ترامب وبوتين يحلان بألاسكا من أجل عقد قمة تاريخية            القنيطرة: توقيف شخص تورط في السياقة الاستعراضية بالشارع العام وعرض مستعملي الطريق للخطر    الحسيمة.. حادثة سير خطيرة على الطريق الساحلي بجماعة اجدير (صور)    الذهب يتجه إلى خسارة أسبوعية    قتيل في إطلاق نار قرب مسجد بالسويد    "الشان"..تعادل النيجر وجنوب إفريقيا    موجة حر مع "الشركي" وزخات رعدية من الجمعة إلى الاثنين بعدد من مناطق المملكة    موجة حر شديد تدفع إسبانيا للرفع من حالة التأهب        بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين 2024 .. نهائي قبل الأوان بين المغرب والكونغو الديمقراطية    "الجمعية" تندد باعتقال ابتسام لشكر وتعتبره تعسفياً    في ظل الصمت الرسمي.. مطالب مستمرة بالكشف عن ملابسات ما تعرض له سيون أسيدون    عشرات الاحتحاجات بالمدن المغربية نصرة لغزة واستنكارا لاستهداف الصحافيين العاملين بها    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    "ربيع الكرامة" يدعو إلى رقابة المحكمة الدستورية على المسطرة الجنائية لإسقاط فصول مكرسة للتمييز ضد النساء    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا        حكومة لبنان تدين "تهديد" حزب الله    اعتراض سفينة محملة بثلاثة أطنان من الكوكايين غرب جزر الكناري بتعاون مع المغرب    من نزاع إقليمي إلى خطر إرهابي عالمي: نداء لتصنيف "البوليساريو" على لوائح الإرهاب        مشاريع المياه المهيكلة بسوس.. رؤية ملكية استراتيجية لمواجهة الجفاف لا ورقة للركمجة والمزايدات السياسية                الملك محمد السادس يهنئ رئيسة جمهورية الهند بمناسبة عيد استقلال بلادها    هيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة: ارتفاع صافي الأصول تحت التدبير بنسبة 9,12 في المائة متم شهر يوليوز (جمعية)    الحكومة تراهن على "التوازن" بين رعاية الحيوانات الضالة والأمن العام    الحسيمة.. المضاربة ترفع أسعار الدجاج والسردين إلى مستويات قياسية    الشرطة الإسبانيا تطالب باتفاق مع المغرب لإعادة المهاجرين    سبيس إكس تطلق 28 قمرا صناعيا إضافيا إلى الفضاء    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط تندد باعتقال ابتسام لشكر وتعتبره تعسفياً    طقس حار في توقعات اليوم الجمعة بالمغرب    كرنفال وعروض موسيقية وفروسية في افتتاح مهرجان وادي زم    منظمة حقوقية تشكل لجنة لتقصي أسباب حرائق شفشاون    بطولة إنجلترا.. الأنظار نحو شيشكو ويوكيريس في قمة يونايتد وأرسنال    هويلوند يرحب بالانتقال إلى ميلان الإيطالي    العين يفتقد رحيمي في افتتاح الدوري    اختتام المؤتمر العالمي الخامس للتصوف بفاس بإعلان تأسيس "التحالف العالمي لأهل التصوف"    إحتارن يقترب من محطة جديدة في الدوري الهولندي        "كارثة طبية" أدت لوفاة العشرات في الأرجنتين    طاقم الإسعاف بتعاونية الجرف SST... جندي الخفاء بموسم مولاي عبد الله    المستثمر المغربي بمدريد.. محمد النقاش عريس سهرة الجالية بمسرح محمد الخامس    عادل شهير يطرح كليب أغنيته الجديدة سيري باي باي -فيديو-    القضاء الكوري يرفض تعويض ملحن أمريكي    ألفيس بيريز: البطل الذي فتح... صخرة    دراسة: ألم "فصال الركبة" يخف بتدريب المشي    الدورة الثانية لمهرجان "سيني بلاج" من 15 إلى 30 غشت الجاري بعدد من مدن المملكة    سلطان يلهب الجمهور ب"الركادة"    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تنزيل القضاء المغربي لمقتضيات الدستور (مبدأي الأمن القانوني والقضائي نموذجا)

يعتبر كل من مبدأ الأمن القانوني ومبدأ الأمن القضائي لازمين أساسيين لحماية حقوق وحريات المواطنين من الآثار الجانبية والسلبية للقانون ولضمان صدور أحكام منصفة وعادلة تتطابق فيها الحقيقة القضائية مع الحقيقة الواقعية، وذلك بتوفير المتطلبات التي تعزز الثقة والاطمئنان في المؤسسة القضائية، وفي هذه الورقة الموجزة سوف أتطرق إلى:
1 مفهوم الأمن القانوني والقضائي.
