يُظهر تقرير الدين العمومي لسنة 2026 الصادر عن وزارة الاقتصاد والمالية أن المديونية العمومية لاسيما الخارجية للمغرب واصلت منحاها التصاعدي، متأثرة بتزايد نفقات الاستثمار والدعم الاجتماعي، رغم الجهود المبذولة لضبط العجز وتقليص الكلفة. التقرير أبرز أن إجمالي دين الخزينة ارتفع خلال السنوات الأخيرة من 1016 مليار درهم في 2023 إلى 1124 مليار درهم حتى متم يونيو. أما الدين الخارجي العمومي، فقد ارتفع بشكل لافت، حيث انتقل من 439 مليار درهم في 2023 إلى 468 مليار درهم في 2024، وإلى 510 مليارات درهم حتى متم يونيو 2025. ويتوزع هذا الدين بين ديون الخزينة بإجمالي 295 مليار درهم، و204 مليارات درهم هي دين المؤسسات والمقاولات العمومية، إضافة إلى 6.7 مليارات درهم هو دين القطاع البنكي العمومي، و2.7 مليار درهم دين الجماعات الترابية. ويُعزى هذا الارتفاع إلى تنامي لجوء الدولة إلى التمويلات الخارجية لتغطية عجز الميزانية وتمويل مشاريع التحول الطاقي والحماية الاجتماعية. ورغم هذا المستوى المرتفع، أوضحت الوزارة أن المؤشرات تبقى "في حدود آمنة" مقارنة بالمعايير الدولية، مبرزة أن الحكومة تواصل اعتماد سياسة تمويل حذرة ترتكز على ترشيد الاقتراض الخارجي، وإعادة هيكلة آجال الاستحقاق لتخفيف الضغط على الخزينة. ويشكل البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية أهم الدائنين للمغرب بنسبة تفوق 48% من إجمالي الدين الخارجي، تليهما المؤسسات الأوربية مثل بنك الاستثمار الأوربي والاتحاد الأوربي. كما لجأت المملكة إلى إصدار سندات سيادية في الأسواق الدولية بقيمة تناهز 2.5 مليار أورو بشروط تمويل "أكثر ملاءمة" بفضل تحسن التصنيف الائتماني للبلاد. التقرير أشار كذلك إلى أن هيكلة الدين الخارجي شهدت تحولاً في آجال الاستحقاق، إذ تم تمديد متوسط مدة السداد إلى أكثر من 7 سنوات، مع تخفيض الكلفة المتوسطة بفضل إعادة التمويل بشروط أفضل، ما ساهم في الحد من مخاطر سعر الفائدة وسعر الصرف. ويؤكد التقرير أن الاقتراض الخارجي يظل موجهاً بالأساس للاستثمار المنتج، خصوصاً في مجالات البنية التحتية والطاقات المتجددة والماء والتعليم، وأن السياسة الجديدة لوزارة المالية تقوم على تنويع الشركاء الماليين والانفتاح على الأسواق الآسيوية والخليجية لتقليص تبعية المغرب للمصادر الأوربية التقليدية. أما على مستوى الدين الداخلي، فقد شهد نمواً طفيفاً نتيجة لجوء الخزينة إلى السوق المحلي عبر سندات الخزينة، وهو ما ساهم في الحفاظ على استقرار سعر الفائدة. وأشار التقرير إلى أن كلفة خدمة الدين بلغت نحو 97 مليار درهم، من ضمنها أزيد من 18 مليار درهم كفوائد على الدين الخارجي، ما يشكل تحدياً أمام الجهود الرامية إلى توجيه الموارد نحو الاستثمار الاجتماعي. في المقابل، سجل التقرير تحسناً في مؤشرات تصنيف المغرب الائتماني بفضل استقرار الإطار الماكرو-اقتصادي وتحسن موارد الخزينة من الجبايات، إضافة إلى نجاح الخروج الأخير إلى السوق الدولية بشروط تمويل "أكثر ملاءمة" من السنوات السابقة. ويؤكد التقرير أن السياسة الحكومية في السنوات المقبلة ستقوم على التحكم في المديونية عبر تحسين المداخيل وتوسيع الوعاء الضريبي، مع اعتماد مقاربة "الاقتراض من أجل الاستثمار المنتج لا من أجل النفقات الجارية".