مجلس النواب والجمعية الوطنية لمالاوي يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون البرلماني    استقالات جماعية تهز نقابة umt بتارودانت وتكشف عن شرخ تنظيمي.    قتيلان و8 مصابين في إطلاق نار بجامعة براون الأمريكية    أستراليا: مقتل 10 أشخاص على الأقل في إطلاق نار خلال احتفال يهودي في سيدني    قوات إسرائيلية تعتقل 25 فلسطينيا    مقتل 10 أشخاص في إطلاق نار خلال فعالية يهودية في سيدني    الجيش الموريتاني يوقف تحركات مشبوهة لعناصر من ميليشيات البوليساريو    إقبال كبير على حملة التبرع بالدم بدوار الزاوية إقليم تيزنيت.    "الفاو" ترصد إجهادا مائيا يتجاوز 50% في المغرب.. والموارد المتجددة للفرد تهبط إلى 776 مترا مكعبا    قتيلان في إطلاق نار بجامعة أميركية    مباراة المغرب-البرازيل بمونديال 2026 الثانية من حيث الإقبال على طلب التذاكر    كرة القدم.. إستوديانتس يتوج بلقب المرحلة الختامية للدوري الأرجنتيني    طلبة المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بأكادير يعلنون تصعيد الإضراب والمقاطعة احتجاجاً على اختلالات بيداغوجية وتنظيمية    ألمانيا: توقيف خمسة رجال للاشتباه بتخطيطهم لهجوم بسوق عيد الميلاد    زلزال بقوة 5,1 درجات يضرب غرب إندونيسيا    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    أخنوش من الناظور: أوفينا بالتزاماتنا التي قدمناها في 2021    جهة الشرق.. أخنوش: نعمل على جلب شركات في قطاعات مختلفة للاستثمار وخلق فرص الشغل    تعاون البرلمان يجمع العلمي وسوليمان    مسؤول ينفي "تهجير" كتب بتطوان    افتتاح وكالة اسفار ltiné Rêve إضافة نوعية لتنشيط السياحة بالجديدة        ثلوج المغرب تتفوّق على أوروبا...    إطلاق قطب الجودة الغذائية باللوكوس... لبنة جديدة لتعزيز التنمية الفلاحية والصناعية بإقليم العرائش        البنك الإفريقي للتنمية يدعم مشروع توسعة مطار طنجة    مونديال 2026 | 5 ملايين طلب تذكرة في 24 ساعة.. ومباراة المغرب-البرازيل الثانية من حيث الإقبال    إسرائيل تعلن قتل قيادي عسكري في حماس بضربة في غزة        الرجاء يعود من السعودية ويواصل تحضيراته بمعسكر مغلق بالمغرب    تدخلات تزيح الثلج عن طرقات مغلقة    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وأمطار قوية أحيانا رعدية مرتقبة اليوم السبت وغدا الأحد بعدد من مناطق المملكة    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    ميسي في الهند.. جولة تاريخية تتحول إلى كارثة وطنية    محمد رمضان يحل بمراكش لتصوير الأغنية الرسمية لكأس إفريقيا 2025    بورصة البيضاء .. ملخص الأداء الأسبوعي    تعاون غير مسبوق بين لارتيست ونج وبيني آدم وخديجة تاعيالت في "هداك الزين"            من الناظور... أخنوش: الأرقام تتكلم والتحسن الاقتصادي ينعكس مباشرة على معيشة المغاربة        نقابات الصحة تصعّد وتعلن إضرابًا وطنيًا باستثناء المستعجلات    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    كأس أمم إفريقيا 2025.. "الكاف" ولجنة التنظيم المحلية يؤكدان التزامهما بتوفير ظروف عمل عالمية المستوى للإعلاميين المعتمدين    الممثل بيتر غرين يفارق الحياة بمدينة نيويورك    تشيوانتشو: إرث ابن بطوطة في صلب التبادلات الثقافية الصينية-المغربية    بنونة يطالب ب «فتح تحقيق فوري وحازم لكشف لغز تهجير الكتب والوثائق النفيسة من المكتبة العامة لتطوان»    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    يونيسكو.. انتخاب المغرب عضوا في الهيئة التقييمية للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    تناول الأفوكادو بانتظام يخفض الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية    تيميتار 2025.. عشرون سنة من الاحتفاء بالموسيقى الأمازيغية وروح الانفتاح    منظمة الصحة العالمية .. لا أدلة علمية تربط اللقاحات باضطرابات طيف التوحد    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرهان على المستقلين الشباب: استجابة رمزية لأزمة بنيوية