2 موقعهما في الدستور المغربي.
3 كيف طبقهما القضاء المغربي.
1 مفهوم الأمن القانوني والقضائي:
ذهب الفقه كما هي العادة في تعريف مبدأ الأمن القانوني مذاهب شتى فالبعض عرفه بأنه مبدأ من مبادئ القانون الأساسية التي تهدف إلى حماية المواطنين من الآثار الجانبية والسلبية للقانون من خلال تناقضات أو تعقيدات القوانين واللوائح أو التغييرات المتكررة، ومنهم من عرفه بأنه ضرورة وضوح القاعدة القانونية وسهولتها وعدم غموضها ومنهم من أورد تعريفا منصبا على ما يجب أن يتوفر في كل قانون من خصائص والتي تتمثل في ثلاثية الوضوح، والاستقارر، والقابلية للتنبؤ.
ومبدأ الأمن القانوني ليس مبدأ حديثا بل إنه تم تكريسه من طرف المحكمة الدستورية بألمانيا منذ سنة 1961 ليتم بعد ذلك تأكيده من طرف كل من محكمة العدل للمجموعة الأوربية في قرار لها يعود لسنة 1962 والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان منذ سنة 1981 ليتم إدخاله بعد ذلك في القوانين الداخلية لعديد من الدول.
أما مبدأ الأمن القضائي فهو مفهوم يرتبط بالمبدأ الأول لكونهما مقترنين من جهة، ولأن القضاء هو الذي يسهر على تنزيل ذلك المبدأ عند تطبيقه للقانون وحماية الحقوق والحريات من جهة أخرى، وإذا ما تجاوزنا التعريف النظري نجد أن الأمن القانوني له تجليات تتمثل في ضرورة احترام القانون لمجموعة من المبادئ الفرعية المتمثلة في:
– واجب القاضي بالبت طبق القوانين المطبقة يوم تقديمه الطلب.
– عدم رجعية القواعد القانونية.
– الآثار الملزمة لاتفاقات الأطراف.
– التأويل في أضيق نطاق للنصوص الجزائية.
– احترام آجال الطعون والتقادم.
– احترام قوة الشيء المقضي.
– حماية مبدأ الثقة المشروعة.
كما أنه بالنسبة للأمن القضائي فإن وجوده يستوجب تحقيق المتطلبات التالية:
– استقلال القضاء وبمدلوليه الشخصي والموضوعي أي أن يكون القاضي مستقلا وغير تابع لأية جهة، وأن تكون السلطة القضائية مستقلة عن باقي السلطات من جهة أخرى.
– المساواة بين الخصوم أمام القضاء واحترام حقوق الدفاع.
– تعليل الأحكام القضائية لتعزيز ثقة المتقاضين بأحكام القضاء.
– فتح باب الطعون أمام المتقاضين في الأحكام الصادرة عن المحاكم.
– وضع الضمانات اللازمة لأجل تنفيذ الأحكام.
2 الأمن القانوني والقضائي في الدستور المغربي:
أ- الأمن القانوني: لم يتضمن الدستور المغربي لسنة 2011 أية إشارة صريحة إلى مبدأ الأمن القانوني غير أن نصوصه المتفرقة تنطق بما يمكن اعتباره تكريسا جزئيا لبعض مظاهر المبدأ المذكور من خلال تنصيصه في الفصل 6 الفقرة الأولى على أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع أشخاص ذاتيين واعتباريين بما فيهم السلطات العمومية متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له، وفي الفقرة الأخيرة على مبدأ عدم رجعية القوانين، وفي الفصل 117 على كون القاضي يتولى حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون، وفي الفصل 118 على أن ضمان حق التقاضي لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون وفي الفصل 119 على اعتبار كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا، إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي، مكتسب لقوة الشيء المقضي به، وفي الفصل 126 على إلزامية الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء للجميع، وهي كلها مبادئ متفرعة عن مبدأ الأمن القانوني فضلا عن كون النص على الأمن القضائي هو تأكيد لدسترة الأمن القانوني لارتباط المفهومين واقترانهما ولكون الأمن القضائي تتجلى أهميته في تعبئة القضاء لحماية الأمن القانوني سواء أكان قضاء عاديا أو إداريا أو دستوريا.
