللقاح المضاد للفيروس، وتوسيع قائمة المستفيدين منها، بتخفيض الأعمار إلى 55 سنة. ارتباط أعداد المستفيدين من حملة التلقيح في المغرب، كان منذ بداية الحملة مرتبطا بجرعات اللقاح التي تتوصل بها البلاد، وفي ظل تعثر تأمين ما يكفي منها، لجأ المغرب بداية شهر مارس للترخيص للقاحات جديدة، منها لقاح "سبوتنيك" الروسي و"جونسون آند جونسون" الأمريكي- الألماني، وهو اللقاح الذي طلبه المغرب، ويراهن على التوصل بجرعات منه لدعم حملة التلقيح ضد فيروس كورونا، خصوصا أنه لا يعتمد سوى على جرعة واحدة.
ومن بين أبرز مميزات حملة التلقيح في المغرب، الاستعانة برجال السلطة لإيصال اللقاح للفئات المستهدفة، حيث بدأ رجال السلطة قبل التوصل باللقاح بجرد المسنين الذين يفترض أن يستفيدوا ضمن الفئات الأولى من الحملة، وجرى التواصل معهم بشكل شخصي لإخبارهم بمواعيد التلقيح ومركزه، كما طلب وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت في نهاية شهر فبراير، من الولاة والعمال إرسال فرق خاصة إلى منازل المسنين البالغين من العمر أكثر من 85 سنة، والذين لم يتمكنوا من الذهاب إلى مراكز التلقيح، لإخضاعهم للتلقيح داخل بيوتهم.
تمكن المغرب إلى حدود بداية شهر ماي 2021 من تمكين أزيد من 11 في المائة من ساكنته بجرعتي اللقاح المضاد لفيروس كورونا المستجد في مختلف الأقاليم، بعدما كان قد رصد إمكانيات كبيرة تضمن توزيع جرعات اللقاح على كل مناطق البلاد، بما يضمن الحفاظ على درجة الحرارة التي تحتاجها، حيث جرت تهيئة 2880 محطة لتوزيع اللقاحات على المستوى الترابي، مع إعداد لوائح فرق التلقيح، وتم اقتناء 328 من خزائن التبريد و1029 من الثلاجات و236 من المجمدات و2084 من صناديق متساوية الحرارة، و3434 من حاملي اللقاح، و62 ألف و116 من مجمعات التبريد، 5000 وعاء حافظ للحرارة أو البرودة، و17002 مسجلات درجات الحرارة.
ومن بين أبرز أوجه تسهيل عملية التلقيح ضد فيروس كورونا المستجد في المغرب، اعتماده على نظام معلوماتي يشمل التسجيل التلقائي في لوائح الاستفادة من اللقاح، بالنسبة للأشخاص الذين يتوفرون على البطاقة الوطنية أو تصريح الإقامة، حيث يتم إرسال رسالة قصيرة الى المعنيين بالأمر عبر رقم "1717 "لإبلاغهم بتاريخ ومركز التلقيح، ويتم تذكير المستفيدين برسائل قصيرة بتواريخ الجرعتين الأولى والثانية، بالإضافة إلى تزويد فرق التلقيح بلوحات إلكترونية متصلة بالإنترنت، من أجل تسجيل الأشخاص المستفيدين من التلقيح. ومن أجل التتبع عن بعد للأشخاص المستفيدين من التلقيح، أطلقت وزارة الصحة تطبيق "جواز الصحة" ومنصة "Yakadaliqah" اللذين يمكننان من تتبع وتسجيل الآثار الجانبية في حالة حدوثها سواء عن طريق التصريح المباشر من الشخص المعني أو عن طريق مهنيي الصحة على مستوى المؤسسات الصحية، كما تمكن من إدارة مخزون اللقاحات والحقن والمواد المختلفة الأخرى، مع ضمان إمكانية تتبع المنتجات من المستودع المركزي إلى مركز التلقيح.
وعلى الرغم من عدم استقرار أعداد المستفيدين من حملات التلقيح ضد فيروس كورونا المستجد، فإن المغرب يواصل السير بثبات نحو تحقيق المناعة الجماعية ضد فيروس كورونا، حيث أصبح من "الدول العشر الأوائل التي أكملت بنجاح تحدي التلقيح"، بحسب ما جاء في تغريدة على الحساب الرسمي لمكتب منظمة الصحة العالمية في المغرب، والذي هنأ الرباط على نجاح حملة التطعيم الجماعية، وسط مراهنة وزارة الصحة على تلقيح 30 مليون مواطن في أقرب الآجال، أي ما يناهز ثمانين في المائة من السكان، بهدف بلوغ المناعة الجماعية.