نشر في اليوم 24 يوم 23 - 10 - 2025

يأتي التوجه نحو فتح الباب أمام ترشح الشباب المستقلين، وتحديداً من هم دون سن الخامسة والثلاثين، كحدث سياسي يقع في صلب لحظة تاريخية دقيقة. تتسم هذه اللحظة بمتغيرين متلازمين: أولهما، تصاعد الضغط الاجتماعي المطالب بضخ دماء جديدة وتجديد النخب السياسية، وثانيهما، تآكل مزمن للثقة في الوسائط المؤسسية التقليدية، وفي مقدمتها الأحزاب السياسية. هذه الخطوة، التي تُقدَّم في الخطاب الرسمي والشعبي كاستجابة مباشرة لمطالب التغيير وكسر الجمود، وكدليل على « الانفتاح الديمقراطي »، تستدعي تحليلاً نقدياً رصيناً يتجاوز رمزيتها الظاهرية. فعند إخضاع هذا التوجه لمعايير الديمقراطية التمثيلية الراسخة، وقياساً على التجارب المقارنة في الديمقراطيات الناشئة والمتأزمة، يبرز التساؤل الجوهري: هل يمثل هذا المسار مدخلاً حقيقياً لتجديد النخبة وتفعيل المشاركة، أم أنه يندرج، في جوهره، ضمن الاستجابات الظرفية والتسويات الرمزية التي تتجنب، بوعي أو بغير وعي، مواجهة جذور الأزمة البنيوية العميقة المتمثلة في ترهل المؤسسات الحزبية وعجزها عن أداء وظائفها الأساسية؟
إن التحليل الموضوعي، المستند إلى أدبيات علم السياسة، يضعنا أمام ثلاث إشكاليات مركبة، تحوّل هذا « الحل » الظاهري إلى جزء من المشكلة.
الإشكالية الأولى، والأكثر مباشرة، هي « وهم تكافؤ الفرص ». فالمعيار الديمقراطي الحقيقي لا يتوقف عند « الحق » القانوني في الترشح، بل يجب أن يمتد ليشمل « القدرة » الفعلية على المنافسة. في الواقع المادي للعملية الانتخابية، سيجد الشاب المستقل نفسه، مهما بلغت كفاءته الشخصية وصدق نواياه ورصيده الأخلاقي، ورغم الدعم المالي المحدود الذي سيقدم له، في مواجهة « آلات انتخابية » ضخمة. هذه الآلات تملكها الأحزاب المنظمة، أو شبكات الأعيان، أو النخب التقليدية ذات النفوذ المالي والاجتماعي. هذه الكيانات تمتلك ما يفتقر إليه الفرد المستقل: التمويل الضخم، والامتداد التنظيمي الهيكلي في الجغرافيا الانتخابية، والقدرة اللوجستية على الحشد والتعبئة، وما يسمى بشبكات « الزبائنية » الممتدة التي تحوّل الأصوات إلى سلعة تُباع وتُشترى ضمن علاقات منفعة متبادلة. كما تشير تقارير مؤسسات رائدة مثل «المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية» (IDEA)، فإن « اللامساواة التمويلية » هي إحدى أكبر العوائق البنيوية أمام المنافسة الديمقراطية الحقة. هذا « التفاوت البنيوي » (Structural Inequality) لا يمكن جسره بمجرد النوايا الحسنة أو الخطابات الحماسية. إنه يحوّل السباق الانتخابي، بالنسبة للشاب المستقل، إلى مغامرة فردية نبيلة وشجاعة، لكنها، في أغلب الأحيان، تفتقر لأدوات النجاح العملي، مما يجعل الانفتاح القانوني على ترشحهم مجرد « وهم » لمنافسة مفتوحة، أو في أحسن الأحوال، « صمام أمان » رمزي لامتصاص النقمة الشبابية دون المساس الفعلي بتوازنات القوى القائمة. إننا أمام سباق يبدأ فيه البعض من خط النهاية تقريباً، بينما يبدأ المستقل من نقطة الصفر، مثقلاً بغياب الموارد.