ب: الأمن القضائي:
يعتبر الدستور المغربي من الدساتير القليلة التي نصت على كون الأمن القضائي هو حق من حقوق المتقاضين، وهكذا جاء في الفصل 117 منه ان « القاضي يتولى حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون » والمقصود بالطبع القانون المطبق يوم تقديم الدعوى، كما أن فصول أخرى من الدستور قد وضعت موضع التطبيق الآليات القانونية لتنزيل المبدأ المذكور بجعل القضاء سلطة مستقلة عن باقي السلطات من خلال النص في الفصل 107 على أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية، وأن الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية (ومعلوم أن دستور 1996 في فصله 82 كما ينص على أن » القضاء مستقل عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية » دون ذكر أنه سلطة، أما في نصه الفرنسي فكان يعتبره Autorité وليس Pouvoir ( وفي الفصل 109 على استقلال القاضي بالنص على ضمانات استقلاله ومعاقبة كل محاولة للتأثير عليه بصفة مشروعة، وفي الفصل 110 على ضرورة صدور الأحكام مؤسسة على التطبيق العادل للقانون وفي الفصل 118 على ضمان حق التقاضي وحقوق الدفاع، وفي الفصل 120 على الحق في المحاكمة العادلة وفي الفصل 125 على وجوب تعليل الأحكام وفي الفصل 126 على إلزامية الأحكام النهائية للجميع.
3 تطبيق القضاء المغربي لمبدأي الأمن القانوني والقضائي:
1- تطبيق القضاء المغربي لمبدأ الأمن القانوني:
إن القضاء المغربي شأنه شأن القضاء المقارن لا تثريب عليه إن لم يشر في قراراته إلى تطبيق المبدأ المذكور صراحة بل يكفي أن تكون مقرارته مستندة إلى تجليات ذلك المبدأ ليكون مطبقا له، وهكذا فبالرجوع إلى قرارات المحاكم المغربية وفي حدود اطلاعي على تلك القرارات يتبين أنه يطبق المبدأ إما بشكل صريح أو بشكل ضمني، وذلك من خلال إقراره للمبادئ التالية:
أ- إخضاع القضايا المعروضة على القضاء للقانون الواجب التطبيق وقت المعاملة إذ جاء في قرار محكمة النقض عدد 254/1 الصادر بتاريخ 09/03/2023 في الملف 9094/0/1/2021 على أنه لا يمكن تطبيق مرسوم جديد على قرار الاستقالة احتراما لمبدأ عدم رجعية القوانين.
ب – احترام مبدأ عدم رجعية القوانين إذ جاء في القرار رقم 936/1 الصادر بتاريخ 07/09/2023 في الملف الإداري عدد 5488/0/1/2021 إن « مبدأ عدم رجعية – القوانين يمنع مواجهة مقدم طلب توظيف بالمقتضيات الجديدة التي لم تدخل حيز التنفيذ إلا بتاريخ لاحق » فالقراران أعلاه طبقا مبدأين أساسيين متفرعين عن مبدأ الأمن القانوني وهما: مبدأ عدم رجعية القوانين ومبدأ تطبيق القانون الساري المفعول مع ما يعنيه ذلك من عدم سريان القانون الجديد على الوقائع والتصرفات السابقة لدخوله حيز التنفيذ تحقيقا لاستقارر المعاملات وعدم التفاجؤ بتغيير القانون، إذ أنه وعلى حد قول المحامي والأكاديمي كرسيتان مولي فإنه « من الظلم الشديد أن يحكم على أفعال أو عقود أو توقعات شخص ما استنادا إلى قانون لم يكن موجودا وقت اتخاذ قارارته « وكما أن من نتائج احترام المبدأين ترسيخ مبدأ آخر هو مبدأ الأمن التعاقدي بما يعنيه من عدم تأثر العقود المبرمة قبل صدور القانون الجديد بما جاء به من تغييرات أو تعديلات ضمانا لاستقرار المعاملات وحماية لحقوق المتعاقدين ولمراكزهم القانونية.