أما الإشكالية الثانية، فتأتي بعد افتراض نجاح هذا الشاب المستقل، بجهد استثنائي أو بدعم ظرفي، في تجاوز العقبة الأولى والوصول إلى المقعد البرلماني. هنا، يجد نفسه وجهاً لوجه أمام « فخ العزلة المؤسسية ». إن العمل السياسي، وتحديداً العمل التشريعي والرقابي داخل قبة البرلمان، ليس عملاً فردياً أو « بطولياً »، كما قد يُصوَّر في الإعلام. إنه في جوهره، وكما تؤكد نظريات علم الاجتماع السياسي عمل « مؤسسي » و »جماعي » بامتياز. صناعة السياسات العامة، وتعديل القوانين المعقدة، ومراقبة الميزانيات الحكومية الضخمة، وفرض الرقابة الفعالة، كلها عمليات تتطلب التنسيق والتفاوض وبناء التحالفات المستمرة ضمن « كتل نيابية ». النائب المستقل، بصفته فرداً معزولاً، يفتقر تماماً لهذا الغطاء المؤسسي. قد يكون صوته ناقداً ومسموعاً على المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، وقد يحقق « شعبوية » آنية، لكن قدرته على « التأثير الفعلي » في صناعة القرار وتوجيه التشريع تظل محدودة للغاية. هذه « الفردانية الانتخابية »، حتى لو تكررت وأفرزت عدة نواب مستقلين، لا تُنتج « تراكماً مؤسسياً » قادراً على فرض أجندة، بل قد تعزز من « تشتيت » المشهد. ويصبح النائب المستقل أمام خيارين أحلاهما مر: إما « الاحتواء من قبل الكتل التقليدية الكبرى، ليتحول إلى مجرد صوت إضافي في آلتها، ويفقد بذلك « استقلاليته » التي كانت سبب نجاحه؛ أو يختار « الهامشية » والعزلة، ليتحول إلى صوت احتجاجي رمزي بلا أي أثر تشريعي حقيقي. وفي كلتا الحالتين، يفشل الرهان على التغيير.
وتبقى الإشكالية الثالثة هي الأعمق والأخطر استراتيجياً، لأنها تمس جوهر العقد الديمقراطي نفسه: إنها « أزمة المساءلة وتآكل الوساطة ». إن هذا التوجه نحو « الحل الفردي » (المستقل) والمتغافل عن تقوية شروط « الحل المؤسسي » (الحزبي)، يتجاهل أو يلتف على حقيقة جوهرية: الديمقراطية التمثيلية المستدامة لا يمكن أن تقوم على أفراد معزولين ومتناثرين. إنها بحاجة ماسة إلى « مؤسسات وسيطة » حقيقية ومستقلة، وفي مقدمتها الأحزاب السياسية. فالأحزاب الراسخة هي، نظرياً على الأقل، الأوعية المؤسسية القادرة على أداء وظائف حيوية لا يمكن للأفراد القيام بها: تجميع المطالب الفئوية المتناثرة وبلورتها في « برامج » سياسية واقتصادية واجتماعية متماسكة، وتأطير المواطنين وتعبئتهم سياسياً، والأهم من ذلك، ضمان « المساءلة الجماعية ». الناخب، في النظام الحزبي، يحاسب « حزباً » كاملاً بناءً على « برنامج » جماعي واضح تعهد به، ويقيّم أداءه في الحكومة أو المعارضة. أما في حالة النائب المستقل، فالمساءلة تصبح فردية، شخصية، وضبابية للغاية. فهي لا تستند إلى برنامج تعاقدي واضح، بل إلى مواقف فردية متغيرة، وإلى شخص المرشح ذاته. هذا التحول من « سياسة البرامج » إلى « سياسة الأشخاص »، يُضعف آليات المحاسبة ويشجع على الشعبوية.