‌ج- احترام قوة الأمر المقضي به: من أهم مظاهر الأمن القانوني استحالة البت من طرف القضاء من جديد في قضايا صدرت بشأنها مقررات نهائية تم استنفاذ طرق الطعن فيها، ومحكمة النقض مستقرة على تطبيق المبدأ المذكور) قرار 117/2023 الصادر بتاريخ 08/03/2023 في الملف التجاري عدد 1192/3/2/2021 و163/2023 الصادر بتاريخ 23/02/2023 في الملف المدني 3249/1/4/2022).
‌د- تطبيق مبدأ الثقة المشروعة: إذا كانت القرارات المشار إليها آنفا تعتبر تجسيدا لمقتضيات كان معمولا بها في المغرب ومنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود ) الفصل 451( أو في قانون المسطرة المدنية ) الفصل 3(حتى قبل دستور 2011 بل وتنضح بهما قرارات محكمة النقض ) تنظر مثلا القرارات ذات الأرقام 2236/2014 و536/2011 و 220/2006( فإن تطبيق محكمة النقض لمبدأ الثقة المشروعة يبقى سابقة قضائية يمكن اعتبارها تنزيلا فعليا لمقتضيات الدستور الجديد، وهكذا ففي قرارهاعدد 611 الصادر بتاريخ 09/07/2015 في الملف 1394/0/2/2014 ذهبت محكمة النقض إلى تكريس المبدأ المذكور بشكل صريح من خلال التأكيد على أنه » لما كان الأمر يتعلق بعمال مقيمين بالخارج يستفيدون من الإعفاء حسب دورية مديرية الضرائب رقم 715 إذا توفرت شروط المادة 63 من المدونة العامة للضرائب، فإن ما ورد من تفسير بالدورية المذكورة يكون ملزما للإدارة في مواجهة الملزمين إعمالا لمبدأ الثقة المشروعة الذي يجعل من اطمئنان الملزم لتفسير الإدارة للقانون بواسطة الدوريات الصادرة عنها لمعرفة حقوقه ضرورة مردها ثقته في التفسير المذكور، والتي على أساسها قام بالتصرف على نحو معين، ومن ثم فلا مجال للاعتماد على إيصالات أداء الماء والكهرباء للقول بوجود المدة القانونية للإعفاء من عدمه لإمكانية أن يتم قطع التيار لعدم الأداء أو لأسباب أخرى لوجودهم خارج الوطن. والمحكمة بعدم مراعاتها لتلك الأمور واستبعادها الشهادة الإدارية المثبتة لاستغلالهما للسكن المذكور كسكن رئيسي خلال المدة القانونية دون مبرر مقبول يكون قرارها عرضة للنقض »
ومما يحسب إيجابيا للمشرع الضريبي أنه بمقتضى البند 1 من المادة 6 من القانون المالية لسنة 2023 قد ساير القرار أعلاه بنصه صراحة على أنه يعفى من الضريبة على الدخل / الأرباح العقارية « السكن الذي يحتفظ به المغاربة المقيمون بالخارج كسكن لهم بالمغرب أو الذي يشغله مجانا أزواجهم أو أصولهم أو فروعهم من عمود النسب المباشر من الدرجة الأولى ».
‌ه- تطبيق المبدأين من طرف المحكمة الدستورية:
يعتبر قارر المحكمة الدستورية رقم 25/255 الصادر بتاريخ 04/08/2025 مجسدا لمبدأي الأمن القانوني والقضائي، إذ أن المحكمة مصدرته قد ضمنت تعليلها إشارات واضحة وصريحة إلى كون المبدأين المذكورين يعتبران من ضمن القواعد الدستورية الواجب احترامها، وإذا كان مبدأ الأمن القضائي قد نص عليه الدستور صراحة فإن مبدأ الأمن القانوني ومبدأ الثقة المشروعة المتفرع عنه ليس في الدستور المغربي نص صريح عليهما )كما سبق بيانه في الفقرة 2 أعلاه من هذا المقال( غير أن المحكمة الدستورية اعتبرتهما في مصاف القواعد الدستورية لما استندت إليهما في القول بعدم مطابقة بعض مواد مشروع قانون المسطرة المدنية للدستور، وهكذا يتبين من القرار المذكور أنه استند للقول بعدم مطابقة المادة 17 من المشروع للدستور إلى مبدأ الأمن القضائي المكفول للمحكوم لصالحهم بما يعطيهم من حق التمسك بحجية المقرارت القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به، أما بشأن المادة 84 فقد اعتمدت مبدأ الأمن القضائي وما يتفرع عنه من الثقة المشروعة التي تم الإخلال بهما بما هما من الحقوق المقررة لفائدة المطلوب تبليغهم.
ولا شك أن المقتضيات التي أكدت المحكمة الدستورية عدم مطابقتها للدستور هي مقتضيات جوهرية تمس بالمبادئ الدستورية المستمدة من الأمن القانوني والقضائي لكن أليس هناك مقتضيات أخرى في مشروع قانون المسطرة المدنية تخل بالمبدأين المذكورين وتمس بحقوق المتقاضين بل وتضرب في الصميم حقوقهم ومبدأ المساواة أمام القانون كان يتعين التصريح بعدم مطابقتها للدستور، وأقصد بشكل واضح ما جاء به مشروع قانون المسطرة المدنية من امتيازات لفائدة الأشخاص المعنوية والعامة بما فيها السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف وشركات الدولة المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى عن طريق النص على أن المقررات القضائية الصادرة في تلك الأشخاص لا تصبح قابلة للتنفيذ عليها إلا بعد صدور قرار محكمة النقض، وكذا النص على عدم جواز الحجز على ممتلكاتها وحساباتها عن طريق مسطرة الحجز لدى الغير.
إن المحكمة الدستورية صرحت وعن صواب بعدم مطابقة المادة 17 من المشروع للدستور استنادا إلى الفصول 6 و 117 و 126 منه فهل مقتضيات المادة 383 ) ف 4 و 5 و6( المادة 502 ) ف 1( و المادة 572 ) ف 1( جاءت مطابقة للدستور، من وجهة نظري المتواضعة، فإن تلك المقتضيات مخالفة للدستور وتضرب مبدأي الأمن القانوني والقضائي، فإذا كان الفصل 6 من الدستور نص على مبدأ مساواة الأشخاص الذاتيين والاعتباريين بما فيهم السلطات العمومية أمام القانون وعلى أنهم ملزمون بالامتثال له، فأين هي المساواة إذا كان المحكوم له ضد الأشخاص المعنوية العامة أو حتى شركات الدولة وهي شخص من أشخاص القانون الخاص يواجه بوقف التنفيذ متى تقدمت تلك الأشخاص بالطعن بالنقض ضد المقرر الصادر لفائدته، في حين أنه لا يستفيد من نفس المقتضى إذا كان محكوما عليه وطعن بالنقض وكيف تكون الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع ) 126 من الدستور( ويكون مفهوم نهائية الحكم مختلفا بحسب الحالة التي تكون فيها الأشخاص المعنوية العامة وشركات الدولة محكوم عليها والحالة التي تكون فيها محكوم لها فهي نهائية بالنسبة لها حينما تصبح غير قابلة للطعن بطرق الطعن العادية إذا كانت محكوم لها لكنها لا تصبح نهائية إذا كانت محكوم عليها إلا بعد صدور قرار محكمة النقض متى كانت هي الطاعنة، بل أين هو احترام المساواة ونهائية الأحكام إذا كان غير ممكن الحجز على أموال الأشخاص المعنوية العامة، وكان بإمكانها هي الحجز على أموال المحكوم عليهم لفائدتها، علما بأن ضمانات تنفيذ الأحكام هي مظهر من مظاهر الأمن القضائي.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن هناك من قد يعترض على هذا الكلام بعلة أن قضايا أخرى نصت المسطرة المدنية السابقة والمشروع الجديد على كون الطعن بالنقض فيها يوقف التنفيذ وبالتالي فليس هناك أي إخلال بمبدأ المساواة، والجواب على مثل هذا الاعتراض هو أنه بالنسبة لقضايا الأحوال الشخصية والزور والتحفيظ العقاري فإن وقف التنفيذ الناتج عن الطعن بالنقض يستفيد منه طرفا الخصومة معا ولا يستأثر به أحدهما دون الآخر عكس ما هو عليه الحال بالنسبة للمقررات الصادرة ضد الأشخاص المعنوية العامة وشركات الدولة والأوقاف، إذ أن وحدها تستفيد من الوقف دون خصومها، فضلا عن أن تلك القضايا يصعب فيها إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه فلو أن مقررا صدر بعدم صحة التعرض وقام المحافظ بتحفيظ العقار في اسم طالب التحفيظ، فإن ما يترتب على التحفيظ من تطهير العقار من جميع الحقوق السابقة يجعل في حالة نقض المقرر من المستحيل إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، أما الاعتراض الثاني فهو أن هناك قوانين خاصة تجعل الطعن بالنقض في بعض القضايا موقفا للتنفيذ منها مدونة الأوقاف في المادة 57 والجواب عن هذا الاعتراض هو أن هذه المدونة لم تعرض على المحكمة الدستورية لمراقبة مدى مطابقة موادها للدستور رغم أنها فعلا غير مطابقة له.