إن تشجيع المسار المستقل، والتغاضي عن توفير شروط الإصلاح الجذري للأحزاب، هو بمثابة استبدال جزء من المساءلة الجماعية المنظمة بمساءلة فردية هلامية. إنه يعمق « تفتيت » المشهد السياسي، ويجعل بناء الأغلبيات الحكومية المستقرة والقادرة على الحكم أكثر صعوبة وتعقيداً، مما يؤدي إلى « برلمانات مفككة » غير قادرة على الإنتاج التشريعي الفعال. وفي نهاية المطاف، يُضعف هذا المسار النظام الديمقراطي نفسه الذي نسعى لتقويته. إنه، كما ذكرنا، علاج للعرض (غياب الشباب) بجرعة تزيد من حدة المرض (ضعف المؤسسات). إن الأزمة الحقيقية ليست في غياب المستقلين، بل في ظاهرة بعض « الأحزاب الكبرى » التي تتموضع ككيانات شبه إدارية، منفصلة عن المجتمع، وتعتمد على تمويل الدولة وتمويلات أخرى ملتبسة أكثر من اعتمادها على قواعدها، وتتقاسم المنافع، وتغلق الباب أمام التجديد الحقيقي. الرهان على المستقلين، في هذا السياق، لا يكسر هذا « الكارتيل »، بل يمنحه مبرراً إضافياً للاستمرار عبر إظهار « مرونة » شكلية، وربما أيضا احتواء المستقلين الشباب بدعمهم، من وراء ستار، خلال الترشيح واحتضانهم لاحقا داخل البرلمان لنجد أنفسنا، ربما، كما علق بعضهم بذكاء، أمام حزب جديد قديم RNGZ.
إن هذه الظاهرة تندرج ضمن ما أسماه الفيلسوف السياسي بيار روزنفالون « ديمقراطية التشكك » أو « الديمقراطية المضادة » (La contre-démocratie)، حيث يفقد المواطنون الثقة في آليات التمثيل التقليدية (الأحزاب والبرلمانات) ويبحثون عن أشكال بديلة للرقابة والتعبير خارجها، أو عبر فاعلين « ضد-مؤسساتيين ». الرهان على « المستقل » هو تجلٍ لهذه الرغبة في تجاوز الوسائط التي فقدت مصداقيتها. لكن هذا التجاوز لا يبني بديلاً مستداماً. إن المشكلة ليست في « الشباب »، بل في « الآليات » التي من المفترض أن تستوعبهم. فعندما تُغلِق الأحزاب أبوابها أمام التجديد الداخلي، وتخضع لمنطق الولاءات الشخصية والعائلية بدلاً من الكفاءة، فإنها تدفع الشباب إما إلى العزوف التام، أو إلى المغامرة « المستقلة » المحفوفة بالمخاطر البنيوية كما أسلفنا.
إن الحل البنيوي الحقيقي لا يكمن في تشجيع « الحلول الفردية » التي تزيد المشهد تشتتاً، بل في المواجهة الشجاعة لأزمة « المؤسسة الحزبية » ذاتها. يكمن الحل في توفير شروط إصلاحات جذرية في عمل الأحزاب من خلال دمقرطة آلياتها الداخلية، وفرض الشفافية على تمويلها، وربط التمويل العام بمدى قدرتها على التجديد واستقطاب الشباب والنساء، وتفعيل آليات المحاسبة الداخلية. كما يكمن أيضا في رفع اليد عنها وتعزيز استقلاليتها وتوفير شروط نسج التحالفات الطبيعية التي تفرضها التوازنات الطبيعية للمشهد السياسي. إننا بحاجة إلى أحزاب « برامجية » تنافس على أساس رؤى واضحة، لا أحزاب تدور في فلك شبكات مصالح تعيقها عن أداء ادوارها الطبيعية.
إن الرهان الحقيقي ليس على « الشباب المستقلين » كأفراد معزولين يُلقى بهم في معركة غير متكافئة، بل على « تجديد قواعد اللعبة » السياسية برمتها، وعلى إصلاح « المؤسسات الوسيطة » التي تتيح لهؤلاء الشباب (وغيرهم) ممارسة التأثير الفعلي ضمن أطر منظمة وقادرة على إنتاج « ذاكرة مؤسسية » وتراكم سياسي. بدون ذلك، سيظل هذا الانفتاح على المستقلين مجرد استجابة رمزية ظرفية لأزمة بنيوية عميقة، استجابة تُجمّل الواجهة دون أن تمس الأساس المتهالك، وتؤجل الأزمة بدلاً من حلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.