نعم هناك إكراهات معقولة تستوجب الحرص على الأموال العامة لكن أليس للمشرع ثقة في أن القضاء المغربي قادر على حماية تلك المصالح مع مراعاة الموازنة بين حماية المال العام وحماية المصالح الخاصة لخصوم تلك الأشخاص، ألم يكن من الأجدر أن يعطي لمحكمة النقض صلاحية البت في طلبات إيقاف التنفيذ بخصوص القارارت المطعون فيها أمامها بالنقض حتى لا تستغل تلك الأشخاص الطعن بالنقض كوسيلة لأجل التملص من تنفيذ المقررات النهائية عن طريق التعسف في استعمال الطعن المذكور.
إن الأسئلة المطروحة سيكون على القضاء أن يجيب عنها عن طريق ترسيخ اجتهاد قضائي منصف للمتقاضين من كل تعسف أو محاولة لتمطيط النزاعات والامتناع غير المبرر عن التنفيذ، ومراع في نفس الوقت للمصلحة العامة ولضرورة حماية المال العام. 2- تطبيق القضاء المغربي لمبدأ الأمن القضائي:
أ‌- تعليل الأحكام: يعتبر تعليل الأحكام ببيان المبررات الواقعية والقانونية التي كانت وارء صدو رها أحد أبرز عناصر الأمن القضائي لأجل تعزيز الثقة بالمقرارت القضائية، وقرارات محكمة النقض زاخرة بما يفيد وجوب التعليل تحت جازء النقض والإحالة متى كانت الدفوع المتمسك بعدم الجواب عليها دفوعا جوهرية، ومن أمثلة تلك القرارات ) القرار عدد 467 الصادر بتاريخ 17/10/2019 في الملف التجاري عدد 616/3/1/2018 والقرار عدد 186 الصادر بتاريخ 19/03/2019 في الملف الشرعي عدد 773/2/1/2018 والقرار عدد 506 الصادر بتاريخ 24/09/2019 في الملف المدني عدد 6770/1/4/2018( بل إن المستقر عليه في قضاء محكمة النقض أنه حتى بالنسبة لقراراتها غير المعللة فإنها تقبل الطعن بإعادة النظر متى كان انعدام التعليل متجليا في عدم الجواب عن وسيلة من وسائل النقض أو جزء منها أو على دفع مؤثر بعدم القبول) قرار عدد 472 الصادر بتاريخ 17/10/2019 في الملف التجاري عدد 316/3/1/2018).
ب‌- حماية حقوق الدفاع: إن من بين أهم تجليات الأمن القضائي المساواة بين الخصوم أمام القضاء بما يعنيه من تمكين الطرفين من حق الدفاع واحترام المسطرة التواجهية وهكذا دأبت محكمة النقض على نقض القرارات التي تخرق المبدأ المذكور )قرار عدد 1194 بتاريخ 13/06/2006 في الملف المدني 304/3/1/2004 وقرار 2563 الصادر بتاريخ 22/05/2012 في الملف 1947/1/2/2011).
إن القرارات التي سبق الإشارة إليها أعلاه هي مجرد غيض من فيض تؤشر على الدور المحوري للقضاء المغربي في حماية الأمن القانوني والقضائي للمتقاضين، غير أن ذلك لا يعني أنه يوفق دائما في الالتزام بالمبدأين المذكورين خاصة بالنسبة لقضاء الموضوع ولا أدل على ذلك من أن ترتيب جزاء النقض على مقررات محاكم الاستئناف لانعدام التعليل أو عدم احترام حقوق الدفاع هو نتيجة لعدم احترام تلك المحاكم لمبدأ الأمن القضائي لعدم تعليل مقرراتها وصدورها دون احترام حقوق الدفاع، بل إن هناك بعض الحالات التي يتم فيها خرق مبدأ الأمن القانوني في بعض المقررات القضائية وسوف أقتصر في هذا المقال على حالة واحدة تتمثل في كيفية تطبيق المحاكم التجارية لقانون 49.16 إذ ان القانون المذكور ومن ضمن مقتضيات جديدة عدة جاء بها قد أقر قاعدة أساسية تتعلق بمعايير تحديد التعويض المستحق للمكتري عن الإفراغ، إذ نصت المادة 7 في الفقرات 2 و 3 و 4 على أنه « يعادل التعويض ما لحق المكتري من ضرر ناجم عن الإفراغ ويشمل قيمة الأصل التجاري التي تحدد انطلاقا من التصريحات الضريبية للسنوات الأربع الأخيرة… »،
إن المقتضى المذكور لما جاء به المشرع قصد من ورائه أن يحد مما كان يشوب الأحكام الصادرة في إطار ظهير 24/05/1955 من مبالغة أو تبخيس في تحديد التعويض المحكوم به عن إفراغ المحلات التجارية اعتمادا على السلطة التقديرية للمحكمة المستندة بدورها إلى تقدير الخبراء من جهة، ومن جهة أخرى دفع المكترين إلى الالتزام بالشفافية في تصريحاتهم الضريبية واحترام القانون، بحيث تكون تلك التصريحات المعتمدة على القوائم التركيبية تعطي صورة صادقة لأصول المنشأة وخصومها ولوضعيتها المالية ونتائجها )المادة 11 من القانون 9.88).
إن وضع تلك المعايير من طرف قانون 16.49 يوجب على المحاكم الامتثال لها، وبالتالي إلزام الخبراء ببيان تلك العناصر في تقارير الخبرة وبيان الأسس المحاسبية والتقنية المعتمد عليها في تقدير التعويض انطلاقا من تلك العناصر استنادا إلى محاسبة المكتري، غير أن بعض محاكم الموضوع تقفز على المقتضى المذكور وتعتبر في تعليلها أن المادة 7 » لم تحدد التصريحات الضريبية كعنصر وحيد لتحديد التعويض عن الإفراغ وإنما هناك عناصر أخرى، وما يؤكد ذلك العبارة الواردة في المادة المذكورة ) انطلاقا من التصريحات الضريبية (. مما يعني أن المحكمة لها السلطة التقديرية لتحديد التعويض أخذا بعين الاعتبار العنصر المذكور » ) ينظر على سبيل المثال قرار محكمة الاستئناف التجارية بفاس عدد 2189 الصادر بتاريخ 10/12/2019 في الملف عدد 483/8206/2019( وهو اتجاه يفرغ المادة 7 أعلاه من محتواها فعبارة انطلاقا تعني أن يكون تقدير التعويض مؤسسا على تلك التصريحات لا على التقدير الجزافي، ومما يؤكد ذلك نص تلك المادة كما هو وارد في
النسخة الفرنسية إذ جاءت بالصيغة التالية:
)l'indemnité comprend la valeur du fonds de commerce estimé sur la base des déclarations fiscales...)
وهو ما يعني أن تقدير قيمة الأصل التجاري يكون مؤسسا على التصريحات الضريبية، مما لا مجال معه لاعتبارها مجرد عنصر من ضمن عناصر أخرى في تحديد ذلك التعويض. وفي الختام لا بد من التأكيد على أن الدستور المغربي قد ضمن للقضاء المغربي استقلالية كاملة، وأن تفعيل تلك الاستقلالية يقتضي تنزيل مبادئ الدستور بالإحالة عليها بشكل واضح في المقررات القضائية حتى يكون القضاء حصنا لحماية الحقوق والحريات، وتنطبق عليه مقولة القاضي والأديب السوري المرحوم علي الطنطاوي » القضاء هو مقياس الخير في الأمم وهو معيار العظمة فيها، وهو رأس مفاخر كل أمة حية وراشدة ».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.